• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

التعبئة العسكرية في الدولة الإسلامية

وبعد أن أوقف الإمام (عليه السلام) المكاتبات مع معاوية، قام بالتعبئة العسكرية العامة وتثوير الشعب، وتشجيعه وتكتيل الطاقات في الداخل للاستعداد لخوض الحرب ضد معاوية ومعسكر الشام.
وخطب الإمام الحسن (عليه السلام) في الناس بهدف اطلاع الرأي العام الإسلامي على أبعاد القضية الراهنة وطرق علاجها فاجتمع الناس حول الإمام حسن (عليه السلام) فقام الإمام (عليه السلام) خطيباً فيهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
(أما بعد: فإن الله كتب الجهاد على خلقه وسمّاه كرهاً، ثم قال لأهل الجهاد من المؤمنين: (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) فلستم نائلين ما تحبون إلا الصبر على ما تكرهون، وبلغني أن معاوية بلغه أنّا كنا أزمعنا على المسير إليه فتحرّك، لذلك اخرجوا رحمكم الله إلى معسكركم بالنخيلة حتى ننظر وتنظرون)(1). أراد الإمام (عليه السلام) في هذه الخطبة حث الناس على الجهاد وبعث فيهم الروح الثورية واستنهاض طاقات جماهير الأمة للحرب ضد معاوية.
أين الأمة من مسؤولية الجهاد؟
كانت الصدمة الأولى التي وقعت في بدء مرحلة الإعداد والتعبئة أن حصل إحجام من جماهير الأمة عن تلبية نداء قيادتها ورغبتها في الخنوع والراحة والتالي التنصل من الواجب المقدس..
وإن هذا الموقف المتخاذل الذي اتخذته جماهير الكوفة من الإمام الحسن (عليه السلام) إنما يعبر في حقيقته عن الروح الانطوائية وحب الراحة التي تعكس صورة الثقافة التخديرية الجامدة التي راجت وماجت في أوساط المجتمع الكوفي بعد أن خذل هذا المجتمع ـ من قبل ـ أمير المؤمنين (عليه السلام) وأكرهته على القبول بالمفاوضات مع معاوية.
وفي الواقع أن مثل هذه الثقافة من الممكن أن تغزو أي مجتمع خاصة وأنها تنمي عند الإنسان رغبة الراحة وحب الاستقرار وربما تجد لها مبرراً في أداء بعض المسؤوليات الدينية غير المجهدة أو المتعبة.. كما أن الناس حينما تعشق ثقافة الجمود يدفعها ذلك لأن تقف إلى جانب ذلك القائد الذي لا يطلب منها مسؤولية التحرك، ولا يكلفها مهمة البذل والعطاء، ولا يدفعها للإيثار والتضحية والذي بالتالي لا يعكر صف وضعها المعيشي...
ولذلك فإنّ مثل هذه الأمة تبحث وتتبنى الثقافة المخدرة الخاوية والخالية من المسؤوليات وتكتفي بتأدية الفرائض الاعتيادية والمسؤوليات البسيطة والتي لا تشكل خطورة عليها ولا تهدد مصالحها ورغباتها..
وفي مثل هذه الحالة، فإن البعض من الناس ترفض تبني الثقافة الثورية الداعية إلى الجهاد والتحرك والثورة ضد الواقع الفاسد، فتضع لنفسها التبريرات الواهية المستقاة من ثقافتها الجامدة فتعتبر التحرك الثوري تطرفاً، وأن الجهاد تهوراً وهكذا.
وهذا النمط من الثقافة ظهر وبوضوح في موقف الناس في الكوفة حينما دعا الإمام (عليه السلام) للتحرك والجهاد ضد معسكر الشام، حيث قابلت دعوة الإمام (عليه السلام) بالرفض ونكصت على عقبها وكأنما ألجمت أفواهها بالصمت معلنة عن تراجعها أمام قرار الحرب الذي اتخذه الإمام الحسن (عليه السلام).
وأمام هذا الموقف المتخاذل قام عدي بن حاتم من طليعة الإمام الحسن (عليه السلام) ليمزق طوق الصمت، مستنكراً من جواب الجماهير الانهزامي، ومعرباً عن سخطه وقال: (أنا ابن حاتم، سبحان الله ما أقبح هذا المقام ألا تجيبون إمامكم وابن بنت نبيكم، أين خطباء المصر الذين ألسنتهم كالمخاريق في الدعة، فإذا جد الجد فرّوا مراوغين كالثعالب أما تخافون مقت الله ولا عيبها وعارها...).
نستوحي من كلمة عدي بن حاتم هذه أنه كان يوجه انتقاداً لاذعاً لتلك الفئة المتبنية للثقافة الاستهلاكية والترف الفكري، والتي تتغذى على ثقافتها في زمن الهدوء والاستقرار، وتتخلى عن ثقافتها ـ كما يشير عدي في خطبته ـ في وقت الصراع والمواجهة... ثم اقترب عدي من الإمام الحسن (عليه السلام) وقال كلمات أعرب فيها عن استعداده للجهاد معه قائلاً: (أصاب الله بك المراشد، وجنّبك المكاره، ووفقك لما تحمد ورده وصدره، قد سمعنا مقالتك، وانتهينا إلى أمرك وسمعنا لك وأطعناك فيما قلت وما رأيت وهذا وجهي إلى معسكري فمن أحب أن يوافيني فليواف..).
قال بعده قيس بن سعد، وقيس بن عبادة الأنصاري، ومعقل بن قيس الرياحي، وزياد بن صعصعة التميمي، وقالوا بمثل ما قال عدي فأنّبوا الناس ولا موهم على الموقف المتخاذل الذي اتخذوه من الإمام (عليه السلام)، ثم استحثوا الناس للحرب ومقاومة المد الأموي ثم جاءوا للإمام (عليه السلام) وأعلنوا له عن استعدادهم لخوض الحرب معه، والإمام (عليه السلام) بدوره أعرب لهم عن ارتياحه من الموقف البطولي لصحابته فقال لهم: (صدقتم رحمكم الله ما زلت أعرفكم بصدق النية والوفاء والقبول والمودة الصحيحة فجزاكم الله خيراً)..
ولكن الحال أن خوض الحرب بحاجة إلى جيش، وهذا لا يكون إلا بتجنيد أعداد كبيرة من الناس محاولاً استنهاضهم وتشجيعهم ثانية للالتحاق بجبهات الحرب فقام الإمام (عليه السلام) خطيباً وقال: (معشر الناس: عفت الديار، ومحيت الآثار، وقلّ الاصطبار فلا قرار على همزات الشياطين وحكم الخائنين، الساعة والله صحّت البراهين وفصّلت الآيات، وبانت المشكلات، ولقد كنا نتوقع تمام هذه الآية تأويلها، قال الله عز وجلّ: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)(2).
فلقد مات والله جدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وقتل أبي (عليه السلام)، وصاح الوسواس الخنّاس في قلوب الناس، ونعق ناعق الفتنة، وخالفتم السنّة، فيا لها من فتنة صمّاء عمياء لا يسمع لداعيها، ولا يجاب مناديها، ولا يخالف واليها، أظهرت كلمة النفاق، وسيّرت رايات أهل الشقاق، وتكالبت جيوش أهل العراق، من الشام والعراق، هلّموا رحمكم الله إلى الافتتاح، والنور الوضّاح، والعلم الجحجاح، والنور الذي لا يطفئ، والحق الذي لا يخفى.
أيها الناس: تيقظوا من رقدة الغفلة ومن تكاشف الظلمة، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة، وتردى بالعظمة، لئن قام إليّ منكم عصبة بقلوب صافية وبنيّات مخلصة لا يكون فيها شوب نفاق ولا نية افتراق، لأجاهدن بالسيف قدماً ولأضيقنّ من السيوف جوانبها ومن الرماح أطرافها، ومن الخيل سنابكها فتكلموا رحمكم الله).
بهذا الخطاب البليغ الذي تقشعر له الأبدان وتصدع له العقول والأذهان، شرح الإمام الحسن (عليه السلام) خطورة الموقف، فدعا الناس إلى تحمل المسؤوليات الملقاة على عواتقهم. إلا أنه عميت أبصار قلوبهم عن مناصرة الحق ومقارعة الباطل، فاختارت لنفسها حياة الذل وسنرى ـ فيما بعد ـ كيف أن هذا الموقف الجبان كلف جماهير الكوفة وقطاع كبير من الأمة ثمناً باهظاً ومأساة رهيبة ونتائج سلبية في غاية الخطورة بسبب ذلك الموقف.
ومع ذلك لم يستسلم الإمام (عليه السلام) بالرغم من موقف الأمة السلبي هذا من أن يبادر في الاستعداد والتجهيز لحربه ضد معاوية، مع المجموعة تلك التي خرجت للقتال معه، هذه المجموعة التي سنأتي على شرح تركيبتها وقوامها، والدوافع الأساسية التي اعتمد عليها الإمام الحسن (عليه السلام) في إدخال هذه المجموعة ساحة الصراع المصيري ضد معاوية.
______________________________
1 - أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين، المجلد الأول.
2 - سورة آل عمران: 44.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page