أدلة سلامة القرآن من التّحريف عند الإمامية
ضرورة الدراسة وتحرير محلّ النزاع
إنّ موضوع نفي التّحريف عن القرآن الكريم يعتبر من القضايا التي تحظى بأهمية فائقة، لأنّنا إذا لم نستطع اثبات صيانة القرآن من التّحريف والذي يشمل (النقص، الزيادة، التغيير والتبديل في الآيات والكلمات والسور) عندها سيكون أي استدلال أو استنباط مشوباً بالشكّ والتردّد، لأنّه ـ ومع احتمال كون الآيات التي استفيد منها في الاستدلال آيات محرفة ـ سيكون الاستنباط مغايراً للإرادة الإلهية، ومع هذا الاحتمال يكون الاستدلال ذا نتيجة غير مطلوبة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ هناك علاقة وثيقة بين "إعجاز القرآن" و"عدم التّحريف"; ذلك لأنّ القرآن الكريم يشتمل على نظم ومضمون يفوقان قابلية الإنسان وأىّ عمل من شأنه الاخلال بهذا النظم والمضمون، سيمكّن من الاتيان بمثل القرآن، وسيكون هذا العمل دون الإعجاز، ومن هنا فإن الإذعان لمسألة تحريف القرآن يتطلب اِنكار الإعجاز القرآني، ويترتب على هذا نفي نبوّة الرّسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم; لأنّ نبوّته صلّى الله عليه وآله وسلّم منوطة بالاعجاز القرآني.
وبغضّ النظر عما تقدم، فإن اعتبار الرّوايات الواردة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم والأئمة الاطهار عليهم السلام ناشئ من موافقتها للقرآن، وبالأخصّ في حال تعارض هذه الرّوايات مع غيرها فاننا نعتمد على القرآن، فإذا كان هناك تحريف في القرآن فإن اعتبار الرّوايات سيكون مخدوشاً تبعاً لذلك، باعتبار أنّ القرآن ألقى تفسير وبيان الوحي على عاتق السنة الشريفة حيث ورد: (وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نزل إليهم...)(1)(... ويعلّمهم الكتاب والحكمة...)(2)، وعلى هذا الأساس تكون حجية الرّوايات حدوثاً وبقاءً معتمدة على القرآن(3).
التّحريف وتحرير محل النزاع
تحريف الشيء لغةً: إمالته والعدول به عن موضعه إلى جانب، وهذا مأخوذ من حرف الشيء بمعنى طرفه وجانبه. يقال حَرَفتُ الشيء وحرّفته أي أخرجته عن مواضعه واعتداله ونحّيته عنه إلى جهة الحرف وهو الطرف للشيء(4). وتحريف الكلام أن تجعله على حرف من الاحتمال يمكن حمله على الوجهين(5).
وإذا أردنا تقسيم التّحريف تقسيماً اجمالياً، فإنّ تحريف الكلام ومن ضمنه تحريف القرآن ينقسم إلى قسمين:
1 ـ التّحريف المعنوي
2 ـ التّحريف اللفظي
والمراد من التّحريف المعنوي هو، التحليل والاستنتاج الخاطئ والتفسير والتبرير لكلام معين بما يخالف المقصود الحقيقي للمتكلم، وبالتأكيد فإن القرآن الكريم قد تعرض لمثل هذا النوع من التّحريف، إذ نرى الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في نهج البلاغة يشكو إلى الله سبحانه وتعالى من حدوث مثل هذا التّحريف فيقول عليه السلام:
"إلى الله اشكو من معشر يعيشون جُهّالاً ويموتون ضُلاّلاً ليس فيهم سلعة أبورُ من الكتاب إذا تُلي حقَّ تلاوته، ولا سلعة أنفق بيعاً ولا أغلى ثمناً من الكتاب إذا حُرّف عن مواضعه"(6).
وقد أخبر عليه السلام عن وقوع مثل هذا التّحريف في المستقبل فقال:
"وإنّه سيأتي عليكم من بعدي زمان... وليس عند أهل ذلك الزمان سلعة أبور من الكتاب اِذا تلي حق تلاوته ولا أنفق منه اِذا حُرّف عن مواضعه"(7).
و31القرآن الكريم كذلك يذكر بأنّ هناك نوعاً من هذا التّحريف تعرضت له الكُتب السماوية السابقة، فيقول: (يُحرفون الكلم عن مواضعه)(8).
و(يحرفونه من بعد ما عقلوه)(9). وآيات اُخرى نظير الآية الحادية والأربعين من سورة المائدة.
اما التّحريف اللفظي وموضع الخلاف ليس في ترتيب الآيات والسور حسب نزولهما أو بإشارة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في المصحف الموجود فإنّ تأليف الآيات والسور في القرآن لا مساس له بالتحريف وموضع النزاع.
كما إنّ القرآن الذي نزل على الرسول الأكرم محمّد صلى الله عليه وآله وسلّم من زمان النزول وإلى وقتنا الحاضر لم يضف إليه أي شيء ولم يفقد بالمرة، بل ان المسلمين قاموا بحفظه وكتابته وقد قُرئ بشكل لا مثيل له من التواتر من جيل إلى جيل حتى وصل إلى أيدينا بهذه الصورة، وهذا الموضوع من مُسلمات التاريخ أيضاً، ومن الموضوعات التي تحظى باجماع واتفاق كلّ المسلمين وحتى غير المسلمين من المفكرين والعلماء.
فموضع الخلاف في التّحريف اللفظي، هو التغيير في إعراب الكلمات، أو تغيير الآيات والكلمات، أو حذف بعض الآيات أو الكلمات والحروف من القرآن الكريم.
ولأجل اثبات نفي التّحريف بهذا المعنى عن القرآن الكريم استُدل بالآيات والرّوايات والشواهد التاريخية والأدلة العقلية... وغيرها.
____________
1 ـ سورة النحل (16): الآية 44.
2 ـ سورة الجمعة (62): الآية 22.
3 ـ سوف يأتي لاحقاً توضيح أكثر لهذه النقطة.
4 ـ التحقيق في كلمات القرآن الكريم: ج 2، ص 197 مادة "حرف".
5 ـ مفردات الفاظ القرآن: ص 228.
6 ـ نهج البلاغة، الخطبة 17 والكافي: ج 1، ص 151.
7 ـ نهج البلاغة: الخطبة 147.
8 ـ سورة النساء (4): الآية 46.
9 ـ سورة البقرة (2): الآية 75.
الفصل الأوّل
- الزيارات: 3223