• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

روايات العرض وميزانية تعاليم الوحي

الرّوايات التي تسمى بروايات العرض وردت في أزمان مختلفة وبشكل متواتر، وصارت تعتبر كقاعدة قطعية من المعصومين عليهم السلام، كرواية "الميثمي"(1)و"عبد الرحمن بن أبي عبد الله"(2) و"الحسن بن الجهم"(3) و"عمر بن حنظلة"(4)وغيرها على ما هو الظاهر من مفادها.
وأيضاً الرّوايات الواردة في عرض الأخبار على الكتاب مطلقاً وترك العمل بما لا يوافقه أو لم يشبهه وما يقرب من ذلك، كرواية "السكوني" عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:
"قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: إن على كلّ حقّ حقيقة وعلى كل صواب نوراً فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه"(5).
والمراد بالموصول مطلق الكلام والرأي وغيرهما، وعلى هذا يعدّ الكتاب ميزاناً للمخاطبين مشخصّاً لهم الحقّ والباطل والصواب والخطأ.
ومثلها رواية "عبد الله بن أبي يعفور"(6) ورواية "أيّوب بن راشد"(7) ورواية "أيّوب بن الحرّ".

قال أيّوب بن الحرّ:
"سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كلّ شيء مردود إلى الكتاب والسنّة، وكلّ حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف"(8).
وأيضاً رواية "هشام بن الحكم وغيره" عن أبي عبد الله عليه السلام عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم(9). و"جميل بن درّاج" عن أبي عبد الله عليه السلام(10)و"جابر بن يزيد الجعفي" عن أبي جعفر عليه السلام(11) و"سدير الصيرفي" عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام(12) ورواية جعفر بن محمّد بن مسعود عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عن آبائه الكرام عليهم السلام قال:
"قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم:... فاذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم، فعليكم بالقرآن فإنّه شافع مشفّع وماحل مصدَّق من جعله أمامه قاده إلى الجنّة"(13).
نستفيد من هذه الأخبار أن القاعدة هى إرجاع الأخبار والآراء الى الكتاب وجعل الميزان فيها هو الكتاب مطلقاً(14)، وطرح ما خالفه أو لا يشبهه حتّى ما لم يكن يوافقه ولا يخالفه إذا لم تكن مستجمعة لشرائط الحجّية، والعجب ممّن عكسوا الأمر، فلم يأخذوا بالكتاب نفسه أصلاً بل جعلوا الحديث ميزاناً للكتاب.
نعم إذا كان القرآن ميزاناً فيجب أن يكون متواتراً مقطوعاً به لا يدنّسه التّحريف، لأنه المقياس الفارق بين الحقّ والباطل ولا موضع للشكّ في المقياس نفسه وإلاّ سقطت فائدة عرض الرّوايات وغيرها عليه.
وهذا الميزان قد حاز الاهمية العظمى لدى علماء الإمامية في تمييز صحيح الأخبار من سقيمها وفي مقام الإفتاء وغير ذلك.

قال ثقة الإسلام أبو جعفر الكليني (ت 329) في حلّ تعارض الرّوايات:
"فاعلم يا أخي ـ أرشدك الله ـ أنـّه لا يسع أحداً تمييز شيء مما اختلف الرواية فيه عن العلماء عليهم السلام برأيه إلاّ على ما أطلقه العالم(15) بقوله عليه السلام: "اعرضوها على كتاب الله فما وافق كتاب الله عزّ وجلّ فخذوه وما خالف كتاب الله فردّوه"(16).
وأسقط شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي (ت 460 هـ.) في مقام الإفتاء روايتين صحيحتي الاسناد لتعارضهما مع كتاب الله، ففي كتاب الديات، روايتان صحيحتا السند عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام:
"...إنّ خطأ المرأة والعبد مثل العمد..."(17).
"...إنّ خطأ المرأة والغلام عمد..."(18).

قال الشيخ رحمة الله عليه:
"... إن خطأ المرأة والعبد عمد وفي الرواية الاخرى: إنّ خطأ المرأة والغلام عمد فهو مخالف لقول الله تعالى; لأنّ الله عز وجل حكم في القتل الخطأ بالدية دون القود ولا يجوز أن يكون الخطأ عمداً..."(19).
وعلماء الإمامية "رضوان الله عليهم" لم يألوا جهداً لمعرفة هذا المقياس الوحيد فلذا دوّنوا كتب أحكام القرآن ليمهّدوا إلى معرفة حكم الله من كتابه وعرض الرّوايات عليه، فمن كتب القدماء "فقه القرآن" لقطب الدين هبة الله الراوندي (573 هـ.) و"كنز العرفان في فقه القرآن" لمقداد بن عبد الله السيوري (836 هـ.) و... وكتب المتأخرين في هذا المجال كثيرة جداً.
فالمستفاد على كل حال من هذه الأحاديث هو أنّ القرآن ميزان ومقياس مطلقاً، وحينئذ فروايات التّحريف عند العرض على كتاب الله ساقطة لا محالة، كما قال المحقق قاضي القضاة علي بن عبد العالي الكركي (ت 940 هـ.) في رسالة نفي النقيصة:
"... فقد وجب عرض الأخبار على هذا الكتاب وأخبار النقيصة إذا عرضت عليه كانت مخالفة له، لدلالتها على أنه ليس هو، وأيّ تكذيب يكون أشدّ من هذا"(20).
أمّا المبنى الشائع عند بعض أهل السنّة في العقائد والفقه فقد كان وما يزال على خلاف ذلك، فقد عقد الدارمي في سننه باباً بعنوان: السنة قاضية على كتاب الله(21)بل لقد قال عبد الرحمان بن مهدي:
"الزنادقة والخوارج وضعوا ذلك الحديث، يعنى ماروي عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم أنه قال: ما أتاكم عنّي فاعرضوه على كتاب الله فان وافق كتاب الله فأنا قلته وان خالف كتاب الله فلم أقله وإنما أنا موافق كتاب الله وبه هداني الله"(22).
وقد حكى زكريا الساجي، عن يحيى بن معين أنه قال:
"هذا حديث وضعته الزنادقة"(23).

وقال أبو بكر البيهقي:
"الحديث الّذي روي في عرض الحديث على القرآن باطل لا يصح،
وهو ينعكس على نفسه بالبطلان فليس في القرآن دلالة على عرض الحديث على القرآن..."(24).
وكيف يقول البيهقي لا يوجد في القرآن دلالة على ذلك؟! ألم يمرّ على سمعه قوله تعالى: (... فإن تنازعتم في شيء فَردّوه إلى الله والرسول...)(25) فالراد إلى الله الأخذ بمحكم كتابه(26) وأيضاً قوله تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم)(27). فالقرآن هو الذي اوكل تبيينه إلى الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، والرّوايات حاكية عن سنّته الشريفة، فالسنة تكتسب من القرآن حجيتها والصحيحة المرتبطة بالقرآن والتي تدور مداره وترتبط به وما سواها لا عبرة به.
نعم في كنز العمال عن الطبراني في الكبير عن النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: "اعرضوا حديثي على كتاب الله فإن وافقه فهو مني وأنا قُلته"(28).
وفي سنن الدارمي بسنده عن أبي هريرة قال: "... فكان ابن عباس إذا حدّث قال إذا سمعتموني أحدث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم تجدوه في كتاب الله وحسناً عند الناس فاعلموا أنـّي قد كذبت عليه"(29).

ونسب إلى عائشة أمّ المؤمنين:
"انها ترد كل ما روي مخالفاً للقرآن وتحمل رواية الصادق من الصحابة على خطأ السمع أو سوء الفهم."(30)
بل ظاهر كلام بعض أهل السنة انهم اعتنوا بميزانيّة القرآن كمحمد عبده حيث قال:
"فن الحديث على شرط ان يؤخذ مفسِّراً للقرآن مبيّناً له مع اطراح ما يخالف نصّه من الأحاديث الضعيفة، والاجتهاد لإرجاع الأحاديث الصحيحة إليه ان كان ظاهرها يوهم المخالفة."(31)
وعلى كل حال فلعلّ قلّة اهتمام بعض أهل السنة بجعل القرآن مقياساً في علاج الرّوايات التي تدلّ بظاهرها على التّحريف الّتي وردت في كتبهم، لزعمهم بطلان روايات عرض الأخبار على القرآن وهو كما ترى!
___________
1 ـ راجع وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة: ج 27، باب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 21.
2 - نفس المصدر: الحديث 29.
3 ـ نفس المصدر: الحديث 40.
4 ـ نفس المصدر: الحديث 40.
5 ـ الكافي: ج 1، ص 69، الرقم 1 وتفسير العياشي: ج 1، ص 8، الرقم 2 والأمالي (للطوسي): ج 2، ص 227، الرقم 4.
6 ـ الكافي: ج 1، ص 69، الرقم 2.
7 ـ نفس المصدر: ج 1، ص 69، الرقم 4.
8 ـ نفس المصدر: ج 1، ص 69، الرقم 3 وتفسير العياشي: ج 1، ص 8، الرقم 4.
9 ـ الكافي: ج 1، ص 69، الرقم 5 وتفسير العياشي: ج 1، ص 9 الرقم، 1.
10 ـ وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة: ج 27، باب 9 من أبواب صفات القاضي، ص 86، الرقم 35.
11 ـ الامالي (للطوسي): ج 1، ص 236.
12 ـ تفسير العياشي: ج 1، ص 9، الرقم 6.
13 ـ نفس المصدر: ج 1، ص 2، الرقم 2 وص 6، الرقم 11 وبحار الأنوار: ج 19، ص 17.
14 ـ يوجد مضمون هذه الرّوايات في الكتب المعتبرة للامامية عن النبىّ الاعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم والإمام علي عليه السلام والصادقين وأبي الحسن الأوّل والثاني والثالث عليهم السلام. وهذا يدل على اهتمام ائمة الهدى عليهم السلام بهذا المقياس في جميع الاعصار والظروف، فمن الكتب غير ما ذكر، الأمالي (للصدوق): ص 300، الرقم 16 وعيون أخبار الرضا عليه السلام: ج 2، ص 20، الرقم 45 والتوحيد (للصدوق رحمه الله): ص 110، الرقم 9، نهج البلاغة: ص 436، باب الحكم، الرقم 52 و...
15 ـ أي: الإمام الكاظم عليه السلام.
16 ـ الكافي; خطبة الكتاب: ج 1، ص 8.
17 ـ التهذيب: ج 2، ص 513، الكافي: ج 2، ص 324، الفقيه: ص 386.
18 ـ نفس المصدر السابق.
19 ـ الاستبصار فيما اختلف فيه من الأخبار: ج 4، ص 287
20 ـ نقلاً عن شرح الوافية للسيد الاعرجي: باب حجية الكتاب من أبواب الحجج في الاصول، ص 90، ومثل المحقق الكركي رحمه الله صدر المتألهين (ت 1050) في شرح الكافي: ص 202 ـ 205 والسيد محمّد مهدي الطباطبائي الملقب ببحر العلوم (ت 1155) في كتابه فوائد الاصول، بنقل البروجردي في البرهان: ص 118 ـ 120.
21 ـ سنن الدارمي: ج 1، ص 145 وتأويل مختلف الحديث: ص 199.
22 ـ جامع بيان العلم: ج 2، ص 233.
23 ـ عون المعبود فى شرح سنن أبي داود: ج 4، ص 429.
24 ـ دلائل النبوة: ج 1، ص 26.
25 ـ سورة النساء (4): الآية 59.
26 ـ انظر نهج البلاغة، الخطبة 53.
27 ـ سورة النحل (16): الآية 44.
28 ـ كنز العمال: ج 1، ص 179، ح 907.
29 ـ سنن الدارمي: ج 1، ص 146، باب تأويل حديث رسول الله.
30 ـ اضواء على السنة المحمدية: ص 430.
31 ـ تاريخ الاسناد: ج 2، ص 516 نقلاً عن اضواء على السنة المحمدية: ص 411، ومثله عن "رشيد رضا" في "المنار": ج 2، ص 288 وهو ظاهر قول من صرّح بان ما يخالف النص القاطع من الكتاب يعلم كذبه كالشيرازي في "اللمع" والغزّالي في "المستصفى" نقلاً عن "توجيه النظر" للجزائري: ص 81 ـ 82.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

اللطميات

مشاهدة الكل

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page