• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

دراسة عن مفهوم الإقراء

ففي اللّغة حيث يقال: "أقرأه الرجل" بمعنى جعله يَقْرأ فهو مُقرِىٌ ويقال: أقْرأَه القرآن. وللسيد مرتضى العسكري "مدّ ظلّه" في مورد اصطلاح "اقراء" والتطور التأريخي لهذه اللفظة بحث قيّم إليك خلاصته:
"كان معنى الاقراء على عهد الرسول إلى سنوات قليلة من بعده تعليم تلاوة اللفظ مع تعليم معناه (اصطلاحاً)، والمقرئ من يعلّم تلاوة لفظ القرآن مع تعليم معنى اللفظ... وأصبح بعد انتشار تعلم القرآن يستعمل الإقراء في أحد المعنيين وهو تعليم معنى الآيات التي تحتاج إلى تفسير ومن تلك الموارد ما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عباس انه قال: "كنت أُقرىء رجالاً من المهاجرين منهم عبد الرحمن بن عوف فبينما أنا في منزله بمنى وهو عند عمر بن الخطاب في آخر حجة حجّها... الحديث"(1).
وإذا علمنا أنّ إسلام عبد الرحمن بن عوف كان في السنة الثالثة من البعثة حسب ما يذكر ابن هشام من أخبار السابقين إلى الإسلام من المهاجرين(2) وأن آخر حجة حجَّها عمر كانت سنة 23 وقتل في الشهر نفسه في المدينة، عرفنا أنّ المدة بين الزمانين أكثر من اثنتين وثلاثين سنة ولم يكن كبراء المهاجرين أمثال عبد الرحمن بن عوف أطفال كتاتيب ليقرئهم ابن عباس تلاوة ألفاظ القرآن، وإنما كان يعلمهم تفسير القرآن"(3).
وقال الشيخ المفيد من أعلام الإمامية (ت / 413 هـ.) وهو في مقام دفع الإشكال فيما حذف من القرآن الموجود وهو ثابت في مصحف الإمام علىّ من تأويل القرآن وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله، قال:
"وقد يسمّى تأويل القرآن قرآناً، قال الله تعالى (ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل ربّ زدني علماً) فسمّى تأويل القرآن قرآناً وهذا ما ليس فيه بين أهل التفسير اختلاف"(4).
وقال أبو جعفر النحاس من أعلام أهل السنّة (ت / 338 هـ.) وهو في مقام دفع الإشكال عن حديث ابن عباس حيث قال: "خطبنا عمر بن الخطاب قال: كنّا نقرأ الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة بما قضيا من الشهوة" قال النحاس:
"واسناد الحديث صحيح إلاّ أنـّه ليس حكمه حكم القرآن الذي نقله الجماعة عن الجماعة ولكنه سنة ثابتة.. وقد يقول الإنسان كنت أقرأ كذا لغير القرآن..."(5).
وعلى هذا فينبغي التوجه إلى انّه حينما تذكر الرّوايات أنّ النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يقرأ الآية كذا، فالمراد قراءة ألفاظها مع تفسير معانيها التي كان النبىّ يتلقّاه من الوحي. فعلى سبيل المثال كان عبد الله ابن مسعود يقول:
"(يا أيّها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربّك ـ إن عليّاً مولى المؤمنين ـ وإن لم تفعل فما بلغت رسالته)هكذا كنا نقرأُ الآية على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم."(6)
فليس مراده من لفظ "إن علياً مولى المؤمنين" انه جزء من الآية القرآنية، بل مراده هو اننا فى مقام تعليم الآية الشريفة: كنا نقرأها هكذا لأنّ التعليم والتفسير لهما دور مباشر في فهم الآية، وهما مما يحتاجه قارىء القرآن(7).
فعلى هذا يكون معنى الرواية التي تقول: "أُبي أقرأنا"(8) فيما لو أغمضنا النظر عن سندها صحةً وسقماً: أن أُبي بن كعب كان يعرف قراءة القرآن ويدرك معاني ألفاظه، وكذلك يعرف "بيان وتفسير" النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم للآيات الشريفة، وتمييزه صلّى الله عليه وآله وسلّم للوحي القرآني النازل للاعجاز، عن الوحي غير القرآني النازل بعنوان البيان والتفسير، ويعرف أيضاً الناسخ من المنسوخ اكثر من غيره(9).
وعلى أي حال فهذه كانت هي السنة الشائعة في زمان النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في تفسير وتبيين آيات الوحي، ولكنّ بعض الخلفاء جرّدت القرآن من التفسير والتبيين مما كان منشأً لحصول الاختلاف في فهم الآيات القرآنية لأنّ النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يبيّن الآيات النازلة عليه تدريجاً ويفسرها(10) ولكن لم يوفق كل الناس لسماعها منه صلّى الله عليه وآله وسلّم، وكذلك غاب عن الكثير أسباب النزول ممّا ادى الى حصول الاختلاف في تنزيل الآيات القرآنية الشريفة وتفسيرها وتأويلها.
ذكر أبو عبيد القاسم بن سلاّم (ت 224) بإسناده عن إبراهيم التيمي:
"خلا عمر ذات يوم فجعل يحدث نفسه: كيف تختلف هذه الأمّة ونبيّها واحد؟
فأرسل إلى ابن عباس، فقال: كيف تختلف هذه الأمّة ونبيّها واحد وقِبلتها واحدة؟! فقال ابن عباس: يا أمير المؤمنين! إنّا اُنزل علينا القرآن فقرأناه وعلمنا فيما نزل، وانّه سيكون بعدنا أقوام يقرأون القرآن ولا يدرون فيما نزل فيكون لهم فيه رأي فاذا كان لهم فيه رأي اختلفوا فاذا اختلفوا اقتتلوا. قال: فزبره عمر وانتهره. فانصرف ابن عباس ونظر عمر فيما قال فعرفه فأرسل إليه، فقال: أعد عليّ ما قلت، فأعاده عليه فعرف عمر قوله وأعجبه"(11).
فابن عباس حسب هذه الرواية لا يرى اختلافاً في نصّ القرآن الكريم، ولكنه يرى الاختلاف في عدم معرفة سبب نزول الآيات وشرائط وظروف نزولها وهذا ما أدى الى ان تثور ثائرة عمر، ولكن هذا من الواقع الذي لا يمكن إخفاؤه، والسبب يعود الى تجريد بعض الخلفاء للقرآن الكريم من التبيين والتفسير والظروف التي نزلت فيها الآيات الكريمة(12).
وهناك عبارات اُخرى في هذا المجال كعبارة: "هكذا تأويله"، "هكذا تنزيله"، "هكذا نزلت".
ولابد من توضيح المقصود من هذه الألفاظ، التي وردت في القرآن الكريم ولسان الرّوايات وتحديد دلالتها:
_____________________
1 ـ صحيح البخاري: من الزنا إذا أحصنت من كتاب الحدود: ج 8، ص 208.
2 ـ ذكر ابن هشام إسلام عبد الرحمن بن عوف وآخرين من المهاجرين قبل مباداة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في السنة الثالثة من البعثة، راجع سيرة ابن هشام: ط. الحلبي بمصر سنة 1355 هـ: ج 1، ص 268.
3 ـ القرآن الكريم وروايات المدرستين: ج 1، ص 291.
4 ـ أوائل المقالات والمذاهب المختارات: ص 81.
5 ـ كتاب الناسخ والمنسوخ: ص 11.
6 ـ الدرّ المنثور: ج 3، ص 117 وكشف الغمة ـ لعلي بن عيسى الإربلي من أعلام الإمامية (ت / 693 هـ.): ج 1، ص 219.
7 ـ ولمزيد التوضيح لاحظ: آلاء الرحمن: ج 2، ص 77.
8 ـ الاستيعاب بهامش الإصابة: ج 1، ص 131 والجامع الصحيح للترمذي: ج 5، ص 666 ومجمع الزوائد: ج 9، ص 312.
9 ـ الشاهد على هذا الأمر أيضاً كلام عمر بن الخطاب حيث يقول: "أُبي اقرؤنا وأقضانا علي [عليه السلام ]وانّا لندع من لحن اُبي وذلك ان اُبيّاً يقول: لا ادع شيئاً سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وقد قال الله تعالى: (ما ننسخ من آية أو ننسها...). نفس المصادر التي سبقت بالرقم 3.
10 ـ قال ابن الجزري:
"كانوا [أي الصحابة] ربما يدخلون التفسير في القراءة أيضاً وبياناً لأنّهم محققون لما تلقوه عن النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قرآناً فهم آمنون من الإلتباس وربما كان بعضهم يكتبه معه". (النشر: ج 1، ص 32)
11 ـ فضائل القرآن: ص 45، ورواه البيهقي والخطيب، انظر الجامع الكبير للسيوطي نقلاً عن هامش فضائل القرآن.
12 ـ مسألة تجريد القرآن، اصبحت كالشعار عند الخلفاء لا سيما في عصر الخليفة الثاني حيث قال: "... جرّدوا القرآن واقلوا الرواية عن محمّد صلّى الله عليه وأنا شريككم".


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

اللطميات

مشاهدة الكل

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page