• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الطائفة السادسة: التّحريف بالنقيصة:

توجد في كتب الشيعة روايات دلّت على تحريف القرآن بالنقيصة، وهي أقسام:
فقسم منها يدلّ بصراحة على أنـّه شرح وتفسير للآية كما روى الكليني باسناد رفعه إلى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قرأ: (وإذا تولّى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل)(1) وعقبّها بقوله: "بظلمه وسوء سريرته"(2).
فانه عليه السلام يفسّر كيفية الاهلاك بأنه بسوء سريرته وظلمه لا بعامل آخر. ومثله ما رواه أيضاً بسنده عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام في قوله تعالى:
(وإن تَلووا أو تُعرِضوا)قال: وإن تلووا الأمر وتُعرِضوا عمّا اُمرتم به (فإنّ الله كان بما تعملون خبيراً)(3). وقسم منها قد ورد فيها ألفاظ "التنزيل" و"التأويل" وغيرهما.
كما روى الكليني باسناده إلى محمّد بن خالد عن الإمام الصادق عليه السلام أنـّه قرأ: (وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ـ بمحمد)قال: هكذا والله نزل بها جبرائيل على محمّد عليهما السلام(4). وأيضاً ما رواه عن الثمالي عن الإمام الباقر عليه السلام في قوله تعالى: (فأبى أكثرُ الناسِ)(5) قال: بولاية علي ثم تلا (إلاّ كُفوراً) ثم قال عليه السلام: هكذا نزل جبرائيل بهذه الآية(6). وما رواه بسنده عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال تعالى بشأن علي عليه السلام: (أم من هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربّه قل هل يستوي الذين يعلمون ـ ان محمّداً رسول الله ـ والذين لايعلمون ـ ان محمّداً رسول الله وانه ساحر كذّاب ـ انما يتذكر اولوا الالباب)ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: هذا تأويل يا عمّار(7)".
فهذه الأحاديث وامثالها لا دلالة فيها على ان هذه الزيادات كانت من القرآن وقد اسقطت بالتحريف بل الصحيح ان تلك الزيادات جاءت بعنوان التأويل وما يؤول إليه الكلام أو بعنوان التنزيل من الله شرحاً للمراد ولا يلزم كلّ ما نزل من الله ان يكون من الوحي القرآني وقد مضى تحقيقه فراجع.
وقد حملها السيّد علي بن طاووس (ت 664 هـ.) على التأويل أيضاً قال:
روى الفقيه الشافعي ابن المغازلي في كتاب المناقب باسناده إلى جابر بن عبد الله الانصاري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله بمنى ـ وقد ذكر حديثاً طويلاً ـ إلى ان قال: ثم نزل: "فاستمسك بالذي اوحي إليك في امر علي انك على صراط مستقيم وان عليّاً لعلم الساعة وذكر لك ولقومك وسوف تسألون عن علي بن أبي طالب".
ثم قال ابن طاووس:
"كان اللفظ المذكور المنزل في ذلك على النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بعضه قرآن وبعضه تأويل"(8).


وقسم منها لبيان أبرز المصاديق وأكملها:
كالرواية التي رواها الكليني باسناد مقطوع، قرأ رجل عند أبي عبد الله عليه السلام: (وقل اعملوا فسيرى اللّهُ عملكم ورسوله والمؤمنون)(9) فقال: "ليس هكذا هي، إنّما هي: والمأمونون، فنحن المأمونون"(10). فقوله: "ليس هكذا هي" ـ على فرض صدور الرّواية ـ أي لا يذهب وهمك إلى إرادة عموم المؤمنين وإنما هم المؤمنون الكاملون المراد بهم المسؤولون خاصة.

قال المجلسي رحمه الله تعالى ـ في الشرح ـ:
"أي ليس المراد بالمؤمنين هنا ما يقابل الكافر ليشمل كلّ مؤمن، بل المراد بهم الكمّل من المؤمنين وهم المأمونون عن الخطأ المعصومون عن الزلل وهم الأئمة عليهم السلام"(11).

وقسم منها وردت في مقام تحديد الآيات القرآنية:
كما رواه الكليني باسناده عن هشام بن سالم (أو هارون بن مسلم ـ كما في بعض النسخ) عن أبي عبد الله عليه السلام: قال: "إن القرآن الذي جاء به جبرائيل إلى محمّد صلّى الله عليه وآله سبعة عشر ألف آية"(12).
جاءت الرواية في بعض نسخ الكافي سبعة الاف(13) وتكون الرواية حينئد في مقام بيان الكثرة والتقريب لا تحقيق العدد لأنّ عدد آي القرآن بين الستة والسبعة آلاف(14).
وأرى أنـّه لا يمكن إطلاقاً الالتزام بمفاد هذا الحديث ـ القائل بأنّ في القرآن سبعة عشر ألف آية ـ والذي يقتضي وقوع التّحريف في القرآن بالنقيصة، والدليل على ذلك أنّ طريقة الأئمة الطاهرين عليهم السلام مشهودة للجميع، فإنّهم لا يتكلمون عن أمر عظيم ـ وهو تحريف القرآن ـ بشكل مبهم بدون ذكر دليله وبيان أحد مصاديقه في الاقل، وإلاّ لأوقعونا في حيرة كبيرة.
ونحن نتحداكم ان تأتوا برواية من أىّ مصدر من مصادر الشيعة المعتبرة وغير المعتبرة تثبت أنّ القرآن الموجود قد حذفت منه آية بتمامها ـ سوى بضع روايات تسربت من كتب أهل السنة في بعض مصادر الشيعة ـ حتى يكون ذلك مصداقاً لحذف ما يقارب ثلثي القرآن، بل انّ كلّ روايات هذا الباب، كما لاحظنا في الطوائف المختلفة من الرّوايات، إن دلّت على شيء فإنّما تدلّ على حذف كلمات أو حروف من الآية، لا حذف آية أو آيات بتمامها، وتلك الرّوايات أيضاً مع التنبّه إلى أدلّة صيانة القرآن عن التّحريف، والشواهد والقرائن الداخلية والخارجية تعتبر من جنس المصداق، أو بيان سبب النزول أو التأويل أو التنزيل (أي شرح المراد) أو القراءات وغير ذلك.
ثم كيف يمكن الاعتماد على خبر الواحد في اثبات نقص اكثر من عشرة آلاف آية من القرآن الكريم بدون اثبات ولو مصداق واحد من هذا النقص(15)، وعدم وجود مصداق واحد من هذا النقص خير شاهد على أن نحكم بوضع هذا الخبر أو خطأ الراوي. وعلى فرض صحة صدوره وعدم خطأ الراوي فإنّ الإمام الصادق عليه السلام في مقام تحديد كل ما نزل من الله من الوحي القرآني وغير القرآني، وهذا ما احتمله أيضاً الشيخ أبو جعفر الصدوق، إذ قال في رسالة "الاعتقادات":
"اعتقادنا أن القرآن الذي انزله الله تعالى على نبيّه محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم هو ما بين الدفتين، وهو ما في أيدي الناس وليس بأكثر من ذلك... ومن نسب إلينا أنـّا نقول أنه أكثر من ذلك فهو كاذب... بل نقول انه قد نزل من الوحي الذي ليس بقرآن ما لو جمع إلى القرآن كان مبلغه مقدار سبعة عشر الف آية وذلك مثل قول جبرائيل للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: ان الله تعالى يقول لك يا محمّد، دارِ خلقي و... ومثل ذلك كثير، كله وحي ليس بقرآن ولو كان قرآناً لكان مقروناً به موصلاً إليه غير مفصول عنه..."(16).
ومن هنا نقول: كان بعض أهل السنّة ابتدع نظرية "نسخ التلاوة" لتوجيه رواياتهم، لأنّ رواياتهم في هذا المجال تتفاوت جوهرياً مع روايات الشيعة، فروايات أهل السنة فيها ـ وبشكل صريح ـ آيات مزعومة، تقول بأنّها كانت آيات قرآنية ولكن نسيت بعد ذلك أو نسخت!! بينما روايات الشيعة ـ وكما رأيت ـ تتحدث فقط عن حذف كلمات وحروف، وعلى فرض صدورها فبعضها قابلة للحمل على التفسير والتأويل والمصداق والخ.
فالحاصل يعتقد المحققون من الإمامية أنـّنا لو تأملنا نصوص تلك الروايات، لتبيّن بشكل جيد أنّ أكثرها وردت في المجالات الآتية: التفسير، ذكر المصداق، بيان سبب النزول، الوحي غير القرآني (الأحاديث القدسية)، القراءات القرآنية الواردة، التحريف المعنوي (لا اللفظي الذي هو محل النزاع) والخ. ولو لم تكن تلك الروايات ـ بعد الفراغ عن صحة سندها ـ صالحة لحملها على المعاني المتقدمة، فهي ساقطة لا محالة، لمخالفتها للنصوص القرآنية الصريحة، والأدلّة الروائية، والأدلّة العقلية، والشواهد التاريخية، التي كلّها تدلّ على سلامة القرآن من التحريف، هذا، وإنّ الاضطراب في نصوص الروايات وعدم تجانسها مع عذوبة كلام الله وفخامته، خير شاهد على كونها غريبة عن الوحي القرآني.
نعم يحتمل أنّ الروايات الساقطة وجيهة في أصل صدورها ولها محامل مقبولة، لكن يحتمل أنّ الراوي قد غيّر فيها سهواً أو عمداً بحيث يجعل حملها على المحامل الصحيحة صعباً; فمثلا حينما قال الإمام نزلت هذه الآية في كذا أي شأن نزولها أو تفسيرها كذا، حذف الراوي كلمة "في" وقال نزلت الآية كذا.
هذا، والمعصومون عليهم السلام قد حدّدوا المعيار ووضعوا الميزان كي نقيس به صحيح الروايات من سقيمها، وهو عرضها على كتاب الله، وطرح ما خالف الكتاب منها; وهذا المعيار منقول لنا بشكل متواتر، الأمر الذي يتفرد به الشيعة، ويجعلهم بحمد الله مستغنين عن أىّ توجيه للرواية المخالفة للكتاب(17)، بخلاف بعض أهل السنة الذين اعتبروا المعيار المتقدم من وضع الزنادقة ـ كما رأيتم ـ، وهو مما يوجب انهم يلجأون إلى النظرية المزعومة "نسخ التلاوة"(18) ليصونوا كتبهم من الصحاح والسنن وغيرهما التي ذكر فيها تلك الروايات، أضف إلى ذلك كلّه أنّ أكثر تلك الروايات بل كثير منها ضعيفة السند، ومن اطّلع على أسانيدها لا يشكّ في عدم حجيتها، لأنّها من جهة الطرق أخبار آحاد، وإن كان بعض العلماء يعبرون عنها بقولهم: "إنّها كثيرة أو متواترة معنى"(19) إلاّ أنـّهم لم يريدوا خصوص روايات التحريف بالمعنى المراد ـ هنا ـ أي التحريف بالنقيصة وتغيير كلمات القرآن ـ بل أرادوا بهذا القول ما يعم الاختلاف في القراءة والتحريف المعنوي ـ المساوق للتفسير بالرأي ـ، والمخالفة في تأليف الآيات من حيث التقديم والتأخير و... وواضح أنّ هذا المعنى من التحريف أعم من المدّعى، وهذه النكتة ستأتي إن شاء الله بتفصيل أكثر مع ذكر القرائن والشواهد.
ومن جهة السند أنّ أكثر تلك الروايات مرسلة أو موضوعة، ورواتها بين ضعفاء وغلاة ومجاهيل، ومع التتبع يتضح أيضاً أنّ أكثر الروايات المرسلة هي نفس الروايات المسندة بإسناد ضعيف لا غير، وهذا يعني قلّة عدد هذه الروايات في الواقع، غاية الأمر أنـّها مكررة مرّة بإسناد ضعيف وأخرى بدونه.
ومن جهة المصادر أنّ أكثر مصادر تلك الروايات غير معتبرة عند الإمامية فبعض تلك المصادر لا يعلم مؤلفها وبعضها مقطوع الإسناد وسنوافيك إن شاء الله في بحثنا القادم حول كتاب فصل الخطاب بالمزيد من التوضيحات حول هذه الروايات، وذلك لأنّ كتاب فصل الخطاب للمحدث النوري في الواقع مجمع كل تلك الأحاديث الواردة في هذا المضمار وقد استلّها من مصادر كثيرة شتّى.
______________________
1 ـ سورة البقرة (2): الآية 205.
2 ـ الكافي: ج 8، ص 289، برقم 435.
3 ـ نفس المصدر: ج 1، ص 421، الرقم 45 والآية 135 من سورة النساء (4).
4 ـ نفس المصدر: ج 8، ص 183، رقم 208.
5 ـ الإسراء (17): الآية 89.
6 ـ الكافي: ج 1، ص 425، رقم 64.
7 ـ نفس المصدر: ج 8، ص 204 ـ 205 رقم 246 والآية 9 من سورة الزمر (39).
8 ـ نقلاً عن مرآة العقول: ج 5، ص 58.
9 ـ التوبة (9): الآية 40.
10 ـ الكافي: ج 1، ص 424 الرقم 62.
11 ـ مرآة العقول: ج 5، ص 79.
12 ـ الكافي: ج 2، ص 634، رقم 28.
13 ـ من جملة نسخ الكافي نسخة عند المرحوم المحدث الفيض الكاشاني، والتي كتب الوافي بموجبها شرحاً للكافي، فقد أخرج المحدث المذكور ذاك الحديث هكذا: "ان القرآن الذي جاء به جبرائيل إلى محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم سبعة آلاف آية" الوافي: ج 1، ص 274 وأيضاً رواه في هامش تفسيره المسمى "بتفسير الصافي" عن الكافي بلفظ "سبعة آلاف" الصافي: ج 1، ص 49. ويرى العلماء الكبار أن نسخ الكافي التي عند الفيض الكاشاني هي أصح وأكثر اتقاناً من غيرها. راجع مقدمة الوافي بقلم العلامة أبي الحسن الشعراني: ج 1، ص 2.
14 ـ وقد جزم العلامة أبو الحسن الشعراني في تعليقه على شرح الكافي للمولى صالح المازندراني بان لفظة "عشر" من زيادة النساخ أو الرواة والأصل هي سبعة آلاف عدداً تقريبياً ينطبق مع الواقع نوعاً ما... انظر: شرح جامع: ج 11، ص 76.
15 ـ يمكن القول بأن آيات سورة "الولاية" المزعومة يمكن أن تكون مصداقاً لتلك الآيات المحذوفة، وسيأتي بحث ذلك مفصلاً في المقام الثاني وأنّ هذه السورة لم ترد في أيٍّ من المصادر الشيعية ـ المعتبرة وغير المعتبرة ـ وأول من افترى على الشيعة ونسب ذلك إلى مصادرهم هو الآلوسي صاحب تفسير "روح المعاني".
16 ـ الاعتقادات: ص 84.
17 ـ كما لاحظت وستلاحظ فإنّ محققي الإمامية يطرحون أمثال تلك الأحاديث عند عدم امكان حملها على المعاني المتقدمة.
18 ـ وسيأتي البحث حول نظرية "نسخ التلاوة" مفصّلا.
19 ـ كالمجلسي في مرآة العقول: ج 12، ص 526.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

اللطميات

مشاهدة الكل

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page