• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الزعم العاشر: اختلاف القراء السبعة أو العشرة

قال النوري ما حاصله:
"إنه لا إشكال ولا خلاف بين أهل الإسلام في تطرق اختلافات كثيرة وتغييرات غير محصورة في كلمات القرآن وحروفه وهيئاته من ناحية القراء السبعة أو العشرة بما فيه من الاختلاف وحيث أن القرآن نزل في جميع مراتبه بنحو واحد لا تغيير فيه ولا اختلاف كان جميع ما ذكروه غير الوجه الواحد المجهول المردد فيه غير مطابق لما أنزل على الرسول صلّى الله عليه وآله إعجازاً وهو المقصود".
ثم قال:
"وهذا الدليل وإن كان غير واف لإثبات نقصان سورة بل آية والكلمات أيضاً لعدم شمول تلك اختلاف القراءات لها إلاّ أنه يمكن تتميمه بعدم القول بالفصل..."(1).
إن ما ذكره المحدث النوري في هذا الدليل بعضه حق وبعضه باطل، ولذلك وقع في هذا البحث ـ كما في مزعوماته الأخرى ـ في تناقض فاحش نتيجة ذلك.
فإنّ أصل وجود الاختلافات الكثيرة والتغييرات غير المحصورة في كلمات القرآن وحروفه وهيئاته من ناحية القراء السبعة أو العشرة حق لا ريب فيه، كما هو مشهور، لأن منشأ بعض تلك الاختلافات يعود إلى تقصير أو قصور في أنفسهم، لا إلى إذن ورضا من نبيهم صلّى الله عليه وآله، وهذا هو قول المحققين من علماء الفريقين، فإنهم يقولون: إن تلك القراءات متواترة إلى نفس القراء لا إلى النبىّ صلّى الله عليه وآله، قال الزركشي:
"... التحقيق أن القراءات متواترة عن الأئمة السبعة، أما تواترها عن النبىّ ففيه نظر، فإن إسنادهم بهذه القراءات السبع موجود في كتب القراءات وهي نقل الواحد عن الواحد لم تكمل شروط التواتر..."(2).
ومثله ابن الجزري في "النشر"(3) وقال أبو شامة في كتابه "المرشد الوجيز":
"إنا لسنا ممن يلتزم التواتر في جميع الألفاظ المختلف فيها بين القراء..."(4). وغيرهم كثير(5).
وعليه فإذا كانت القراءات غير متواترة وإنما تثبت بخبر الواحد وتنقل إلينا عن هذا الطريق، فهذا يعني أن احتمال القصور أو التقصير من جانب القراء أنفسهم هو احتمال وارد، لكن الكلام كل الكلام في أنه هل ثمة تلازم ما بين تواتر القراءات وتواتر القرآن أو لا؟ وبالتالي فهل يستلزم تواتر القرآن تواترها وبالعكس أو لا يستدعي ذلك؟
يرى البعض من أمثال أبي سعيد فرج بن لب مفتي البلاد الأندلسية أن:
"من زعم أنّ القراءات السبع لا يلزم فيها التواتر فقوله كفر، لأنه يؤدي إلى عدم تواتر القرآن جملة"(6). فحكم بكفر جمع كثير من المحققين بلا هوادة.
أما البعض الآخر ـ من أمثال المحدث النوري ـ فيرى بأن القراءات حيث لم تثبت بالتواتر عن النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلم فهذا معناه أن القرآن ليس له وجوه عديدة في التلاوة، فتكون جميع تلك القراءات ـ عدا وجه واحد مجهول ومردد ـ غير مطابقة لما أنزل على الرسول صلّى الله عليه وآله.
لكن في الحقيقة، لا ما ذكره أبو سعيد فرج بن لب صحيح، ولا مقولة النوري هي الأخرى تامة، بل الصائب ما صرح به سيدنا الخوئي في قوله:
"ليست بين تواتر القرآن وبين عدم تواتر القراءات أية ملازمة، لأن أدلة تواتر القرآن وضرورته لا تثبت بحال من الأحوال تواتر قراءته كما أن نفي تواتر القراءات لا تتسرب إلى تواتر القرآن بأي وجه، لأن القرآن تتوافر الدواعي لنقله لأنه الأساس للدين الإسلامي والمعجز الإلهي وكل شيء تتوفر الدواعي لنقله لا بدّ وأن يكون متواتراً فما كان نقله بطريق الآحاد لا يكون من القرآن قطعاً..."(7).
"فالواصل إلينا بتوسط القراء إنما هو خصوصيات قراءاتهم، وأما أصل القرآن فهو واصل إلينا بالتواتر بين المسلمين وبنقل الخلف عن السلف... ولذلك فإن القرآن ثابت بالتواتر، حتى لو فرضنا أن هؤلاء القراء السبعة أو العشرة لم يكونوا موجودين أصلا، وعظمة القرآن أرقى من أن تتوقف على نقل أولئك النفر المحصورين"(8).
ويعقب السيد الخوئي كلامه هذا ببحث موسع نسبياً ليقيم أفضل الأدلة على عدم تواتر القراءات، مرفقاً ذلك بالشواهد التاريخية والمستندات التي تتحدث عن ترجمة القراء أنفسهم، وهو ـ مع ذكره التصريحات التي أدلى بها النافون للتواتر في القراءات من كبار علماء أهل السنة ـ ركز جهوده على مناقشة الأدلة التي قدمها القائلون بتواتر القراءات السبع، بحيث لا يستغني قارئ عن الرجوع إلى هذا البحث(9).
وعليه فرأي المحدث النوري باطل من أساسه، أي القول بأن الاختلافات الكثيرة الواقعة من ناحية القراء حصلت دون إذن ورضا من نبيهم صلّى الله عليه وآله مما يوجب الخلل ويعرض أساس القرآن نفسه للنقصان، ليجعله غير مطابق لما أنزل على الرسول إعجازاً، ذلك أنّ للقرآن حقيقة ثابتة أما الاختلاف عند بعض القرّاء في كيفية أداء كلماته فهو حقيقة أخرى. وعلاوة على هذا الرأي، يبدو المحدث النوري هنا متناقضاً أيضاً حيث يقول:
"... إن القرآن نزل في جميع مراتبه بنحو واحد لا تغيير فيه ولا اختلاف فكان جميع ما ذكروه [أي من وجوه الاختلاف في القراءات] غير الوجه الواحد المجهول المردد فيه... فكان غير مطابق لما أنزل على الرسول إعجازاً وهو المقصود... وهذا الدليل وإن كان غير واف لإثبات نقصان سورة بل آية والكلمات أيضاً لعدم شمول تلك الاختلاف القراءات لها إلاّ أنه يمكن تتميمه بعدم القول بالفصل..."(10).
إن هذا الكلام من المحدث النوري يناقض كلامه السالف الذكر فيما يخص مصحف ابن مسعود ومصحف أبي بن كعب، فهو يقول في زعمه الخامس والسادس إن قراءة عبد الله بن مسعود وقراءة أُبي بن كعب معتبرتان، ويعدهما معاً من قبل الله تعالى، وكان يقول بأن كلتا القراءتين ترجعان إلى حقيقة القرآن الكريم نفسه(11) لا إلى كيفية أداء كلمات القرآن، والحال أن ثمة اختلافات كثيرة بين قراءة هذين الشخصين، وطبقاً لتوهم النوري لا بدّ أن تكون جميع هذه الاختلافات الواقعة بين هذين المصحفين من جانب الله عزّ وجلّ ذلك أن كلتيهما مرتبطتان بالقرآن الكريم نفسه، إلاّ أنه هنا يعود فيكرر القول بـ: "أن القرآن نزل في جميع مراتبه بنحو واحد لا تغيير فيه ولا اختلاف"، أليس هذا تناقضاً واضحاً وجلياً في مواقفه وكلماته؟!
ومع غض النظر عن كل ذلك، فإن ما يثير تعجب الإنسان هو ذاك الادّعاء الخطير الذي يطرحه المحدث النوري فيما يتعلق بعدم القول بالفصل بين نقصان السورة والآية والكلمات واختلاف القراءات في الهيئات وأداء الكلمات نفسها، إذ وقال في مصحف أُبي بن كعب:
"إنّ ما في مصحف أُبي صحيح ومعتبر وحيث إنّ هذا المصحف الموجود غير شامل لتمام ما في مصحف أُبي بن كعب فيكون غير شامل لتمام ما نزل إعجازاً" (فصل الخطاب: ص 144).
كيف يدعي المحدث النوري أمراً من هذا القبيل دون تقديم دليل على مدعاه هذا؟! بل ودون أن يرشدنا حتى لشخص واحد ذهب إلى هذا التلازم بين الأمرين، والأعجب من هذا الادعاء تلك السخافة الواضحة في كلماته حيث يقول هنا:
"... والظاهر أن المصحف الموجود غير مطابق لما أنزل عليه صلّى الله عليه وآله إعجازاً".
وهذا الكلام يعني سقوط القرآن عن مستوى الإعجاز، ومن ثم فتحديه يصبح لغواً، ونتيجة ذلك قدرة الآخرين على الإتيان بمثله، والحال أنّ التاريخ على امتداده يحكي عن عدم قدرة أحد على الإطلاق على تقديم نموذج كالنموذج القرآني أو حتى سورة من مثل سوره الكريمة، بل إن نفس المحدث النوري يقرّ بهذا الأمر قائلا:
"التحريف بزيادة السورة وتبديلها ممتنع لقوله تعالى: (وإن كنتم في ريب ممّا نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله...) بل زيادة الآية وتبديلها أيضاً منتفيان"(12).
____________
1 ـ فصل الخطاب: ص 209.
2 ـ البرهان: ج 1، ص 319.
3 ـ النشر: ج 1، ص 13 ـ 14.
4 ـ المرشد الوجيز: ص 178 ومثله عن كتابه "البسملة" كما نقل عنه التبيان للجزائري: ص 102.
5 ـ انظر: البيان: ص 153 ـ 156 فقد أورد ـ رحمه الله ـ تصريحات علماء أهل السنة الذين نفوا تواتر القراءات السبعة.
6 ـ عن مناهل العرفان: ص 428. وقال أبو شامة:
"وظنّ جماعة ممن لا خبرة له بأصول هذا العلم أن قراءة هؤلاء الأئمة السبعة هي التي عبّر عنها النبىّ صلّى الله عليه وسلم بقوله: "انزل القرآن على سبعة أحرف..." وقد أخطأ من نسب إلى ابن مجاهد أنـّه قال ذلك". المرشد الوجيز: ص 146.
7 ـ البيان: ص 124.
8 ـ نفس المصدر: ص 158.
9 ـ انظر: نفس المصدر، بحث "أضواء على القراء": ص 121 ـ 168.
10 ـ أي كل من رأى بنقصان حروف القرآن واختلاف هيئات الكلمات رأى بنقصان سورة وآية ونفس الكلمات فلا يفصل بينهما!!
11 ـ قال النوري في مصحف عبد الله بن مسعود:
"تمام ما جمع ابن مسعود في مصحفه معتبر ومطابق لما نزل على النبىّ" (فصل الخطاب: ص 136).
12 ـ فصل الخطاب: ص 32.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

اللطميات

مشاهدة الكل

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page