توجد الروايات التي تدلّ على وجود اللحن والخطأ في القرآن وهو يوجب نوعاً من التبديل في ألفاظه وهذا لا يرضى به أحد.
عن ابن سلاّم بسنده عن ابن عروة عن ابيه قال:
"قد سألت عائشة عن اللحن الوارد في قوله تعالى (إنْ هذانِ لَساحران)(1) وقوله عزّ وجلّ (والمقيمين الصلوة والمؤتون الزكاة)(2)و(ان الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون)(3). فقالت: هذا من عمل الكتّاب، اخطأوا في الكتاب"(4).
وقال ابن الخطيب:
"وقد ورد هذا الحديث بمعناه باسناد صحيح على شرط الشيخين"(5).
وأخرج أحمد بن حنبل في مسنده عن أبي خلف مولى بني جمح أنـّه دخل على عائشة، فقال: "جئت أسألك عن آية في كتاب الله كيف يقرؤها رسول الله صلّى الله
عليه وسلّم، قالت: أيّة آية؟ قال: (الذين يأتون ما أَتَوا...) أو (الذين يُؤتُون ما آتَوا...)؟ قالت: ايتهما احب إليك؟ قال: والذي نفسي بيده لإحداهما احب الي من الدنيا جميعاً قالت: أيتهما؟ قال (الذين يأتون ما أَتَوا...) فقالت: أشهد ان رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم كذلك يقرؤها، وكذلك أُنزلت، ولكن الهجاء حرّف"(6).
وعن ابن عباس في قوله تعالى: (...حتّى تستأنسوا وتسلّموا...) قال: "انما هي خطأ من الكتّاب، حتّى تستأذنوا وتسلّموا"(7).
وعنه في قوله تعالى: (أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله...) قال: "أظن الكاتب كتبها وهو ناعس"(8).
وفي الدّر المنثور: أخرج عبد بن حميد والفريابي وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة...)قال: هي خطأ من الكاتب وفي قراءة ابن مسعود: ميثاق الذين اوتوا الكتاب وأخرج ابن جرير عن الربيع أنه قرأ: "واذ أخذ الله ميثاق الذين اُوتوا الكتاب". قال: وكذلك كان يقرؤها أُبيّ بن كعب(9). واذعن سعيد بن جبير وأبان بن عثمان و... بوجود لحن في موارد أُخر(10).
وروي عن عثمان انه نظر في المصحف، فقال: "أرى فيه لحناً وستقيمه العرب بألسنتها"(11).
ولعله لرسوخ تلك التهمة الباطلة وهي وجود اللحن في القرآن ـ في أذهان البعض ساغ لبعضهم الاجتهاد في مقابل النص القرآني كالضحاك بن مزاحم حيث قيل في قوله تعالى: (وقضى ربُّك ألاّ تعبدوا إلاّ إياه وبالوالدين إحساناً)، إنّ الذي أنزل على لسان النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم "ووصّى ربك..." غير أن الكاتب استمدّ مداداً كثيراً فالتزقت الواو بالصاد(12)... قال الضحاك:
"ولو نزلت على القضاء ما أشرك به أحد، ومثله عن ابن عباس فيما نسب إليه"(13).
____________
1 ـ سورة طه (20): الآية 62.
2 ـ سورة النساء (4): الآية 162.
3 ـ سورة المائدة (5): الآية 69.
4 ـ فضائل القرآن: ص 161 ـ 164 لابي عبيد القاسم بن سلاّم (وهو الإمام المجتهد البحر اللغوي الفقيه صاحب المصنفات (ت: 224 هـ.). انظر: تذكرة الحفاظ: ص 417.) وتاريخ المدينة المنورة لابن شبّة: ص 1014 ومحاضرات الادباء، للراغب الاصبهاني: ج 2، ص 435، وقال ابن جزي الكلبي في تفسيره: "والصابئون قراءة السبعة بالواو وهي مشكلة، حتى قالت عايشة: هي من لحن كتّاب المصحف". (وابن جزي الكلبي المالكي وصفه الداودي في طبقات المفسرين: ج 1، ص 101 بقوله: كان شيخاً جليلاً ورعاً زاهداً عابداً متقلّلاً من الدنيا وكان فقيهاً مفسّراً وله تفسير القرآن العزيز، توّفي في حدود العشرين وستمائة.) وقال الخطيب الشربيني في تفسيره، مثله. انظر: السراج المنير: ج 1، ص 345، (وهو محمّد بن أحمد الخطيب الشربيني الفقيه الشافعي المفسّر، توفي سنة 977، له ترجمة في الشذرات: ج 8، ص 384) وهما أوردا تلك الأحاديث من غير جواب أو تأويل.
5 ـ الفرقان: ص 42.
6 ـ مسند أحمد بن حنبل: ج 6، ص 95، والآية 60 من سورة المؤمنون (23).
7 ـ جامع البيان: ج 18، ص 87 والمستدرك للحاكم (وصححه على شرط الشيخين): ج 2، ص 396 والإتقان: ج 1، ص 36، والآية 27 من سورة النور (24).
8 ـ الإتقان: ج 1، ص 316 والآية 32 من سورة الرعد (13). قال ابن حجر: "هذا الحديث رواه الطبري باسناد صحيح، كلهم من رجال البخاري" انظر: فتح الباري: ج 8، ص 282.
ولكنه نظر فاسد لان القضاء على نحوين، قضاء تكوين وقضاء تشريع فالذي لايمكن ردّه هو قضاء في التكوين: (وإذا قضى أمراً أن يقول له كن فيكون)البقرة: 117. وامّا القضاء التشريعي فهو عبارة عن التكليف أمراً ونهياً، بعثاً وزجراً، والعباد مختارون في الاطاعة والعصيان، قال تعالى: (إذا قضى الله ورسوله أمراً...) أي حكم حكماً إلزامياً باتّاً.
9 ـ الدّر المنثور: ج 2، ص 47 والآية 81 من سورة آل عمران (3).
10 ـ راجع الإتقان: ج 1، ص 316 وما بعدها.
11 ـ التفسير الكبير: ج 22، ص 74 وانظر أيضاً: تاريخ المدينة المنورة: ج 2، ص 1013.
12 ـ معالم التنزيل: ج 3، ص 110، والآية 23 من سورة الاسراء (17).
13 ـ الاتقان: ج 1، ص 185.
الطائفة الأولى: وجود اللحن والخطأ في القرآن الكريم
- الزيارات: 3118