إن جميع الكتب التي اعتمد عليها الدكتور القفاري في هذا الفصل هي كتب الحديث والتفسير بالمأثور لدى الشيعة، وقد سبق أن ذكرنا وأكدنا مراراً وتكراراً بما لا يقبل الشك بأنّ الكتاب الذي جمع الرّوايات من مصادر شتى شيء، وتمحيص تلك الرّوايات والحكم عليها بالصحّة والفساد شيء آخر، وهذا الأمر لا يخصّ مذهب الشيعة بل يشمل جميع المذاهب الاسلامية، فاننا لا نحكم على طائفة بحكم مّا لمجرّد وجود رواية في كتبهم الروائية، وإلاّ فما الفائدة من وجود علم الرّجال وعلم الدرّاية وفقه الرّوايات وغيرها؟ فهل هو إلاّ للتأكُّد من صحّة وفساد الراوي والرّواة وصحّة مدلول الرواية؟ فكيف يحقّ للدكتور القفاري وأضرابه الحكم على الشيعة بحكم ما وتكفيرهم؟ في حين أنّ الشيعة أنفسهم لا يصحّحونها بل يعتبرونها باطلة الدلالة، وهذا هو الإنصاف، فما يحكم به الدكتور القفاري علينا من خلال كتب حديثنا عليه أن يحكم به على سائر الفرق لوجود نفس تلك الرّوايات قال تعالى: (إنّ الله يأمركم بالعدل...) ومما ينبغي التنبيه عليه في هذا المقام هو أن الدكتور القفاري ـ تعمّداً أو جهلاً ـ كثيراً ما يخلط بين مدلول الرواية وفقهها، ولذا وقع في أخطاء عديدة أشرنا إلى بعضها وسنشير إلى بعضها الآخر.
كما ينبغي الاشارة إلى أن الدكتور القفاري كثيراً ما يبتعد عن فقه الرواية بل عن الرواية نفسها وينشغل بالألفاظ البذيئة البعيدة كل البعد عن روح البحث العلمي، وإذا ضاقت به السبل وتعذّر عليه الدليل تشبث بفكرة التقية التي في هذا المبحث لا معنى معقول ـ كما ستعرف بعد ذلك ـ ولأن مباحث هذا الفصل تكرّر بعضها، فنحن هنا نوجز مناقشة آراء الدكتور القفاري في هذه المسألة ضمن عدّة نقاط. قال الدكتور القفاري:
"إن البداية لهذه الفرية كانت بكتاب سليم وبدأت القضية بروايتين فقط... ولم يكثر الوضع والكذب حولها... وجاء في القرن الثالث من تلقف هذه الاسطورة وزاد عليها... [وهو] علي بن إبراهيم القمِّي وحشا تفسيره بهذه الاسطورة وصرّح بها في مقدمة تفسيره; ولهذا قال شيخهم الكاشاني: "فإنّ تفسيره مملوء منه وله غلو فيه" وكذلك قال شيخهم الآخر النوري الطبرسي... ومع أنّ الكتاب قد مُلىء بهذه الزندقة فإن كبير علماء الشيعة اليوم "الخوئي" يوثّق روايات القمّي كلّها ـ كما سلف ـ "(1).
ثم أورد الدكتور القفاري عدة روايات من تفسير القمّي وقال:
"تلك على سبيل المثال وغيرها كثير".
قد مرّ عليك سابقاً قول الدكتور القفاري حول كتاب سليم في هذا المقام وأنـّه لا علاقة له بمسألة تحريف القرآن. وأمّا تفسير القمّي واُسطورة تحريف القرآن.
____________
1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 226.
شيوع هذه المقالة في كتب الشيعة
- الزيارات: 2294