• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الشريف المرتضى وإنكاره لهذه الفرية:

لقد أثبت السيد المرتضى علم الهدى (ت / 436 ق.) رحمه الله صيانة القرآن عن التّحريف مستدلاً بالعقل والشواهد التاريخية مستوفياً لاطراف البحث، وقد نقل
الدكتور القفاري لنا نصّ عبارته وأتبعها بمناقشات سخيفة، وحينما عجز عن ردّ الكلام المتين للسيد المرتضى عمد إلى تخريج كلام المرتضى بانّه استعمل التقية وطبعاً من دون أن يذكر دليلاً على قوله، وإليك بعض ما ورد في كلام السيد ومناقشاته.
أ: قال السيد المرتضى بعد بيان استدلاله على نفي التّحريف ما نصّه:
"إن من خالف ذلك من الإمامية والحشوية لا يعتد بخلافهم، فان الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخباراً ضعيفة ظنّوا صحتها لا يرجع مثلها عن المعلوم المقطوع على صحته"(1).
فاستنتج الدكتور القفاري من هذه العبارة:
"وكأن الجملة الأخيرة تشير إلى ما ذهب إليه الإخباريون من الشيعة من القول بهذا الضلال"(2).
فهل إنَّ اصطلاح "الحشوية" غير معلوم لدى الدكتور القفاري؟ إنّه يريد وبأىّ شكل من الأشكال انكار وجود أية رواية من روايات التّحريف في كتب أهل السنّة، فعمد هنا إلى تحريف معنى كلام السيد المرتضى; فاصطلاح "الحشوية" الذي ذكره السيد المرتضى حرّف الدكتور القفاري معناه إلى الإخباريين من الشيعة، كما فعل حرّف كلام الشيخ الطوسي.
وعلى أية حال فان اصطلاح "الحشوية" معلوم لدى العلماء، كقول القاضي عبد الجبّار في كتابه:
"الحشوية، النوابت من الحنابلة"(3).
فأراد الشريف المرتضى اُولئك القوم من أهل السنة بلا شك، فإنّهم حشدوا النقول والحكايات في حقائبهم حشداً، ونقلوا أخباراً ضعيفة في المقام متوهّمين صحّتها كما فعل ثلّة من محدّثي الإمامية(4).
ب: قال الدكتور القفاري في مصدر كلام السيد المرتضى:
"لم يقع لنا هذا الكتاب، ولم أجد منه ـ فيما اطّلعت عليه ـ إلاّ هذا النص الّذي حفظه الطبرسي في مجمع البيان... ولو كانت هذه عقيدة الرجل لكثر حديثه عنها"(5).
فاعتبر الدكتور القفاري ذلك الاشكال أساسياً، واستنتج منه:
"فإمّا أن يكون هذا النص مدسوساً عليه... وإمّا أن يكون..."(6).
أقول:
أولاً: هذا النص منقول عنه أيضاً في تفسير ملا فتح الله الكاشاني (ت 988 هـ.) المسمى بتفسير "منهج الصادقين" بل موجود بعينه في كتاب "الذخيرة في علم الكلام" للشريف المرتضى نفسه، جواباً عن إشكال من قال: "الإمامية تدّعي التغيير في القرآن نقصاناً، وكذلك حشوية أصحاب الحديث" حيث قال:
"قلنا: قد بيّنا صحّة نقل القرآن في المسائل الطرابلسيات وانه غير منقوص ولا مبدّل ولا مغيّر... وذكرنا ان العناية اشتدت بالقرآن... وقد كنا ذكرنا في جواب المسائل المتقدم ذكرها عند الكلام في صحة نقل القرآن... وقد بينا في الموضع الذي أشرنا إليه... وذكرنا أيضاً أن من يخالف هذا الباب من الإمامية والحشوية لا يعتد بخلافهم..."(7).
ثانياً: إن كان هذا النصّ مدسوساً على السيد المرتضى فيما بعد كما زعم الدكتور القفاري فكيف يقول ابن حزم (ت 456) الذي كان معاصراً للسيد المرتضى:
"... وكان الشريف المرتضى إمامياً يظاهر بالاعتزال، ومع ذلك كان ينكر هذا القول ـ أي تحريف القرآن ـ ويكفّر من قاله وكذلك صاحباه"(8).
فعلى زعم الدكتور القفاري إما أن يكون كتاب "الفصل" لابن حزم قد دسّ فيه فيما بعد، أو أن ابن حزم قال ذلك من دون الاعتماد على مستمسك ودليل، وفي هاتين الحالتين لا يبقى مجال للاستدلال بكتب "ابن حزم"!
ج ـ زعم الدكتور القفاري وجود التناقض في كلام السيّد المرتضى واستنتج منه "التقية" في رأي السيد المرتضى رحمه الله. قال الدكتور القفاري:
"ولكن قيل إنّ هذا الانكار ـ من السيد المرتضى ـ تقية لأنـّه كما قال صاحب فصل الخطاب: "قد عدّ هو في الشافي من مطاعن عثمان ومن عظيم ما أقدم عليه جمع الناس على قراءة زيد واحراقه وابطاله ما شك أنه من القرآن".
وهذا بلا شك يناقض انكاره لهذه الفرية، وبيانه بالدليل العقلي والتاريخي استحالة حصولها; فإمّا أن يكون هذا النص مدسوساً عليه... وإمّا أن يكون الإنكار على سبيل التقية... وهذا النص علاوة على إنّه طعن في كتاب الله سبحانه فهو حكم بالضلال على الأمّة بما فيهم علي ـ رضي الله عنه ـ من قوم يزعمون التشيع له وموالاته...
إنّ هذا لبهتان عظيم بل الحق إنّ عمل عثمان هذا من أعظم مناقبه ووقع باجماع من الأمّة..."(9).
لابد للقارئ الكريم أن يتساءل ماذا يريد الدكتور القفاري أن يقول هنا؟ وعمّن يريد أن يدافع أعن "عثمان" أم عن "القرآن"؟! فإحراق المصاحف بأمر عثمان وكراهة جماعة من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله أمر لا شك فيه(10)، والآن إمّا أن نعدّ ذلك من عظيم مثالب عثمان أو من عظيم مناقبه، لكنّ السؤال الوارد هنا إنّه إذا كان إحراق المصاحف يعد من المطاعن فكيف يوجب ذلك التناقض في كلام السيد المرتضى ويتحصل من قوله التقية، ولابد أن يكون بزعم الدكتور القفاري إنه إذا كان عمل عثمان من عظيم المناقب فهو تأييد لكلام السيد المرتضى ولا مجال للمناقشة في كلامه!!
وعلاوة على هذا فإنّ هذه العبارة للسيد المرتضى من كتابه "الشافي" منقولة من كتاب "المغني"(11) للقاضي عبد الجبار الهمداني(12)، وليست من السيد المرتضى نفسه حتى يحرّفها الدكتور القفاري ويقول: "هذا بلا شك يناقض إنكاره... وإنه طعن في كتاب الله و..." إن السيد المرتضى ذكر في كتابه "الشافي"(13):
"ثم ابتدأ ـ أي القاضي عبد الجبار ـ بذكر أحداث عثمان قال: فمن ذلك قولهم: إنّه ولّى المسلمين ما لا يصلح لذلك... ومن ذلك انه اقدم على كبار الصحابة بما لا يحل نحو اقدامه على ابن مسعود عندما أحرق المصاحف... ثم من عظيم ما أقدم عليه من جمعه الناس على قراءة زيد واحراقه المصاحف وابطاله ما شك [لما شك ـ ن] انه منزل من القرآن وانه مأخوذ عن الرسول عليه السلام ولو كان مما يسوغ لسبق إليه الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ولفعله أبو بكر وعمر..."(14).
وبعد هذه العبارة قال صاحب المغني في مقام الدفاع عن عثمان في احراقه للمصاحف:
"إنّ فيه ـ أي في إحراق المصاحف ـ تحصين القرآن وقطع المنازعة والاختلاف فيه."(15)
ثم إنّ السيد المرتضى في مقام الحكم بين كلام القاضي عبد الجبار ومخالفيه بصورة المجادلة بالتي هي أحسن، قال:
"لا شك في أنّ ابن مسعود كره احراق المصاحف كما كرهه جماعة من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وتكلموا فيه، وذكر الرواة كلام كل واحد منهم في ذلك بالتفصيل...
فأمّا اختلاف الناس في القراءة والأحرف فليس بموجب لما صنعه عثمان لأنـّهم يروون أنّ النبىّ صلّى الله عليه وآله قال: "نزل القرآن على سبعة أحرف كلّها شاف كاف" فهذا الاختلاف في القرآن مباح مسند عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم فكيف يحظر عليهم عثمان من التوسّع في الحروف وهو مباح؟ فلو كان في القراءة الواحدة تحصين القرآن كما ادّعى، لما أباح النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في الأصل إلاّ القراءة الواحدة لأنـّه أعلم بوجوه المصالح من جميع اُمّته من حيث كان مؤيداً بالوحي مُوَفّقاً في كلّ ما يأتي ويذر..."(16). وهكذا استمر بدراسة ونقد استدلالات القاضي عبد الجبار في كتابه "الشافي".
والسيد المرتضى هنا ـ كما قلنا ـ في مقام الجدال بالتي هي أحسن، وقد أثبت بالأدلة القاطعة أنّ القرآن الموجود زمان النبىّ صلّى الله عليه وآله هو القرآن الموجود هنا، وروايات جمع القرآن في عهد أبي بكر إضافة إلى أنّ روايات توحيد المصاحف في زمان عثمان متعارضة مع هذا الأمر القطعي ولذا تكون ساقطة عن الاعتبار، قال السيد المرتضى في بعض استدلالاته "...إنّ القرآن كان على عهد النبىّ صلّى الله عليه وآله مجموعاً مؤلفاً على ما هو عليه الآن... ولا يقطع من قال غير ذلك. على ان هذا القرآن الموجود بيننا هو الذي جمعه عثمان وأن لا يأمن ان يكون بعضه قد وقع فيه تغيير وتبديل عما سطره عثمان وجمعه بعده، لانه إذا جاز فيما أدّاه النبىّ صلّى الله عليه وآله نيفاً وعشرين سنة وتداوله الناس ونشره أن يتم فيه لعثمان النقص والحذف، جاز ذلك فيما جمعه عثمان نفسه، وهذا حدّ لا يبلغ إليه محصّل."(17)
فمن أراد تمام استدلال الشريف المرتضى ودفع الشبهات فليراجع "الذخيرة في علم الكلام"(18) ومقدمة تفسير مجمع البيان فان الطبرسي أورد استدلال السيد المرتضى بتمامه نقلاً عن كتاب المسائل الطرابلسيات(19).
والحاصل أنّ الدكتور القفاري قد اُلقم حجراً مرة أخرى، وانتفى بانتفاء موضوعه سعيه لكشف التناقض في كلام السيد المرتضى واخذه النتائج من ذلك كقوله:
"هذا النص مدسوس عليه... انكاره على سبيل التقية... انه طعن في كتاب الله سبحانه... هذا بهتان عظيم."
وجميعها لا مورد لها.
____________
1 ـ نقلاً عن مجمع البيان: ج 1، ص 31.
2 ـ علق الآلوسي على عبارة السيد المرتضى بقوله: "وهو كذب أو سوء فهم". روح المعاني: ج 1، ص 24 ـ 25، وقد فصلنا القول في ذلك وأوضحنا للملأ اتهام الآلوسي وردّه، فراجع ان شئت مبحث "شيوع هذه المقالة عندهم كما تقول كتب أهل السنة".
3 ـ ص 527. وقال بعض: "وسميت الحشوية حشوية; لأنّهم يحشون الأحاديث التي لا أصل لها في الأحاديث المروية، والجميع يقولون بالجبر والتشبيه، وأنّ الله موصوف عندهم بالنفس واليد والسمع والبصر وقالوا: كلّ ثقة من العلماء يأتي بخبر مسند عن النبىّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم هو حجّة. المنية والأمل لابن المرتضى: ص 11، وتعريفات الجرجاني: ص 341. ويعتقد "الصفدي" بأن غالب الحنبلية من الحشوية. الغيث المسجم: ج 3، ص 47.
4 ـ وامّا مصطلح "الأخباريون" فقد ظهر في عصور متأخرّة، وأول من سمّوا أنفسهم بهذا الاسم المحدّث الجزائري (ت 1112) في رسالته "منبع الحياة": ص 32، ط. بغداد. والدكتور القفاري نفسه أورد عبارة البحراني وقال: "محمّد امين الاسترآبادي (ت 1023 هـ) هو اول من قسّم الفرقة... إلى أخباري ومجتهد". اصول مذهب الشيعة: ص 118، فعلى هذا كيف يقول الدكتور القفاري ان الأخباريين موجودون في عصر السيد المرتضى (ت 436 هـ)؟!
5 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 294.
6 ـ المصدر السابق.
7 ـ الذخيرة في علم الكلام: ص 364 ـ 365، وقد أوردنا في المقام الأوّل نص عبارة السيد المرتضى رحمه الله بتمامها.
8 ـ الفصل في الملل والاهواء والنحل: ج 5، ص 40.
9 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 294.
10 ـ قال ابن شبّة في تاريخه: "مسألة احراق المصاحف وكراهة جماعة من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم امر لا شك فيه". تاريخ المدينة المنورة: ج 3، ص 1004.
11 ـ المغني: ج 20، ق 2/ 38 ـ 44.
12 ـ انظر ترجمته في: طبقات المعتزلة المسمى بالمنية والامل: ص 16 وطبقات الشافعية للسبكي: ج 3، ص 469 ولسان الميزان لابن حجر: ج 3، ص 386 وتاريخ بغداد: ج 11، ص 18 وغيرها من الكتب.
13 ـ لا يخفى ان كتاب "الشافي في الامامة" ردّ على القاضي عبد الجبار، فقد الّف علي بن الحسين الموسوي المشتهر بعلم الهدى السيد المرتضى، ذاك الكتاب وابطل حجج القاضي ونقض كتابه باباً باباً بروح علمية وادب في التعبير يتجلى واضحاً لمن قارن بين الكتابين.
14 ـ الشافي في الامامة: ج 4، ص 229.
15 ـ المصدر السابق: ص 284.
16 ـ الشافي في الامامة: ص 285 وما بعدها.
17 ـ الذخيرة في علم الكلام: ص 363.
18 ـ المصدر السابق: ص 361 وما بعدها.
19 ـ مجمع البيان: ج 1، ص 15.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page