• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عدالة الصحابة عند المستبصر مُقاتل بن عطيّة

اشكالات على فضيلة آية المبايعة تحت الشجرة للخليفتين:
وقد احتجّ المخالفون على الشيعة بآية المبايعة تحت الشجرة، مستدلّين بذلك على أنّ الآية دليلٌ على أنّ كلّ الذين بايعوه (ص) تحت الشجرة عدولٌ، يحرّم القدح فيهم، لأنّ الله سبحانه رضي عنهم، قال تعالى:
(لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ)، وجعلوا الآية فضيلة للخليفتين أبي بكر بن أبي قحافة وعمر بن الخطّاب لأنّهما بايعاه (ص) تحت الشجرة.(1)

لكن يرد على هذا ما يلي:
أولا:
إنّ المبايعة ليست دليلا على الخلافة، لأنّه ـ وكما ذكر البيضاوي في تفسيره ـ «أنّ عدد المبايعين تحت الشجرة كانوا زهاء ألف وثلاثمائة أو أربعمائة أو خمسمائة مبايع»(2)، فيهم النساء، فلو كانت المبايعة دليلا على الخلافة، للزم كون كلّ هؤلاء الذين بايعوه خلفاء وهو واضح البطلان.

ثانياً:
إنّ الله سبحانه يذكر في نفس السورة:
(إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)(3)
هنا أشار عزّوجلّ إلى أنّ الذين بايعوه تحت الشجرة لم يكونوا جميعهم أوضياء على المبايعة بل إنّ بعضهم أو أكثرهم سوف ينكث العهد.
فقد أورد البخاري في باب غزوة الحديبية من كتاب المغازي، عن أحمد بن إشكاب، حدّثنا محمّد بن الفضل عن العلاء بن المسيّب عن أبيه قال:
لقيتُ البراء بن عازب، فقلت له: طوبى لك صحبت النبيّ (ص) وبايعته تحت الشجرة! فقال: يابن أخي إنّك لا تدري ما أحدثنا بعده.(4)
نعم، لقد أحدثوا أموراً كثيرة عجيبة بعد رحيل النبيّ (ص)، فقد ظلموا ابن عمّه وابنته الزهراء (ع)، وعصروها بين الحائط والباب، فأسقطوا جنينها، وضربوها وغصبوا حقّها وكذّبوها ومنعوها من الإرث والخُمس، وبدّلوا أحكام الإسلام إلى آخر ما فعله القوم من منكرات وقبائح، هذا مضافاً إلى أنّ النبيّ (ص) نفسه أخبر عن لسان الغيب أنّهم سيحدثون أموراً قبيحة بعده، فقال (ص):(5)
«وأنّه يُجاء برجال من أمّتي، فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا ربّ أصحابي! فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح:
(وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ)(6)
فيقال: إنّ هؤلاء لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم»(7)
وفي رواية أخرى: «ليردّنّ علىّ ناسٌ مِن أصحابي الحوض حتّى عرفتهم اختلجوا دوني، فأقول: أصحابي! فيقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك.(8)

ثالثاً:
إنّ الله سبحانه قد خصّ الثناء بالمؤمنين مَن حضروا بيعة الشجرة. ولم يشمل المنافقين الذين حضروها مثل عبدالله بن أبيّ وأوس بن خولي(9)وأضرابهم.

رابعاً:
لقد أخبر القرآن الكريم أنّ في صحابة النبيّ (ص) جماعة من المنافقين ذمّهم الله في آيات كثيرة مثل قوله تعالى:
(وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الاَْعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذاب عَظِيم)(10)
وفيهم مَن أخبر سبحانه عنهم بالإفك حيث رموا فراش رسول الله (ص) بالخيانة.(11)
وفيهم مَن أخبر سبحانه عنهم بقوله:
(وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً)(12)
وكان ذلك عندما كان النبيّ (ص) قائماً في مسجده يخطب خطبة الجمعة.
وفيهم مَن قصد إغتيال النبيّ (ص) في عقبة هرش عند رجوعه مِن غزوة تبوك كما عند العامّة،(13) أو مِن حجّة الوداع أيضاً كما عند الخاصة.(14)

خامساً:
إنّ التّشرف بصحبة النبيّ (ص) ليس أكثر امتيازاً من التشرّف بالزواج من النبيّ (ص) فإنّ مصاحبتهنّ له كانت مِن أعلى درجات الصُحبة، وقد قال تعالى في شأنهنّ:(15)
(يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَة مُبَيِّنَة يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ للهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَد مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً)(16)

وقال في اثنتين منهنّ «عائشة وحفصة»:
(إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) إلى أن قال:
(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوح وَامْرَأَتَ لُوط كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)(17)

سادساً:
إنّ النبيّ الأكرم (ص) أعطى ضابطةً عامّة بها يميّز المؤمن من المنافق، وهذه الضابطة هي أنّه لا يحبّه إلاّ مؤمن ولا يبغضه إلاّ المنافق، وقد ورد عنه (ص) أنّه قال: «لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق»(18).
وأخرج السيوطي في تاريخه: 170:
عن الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال: كنّا نعرف المنافقين ببُعضهم عليّاً.
وروي في مستدرك الصحيحين، 3/ 129 وكنز العمال، 15/ 91 عن أبي ذر قال: ما كنّا نعرف المنافقين إلاّ بتكذيبهم الله ورسوله (ص) والتخلّف عن الصلوات والبُغض لعلي بن أبي طالب (ع).(19)
وعن عبد الله بن عباس قال: إنّا كنّا نعرف المنافقين على عهد رسول الله (ص) ببُغضهم علي بن أبي طالب (ع).(20)
إذن يوجد في الصحابة منافقون مدّلسون، فكيف حينئذ يصحّ لنا أن نحكم على الكلّ بأنّهم عدول أتقياء مِن جُحد واحداً منهم كان زنديقاً على حدّ تعبير ابن زرعة وأمثاله، إنْ هذا إلاّ اختلاق؟!!

سابعاً:
إنّ الآيات التي تناولت المهاجرين والأنصار بالمدح والثناء ما داموا على أخلاقهم وثباتهم، أمّا إذا كانت الخاتمة سيّئة فهل يمكن أن نحكم عليهم بالصِحّة وأنّهم أناس مثاليون بحجّة أنّ القرآن مدحهم في أوّل الدعوة، مع أنّ المقياس للحكم على أيّ شخص هو دراسة جميع أحواله خصوصاً الأخيرة التي هي مناط المدح والذمّ والثواب والعقاب. بعد هذا كلّه فهل يصحّ أن يقال: إنّ كلّ الصحابة عدول، يحرّم الطعن ببعضهم أو لعنه لخروجه عن مباديء الإسلام، مع أنّ الله سبحانه لعن الظالمين بقوله تعالى:
(أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ)(21)
(وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الاَْرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)(22)
أليس في الصحابة مَن نقض عهد الله تعالى، وأفسد في الأرض وأهلك الحرث والنسل؟! فَمن قال: لا، فقد كذّب التاريخ، ومَن أقرّ فقد وافقنا بما نقول.(23)
ــــــــــــــــــــــــــــ
1) أبهى المواد في شرح مؤتمر علماء بغداد، مُقاتل بن عَطيّة: 143 ج 1.
2) تفسير البيضاوي، 2: 410.
3) الفتح: 10.
4) صحيح البخاري، 5: 79.
5) أبهى المداد في شرح مؤتمر علماء بغداد، مُقاتل بن عطيّة: 143.
6) المائدة: 117.
7) صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب «وكنت عليهم شهيداً»، والترمذي: أبواب صفة القيامة.
8) صحيح البخاري، باب صفة الحوض، وابن ماجه باب المناسك.
9) راجع خبر بيعة الشجرة أو الرضوان في مغازي الواقدي وامتاع الأسماع للمقريزي: 291.
10) التوبة: 101.
11) أبهى المداد في شرح مؤتمر علماء بغداد، مُقاتل بن عطيّة: 146 ج 1.
12) الجمعة: 11.
13) صحيح مسلم، باب صفات المنافقين ومغازي الواقدي 3: 1042، ومسند أحمد، 5: 39 وفي تفسير قوله (وهمّوا بما لم ينالوا) سورة التوبة من الدُرّ المنثور.
14) بحارالأنوار، 28: 97.
15) أبهى المداد في شرح مؤتمر علماء بغداد، مُقاتل بن عطيّة: 147 ج 1.
16) الأحزاب: 30 ـ 32.
17) التحريم:  4 ـ 10 ـ 11.
18) لاحظ مسند أحمد، 1/ 84 وصحيح مسلم، 1/ 39 التاج الجامع للأصول، 3/ 335 صحيح الترمذي، 2/ 301 ـ سنن النسائي، 2/ 271 ـ ذخائر العقبي: 43 والصواعق المحرقة: 74 وتاريخ الخلفاء: 170 ونهج الحق: 219.
19) أبهى المداد في شرح مؤتمر علماء بغداد، مُقاتل بن عطيّة: 148 ج 1.
20) تاريخ بغداد، 3/ 153.
21) هود: 18.
22) الرعد: 25.
23) أبهى المداد في شرح مؤتمر علماء بغداد، مُقاتِل بنْ عَطيّة: 148 ـ 149 ج 1.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

اللطميات

مشاهدة الكل

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page