كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله يحب الزهراء و يحنو عليها حنواً كبيراً، و ما يكاد يطيق فراقها فلما زفت إلى الإمام علي، و تحولت إلى بيته، لم تمض سوى أيام معدودة، فكلم حارثة بن النعمان أن يتحول عني، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله قد تحول حارثة ابن النعمان عنا حتى استحييت منه، فبلغ ذلك حارثة، و جاء النبي فقال: يا رسول اللَّه إنه بلغني أنك تحول فاطمة إليك، و هذا منازلي، و هي أسبق بيوت بني النجار إليك، و إنما أنا و مالي للَّه و لرسوله، و اللَّه يا رسول اللَّه، للمال الذي تأخذ مني أحب الي من المال الذي تدع، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله: صدقت، بارك اللَّه عليك، فحولها رسول اللَّه الي بيت حارثة، و هكذا اتخذ النبي صلى اللَّه عليه و آله للزهراء و الإمام بيتا وسط بيوته، و كانا يسكنانه كل إيام علي و فاطمة، ثم كل إيام الإمام علي في المدينة، ثم سكنه من بعده أولاده و احفاده إلى أيام عبدالملك بن مروان، فاغتاظ من وجوده وأراد هدمه بحجة توسع المسجد، و كان يسكنه الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، فطلبوا منه أن يخرج فرفض و قال: لا أخرج و لا امكن من هدمه، فضرب بالسياط، و أخرج قهراً، و هدم الدار، و زيد في المسجد.
هذا و يذهب السمهودي في «وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى » إلى أن بيت فاطمة،رضي اللَّه عنها إنما هو في الزور الذي في القبر، بينه و بين بيت النبي صلى اللَّه عليه و آله خوخه، و كانت فيه كوه الي بيت عائشة رضي اللَّه عنها فكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله إذا قام اطلع من الكوه الي فاطمة، فعلم خبرهم،و أن فاطمة، رضي اللَّه عنها، قالت لعلي يوماً: إن ابنيّ أمسيا عليلين، فلو نظرت لنا إدما نستصبح به، فخرح علي إلى السوق فاشترى لهم إدماً، وجاء به إلى فاطمة فاستصحبت به فأبصرت عائشة
المصباح عندهم في جوف الليل و ذكر كلاماً وقع بينهما، فلما أصبحوا سألت فاطمة النبي صلى اللَّه عليه و آله أن يسدّ الكوة، فسدّها»، هنا و قد روى السمهودي أن بيت فاطمة على زمانه (844- 911 ه) كان حوله مقصورة، و فيه محراب خلف حجرة النبي صلى اللَّه عليه و آله.
و علي أبة حال فالثابت المؤكد أن بيت الزهراء و الإمام علي إنما كان أوسط بيوت النبي صلى اللَّه عليه و آله، روى البخاري في صحيحه عن سعد بن عبيدة قال:جاء رجل الى ابن عمر فساله عن عثمان فذكر عن محاسن عمله، قال: لعل ذاك يسوءك قال نعم، قال فارغم اللَّه بانفك، ثم ساله عن علي فذكر محاسن عمله قال: هو ذاك بيته أوسط بيوت صلى اللَّه عليه و آله ثم قال: لعل ذاك يسوءك، قال اجل،قال: فأرغم اللَّه بأنفك، إطلق فاجهد علي جهدك».
و لعل من الأهمية بمكان الإشاره إلى أن النبي صلى اللَّه عليه و آله قد أمر بسد الأبواب الشارعة في المسجد، إلا باب علي و فاطمة، روى النسائي عن ابن عباس أن النبي صلى اللَّه عليه و آله أمر بأبواب المسجد فسدت إلا باب علي، رضي اللَّه عنه»، و في رواية «و سد أبواب المسجد غير باب علي، رضي اللَّه عنه، فكان يدخل المسجد، و هو جنب، و هو طريق غيره»، و روى ابن عساكر عن أم سلمة قالت: خرج النبي صلى اللَّه عليه و آله في مرضه حتى انتهي إلى صرحه المسجد فنادى بأعلى صوته: إنه لا يحل المسجد لجنب ولا لحائض، إلا لمحمد و أزواجه، و علي و فاطمة بنت محمد محمد، ألا هل بيت لكم الأسماء أن تضلوا»، و أخرج الترمذي و البيهقي و البزار عن أبي سعيد قال قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله لعلي: لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد غيري و غيرك» و روى الطبراني في الكبير عن أم سلمه قالت: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله: ألا أن هذا المسجد لا يحل لجنب و لا لحائض، إلا للنبي و أزواجه، و فاطمة بنت محمد و علي، ألا بينت لكم أن تضلوا»، و أخرج أبويعلي عن عمر بن الخطاب قال: لقد أعطي علي ثلاث خصال، لأن تكون لي خصلة منها أحب إلي من أن أعطي حمر النعم، تزويجه فاطمة، و سكناه المسجد مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله، لا يحل لي فيه ما يحل له، و الرايه يوم خيبر. و أخرج الزبير بن بكار في أخبار المدينة عن أبي حازم
الأشجعي قال قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله أن اللَّه أمر موسى أن يبني مسجداً طاهراً لا يسكنه إلا هو و هارون، و أن اللَّه أمرني أن أبني مسجداً طاهراً لا يسكنه إلا أنا، و علي، و ابنا علي»، و روى النسائي عن إبراهيم بعد سعد بن أبي وقاص عن ابيه قال: كنا عند النبي صلى اللَّه عليه و آله و عنده قوم جلوس، فدخل علي كرم اللَّه وجهه، فلما دخل خرجوا، فلما خرجوا تلاومنوا فقالوا: واللَّه ما أخرجنا إذ أدخله، فرجعوا فدخلوا، فقال: واللَّه ما أنا ادخلته و اخرجتكم، بل اللَّه ادخله و أخرجكم» (و ذكره الهيثمي في مجمعه، و قال: رواه البزار و رجاله ثقات).
هذا و روى أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله قرأ (في بيوت أذن اللَّه أن ترفع و يذكر فيها اسمه يسبح فيها بالغدو و الآصال) فقال إليه رجل و قال: أي بيوت هذه يا رسول اللَّه، فقال: بيوت الأنبياء، فقال إليه أبوبكر، و قال: يا رسول اللَّه هذا البيت منها و أشار إلى بيت علي و فاطمة، فقال الرسول: نعم من أفضلها».
بيت الزهراء سلام الله علیها
- الزيارات: 3420