أقسام الاجتهاد :
ينقسم الاجتهاد باعتبار مورده إلى أقسام :
1 ـ أن يجتهد المكلف فيمورد النص القطعي ثبوتاً ودلالته ومعنى قطعي الثبوت أن نعلم بوجوده يقيناً لوروده في كتاب اللّه أو سنة رسول اللّه التي جاءنا بها الخبر المتواتر الذي لا تتطرق إليه الريبه. ومعنى قطعي الدلالة أن يكون واضحاً وضوحاً لا يقبل الشك ولا يحتمل التأويل .
وقد اجمع المسلمون قولاً واحدة السنة منهم والشيعة على منع هذا الاجتهاد وان جوازه لا يمكن بحال أن يكون محلاً للبحث والتساؤل لأن الاجتهاد انما يكون في النظريات لا في البديهيات ولأن هذا الاجتهاد يؤدي إلى محق الدين وتعطيل النصوص وبالتالي إلى جحود الاسلام لأن معنى هذا الاجتهاد في حقيقته: قال اللّه واقوال.. هذا إلى أن منع الاجتهاد في مقابل النص وتحريمه مبدأ مقرر في جميع الشرائع الوضعية قديمها وحديثها .
2 ـ أن يجتهد في مورد لا اجماع ولا نص فيه من كتاب أو سنة وهذا الاجتهاد على قسمين :
القسم الأول: أن يعتمد المكلف في ثبوت الحكم على ما ينقدح في نفسه من مناسبات بين الحكم والموضوع ومشابهات مستنبطة بين موضوع نص الشارع على حكمه وآخر غير منصوص عليه مثل أن يبطل عقد الزواج مع الجهل بالمهر إلحاقاً له بالبيع مع الجهل بالثمن متخيلاً أن المهر عوض عن بضع المرأة كما أن الثمن عوض عن المبيع ومثل أن يرد شهادة ماسح الأحذية لأن مهنته بزعمه لا تناسب أرباب المروءات .
ويدخل في الاجتهاد القياس والاستحسان الظنييّن وما إليهما من الترجيحات التيتعتمد على مجرد الحدس.. وهذا الاجتهاد هو المعروف بالرأي اشارة إلى أنّه ذاتي محض وان المكلف قد اقام رأيه الخاص وظنونه الشخصية مقام النص واتخذ منه أصلاً ومصدارً لا حكم الدين والشريعة .
وقد حرمه الشيعة وأوصدوا بابه منذ البداية تماماً كما حرموا الاجتهاد في مورد النص لأن كلاً منهما ـ في رأيهم ـ يعتمد على ما يقرره المكلف من عنده ويرتئيه بظنه مع العلم بأن احكام اللّه لا تناط بالظنون ولا تصاب بالأوهام بل لا شيء في الكون يكتشف بالظن والحدس فكيف بدين اللّه وأحكام شريعته.. وقد أجاز السنة هذا الاجتهاد من قبل ثم منعوه بعد أن أقفلوا كل باب ونافذة للاجتهاد في القرن الرابع الهجري ولكنهم فرضوا على العالم والجاهل تقليد من أخذ بهذا الاجتهاد وعمل به فيما مضى كابي حنيفة .
القسم الثاني من الاجتهاد مع عدم النص أن يعتمد المكلف في ثبوت الحكم على مبدأ عام يحكم العقل بحصته ويجزم بصوابه مثل الأهم مقدم على المهم عند التزاحم وما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجر واختيار أهون الشرين اللذين لا مناص من أحدهما والضرورات تبيح المحضورات والضرورة تقدّر بقدرها وقبح العقاب بلا بيان ودرء المفسدة أولى من جلب المصلحة والعلم بوجود التكليف يستدعي العلم بطاعته وامتثاله وأصل المشروط عدم شرطه والاذن بالشيء اذن بلوازمه والأصل براءة كل انسان حتى تثبت ادانته وإذا وجدت العلة وجد معلولها وما إلى ذلك من المبادىء التي يقتنع بها كل عاقل ويقطع العقل بصحتها ويستكشف منها وجود الحكم الشرعي كماى يستكشف وجود المسبب من وجود السبب .
وأجاز الشيعة هذا الاجتهاد وفتحوا بابه لكل كفء لأنه يعتمد على العقل الذي يقدسه الاسلام ويطلق له العنان في جميع الآفاق والمجلات الدينية والزمنية. واذا نعى الاسلام على أهل التقليد وطالب كل انسان ان يخلد إلى العقل السليم وان يثبت به وجود اللّه ونبوة الأنبياء فبالأولى أن يبيح له الاعتماد عليه لاثبات حكم من أحكام دينه وشريعته.. وكان هذا الاجتهاد جائزاً من قبل عند السنة ثم منعوه بعد أن أوصدوا باب الاجتهاد بشتى صوره وأنواعه .
3 ـ ان يجتهد في فهم النص الموجود في كتاب اللّه. أو سنة نبيه الثابتة بالخبر المتواتر وغيره. وقد أجاز الشيعة هذا الاجتهاد على شريطة أن يكون النص ظني الدلالة وان لا يتجاوز التفسير الحدود المقررة. ومثال ذلك الآية 228 من سورة البقرة: وَالمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ فإن الدلالة على القرء ظنية لأنه ينطبق على الحيضة والطهر وعلى الفقيه أن يبحث عن الدلائل والقرائن التيتهديه إلى أحد المعنيين فإذا أدى به النظر إلى الطهر أو الحيضة عمل به حتى ولو خالف السلف بكاملهم وحرم عليه متابعتهم ما دام على يقيم من خطأهم .
وقد كان الأمر كذلك عند السنة قبل أن يقفلوا باب الاجتهاد وبعده ألزموا الفقيه بأن لا يتجاوز فيتفسيره رأي إمام من أئمة السلف وأوجبوا عليه أن يعتقد أولاً بما قال الأولون ثم يستدل لرأيهم لا لرأيه. وقد عبّر عن هذه الحقيقة بصراحة أحد أئمة الأحناف المعروف بالكرخي (ت 340 هـ) حيث قال: «كل آية أو حديث يخالف ما عليه أصحابنا فهو مؤول أو منسوخ» .
أمّا إذا كان النص قطعي الدلالة كما هيو قطعي الثوبت فقد حرّم السنة والشيعة الاجتهاد في تفسيره وأي عاقل يجيز أن يفسر قوله تعالى: فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ بالنهي عن التأفيف فقط دون النهي عن الشتم والضرب ؟
4 ـ أن يجتهد في ثبوت السنة أو نفيها إذا رويت عن الرسول الأعظم بالخبر الواحد لا بالخبر المتواتر وأجاز الشيعة هذا الاجتهاد ومنعه السنة حين أوصدوا باب الاجتهاد على الاطلاق .
والخلاصة انّه لا اجتهاد عند الجمعى في مقابل النص أما الاجتهاد فيتفسير النصر الغير قطعي الدلالة ـ وفي ثبوت النص ـ غير قطعي الثبوت ـ وفيها يعتمد على العلم واليقين من حكم العقل واقتناع العقلاء.. أما هذا الاجتهاد فجائز عند الشيعة من قبل ومن بعد وقد أجازه لهم وأمرهم باتباعه أئمة أهل البيت عليهمالسلام. قال الإمام الصادق عليهالسلام: «علينا أن نلقي إليكم الأصول وعليكم أن تفرعوا». وقوله: «لا يكون الفقيه فقيهاً حتى تلحن له فيعرف ما تلحن له» والمراد باللحن هنا الفطنة. قال الشعر العربي: واللحن يعرفه ذوو الألباب .
وكان هذا الاجتهاد جائزاً عند السنة ثم معنوه ولكن منذ الشيخ محمد عبده حتى اليوم والأصوات ترتفع من كبار علماء الأزهر وغيرهم من أعلام السنة وتنادي بفتح باب الاجتهاد وتحطيم القيوم بخاصة المرحوم شلتوت شيخ الأزهر الأسبق. فقد كان أصرح وأجرأ من عرفنا في الدعوة إلى فتح باب الاجتهاد على أوسع نطاق حتى ولو خالف المذاهب الأربعة. وبالفعل استجاب المسؤولون في الجمهورية العربية المتحدة لدعوته وأقروا العديد من الاجتهادات الحديثة منها ان الطلاق ثلاثة يقع واحداً ومنها ان الوصية تجوز للوارث وغير الوارث الى غير ذلك مما يتفق مع مذهب الشيعة الإمامية وغيرهم ويختلف مع المذاهب الأربعة. بل اجاز شلتوت تقليد المذهب الجعفري بوجه عام .
أقسام الاجتهاد :
- الزيارات: 2327