/ صفحة 376 /
ليست هذه الروايات إلا جلبة وصخبا تجاه الحقيقة الراهنة، ووجاه الخلافة الحقة الثابتة بالنصوص الصريحة الصحيحة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قد صدع بها النبي الأمين وحيا من الله العزيز من يوم بدء الدعوة إلى آخر نفس لفظه.
إن هي إلا اللغط والشغب دون أمر ليس لخلق الله فيه أي خيرة، وقد نص النبي الأعظم في بدء دعوته على أن الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء وذلك يوم عرض نفسه صلى الله عليه وآله على بني عامر بن صعصعة ودعاهم إلى الله فقال له قائلهم : أرأيت إن نحن تابعناك على أمرك ثم أظهرك الله على من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك ؟ قال : إن الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء (1) إن هي إلا سلسة بلاء وحلقة شقاء تجر الأمة إلى الضلال، وتسف بها إلى حضيض التعاسة، وتديمها في الجهل المبير، ومهاوي الدمار.
إن هي إلا ولائد النزعات الباطلة، والأهواء المضلة لا مقيل لها في مستوى الحق والصدق، ولا قيمة لها في سوق الاعتبار.
إن هي إلا نسيجة يد الإفك والزور، حبكها التزحزح عن قانون العدل، والتنحي عن شرعة الحق، والبعد عن حكم الأمانة.
إن هي إلا صبغة الهث والدجل شوهت بها صفحات التاريخ، لا يرتضيها أي ديني من رجالات المذاهب، ولا يعول عليها المثقف النابه، ولا يتخذها السالك إلى الله سبيلا، ولا يجد الباحث عن الحق فيها أمنيته.
إن هي إلا نبرات فيها نترات لفقتها المطامع في لماظة العيش، ونجفة الحياة، وزخارف الدنيا القاضية على سعادة البشر.
إن هي إلا قبسات الفتن المضلة، وجذوات مقابس العاطفة والهوى، تفتن الجاهل المسكين، وتحيده عن رشده، وتجعله في بهيتة من أمر دينه، فتحترق بها أصول سعادته في الحياة الدنيا.
****************
(1) سيرة ابن هشام 2 : 33، الروض الأنف 1 : 264، السيرة الحلبية 2 : 3، السيرة النبوية لزيني دحلان 1 : 302،
/ صفحة 377 /
إن هي إلا مدرسات الأمة فاحش التقول وسيئ الإفك والافتعال، تعلمها الحياد عن مناهج الصدق والأمانة، وتحثها على الكذب على الله وعلى قدس صاحب الرسالة وعلى أمناؤه وثقات أمته هل يجد الباحث سبيلا لنجاته عن هذه الورطات المدلهمة ؟ وهل يرجى له الفوز من تلكم السلاسل وقد صفدته من حيث لا يشعر ؟ أي مصدر وثيق يحق أن يثق به الرجل ؟ وعلى أي كتاب أو على أي سنة حري بأن يحيل أمره ؟ أليست الكتب مشحونة بتلكم الأكاذيب المفتعلة المنصوصة على وضعها ؟ أليست تلكم المئات من ألوف الأحاديث المكذوبة مبثوثة في طيات التآليف والصحف ؟ ما حيلة الرجل وهو يرى المؤلفين بين من يذكرها مرسلا إياها إرسال المسلم وبين من يخرجها بالإسناد ويردفها بما يموه على الحق مما يعرب عن قوتها ؟ أو يرويها غير مشفع بما فيها من الغميزة متنا أو إسنادا ؟ كل ذلك في مقام سرد الفضائل، أو إثبات الدعاوي الفارغة في المذاهب.
ثم ما حيلته ؟ وهو يشاهد وراء أولئك الأوضاح من المؤلفين أفاك القرن الرابع عشر القصيمي رافعا عقيرته بقوله : ليس في رجال الحديث من أهل السنة من هو متهم بالوضع والكذابة راجع ص 208.
فما ذنب الجاهل المسكين والحالة هذه في عدم عرفان الحق ؟ وما الذي يعرفه صحيح السنة من سقيمها ؟ وأي يد تنجيه من عادية التقول والتزوير ؟ وهل من مصلح يحمل بين جنبيه عاطفة دينية صادقة ينقذه عن ورطات القالة وغمرات الدجل ؟.
نعم : كتبنا له في الألواح من كل شئ موعظة، وفصلنا لكل شئ، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة، ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون، وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم، بغيا بينهم، إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون، ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون، فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها و اتبع هواه فتردى، والسلام على من اتبع الهدى.