• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الهلكة فاعجب إذن بالمناقضة بين روايتها وعملها دواليك وهي صحابية عادلة أم الصحابة العدول كما يزعمون .

/ صفحة 324 /
أم أنها أسندتها بعد تلكم المعامع ؟ بعد أن سول لها الناكثان النهضة للطلب بثاراته .
فخرجا يجران حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما تجر الأمة عند شرائها متوجهين بها إلى البصرة، فحبسا نساءهما في بيوتهما، وأبرزا حبيس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن خدرها (1) فثارت لتتدارك ذلك الحوب بما هو أكبر منه، فخالفت القرآن الكريم فيما خص زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: " وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى " فكان من استقرارها في بيتها أن ركبت الجمل وقادت العساكر، وباشرت الحرب بنفسها، وعاشرت الرجال الأجانب، ونبذت الكتاب وراء ظهرها، ولم ترع لبعلها حرمة ولا كرامة .
وخالفت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في نواهيه المتعاقبة عن خصوص موقف الجمل كما مرت في الجزء الثالث ص 188 - 191 ط 2، وعن مطلق مناوءة أمير المؤمنين عليه السلام ومحاربته فيما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم مستفيضا كما أسلفنا نزرا منه في ج 1: 336، 337 و ج 2: 300 - 303، و ج 3: 26، 182 - 188 و ج 4: 322 - 325 ط 2 .
نعم خالفت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وصاياه المؤكدة بوصيه الطاهر حتى جاء في حديث معمر: عائشة كانت لا تطيب نفسا لعلي بخير .
وفي حديث آخر: لكنها لا تقدر على أن تذكره بخير (2) .
والحديث صحيح رجاله كلهم ثقات أخرجه أحمد في مسنده 6: 228 من طريق معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عتبة أن عائشة أخبرته قالت: أول ما اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة فاستأذن أزواجه أن يمرض في بيتها فأذن له قالت: فخرج ويد له على الفضل بن عباس، ويد على رجل آخر، وهو يخط برجليه في الأرض .
قال عبيد الله فحدثت به ابن عباس فقال: أتدرون من الرجل الآخر الذي لم تسم عائشة ؟ هو علي، ولكن عائشة لا تطيب له نفسا .
وأخرجه البخاري في صحيحه في باب حد المريض أن يشهد الجماعة، غير أنه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع ما مضى في هذا الجزء ص 106 .
(2) فتح الباري 2: 123 .
/ صفحة 325 /
حذف منه قول ابن عباس: " ولكن عائشة لا تطيب له نفسا " وهذا شأن البخاري في كل ما لا يروقه .
نعم عائشة لا تقدر أن تسمي عليا وتذكره بخير، غير أنها كانت تصيخ إلى من نال من علي عليه السلام وتأنس بالوقيعة فيه ولا تنهى عنها كما في صحيحة رجالها كلهم ثقات أخرجها أحمد في مسنده 6: 113 من طريق عطاء بن يسار قال: جاء رجل فوقع في علي وفي عمار رضي الله تعالى عنهما عند عائشة فقالت: أما علي فلست قائلة لك فيه شيئا، وأما عمار فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يخير بين أمرين إلا اختار أرشدهما .
لم يا أماه لست قائلة شيئا في علي ؟ أما سمعت أذناك من بعلك حديثا واحدا في فضله مثل ما سمعت في عمار ؟ أما تجدين في كتاب الله مما نزل في علي ما يعادل حديثك في عمار ؟ وفضل علي عليه السلام على عمار كما قال حذيفة اليماني: فوالله لعلي أفضل من عمار أبعد ما بين التراب والسحاب، وإن عمارا من الأخيار (1) .
لم يا أماه لا تكرهين أن يقذع عندك علي عليه السلام، وأنت التي كنت كارهة أن يسب عندك حسان بن ثابت ؟ وقد أخبر بذلك عروة قال: كانت عائشة تكره أن يسب عندها حسان وتقول: إنه الذي قال:
فــــــإن أبي ووالده وعرضي          لعرض محمد منكم وقاء (1)
أما كانت عندك لمواقف علي المشكورة في مغازي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولمبيته على فراشه ليلة هجرته من مكة وقد باهى الله به ملائكته، قيمة وكرامة مقدار بيت شعر لحسان ؟ وحسان أنت أدرى به مني . إي يا أماه ؟ شنشنة أعرفها من أخزم .
ومن رشحات ما كانت تحمله أم المؤمنين بين جنبيها من الضغينة على أول المسلمين وأولاهم لهم بهم من أنفسهم قولها يوم سمعت بيعة الناس له: لوددت أن السماء انطبقت على الأرض إن تم هذا .
وخالفت العقيدة الراسخة من حرمة قتال خليفة الوقت، وليتني علمت ماذا يكون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه ابن عساكر كما في كنز العمال 7: 73 .
(2) راجع مسند أحمد 6: 197
/ صفحة 326 /
جواب أم المؤمنين لو أحفيت السؤال عن خطيئتها أيهما أعظم ؟ إجهازها على عثمان أم محاربتها الإمام أمير المؤمنين عليا عليه السلام ؟ غير أنها اليوم وقد كشف عنها الغطاء تجيب بأن الخطيئة كانت واحدة مرتكزة على سنام الجمل وتحت أستار الهودج، وهل كانت روايتها هذه لتبرير عملها الأخير ؟ وقد جعلتها معذرة لها في ثورتها أو أنها اختلقت عليها فأخرجتها رواة السفاسف أو حملة الأضغان على البيت النبوي الطاهر، أو سماسرة البيت الأموي الذين حاولوا نشر الفضيلة لهم ولو بالأفائك ؟ وكانت أم المؤمنين عالمة جدا بأن قتل عثمان كان هينا عند الله ورسوله في جنب خروجها من عقر دارها كما قال لها جارية بن قدامة السعدي الصحابي: يا أم المؤمنين ؟ والله لقتل عثمان بن عفان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح، إنه قد كان لك من الله ستر وحرمة، فهتكت سترك، وأبحت حرمتك، إنه من رأى قتالك فإنه يرى قتلك، إن كنت أتيتينا طائعة ؟ فارجعي إلى منزلك، وإن كنت أتيتينا مستكرهة ؟ فاستعيني بالناس (1) ثم هل كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعو لعثمان بالثبات على الحق من إتباع الكتاب والسنة ؟ فلماذا لم يستجب ذلك الدعاء فخالفهما ؟ وظهر ذلك منه حتى عرفته عامة الصحابة فأنكروه عليه حتى قتلوه .
أو أنه كان يدعو له بالتوفيق للتوبة ؟ فلماذا لم يوفق ؟ فكلما تاب رجع، وكلما عهد حنث، حتى عرف ذلك الثائرون عليه فلم يجدوا بدا من إعدامه .
أو أنه كان يدعو له بالمغفرة وإن لم تكن توبته نصوحا ؟ فذلك إغراء بالجهل، وترخيص في المعصية، وهو محال على النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
أو أنه كان يدعو له بدفع عادية الناس عنه على ما هو عليه من طاعة أو معصية ؟ فهبني قلت: إنه جائز لكن الدعاء لم يستجب، وما غناء بقاء رجل هو هكذا سالما ؟ وهو لا يقتص أثره في صلاح، ولا يقتفى في طاعة، ولا يتبع في خير، وإنما تورث سلامته تجريا على المعاصي وولعا بالميول والشهوات أو أنه كان يدعو له باليسار والثروة ليرغد عيشه ويرغد عيش من لف لفه و
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ الطبري 5: 176، الكامل لابن الأثير 3: 90 .
/ صفحة 327 /
احتف به ولو كان بالأثرة لنفسه وذويه على المسلمين عامة متعديا حدود الله المأثورة في الأموال والصدقات ؟ فهل الدعاء لمثل هذا جائز في الشريعة ؟ وهل يستسيغ العقل السليم الدعاء للحصول على المآثم ؟ أو أنه كان يدعو له بنيل الخلافة ؟ وهذا إن صح فقد استجيب غير أن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم كان بواسع علم النبوة بصيرا بما يؤل إليه أمر الرجل وينوء به مما لا تحمده شريعة أو عقيدة، ولا يستتبع خلافته إلا وهنا في الدين، وذهابا لأبهة الإمامة وقلقا في مستوى الاسلام وعاصمة النبوة، وتعكيرا لصفو الألفة بين أفراد المسلمين، وفتا في عضدهم، وهوانا على صلحاء الأمة في الحواضر الإسلامية، وتعطيلا للأحكام، وتعديا للحدود، ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون، وكل هذه مما عرفته منه الصحابة فتألبوا عليه، فما كان حاجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خليفة هو هكذا ؟ .
هذه محتملات الدعاء المزعوم، ولنا ها هنا مسائلة أخرى عن السبب الموجب لهذا الدعاء أولا وعن ظرفه ثانيا، أهل كان الموجب له أعماله السابقة على الدعاء ؟ أو ما ارتكبه في أخريات أيامه ؟ فجر على نفسه ومن اكتنفه الويلات من جرائه، أما الأخيرة فقد عرفت أنها لا تنهض موجبا لذلك، وأما سوابقه فسل عنه يوم بدر وتخلفه عنه وكان يعير بذلك طيلة حياته، ووقع فيه عبد الرحمن بن عوف لذلك في أخريات خلافته بملأ من الناس فأنهى إليه ذلك الوليد بن عقبة السكير الفاسق بلسان الوحي المبين (1) هنالك نحت له عذرا من تمريض رقية بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم (2) لكن الصحابة ما كانوا يعرفون ذلك العذر المفتعل حتى أولى الناس به أخوه بالمؤاخاة بمكة عبد الرحمن بن عوف، ولو كان ما يقوله صحيحا لعرفوه وهو بين ظهرانيهم غير منتأى عنهم .
وسل عنه يوم أحد وفراره من الزحف وقد نزل فيه وفيمن فر قوله تعالى " في سورة آل عمران آية: 155 ": إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا . الآية (3) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مر تفصيل ذلك في ج 8: 274 - 276 ط .
(2) راجع مسند أحمد 1: 68، 75، الرياض النضرة 2: 97، تاريخ ابن كثير 7: 206 .
(3) راجع مسند أحمد، 1، 68، تفسير القرطبي 4 . 245، تفسير ابن كثير 1: 419، الرياض النضرة 2: 97، تفسير الخازن 1: 307 .
/ صفحة 328 /
وسل عنه ليلة وفاة أم كلثوم واقترافه الذنب فيها، وهتك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرمته في صبيحتها بملأ من الصحابة بحرمانه من دفنها وهي زوجته وهو أحق الناس بدفنها، راجع ما أسلفناه في الجزء الثامن ص 231 ط 2 .
وسل عنه إيواءه عبد الله بن أبي سرح وقد ارتد عن الاسلام ولحق بالمشركين فأهدر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دمه يوم الفتح وأمر بقتله ولو وجد تحت أستار الكعبة، لكنه فر إلى أخيه من الرضاعة " عثمان " فآواه وغيبه، وكان من واجبه قتله أينما وجده، لكنه بدلا عن ذلك أتى به إلى رسول الله فاستأمنه له فصمت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طويلا رجاء أن يقتله أحد من الحضور لأنه ما كان يروقه صلى الله عليه وآله وسلم إسعافه ولا يرى لحياة ابن أبي سرح قيمة .
راجع ما أسلفناه في الجزء الثامن ص 280 ط 2 .
وسل عنه إيواءه ابن عمه المشرك معاوية بن المغيرة بن أبي العاص يوم حمراء الأسد لما ظفر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في خروجه منها فأمر بضرب عنقه صبرا فلجأ إلى عثمان فاستأمن له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأمنه على أنه إن وجد بعد ثلاث قتل فأقام بعد ثلاث و توارى فبعث صلى الله عليه وآله وسلم عمار بن ياسر وزيد بن حارثة وقال: إنكما ستجدانه بموضع كذا وكذا فوجداه فقتلاه (1) .
وما أشبه فعلته هذه بإيوائه الحكم وابنه مروان في خلافته وهما طريدا رسول الله ولعيناه ؟ (2) فأمره سواسية في المبدأ والمنتهى .
هذا كل ما علمناه من سوابق الرجل ولواحقه، وشئ منها لا يصلح أن يكون باعثا للحب والدعاء كما أن شيئا منها لا يترك للدعاء المزعوم ظرفا يستساغ له الدعاء فيه، فزبدة المخض أنه من مختلق الدور الأموي الذي لم يأل العبشميون فيه جهدا في وضع الفضائل أو الرذائل .
نعم ذكروا له صلى الله عليه وآله وسلم دعوات عديدة لعثمان عند تجهيزه جيش العسرة، ولعل المتهالك في حب عثمان ينحته موجبا لتلكم الدعوات، والباحث جد خبير بأنه لا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سيرة ابن هشام 3 :، تاريخ ابن كثير 4: 51، عيون الأثر لابن سيد الناس 2: 37، 38، شرح الأشخر على بهجة المحافل 1: 213 .
(2) راجع ترجمة الحكم وابنه مروان في الجزء الثامن من كتابنا هذا .
/ صفحة 329 /
يعدو شيئا منها وهن في الاسناد لضعف في رجاله أو إرسال فيه، على اضطراب الروايات في كيفية التجهيز وكمية ما أنفقته يده فيه، اضطرابا لا يعدوه الحكم بالبطلان في جميعها: قال ابن هشام في السيرة 4: 172: أنفق عثمان بن عفان في ذلك نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها .
حدثني من أثق به أن عثمان بن عفان أنفق في جيش العسرة في غزوة تبوك ألف دينار .
إلى آخر ما يأتي من حديثه .
وأخذ الطبري الجملة الأولى من قول ابن هشام وترك حديثه .
وعند الكلبي مرسلا كما في أسباب النزول للواحدي 61 جهز بألف بعير بأقتابها وأحلاسها .
وعند قتادة مرسلا: حمل على ألف بعير وسبعين فرسا .
وعند البلاذري بإسناد ضعيف مرسل: جهزهم بسبعين ألفا .
وعند الطبراني بإسناد ضعيف: مائتا بعير بأقتابها وأحلاسها ومائتا أوقية من الذهب .
وعند أبي يعلى بسند ضعيف: جاء بسبعمائة أوقية ذهب .
وعند أبي ابن عدي بسند واه ضعيف جدا: جاء بعشرة آلاف دينار .
وعند أبي نعيم بإسنادين باطلين: جاء بألف دينار .
وعند أحمد وأبي نعيم بإسناد معلول: ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها .
وعند ابن عساكر مرسلا: جهز ثلث ذلك الجيش مؤنتهم .
وعند ابن الأثير ما ذكره الطبري وزاد عليه: قيل كانت ثلثمائة بعير وألف دينار .
وعند عماد الدين العامري دعوى مجردة: أنفق ألف دينار، وحمل على تسعمائة وخمسين بعيرا وخمسين فرسا .
وعند الحلبي صاحب السيرة قولا بلا دليل: جهز عشرة آلاف دينار غير الإبل و الخيل وهي تسعمائة بعير ومائة فرس والزاد وما يتعلق بذلك حتى ما تربط به الأسقية .
وعند بعض كما في السيرة الحلبية: أعطى ثلاث مائة بعير بأحلاسها وأقتابها و خمسين فرسا .
وفي رواية عند الحلبي: جاء بعشرة آلاف دينار إلى رسول الله فصبت بين يديه .
فقال: لعل هذه العشرة آلاف غير الذي جهز بها العشرة آلاف إنسان .
/ صفحة 330 /
فترى كل واحد يكل ويزن ما أنفقه الرجل في جيش العسرة بكيلة مروءته و ميزان كرامته، وما تستدعيه سعة صدره، ورحب ذات يده .
على أن هناك أناسا آخرين شاركوا من جهز الجيش وأربوا، فلا أدري ما الموجب لاختصاص عثمان بتلكم الأدعية دونهم ؟ فمن أولئك المجهزين العباس بن عبد المطلب فإنه حمل مالا يقال إنه تسعون ألفا (1) وقال صلى الله عليه وآله وسلم: العباس عم نبيكم أجود قريش كفا وأحناه عليها .
وفي حديث: أوصلها لها " مستدرك الحاكم 3: 328 " وأول من حمل ماله كله هو أبو بكر على زعم القوم فإنه جاء بماله كله فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هل أبقيت شيئا ؟ قال: الله ورسوله (2) .
وهب أن ما حمله أبو بكر كان نزرا يسيرا لكنه أنفق بكل ماله إن صدق الحديث وكمال الجود بذل الموجود .
فما الذي أرجأه من الحظوة بالدعاء له ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يراه أمن الناس عليه بماله ؟ وقد جاء عنه صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه أحمد في مسنده 1: 270 قوله: ليس أحد أمن علي في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة .
على أن طبع الحال يستدعي أن يكون هناك منفقون آخرون لأن عدد الجيش كان ثلاثين ألفا وعشرة آلاف فرس واثنا عشر ألف بعير عند كثير من المؤرخين، وعند أبي زرعة كانوا سبعين ألفا، وفي رواية أربعين ألفا (3) وما ذكروه من النفقات لعثمان وغيره لا تفي بتجهيز هذا الجيش اللجب، فلماذا حرم أولئك كلهم من الدعاء وحظي به عثمان فحسب ؟ أنا أنبئك لماذا، وجد عثمان بعد ما خذل وقتل أنصارا ينحتون له الفضائل، وتصرمت أيام أولئك من غير نصير مفتعل .
وإليك جملة مما روي في الباب وافية للنهوض بإثبات بطلان ما يهتف به من المبالغة في أمر التجهيز المذكور، منها: 24 - أخرج أبو نعيم في حلية الأولياء 1: 59 من طريق حبيب بن أبي حبيب أبي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إمتاع المقريزي ص 446 .
(2) تاريخ ابن عساكر 1: 110، شرح المواهب للزرقاني 3: 64، السيرة الحلبية: 145 .
(3) طبقات ابن سعد رقم التسلسل 683، تاريخ ابن عساكر 1: 111، إمتاع المقريزي ص 650، فتح الباري 8: 93، المواهب اللدنية 1: 173، إرشاد الساري 6: 438، شرح بهجة المحافل 2: 30 .
/ صفحة 331 /
محمد البصري - كاتب مالك - عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال: لما جهز النبي صلى الله عليه وسلم جيش العسرة جاء عثمان بألف دينار فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أللهم لا تنس لعثمان، ما على عثمان ما عمل بعد هذا .
قال الأميني: أتخفى على مثل الحافظ أبي نعيم أقوال أئمة الفن من قومه في حبيب كاتب مالك ؟ قال عبد الله بن أحمد - إمام الحنابلة - عن أبيه أنه قال: حبيب ليس بثقة قدم علينا رجل أحسبه قال من خراسان كتب عنه كتابا .
إلى أن قال: قال أبي: كان يكذب، ولم يكن أبي يوثقه ولا يرضاه وأثنى عليه شرا وسوء . وقال أبو داود: كان من أكذب الناس كان يضع الحديث . وقال أبو حاتم: متروك الحديث روى عن ابن أخي الزهري أحاديث موضوعة .
وقال النسائي والأزدي، متروك الحديث . وقال ابن حبان: كان يدخل على الشيوخ الثقات ما ليس من حديثهم .
و قال: أحاديثه كلها موضوعة وذكر له عدة أحاديث عن هشام بن سعد وغيره وقال: كلها موضوعة، وعامة حديثه موضوع المتن، مقلوب الاسناد، ولا يحتشم حبيب في وضع الحديث على الثقات، وأمره بين في الكذب .
وقال أبو أحمد الحاكم: ذاهب الحديث .
وقال سهل بن عسكر: كتبنا عنه عشرين حديثا وعرضناها على ابن المديني فقال: هذا كله كذب، وقال النسائي: متروك أحاديثه كلها موضوعة عن مالك وغيره (1) .
وأخرجه أحمد من طريق ضمرة بن ربيعة الدمشقي الرملي، قال الساجي: صدوق يهم عنده مناكير، وجاء ضمرة عن الثوري عن ابن دينار عن ابن عمر بحديث فأنكره أحمد ورده ردا شديدا، وقال: لو قال رجل إن هذا كذب لما كان مخطئا .
وأخرجه الترمذي وقال: لا يتابع ضمرة عليه وهو خطأ عند أهل الحديث راجع تهذيب التهذيب 4: 461 .
(ومنها): 25 - أخرج أحمد في مسنده 1: 74 من طريق محمد بن أبي بكر المقدمي البصري عن محمد بن عبد الله الأنصاري البصري عن هلال بن حق البصري عن سعيد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع ميزان الاعتدال 1: 210، تذكرة الموضوعات للمقدسي ص 90، مجمع الزوائد للهيثمي 9: 74، تهذيب التهذيب 2: 181، اللئالي المصنوعة 1: 8، 230، خلاصة الكمال ص 60، أسنى المطالب ص 216 .
/ صفحة 332 /
الجريري (1) البصري عن ثمامة القشيري قال: شهدت الدار يوم أصيب عثمان رضي الله عنه فطلع عليهم إطلاعة فقال: ادعوا لي صاحبيكم اللذين (2) ألباكم علي فدعيا له فقال: نشدتكما الله أتعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة ضاق المسجد بأهله فقال: من يشتري هذه البقعة من خالص ماله ؟ فيكون فيها كالمسلمين وله خير منها في الجنة .
فاشتريتها من خالص مالي فجعلتها بين المسلمين ؟ وأنتم تمنعوني أن أصلي فيه ركعتين .
ثم قال: أنشدكم الله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة لم يكن فيها بئر يستعذب منه إلا رومة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يشتريها من خالص ماله فيكون دلوه فيها كدلى المسلمين ؟ وله خير منها في الجنة .
فاشتريتها من خالص مالي ؟ فأنتم تمنعوني أن أشرب منها .
ثم قال هل تعلمون أني صاحب جيش العسرة ؟ قالوا: أللهم نعم .
وذكره البلاذري في الأنساب 5: 5، 6 من طريق يحيى بن أبي الحجاج البصري عن سعيد الجريري وزاد: فأنشدكما الله هل تعلمان أني جهزت جيش العسرة من مالي ؟ قالا: أللهم نعم .
قال: أنشدكما الله هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بثبير، أو قال: بحراء .
فتحرك الجبل حتى تساقطت حجارته إلى الحضيض فركضه برجله فقال: أسكن فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد ؟ قالا: أللهم نعم .
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 6: 168 من طريق يحيى بن أبي الحجاج عن الجريري عن ثمامة .
(رجال الاسناد) :
1 - محمد بن عبد الله الأنصاري: قال العقيلي: منكر الحديث .
وقال أبو أحمد الحاكم: روى يحيى بن خذام عنه عن مالك بن دينار أحاديث منكرة والله أعلم الحمل فيه عليه أو على يحيى .
وقال ابن حبان: منكر الحديث جدا يروي عن الثقات ما ليس من حديثهم، لا يجوز الاحتجاج به وقال: ابن طاهر: كذاب .
وقال الحاكم النيسابوري: يروي أحاديث موضوعة .
وقال أبو الفضل الهروي: ضعيف .
وقال الأزدي: منكر الحديث جدا روى عن مالك بن دينار أحاديث معاضيل: تهذيب التهذيب 9: 256 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجريري بضم الجيم وفتح الراء نسبة إلى جرير بن عباد .
(2) يعني طلحة والزبير، ووقعت التسمية في غير واحد من أحاديث المناشدة وكلها أكاذيب .
/ صفحة 333 /
لا يحسب الباحث أن محمد بن عبد الله الأنصاري هذا هو عبد الله البصري محمد ابن عبد الله بن المثنى فإنه يروي عن سعيد الجريري بلا واسطة كما في تهذيب التهذيب 4: 6 و ج 9: 274 والذي يروي عنه بالواسطة هو هذا الأنصاري المترجم له .
2 - سعيد أبو مسعود الجريري وهو وإن كان ثقة في نفسه لكنه لا تصح روايته لاختلاطه ثلاث سنين من عمره، قال أبو حاتم: تغير حفظه قبل موته فمن كتب عنه قديما فهو صالح .
وقال يزيد بن هارون ربما ابتلانا الجريري وكان قد أنكر .
وقال ابن معين عن ابن عدي: لا نكذب الله سمعنا من الجريري وهو مختلط .
وقال ابن حبان: اختلط قبل أن يموت بثلاث سنين .
وقال يحيى بن سعيد لعيسى بن يونس: أسمعت من الجريري ؟ قال: نعم .
قال: لا ترو عنه، يعني لأنه سمع منه بعد اختلاطه .
وقال ابن سعد: كان ثقة إن شاء الله إلا أنه اختلط آخر عمره " تهذيب التهذيب 4: 6 " .
3 - يحيى بن أبي الحجاج البصري في طريق البلاذري .
قال النسائي وابن معين: ابن أبي الحجاج ليس بشئ .
وقال أبوح أتم: ليس بالقوي .
ونحن لو غاضينا العثمانيين على صحة هذه الرواية وأمثالها فإنها تعود وبالا على عثمان أكثر منها منقبة فإن في صريحها أن الرجلين وهما من العشرة المبشرة ومن الستة أصحاب الشورى وفي الجبهة والسنام من الصحابة العدول " عند القوم " إعترفا له بما استنشدهما لكنهما لم يأبها بما حاوله عثمان من مفاد الرواية فاستمرا على التأليب عليه والضغط والتشديد، فهل هو مجابهة منهما لما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ؟ " ويرده عدلهما وكونهما من العشرة " أو أنهما علما أن الشئ حدث بعده شئ أزاح موضوعه ؟ وإنما كان قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرحلة الاقتضاء من آثار تلكم الأعمال الطبيعية إذا استمر صاحبها على ما هو عليه في هاتيك الأحوال، ولم يحدث موانع فإنهما كانا يرتئيان حدوث موانع هنالك سالبة لأثر الاقتضاء .
وبهذا الاعتقاد مضيا مصرين على ما ارتكباه من أمر الخليفة، وهما يريانه حائدا عن الصراط السوي .
ولعل عثمان نفسه ما كان جازما ببقاء تلكم الآثار التي كان نوه بها النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم نظرا منه لما أحدث بعد ذلك من الحوادث، ولذلك كان يحاذر أن يكون هو الرجل الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أنه يلحد بمكة رجل عليه
/ صفحة 334 /
نصف عذاب أهل الأرض كما مر حديثه الصحيح في ص 152 من هذا الجزء .
ويشبه طلحة والزبير بل وعثمان نفسه بقية الصحابة المجهزين عليه فيما بيناه من الاعتقاد في حق الرجل .
فراجع ما قدمناه من أقوالهم وأعمالهم المذكورة في الجزء الثامن وفي هذا الجزء ص 69 - 163، ولا تنس قولهم له في مناشدته المذكورة في ص 204: وأما ما ذكرت من قدمك وسبقك مع رسول الله فإنك قد كنت ذا قدم وسلف وكنت أهلا للولاية، ولكن: بدلت بعد ذلك وأحدثت ما قد علمت .
وقولهم له: وأما قولك: إنه لا يحل إلا قتل ثلاثة فإنا نجد في كتاب الله قتل غير الثلاثة الذين سميت: قتل من سعى في الأرض فسادا، وقتل من بغى ثم قاتل على بغيه، وقتل من حال دون شئ من الحق ومنعه ثم قاتل دونه وكابر عليه، وقد بغيت، ومنعت الحق، وحلت دونه، وكابرت عليه .. الخ .
ونظير هذه الأقوال الكثير المعرب عن آراء الصحابة فيه وفي أحداثه، وكلها تكذب القول بأن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسمي الرجل شهيدا .
نعوذ بالله من الاختلاق بلا تدبر (ومنها):
26 - أخرج سيف بن عمر في الفتوح من طريق صعصعة بن معاوية التيمي قال: أرسل عثمان وهو محصور إلى علي وطلحة والزبير وغيرهم .
فقال: احضروا غدا فأشرف عليهم وقال: أنشدكم الله ولا أنشد إلا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حفر رومة فله الجنة .
فحفرتها ؟ ألستم تعلمون أنه قال: من جهز جيش العسرة فله الجنة .
فجهزته ؟ قال: فصدقوه بما قال .
ذكره ابن حجر في فتح الباري 5: 314 وقال: وللنسائي من طريق الأحنف بن قيس إن الذين صدقوه بذلك هم: علي بن أبي طالب وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص .
ترى ابن حجر هاهنا ساكتا عن الغمز في هذه الرواية وهو الذي جمع أقوال الحفاظ في سيف بن عمر من أنه ضعيف، متروك، ساقط، وضاع، عامة حديثه منكر، يروي الموضوعات عن الاثبات، كان يضع الحديث، واتهم بالزندقة " راجع ج 8: ص 84، 333 من كتابنا هذا " وكأنه أراد من عد من صدق عثمان في دعواه إثبات فضيلة له ذاهلا عن أن كثرة
/ صفحة 335 /
المصدقين في المقامين على تقدير صحة الخبر - وأنى هي ؟ - تزيد عارا وشنارا على الرجل، وتعود وبالا عليه أكثر منها منقبة كما مر بيانه، وإني لا أشك في أن الباحث بعد هذا البيان الضافي لا يقيم لهذه المناشدة وزنا وإن خرجه البخاري في صحيحه في كتاب الوصايا باب إذا وقف أرضا أو بئرا ج 4 ص 236 (1) وما أكثر بين دفتي هذا الصحيح من سقيم يجب أن يضرب به عرض الحائط كما هو الظاهر لدى من يراجع كتاب " أبو هريرة " لسيدنا الآية شرف الدين وغيره من تآليفه، وسنوقفك على جلية الحال في الأجزاء الآتية إن شاء الله تعالى . (ومنها):
27 - أخرج أسد بن موسى في فضائل الصحابة عن قتادة البصري قال ؟ حمل عثمان على ألف بعير وسبعين فرسا في العسرة . ذكره ابن حجر في فتح الباري 5: 315 وقال: مرسل .
ولم يسم ابن حجر رجال الاسناد بين أسد بن موسى وبين قتادة وكذلك من قتادة إلى منتهى السند، فالرواية مرسلة من الطرفين، ولعل في مرحلتي السند أناس من الوضاعين المفضوحين ستر عليهم أسد بني مروان بذيل أمانته، وراقه الابقاء على كرامة الحديث بإسقاطهم، وأسد ابن موسى هو حفيد الوليد بن عبد الملك بن مروان الأموي قال النسائي مع توثيقه: لو لم يصنف كان خيرا له .
وقال ابن يونس: حدث بأحاديث منكرة وأحسب الآفة من غيره .
وقال ابن حزم: منكر الحديث ضعيف .
وقال عبد الحق: لا يحتج به عندهم (2).
(ومنها) :
28 - أخرج أبو يعلى من وجه آخر فيه قال: فجاء عثمان بسبعمائة أوقية ذهب . ذكره ابن حجر في الفتح 5: 315 وقال: ضعيف . وليته كان يذكره بإسناده حتى كنا نوقف الباحث على ترجمة رجاله الكذابين .
(ومنها):
29 - أخرج ابن عدي من طريق عمار بن هارون (3) أبي ياسر المستملي عن إسحاق ابن إبراهيم المستملي عن أبي وائل عن حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى عثمان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه من طريق أبي إسحاق السبيعي الشيعي المدلس وقد مرت ترجمته في ج 7: 276 وإنه ضعيف جدا لا يحتج بحديثه، عن أبي عبد الرحمن العثماني .
(2) ميزان الاعتدال 1: 97، تهذيب التهذيب 1: 260 .
(3) في تاريخ ابن كثير: عمار بن ياسر المستملي .
والصحيح ما ذكرناه .
/ صفحة 336 /
يستعينه في غزاة غزاها فبعث إليه عثمان بعشرة آلاف دينار فوضعها بين يديه فجعل يقلبها بين يديه ويدعو له: غفر الله لك يا عثمان ! ما أسررت وما أعلنت وما أخفيت وما هو كائن إلى يوم القيامة، ما يبالي عثمان ما فعل بعدها .
ذكره ابن كثير في تاريخه 7: 212 ساكتا عما في إسناده من العلل عاداته في فضائل من غمره حبه، وأورده ابن حجر في فتح الباري 5: 315 فقال: سند ضعيف جدا .
وقال في ج 7 ص 43: سنده واه .
وذكره القسطلاني في المواهب اللدنية 1: 172 ساكتا عن علله وعقبه الزرقاني بقول ابن حجر راجع شرح المواهب 3: 65، و ستوافيك ترجمة بعض رجال الاسناد الضعفاء في هذا الجزء .
وذكر ابن كثير في تاريخه 7: 212 وقال: روى الحسن بن عرفة عن محمد بن القاسم الأسدي الشامي عن الأوزاعي الشامي عن حسان بن عطية الدمشقي عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا أنه قال لعثمان: غفر الله لك ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما كان منك وما هو كائن إلى يوم القيامة .
قال الأميني: لو لم يكن في إسناد هذه الأكذوبة المرسلة إلا محمد بن القاسم الذي كان عثمانيا كما قاله العجلي لكفاه وهنا، أيخفى على ابن كثير المحتج بها قول النسائي في محمد بن القاسم: إنه ليس بثقة كذبه أحمد ؟ أم قول الترمذي: تكلم فيه أحمد وضعفه ؟ أم قول أبي حاتم: ليس بقوي لا يعجبني حديثه ؟ أم قول أبي داود: إنه غير ثقة ولا مأمون أحاديثه موضوعة ؟ أم قول ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه ؟ أم قول البراء: حدث بأحاديث لم يتابع عليها ؟ أم قول الدار قطني: كذاب ؟ أم قول ابن القاسم: أحاديثه موضوعة ليس بشئ ؟ أم قول البخاري عن أحمد: رمينا حديثه ؟ أم قوله في موضع آخر: كذبه أحمد ؟ أم قول ابن حبان: يروي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم لا يجوز الاحتجاج به ؟ أم قول العقيلي: يعرف وينكر، تركه أحمد و قال: أحاديثه أحاديث سوء ؟ أم قول أبي أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم ؟ أم قول البغوي: ضعيف الحديث ؟ أم قول الأزدي: متروك (1) .
وهذا كاف في وهن السند وبطلانه، وإن غضضنا الطرف عن بقية ما فيه من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ميزان الاعتدال 3: 122، تهذيب التهذيب 9: 407 .
/ صفحة 337 /
الشاميين أعداء الحق وأضداد العترة الطاهرة صلوات الله عليهم، وما فيه من الإرسال الموهن للرواية، ودع عنك ما في متنه مما يضاد الأصول المسلمة من الترخيص في المعصية مما هو كائن إلى يوم القيامة، فهو يوجب التجري على المعاصي فيما يستقبل الرجل من الأيام، وأي إنسان غير معصوم يقال له: إن كل ما سوف ترتكبه من المآتم مغفور لك .
فلا تحدوه شهواته إلى توهين اقترافها، واستسهال ركوبها ؟ والشهوة غريزة في الانسان تقوده إلى مهاوي الهلكة كل حين، والمعصوم من عصمه الله تعالى .
نعم حقا يقال: إن سيرة عثمان تصدق هذه الرواية فإنها لا تشبه إلا سيرة من رخص بالمآثم، وأذن لاقتحام الطامات والموبقات، وبشر بغفران هناته وعثراته، فكان غير مكترث لمغبة فعاله، ولا مبال بمعرة مقاله .
وهب إن الحسنات يذهبن السيئات من غير حقوق الناس والكبائر المخرجة عن الدين التي سلفت من الانسان، ولكن أي عمل بار في الشريعة " ولا أقول من أعمال عثمان فحسب " .
يبيح للمكلف السيئات فيما يأتي من عمره إلى يوم القيامة ويبشره بالمغفرة فيها جمعاء ؟ وليس في ميزان الأعمال ما هو أرجح من الإيمان ومع ذلك فهو غير ممتاز عما سواه بمغفرة ما يأتي به صاحبه في المستقبل، وإنما يجب ما قبله، والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم (1)، وإلا لبطلت المواعيد والعقوبات المتوجه خطابها إلى المؤمنين أجمع .
وإنا لم نجد في أعمال عثمان عملا بارا يستدعي هذه المغالاة الخارجة عن أصول الاسلام، غير ما أنفقه على جيش العسرة إن صح من ذلك شئ، وما خسره على بئر رومة، وقد علمت أن جيش العسرة أنفق عليه غيره ما هو أكثر مما أنفقه هو، وما أكثر من حفر الآبار وكرى الأنهار وسبل مياهها للمسلمين، فلو كان عمل عثمان هذا يستدعي المغفرة إلى يوم القيامة لوجب أن يغفر لأولئك الأقوام والأمم ذنوبهم إلى ما بعد القيامة بفئام، لكن الحظوظ ساعدت عثمان ولم تساعدهم . فتبصر واعجب .
وهل علمت الصحابة بهذا الغفران ثم نقموا عليه ما كان ينجم منه من هنات بعد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة محمد: آية 2 .
/ صفحة 338 /
هنات فلم يغفروها له مخالفين لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم وهم عدول ؟ أو أنهم سمعوا هذه الأفيكة ثم أودعوها في محفظة الأباطيل ؟ غير أن ظني بها أن ميلادها بعد واقعة الدار وأنها كانت في أصلاب الوضاعين عند الحصارين، وفي حش كوكب، وفي مقبرة اليهود، ولم تلدها بعد أمها العاقر، حتى فسح المجال لاستيلادها على أيدي قوابل عهد معاوية فما بعد .
30 - أخرج أحمد في مسنده 1: 70 عن بهز أبي الأسود البصري عن أبي عوانة الوضاح البصري عن حصين عن عمرو بن جاوان البصري عن الأحنف بن قيس البصري قال: انطلقنا حجاجا فمررنا بالمدينة فبينما نحن في منزلنا إذ جاءنا آت فقال: الناس من فزع في المسجد .
فانطلقت أنا وصاحبي فإذا الناس مجتمعون على نفر في المسجد قال: فتخللتهم حتى قمت عليهم فإذا علي بن أبي طالب والزبير وطلحة وسعد بن أبي وقاص قال: فلم يكن ذلك بأسرع من أن جاء عثمان يمشي فقال: أهاهنا علي ؟ قالوا: نعم .
قال أهناهنا طلحة ؟ قالوا: نعم .
قال: أهاهنا سعد ؟ قالوا: نعم .
قال: أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من يبتاع مربد بني فلان غفر الله له فابتعته فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني قد ابتعته .
فقال: اجعله في مسجدنا وأجره لك ؟ قالوا: نعم .
قال: أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من يبتاع بئر رومة .
فابتعتها بكذا وكذا فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني قد ابتعتها يعني بئر رومة فقال: إجعلها سقاية للمسلمين وأجرها لك ؟ قالوا: نعم .
قال: أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نظر في وجوه القوم يوم جيش العسرة فقال: من يجهز هؤلاء غفر الله له فجهزتهم حتى ما يفقدون خطاما ولا عقالا ؟ قالوا: أللهم نعم .
قال اللهم اشهد . أللهم اشهد . أللهم اشهد . ثم انصرف .
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 6: 167 بالإسناد المذكور .
قال الأميني: زعم البصريون جند المرأة أنهم يسعهم تدارك تجمهر صلحاء البصرة على عثمان بتسطير أمثال هذه الأفائك المفتعلة، وحسبوا أنهم يبررون ساحة الرجل من تلكم الهنات الموبقة التي سجلها له التاريخ، ذاهلين عن أن صحة هذه الأساطير تزيد عليه وبالا، فبعد ما سمع أعاظم الصحابة حجاجه هذه، وقرعت سمعهم تلكم
/ صفحة 339 /
المناشدات وما أصاخوا إليها، وما زحزحوا عما كانوا عليه من خذلانه إلى التأليب عليه إلى الوقيعة فيه بكل ما يوهنه ويزريه إلى قتله إلى كسر أضالعه إلى رمي جنازته إلى دفنه في مقابر اليهود، وبعد ما أصرت الأمة على مقته مجمعة على النقمة عليه وهي لا تجتمع على الخطأ كما يحسبون، لم يبق للرجل أي قيمة في سوق الاعتبار وإن اختلقت يد الافتعال له ألف أسطورة .
وتحصل مما قدمناه أن الأجور المذكورة على تقدير الصحة كانت مرتبة على الأعمال ولم تكن حقوقا ثابتة للرجال فهي تدور مع الأعمال إن لم يبطلها ما هو أقوى منها كما هو الحال في المقتضيات المقارنة بالموانع، وكان معتقد القوم فيما استنشدهم عثمان أنها مقرونة بها، فلذلك لم يقيموا لكل ما استنشدهم فيه وزنا إن كانت للمزاعم حقيقة.
(ومنها):
31 - أخرج البيهقي في السنن الكبرى 6: 167 من طريق أبي إسحاق السبيعي عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: لما حصر عثمان بن عفان رضي الله عنه وأحيط بداره أشرف على الناس فقال: أنشدكم بالله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على جبل حراء فقال: أسكن حراء فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد ؟ قالوا: أللهم نعم .
قال: أنشدكم بالله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في غزوة العسرة: من ينفق نفقة متقبلة .
والناس يومئذ معسرون مجهودون فجهزت ذلك الجيش من مالي ؟ قالوا: أللهم نعم .
ثم قال: أنشدكم بالله هل تعلمون أن رومة لم يكن يشرب منها أحد إلا بثمن فابتعتها بمالي فجعلها للغني والفقير وابن السبيل ؟ قالوا: أللهم نعم . في أشياء عددها .
في الاسناد أبو إسحاق السبيعي وقد مر في الجزء السابع ص 276: إنه مدلس أفسد حديث أهل الكوفة، ضعيف جدا لا يحتج بحديثه . وأما أبو عبد الرحمن فهو عثماني لا يعول عليه ولا يركن إلى حديثه .
32 - أخرج البلاذري في الأنساب 5: 10 عن المدائني عن عباد بن راشد البصري عن الحسن البصري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يجهز هذا الجيش بشفاعة
/ صفحة 340 /
متقبلة ؟ فقال عثمان: يا رسول الله بشفاعة متقبلة ؟ قال: نعم على الله ورسوله .
قال: أنا أجهزهم بسبعين ألفا .
قال الأميني: هذا الجيش جهزه الحسن البصري بعد سنين من وفاة النبي الأقدس وقد ولد الرجل بسنتين بقيتا من خلافة عمر، ولعله نظر إلى ذلك الموقف واسترق السمع من وراء ستر رقيق في صلب أبيه، أو أوعز بإرسال الرواية إلى بطلانها، وغير بعيد أن يكون عباد بن راشد هو الذي تقول بها على الحسن وهو برئ منها .
قال الدوري عن ابن معين: حديث عباد ليس بالقوي ولكن يكتب (يعني للاعتبار) وقال الدورقي عن ابن معين: ضعيف: وقال البخاري والأزدي: تركه يحيى القطان وقال أبو داود: ضعيف . وقال النسائي: ليس بالقوي . وقال ابن المديني: لا أعرف حاله . وقال ابن البرقي: ليس بالقوي . وقال ابن حبان كان ممن يأتي بالمناكير عن المشاهير حتى يسبق إلى القلب أنه كان المعتمد فبطل الاحتجاج به، روى عن الحسن حديثا طويلا أكثره موضوع (1) . (ومنها) :
33 - أخرج أبو نعيم في حلية الأولياء 1 . 58 من طريق إبراهيم بن سعدان عن بكر بن بكار البصري عن عيسى بن المسيب عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: اشترى عثمان بن عفان من رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنة مرتين بيع الخلق: حين حفر بئر رومة، وحين جهز جيش العسرة .
(رجال الاسناد):
1 - بكر بن بكار أبو عمرو البصري قال ابن أبي حاتم: ضعيف الحديث سيئ الحفظ له تخليط . وقال ابن معين: ليس بشئ . وقال النسائي: ليس بالقوي . وقال أيضا: ليس بثقة . وقال أبو حاتم: ليس بالقوي . وذكره العقيلي وابن الجارود والساجي في الضعفاء (2) .
2 - عيسى بن المسيب . قال يحيى والنسائي والدار قطني: ضعيف - وقال أبو حاتم وأبو زرعة: ليس بالقوي . وتكلم فيه ابن حبان وغيره . وقال أبو داود: ضعيف. وقال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تهذيب التهذيب 5: 92 .
(2) ميزان الاعتدال 1: 160 . تهذيب التهذيب 1: 48، لسان الميزان 2: 48 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page