• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الباب السابع عشر

في أشراط الساعة وأهوالها
قال الله تعالى: {فهل ينظرون الاّ الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها}(1).
وقال سبحانه: {الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر}(2).
وقال تعالى: {انّ الساعة آتية لا ريب فيها}(3).
وخطب رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: أصدق الحديث كتاب الله، وأفضل الهدى هدى الله، وشرّ الاُمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، فقام إليه رجل وقال: يا رسول الله متى الساعة؟ فقال: ما المسؤول بأعلم بها من السائل، لا تأتيكم الاّ بغتة، فقال: فأعلمنا أشراطها، فقال: لا تقوم الساعة حتّى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، وتكثر الفتن، ويظهر الهرج والمرج، وتكثر فيكم الأموال(4) ويخرب العامر، ويعمر الخراب، ويكون خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب وتطلع الشمس من مغربها، وتخرج الدابة، ويظهر الدجال، وينتشر يأجوج ومأجوج، وينزل عيسى بن مريم عليه السلام، فهناك تأتي ريح من جهة اليمن ألين من الحرير، فلا تدع أحداً فيه مثقال ذرّة من الإيمان الاّ قبضته. انّه لا تقوم الساعة الاّ على الأشرار، ثم تأتي نار من قبل عدن تسوق سائر من على الأرض تحشرهم، فقالوا: فمتى يكون ذلك يا رسول الله؟.
قال: إذا داهن قرّاؤكم اُمراؤكم، وعظّمتم أغنياءكم، وأهنتم فقراءكم، وظهر فيكم الغناء، وفشا الزنا، وعلا البناء، وتغنّيتم بالقرآن، وظهر أهل الباطل على أهل الحق، وقلّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واُضيعت الصلاة، واتبعت الشهوات، وميل مع الهوى، وقدّم اُمراء الجور فكانوا خونة، والوزراء فسقة، وظهر الحرص في القرّاء، والنفاق في العلماء، فعند ذلك ينزل بهم البلاء انّه ما تقدست اُمّة لا ينتصر لضعيفها من قويّها، وتزخرف المساجد وتزوّق (5) المصاحف، وتعلى المنابر، وتكثر الصفوف، وترتفع الضجّات في المساجد، وتجتمع الأجساد والألسن مختلفة، ودين أحدهم لعقة على لسانه.
إن اُعطي شكر، وإن منع كفر، لا يرحمون صغيراً، ولا يوقّرون كبيراً، يستأثرون أنفسهم، توطأ حريمهم، ويجوروا في حكمهم، تحكم عليهم العبيد، وتملكهم الصبيان، وتدبر اُمورهم النساء، تتحلّى الذكور بالذهب والفضّة، ويلبسون الحرير والديباج، يسرون الجواري، ويقطعون الأرحام، ويخيفون(6)
السبيل، وينصبون العشّارين يجاهدون المسلمين، ويسالمون الكافرين، فهناك يكثر المطر، ويقلّ النبات، وتكثر الهزّات، وتقلّ العلماء، وتكثر الاُمراء، وتقلّ الاُمناء، فعند ذلك يحسر الفرات عن جبل من ذهب، فيقتتل الناس عليه، فيقتل من المائة تسعة وتسعون، ويسلم واحد.
وقال [رجل](7): صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله من غلس(8) فنادى رجل: متى الساعة يا رسول الله؟ فزبره حتّى إذا أسفرنا رفع طرفه إلى السماء فقال: تبارك خالقها وواضعها وممهّدها ومحلّيها بالنبات، ثم قال: أيّها السائل عن الساعة، تكون عند خبث الاُمراء، ومداهنة القرّاء، ونفاق العلماء، وإذا صدّقت اُمتي بالنجوم، وكذّبت بالقدر، ذلك حين يتخذون الأمانة مغنماً، والصدقة مغرماً، والفاحشة رباحة، والعبادة تكبراً واستطالة على الناس.
وقال صلى الله عليه وآله: والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتّى يكون عليكم اُمراء فجرة، ووزرآء خونة، وعرفاء ظلمة، وقرّآء فسقة، وعبّاد جهّال، يفتح الله عليهم فتنة غبرآء مظلمة، فيتيهون فيها كما تاهت اليهود، فحينئذ ينقص الإسلام عروة عروة حتّى يقال: الله الله.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: ما من سلطان آتاه الله قوّة ونعمة فاستعان بها على ظلم عباده الاّ كان حقّاً على الله أن ينزعها منه، ألم تروا إلى قول الله تعالى: {انّ الله لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم}(9).
وقال النبي صلى الله عليه وآله: لا تزال هذه الاُمّة تحت يد الله وفي كنفه ما لم يمالئ قرّاؤها اُمراؤها، ولم يوال(10) صلحاؤها أشرارها، فإذا فعلوا نزع الله يده منهم، ورماهم بالفقر والفاقة، وسلّط عليهم شرارهم، وملأ قلوبهم رعباً، ورمى جبابرتهم بالعذاب المهين، ويدعون دعاء الغريق لا يستجيب لهم(11).
وقال عليه السلام: بئس العبد عبد يسأل المغفرة وهو يعمل بالمعصية، ويرجو النجاة ولا يعمل لها، ويخاف العذاب ولا يحذره، يعجّل الذنب ويؤخّر التوبة، ويتمنّى على الله الأماني الكاذبة، فويل له ثم ويل له ثم ويل له من يوم العرض على الله.
وروي انّ عمر بن هبيرة لمّا ولي العراق من قبل هشام بن عبد الملك أحضر السبعي(12) والحسن البصري وقال لهما: انّ هشام بن عبد الملك أخذ بيعتي له على السمع والطاعة، ثم ولاّني عراقكم من غير أن أسأله، ولا تزال كتبه تأتيني بقطع(13)قطائع الناس، وضرب الرقاب، وأخذ الأموال، فما تريان في ذلك؟
فأمّا السبعي فداهنه وقال قولاً ضعيفاً، وأمّا الحسن البصري فانّه قال له: يا عمر! انّي أنهاك عن التعرّض لغضب الله برضى هشام، واعلم انّ الله تعالى يمنعك من هشام، ولا يمنعك هشام من الله تعالى ولا أهل الأرض أيأتيك كتاب من الله بالعمل بكتابه والعدل والإحسان، وكتاب من رسول الله صلى الله عليه وآله نبيّك، وكتاب من هشام بخلاف ذلك فتعمل بكتاب هشام وتترك كتاب الله وسنّة رسوله، انّ هذا لهو الحرب الكبير، والخسران المبين، فاتق الله تعالى واحذره، فانّه يوشك أن ينزل إليك ملك من السماء فينزلك من علوّ سريرك، ويخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك، ثم لا يوسعه عليك الاّ عملك إن كان حسناً، ولا يوحشك الاّ هو إن كان قبيحاً.
واعلم انّك إن تنصر الله ينصرك ويثبّت أقدامك، فإنّ الله تعالى ضمن إعزاز من يعزّه، ونصر من ينصره، وقال سبحانه:{إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم}(14) وقال سبحانه: {ولينصرنّ الله من ينصره}(15).
وقال: كيف أنتم إذا ظهر فيكم البدع حتّى يربوا فيها الصغير، ويهرم الكبير، ويسلم عليها الأعاجم، فإذا ظهرت البدع قيل سنّة، وإذا عمل بالسنّة قيل بدعة، قيل: ومتى يكون ذلك؟ قال: إذا ابتعتم الدنيا بعمل الآخرة.
وقال ابن عباس: لا يأتي على الناس زمان الاّ أماتوا فيه سنّة، وأحيوا فيه بدعة حتّى تموت السنن، وتحيى البدع، وبعد فوالله ما أهلك الناس وأزالهم عن المحجّة قديماً وحديثاً الاّ علماء السوء، قعدوا على طريق الآخرة فمنعوا الناس سلوكها والوصول إليها، وشكّكوهم فيها.
مثال ذلك مثل رجل كان عطشاناً فرأى جرّة مملوءة فيها مآء، فأراد أن يشرب منها فقال له الرجل: لا تدخل يدك فيها فإنّ فيها أفعى يلسعك وقد ملأها سمّاً، فامتنع الرجل من ذلك، ثم انّ المخبر بذلك أخذ يدخل يده فيها، فقال العطشان: لو كان فيها سّماً لما أدخل يده.
وكذلك حال الناس مع علماء السوء، زهّدوا الناس في الدنيا ورغبوا هم فيها، ومنعوا الناس من الدخول إلى الولاة والتعظيم لهم ودخلوا هم إليهم، وعظّموهم ومدحوهم، وحسّنوا إليهم أفعالهم، ووعدوهم بالسلامة، لا بل قالوا لهم: قد رأينا لكم المنامات بعظيم المنازل والقبول، ففتنوهم وغرّوهم، ونسوا قول
الله تعالى: {انّ الأبرار لفي نعيم * وانّ الفجّار لفي جحيم}(16).
وقوله تعالى: {ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع}(17).
وقوله تعالى: {يوم يعضّ الظالم على يديه}(18).
وقوله تعالى: {يوم لا يغني مولىً عن مولىً شيئاً}(19).
وقول النبي صلى الله عليه وآله: الجنّة محرّمة على جسد غذّي بالحرام(20).
وقول أمير المؤمنين عليه السلام: ليس من شيعتي من أكل مال امرء حراماً(21).
وقول النبي صلى الله عليه وآله: لا يشمّ ريح الجنّة جسد نبت على الحرام.
وقال عليه السلام: انّ أحدكم ليرفع يده إلى السماء فيقول: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، وملبسه حرام، فأيّ دعاء يُستجاب له؟! وأيّ عمل يُقبل منه؟! وهو ينفق من غير حلٍّ، ان حج حج بحرام، وان تزوّج تزوّج بحرام، وان صام أفطر على حرام، فيا ويحه، أما علم انّ الله تعالى طيّب لا يقبل الاّ الطيّب، وقد قال في كتابه: {انّما يتقبّل الله من المتقين}(22).
وقال النبي صلى الله عليه وآله: ليكون عليكم اُمراء سوء، فمن صدّقهم في قولهم، وأعانهم على ظلمهم، وغشى أبوابهم، فليس منّي ولست منه، ولن يرد عليّ الحوض.
وقال صلى الله عليه وآله لحذيفة: كيف أنت يا حذيفة إذا كانت اُمراء ان أطعتموهم أكفروكم، وان عصيتموهم قتلوكم؟!، فقال حذيفة: كيف أصنع يا رسول الله؟ قال: جاهدهم ان قويت، واهرب عنهم ان ضعفت.
وقال صلى الله عليه وآله: صنفان من اُمّتي إذا صلحا صلح الناس، وإذا فسدا فسد الناس: الاُمراء والعلماء(23).
وقال الله تعالى: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار}(24).
وقال: {ولا تطغوا فيحلّ عليكم غضبي}(25) والله ما فسدت اُمور الناس الاّ بفساد هذين الصنفين، وخصوصاً الجائر في قضائه، والقابل الرشا في الحكم.

ولقد أحسن أبو نواس في قوله:
إذا خان الأمير وكاتباه                   وقاضي الأمر داهن في القضآء
فويل ثم ويلٌ ثم ويل                    لقاضي الأرض من قاضي السماء
وجاء في تفسير قوله تعالى: {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسوله...}(26) الآية نزلت فيمن يخالط السلاطين والظلمة.
وقال عليه السلام: الإسلام علانية باللسان، والايمان سرّ بالقلب، والتقوى عمل بالجوارح، كيف تكون مسلماً ولا تسلم الناس منك؟ وكيف تكون مؤمناً ولا تأمنك الناس؟ وكيف تكون تقيّاً والناس يتّقون من شرّك وأذاك؟.
وقال: انّ من ادعى حبنا وهو لا يعمل [عملنا ولا يقول](27) بقولنا، فليس منّا ولا نحن منه، أما سمعوا قول الله تعالى يقول مخبراً عن نبيّه: {قل ان كنتم تحبّون الله فاتبعوني يحببكم الله}(28).
ولما بايع أصحابه أخذ عليهم العهد والميثاق بالسمع لله تعالى وله بالطاعة في العسر واليسر، وعلى أن يقولوا الحق أينما كانوا، وأن لا تأخذهم في الله لومة لائم، وقال: انّ الله تعالى ليحصي على العبد كل شيء حتّى أنينه في مرضه، والشاهد على ذلك، 
قوله تعالى: {ما يلفظ من قول الاّ لديه رقيب عتيد}(1).
وقوله تعالى: {انّ عليكم لحافظين * كراماً كاتبين * يعلمون ما تفعلون}(2).
وقوله تعالى: {ان تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله}(3).

**********
1- محمد: 18.
2- القمر: 46.
3- الحج: 7.
4- في "ج": الأهواء.
5- في "ج": تُذَهّب.
6- يحيفون: (خل).
7- أثبتناه من "ج".
8- الغلس: ظلمة آخر الليل إذا اختلط بضوء الصباح./لسان العرب.
9- الرعد: 11.
10- في "الف" و"ب": لم تزل.
11- أورده المصنّف في أعلام الدين: 281.
12- في "ب": الشبقي.
13- في "ب": قبض.
14- محمد: 7.
15- الحج: 40.
16- الإنفطار: 13-14.
17- غافر: 18.
18- الفرقان: 27.
19- الدخان: 41.
20- كنز العمال 4: 14 ح9261.
21- البحار 104: 296 ح17; عن مجموعة ورام.
22- المائدة: 27.
23- الخصال: 36 ح12 باب الاثنين; عنه البحار 2: 49 ح10.
24- هود: 113.
25- طه: 81.
26- المجادلة: 22.
27- أثبتناه من "ب".
28- آل عمران: 31.
29- ق: 18.
30- الإنفطار: 10-12.
31- البقرة: 284.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page