• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الرسالة الثالثة في الغيبة

بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ المفيد رضي الله عنه حضرت مجلس رئيس من الرؤساء فجرى كلام في الإمامة فانتهى إلى القول في الغيبة. فقال صاحب المجلس أ ليست الشيعة تروي عن جعفر بن محمد عليه السلام أنه لو اجتمع على الإمام عدة أهل بدر ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا لوجب عليه الخروج بالسيف. فقلت قد روي هذا الحديث. قال أ ولسنا نعلم يقينا أن الشيعة في هذا الوقت أضعاف عدة أهل بدر فكيف يجوز للإمام الغيبة مع الرواية التي ذكرناها. فقلت له إن الشيعة وإن كانت في وقتنا كثيرا عددها حتى تزيد على عدة أهل بدر أضعاف مضاعفة فإن الجماعة التي عدتهم عدة أهل بدر إذا اجتمعت فلم يسع الإمام التقية ووجب عليه الظهور لم تجتمع في هذا الوقت ولا حصلت في هذا الزمان بصفتها وشروطها وذلك أنه يجب أن يكون هؤلاء القوم معلوم من حالهم الشجاعة والصبر على اللقاء والإخلاص في الجهاد وإيثار الآخرة على الدنيا ونقاء السرائر من العيوب وصحة العقول وأنهم لا يهنون ولا ينتظرون عند اللقاء ويكون العلم من الله تعالى بعموم المصلحة في ظهورهم بالسيف وليس كل الشيعة بهذه الصفة ولو علم الله تعالى أن في جملتهم العدد المذكور على ما شرطناه لظهر الإمام عليه السلام لا محالة ولم يغب بعد اجتماعهم طرفة عين لكن المعلوم خلاف ما وصفناه فلذلك ساغ للإمام الغيبة على ما ذكرناه. قال ومن أين لنا أن شروط القوم على ما ذكرت وإن كانت شروطهم هذه فمن أين لنا أن الأمر كما وصفت. فقلت إذا ثبت وجوب الإمامة وصحت الغيبة لم يكن لنا طريق إلى تصحيح الخبر إلا بما شرحناه فمن حيث قامت دلائل الإمامة والعصمة وصدق الخبر حكمنا بما ذكرناه. ثم قلت ونظير هذا الأمر ومثاله ما علمناه من جهاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أهل بدر بالعدد اليسير الذين كانوا معه وأكثرهم أعزل راجل ثم قعد عليه السلام في عام الحديبية ومعه من أصحابه أضعاف أهل بدر في العدد وقد علمنا أنه صلى الله عليه وآله وسلم مصيبا في الأمرين جميعا وأنه لو كان المعلوم من أصحابه في عام الحديبية ما كان المعلوم منهم في حال بدر لما وسعه العقود والمهادنة ولوجب عليه الجهاد كما وجب عليه قبل ذلك ولو وجب عليه ما تركه لما ذكرناه من العلم بصوابه وعصمته على ما بيناه. فقال إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يوحى إليه فيعلم بالوحي العواقب ويعرف الفرق من صواب التدبير وخطأه بمعرفة ما يكون فمن قال في علم الإمام بما ذكرت وما طريق معرفته بذلك. فقلت له الإمام عندنا معهود إليه موقف على ما يأتي وما يذكر منصوب له أمارات تدله على العواقب في التدبيرات والصالح في الأفعال وإنما حصل له العهد بذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي يوحى إليه ويطلع على علم السماء ولو لم نذكر هذا الباب واقتصرنا على أنه متعبد في ذلك بغلبة الظن وما يظهر له من الصلاح لكفى وأغنى وقام مقام الإظهار على التحقيق كائنا ما كان بلا ارتياب لا سيما على مذهب المخالفين في الاجتهاد وقولهم في رأي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإن كان المذهب ما قدمناه. فقال لم لا يظهر الإمام وإن أدي ظهوره إلى قتله فيكون البرهان له والحجة في إمامته أوضح ويزول الشك في وجوده بلا ارتياب. فقلت إنه لا يجب ذلك عليه كما لا يجب على الله تعالى معاجلة العصاة بالنقمات وإظهار الآيات في كل وقت متتابعات وإن كنا نعلم أنه لو عاجل العصاة لكان البرهان على قدرته أوضح والأمر في نهيه أوكد والحجة في قبح خلافه أبين ولكان بذلك الخلق عن معاصيه أزجر وإن لم يجب ذلك عليه ولا في حكمته وتدبيره لعلمه بالمصلحة فيه على التفضيل فالقول في الباب الأول مثله على أنه لا معنى لظهور الإمام في وقت يحيط العلم فيه بأن ظهوره منه فساد وأنه لا يؤول إلى إصلاح وإنما يكون ذلك حكمة وصوابا إذا كانت عاقبته الصلاح ولو علم عليه السلام أن في ظهوره صلاحا في الدين مع مقامه في العالم أو هلاكه وهلاك جميع شيعته وأنصاره لما أبقاه طرفة عين ولا فتر عن المسارعة إلى مرضاة الله جل اسمه لكن الدليل على عصمته كاشف عن معرفته لرد هذه الحال عند ظهوره في هذا الزمان بما قدمناه من ذكر العهد إليه ونصب الدلائل والحد والرسم المذكورين له في الأفعال. فقال لعمري إن هذه الأجوبة على الأصول المقررة لأهل الإمامة مستمرة والمنازع فيها بعد تسليم الأصول لا ينال شيئا ولا يظفر بطائل. فقلت من العجب إنا والمعتزلة نوجب الإمامة ونحكم بالحاجة إليها في كل زمان ونقطع بخطإ من أوجب الاستغناء عنها في حال بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهم دائما يشنعون علينا بالقول في الغيبة ومرور الزمان بغير ظهور إمام وهم أنفسهم يعترفون بأنهم لا إمام لهم بعد أمير المؤمنين عليه السلام إلى هذا الزمان ولا يرجون إقامة إمام في قرب هذا من الأوان فعلى كل حال نحن أعذر في القول بالغيبة وأولى بالصواب عند الموازنة للأصل الثابت من وجوب الإمام ولدفع الحاجة إليها في كل أوان.
فقال هؤلاء القوم وإن قالوا بالحاجة إلى الإمام فعذرهم واضح في بطلان الأحكام لعدم غيبة الإمام الذي يقوم بالأحكام وأنتم تقولون إن أئمتكم عليه السلام قد كانوا ظاهرين إلى وقت زمان الغيبة عندكم فما عذركم في ترك إقامة الحدود وتنفيذ الأحكام. فقلت له إن هؤلاء القوم وإن اعتصموا في تضييع الحدود والأحكام بعد الأئمة الذين يقومون بها في الزمان فإنهم يعترفون بأن في كل زمان طائفة منهم من أهل الحل والعقد قد جعل إليهم إقامة الإمام الذي يقوم بالحدود وتنفيذ الأحكام فما عذرهم عن كفهم عن إقامة الإمام وهم موجودون معروفو الأعيان فإن وجب عليهم لوجودهم ظاهرين في كل زمان إقامة الإمام المنفذ للأحكام وعانوا ترك ذلك في طول هذه المدة عاصين ضالين عن طريق الرشاد كان لنا بذلك عليهم ولن يقولوا بهذا أبدا وأن كان لهم عذر في ترك إقامة الإمام وإن كانوا في كل وقت موجودين فذلك العذر لأئمتنا عليه السلام في ترك إقامة الحدود وإن كانوا موجودين في كل زمان على أن عذر أئمتنا عليه السلام في ترك إقامة الأحكام أوضح وأظهر من عذر المعتزلة في ترك نصب الإمام لأنا نعلم يقينا بلا ارتياب أن كثيرا من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد شردوا عن أوطانهم وسفكت دماؤهم وألزم الباقون منهم الخوف على التوهم عليهم أنهم يرون الخروج بالسيف وأنهم ممن إليهم الأحكام ولم ير أحد من المعتزلة ولا الحشوية سفك دمه ولا شرد عن وطنه ولا خيف على التوهم عليه والتحقيق منه أنه يرى في قعود الأئمة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل هؤلاء القوم يصرحون في المجالس بأنهم أصحاب الاختيار وأن إليهم الحل والعقد والإنكار على الطاعة وأن من مذهبهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرضا لازما على اعتقادهم وهم مع ذلك آمنون من السلطان غير خائفين من نكره عليهم من هذا المقال. فبان بذلك أنه لا عذر لهم في ترك إقامة الإمام وأن العذر الواضح الذي لا شبهة فيه حاصل لأئمتنا عليه السلام من ترك إقامة الحدود وتنفيذ الأحكام لما بيناه من حالهم ووصفناه وهذا واضح فلم يأت بشي‏ء ولله الحمد ولرسوله وآله الصلاة والسلام. والله الموفق للصواب.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page