• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

مقدّمة الكتاب- العنوان الأوّل : في محال وجوده من بدء خلق نوره (عليه السّلام) إلى بعد يوم الجزاء

الخصائص الحسينيّة
خصائص الحسين (عليه السّلام) ومزايا المظلوم
تأليف :
آية الله الشيخ جعفر التستري

مقدّمة الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، وسلام على عباده الذين اصطفى ، ولا سيما محمّد المصطفى ، وأهل بيته أعلام الهدى ، صلواته عليهم ما دامت السماوات العُلى .
أمّا بعد ، إنّه لمّا اشتعل الرأس شيبا ، وامتلأت العيبة عيباً(1)، ورأيت أنّي ذرفت على السّتين ولم أظفر بعد على ثمرة ولا حاصل لأيامي الماضية ، ولا طائر للعمل ، وعلمت أنّ الباقي يمضي على نحو الماضي ، خاطبت النفس الجانية اللاهية ، وشركاءها في هذه الداهية : يا ويحك ! مضى ربيع الشّباب فلا تعطف عليه خريف الشّيب ، وفاتك الهرف(2) في المزرعة فلا يفتك الأفل(3) ، وقد أسرفت في إتلاف أكرار من البذر فلا تُضع
الحفنة الباقية من البذر ، وقد ضيّعت في المتجر النقود من رأس المال فلا تضيع قليل المتاع الكاسد البائر .
ثمّ ناديتها : يا مسافراً بلا زاد ، يا راحلاً ولا جواد ، يا زارعاً أشرف على الحصاد ، يا طائراً بالموت يُصاد ، يا تاجراً لبهرج(4) بلا جياد ، يا ظالم النفس والعباد ، هل سمعتِ قول الله تعالى : ( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ) ؟ ثمّ أيقظتها التنبه التنبه ؛ فقد شارفت العقبة الكؤؤد ، والرجل حافية ، وما لك مركب ! ثمّ خوّفتها الحذر الحذر ؛ فقد دنوت إلى المنازل المهولة ، ودونها حتوف ( والكفّ صفر ، والطريق مخوف ) ، ثمّ أزعجتها بقول : العجل العجل ، الوحا الوحا(5) ، فإلى أيّ زمان تتعامى :
إنّ قدّامك يوماً لو به     هدّدت شمس الضحى عادت ظلاما
فانتبه من رقدةِ اللهو وقم     وانفِ عن عينٍ تماديك المناما

ثمّ صحت عليها بقول إمام المتقين (عليه أفضل صلوات المصلّين) : (( أيّها اليَفَن الكبير ، [الذي] قد لهزه القتير ، كيف أنت إذا التحمت أطواق النار بعظام الأعناق ، ونشبت الجوامع حتّى أكلت لحوم السّواعد ؟! )) .
ثمّ نعيتها إلى نفسها ونعيت عليها ، ثمّ نحت عليها بكلّ لسان ؛ تارة على أيّام الشّباب ، وأخرى على أيّام المشيب ، ثمّ استرحمتها لنفسها وقلت : أما ترحم من نفسك ما ترحم من غيرك ؟
ثمّ استغثت بها لإغاثة نفسها ، فقلت لها : الغوث الغوث لنفسك ! تجهّزي للرحيل ، فاستدركي واختلسي الفرصة ، واغتنمي المهلة قبل قدوم الغائب المنتظر ، وقبل أخذة القهّار المقتدر .
ثمّ خاطبتها بكلّ كتاب ، وبلسان كلّ نبي وإمام ، ووعظتها بكلّ الألسنة حتّى بلسان الأطفال والحيوانات ، بل ولسان حال جميع المخلوقات . وبعد ذلك كلّه حصل لي تنبّه يسير ، وتذكّر قليل ، مع عزم فاتر ؛ فتواردت عليّ حالات خوف وترقّب من اليأس ، يتبعها رجاء يورث السكون والاطمئنان بهذا التفصيل :

الحالة الأولى : في الإيمان
لقد نظرت إلى الإيمان الذي هو مدار قبول الأعمال ، ومناط حصول النّجاة من الأهوال فلم أجد في نفسي علامة من علائمه ، ولا أثراً من آثار التمام منه ، ولا من الناقص لا أدنى درجاته الذي هو أن تسوءه سيئته ، ولا أعلى درجاته الذي هو أن يكون بالنسبة إلى ذكر الله تعالى كمَنْ هو في النزع ، ولم أجد في شيء من أقسامه المقسّمة على القلب والأعضاء حتّى إنّي خفت عدم وجود الذرة المنجية من الخلود في النار بعد طول العذاب فيها .
وبعد ذلك نظرت إلى الأخلاق الحميدة فرأيت أضدادها ، ثمّ نظرت إلى الأعمال الحسنة والطاعات والقربات فوجدت لصحتها وقبولها شرائط لم أجد التوفيق لها ولو مرّة واحدة ؛ فعند ذلك تحقّق الخوف ، وأوشك أن يغلب القنوط ، ثمّ عرضت :

الحالة الثانية : في الوسائل إلى الله تعالى
وهي أنّي أمعنت النظر في الوسائل إلى الله فرأيت أنّي من اُمّة محمد المصطفى (صلّى الله عليه وآله) ، وأنّي من شيعة علي (عليه السّلام) ، وأنّي من الموالين لأهل البيت (عليهم السّلام) ، وهم السّبيل الأعظم ، والصّراط الأقوم ، والكهف الحصين ، والعروة الوثقى ، والفلك التي مَنْ ركبها نجا وسعد ؛ فحصل لي الرجاء ، ثمّ تحقّقت :

الحالة الثالثة : الدخول في أمّة محمد المصطفى (صلّى الله عليه وآله)
وهي أنّي رأيت الدخول في أمّة المصطفى (صلّى الله عليه وآله) يحتاج إلى ائتمام واقتداء ، وأنّ صدق شيعة علي (عليه السّلام) يحتاج إلى متابعة له في صفة أو عمل ، فبأيّ شيء تابعته وشايعته ، وصدق إنّ الشخص موالٍ ومحبّ لأهل البيت (عليهم السّلام) يحتاج إلى تحقّق أحدى علائم المحبّة والولاية ، ولا أجد واحدة منها ، فتحقّق الاضطراب ، وغلب الخوف ، ثمّ طرأت :

الحالة الرابعة : في الوسائل المتعلّقة بالأئمّة (عليهم السّلام)
وهي أنّي أمعنت النظر في الوسائل المتعلّقة بالأئمّة (عليهم السّلام) فرأيت أجلّها فائدة ، وأعظمها مثوبة ، وأعمّها نفعاً ، وأرفعها درجة ، وأسهلها حصولاً ، وأكثرها طرقاً ، وأيسرها شروطاً ، وأخفها مؤونة ، وأعمّها معونة ما يتعلّق بسيد شباب أهل الجنّة ، ووالد الأئمّة السيد المظلوم أبي عبد الله الحسين (عليه السّلام) .
فرأيت له خصوصية في التوسّل إلى الله قد تفرّد بها ، وامتاز في ذلك حتّى عمّن هو أفضل منه ؛ فإنّ للتفاوت في الفضيلة مقاماً ، ولوحدتهم مقاماً ، نورهم وطينتهم مقام ، والخصوصيات مقام آخر ؛ فرأيت في الحسين (عليه السّلام) خصوصية في الوسيلة إلى الله اتّصف بسببها بأنّه بالخصوص باب من أبواب الجنّة ، وسفينة للنّجاة ومصباح للهدى .
فالنبي (صلّى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السّلام) كلّهم أبواب الجنان ، لكنّ باب الحسين أوسع ، وكلّهم سفن النّجاة ، ولكنّ سفينة الحسين (عليه السّلام) مجراها في اللجج الغامرة أسرع ، ومرساها على السّواحل المنجية أيسر ، وكلّهم مصابيح الهدى ، لكنّ الاستضاءة بنور الحسين أكثر وأوسع ، وكلّهم كهوف حصينة ، لكنّ منهاج كهف الحسين أسمح وأسهل .
فعند ذلك خاطبت النّفس وشركاءها ، فقلت : هلمّوا إلى هذه الأبواب الحسينيّة ، فــ ( ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آَمِنِينَ ) ، وإلى مرساة هذه السّفينة الحسينيّة فــ ( ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) ، ولتكتحل أعينكم بنور الحسين (عليه السّلام) الناظر إليكم ، ثمّ ازدادوا شوقاً وصمّموا العزم على ذلك ؛
لأنّي استشعرت من نفسي علائم الإيمان التي يئست منها سابقاً ، وعثرت بهذه الخصائص على الأعمال الصّالحة .
أمّا الأوّل : فمن وجوه :
الأول : أنّه (عليه السّلام) قال : (( أنا قتيل العبرة ؛ ما ذُكرت عند مؤمن إلاّ بكى واغتم لمصابي )) . فوجدت ذلك في نفسي عند ذكر اسمه ، فاستدللت به على وجود شيء من الإيمان لو ذرّة على الأقل تنجي من الخلود في النار ، وقد اتّصف جميع الأنبياء بالبكاء والاغتمام عند ذكره (عليه السّلام) .
الثاني : أنّي وجدت أنّه إذا دخل شهر المحرّم عرضت لي الكربة والحزن والتأثّر ، فاستدللت بذلك على أثر من ولاية الأئمّة (عليهم السّلام) ؛ فإنّهم قالوا : (( شيعتنا خُلقوا من فاضل طينتنا ، وعجنوا بنور ولايتنا ، يصيبهم ما أصابنا )) .
وقد دلّت الأخبار على ظهور الكآبة والحزن على أئمّتنا مع دخول شهر المحرّم . فكان الإمام الصادق (عليه السّلام) لا يُرى ضاحكاً في أيامه أبداً ، وكان الإمام الرضا (عليه السّلام) كئيباً حزيناً ، كاسف اللون ، في العشر الأوائل يعقد مجلساً للعزاء ، ونساؤه من وراء الستر ، فإذا دخل عليه أحد أمره (عليه السّلام) بالإنشاد في الإمام الحسين (عليه السّلام) إن كان منشداً ، كما في قضية دعبل الخزاعي . وإلاّ ذكر بنفسه من مصائب الحسين (عليه السّلام) كما في رواية الريّان ابن شبيب حين دخل عليه أوّل يوم من المحرّم ، فقال : (( يابن شبيب ، إن كنت باكياً لشيء فابكِ الحسين (ع) ؛ فإنّه ذُبح كما يُذبح الكبش ، وقُتل معه ثمانية عشرة رجلاً من أهل بيته )) .
وهكذا كان دأب سائر الأئمّة المعصومين ورسول الله (صلّى الله عليه وآله) سيّدهم وأوّلهم ، وأكثرهم مَنْ عقد تلك المجالس . فبعروض الانكسار للقلب عند هلال المحرّم يستدلّ على ثبوت العلاقة بهم (عليهم السّلام) ، وبتفاوت التأثّر بتفاوت درجات الإيمان ، وعدم عروض ذلك أو عروض خلافه ، كجعل هذه الأيام أعياداً دليل على سلب الإيمان ، والعياذ بالله تعالى .
الثالث : نزول الهمّ والغمّ الشديد عند دخول كربلاء ، وقد كان هذا من
صفات أبيه (عليه السّلام) وأخته حين دخول أرض كربلاء ، مع انكسار القلب عند النظر إلى قبره وقبر ولده عند رجليه كما في الرواية .
الرابع : جريان الدمع عند شمّ تربته ، كما هي صفته وصفة جدّه (صلّى الله عليه وآله) المصطفى ونحو ذلك ممّا يتعلّق به ، وسيجيء بيان بعضها إن شاء الله .
وأمّا الثاني :
فإنّي رأيت أنّ أكثر أعمالي يصحّ سلب أساميها عنها ؛ لعدم الشّروط والإقبال ، فلا أدري أصلاتي وصومي صلاة وصوم أم لا ؟! وهكذا هو حال سائر أعمالي ، ولكن لاحظت أنّه لا يصح أن يسلب عن بكائي وإبكائي اسم البكاء والإبكاء على صاحب الدمعة السّاكبة ، ولا أقل من التباكي ، وقد ورد أنّ (( مَنْ بكى أو أبكى أو تباكى وجبت له الجنّة )) . ثمّ إنّي لمّا رأيت علامات الإيمان ، ووثق رجائي ، واطمأنت نفسي عرضت :

الحالة الخامسة : في علامة أحد أجزاء الإيمان
وذلك إنّي تأمّلت الأمر فقلت لنفسي : إنّ هذه علامة لوجود جزء من الإيمان ، فلعلّه لا ينجيك من الخلود في النار بعد الدخول فيها ، وبعد مقامات عذاب يوم الحشر ، وبعد تحمّل عذاب يوم البرزخ الطويل ، وأنت تعلم ضعفك عن قليل من بلاء الدنيا وعقوباتها ، وما يجري فيها من المكاره على أهلها ، بل وضعفك عن تحمّل النّعم إذا دامت عليك بالملال منها ، والبطر عليها ، ثمّ إنّ الجزء الضعيف من الإيمان لعلّه يذهب وينطفئ بأدنى صدمة فيزيغ القلب ، فما اطمئنانك به ؟ فاضطربت ثمّ عرضت لي :

الحالة السادسة : ما يبعث على تكميل الإيمان
وذلك إنّي وجدت في وسائله (عليه السّلام) ما يبعث على تكميل الإيمان وتقويته واستقراره ، مثل : إنّ مَنْ زاره (( كان كمَنْ زار الله تعالى في عرشه )) ؛ فإنّ زيارة الله تعالى كناية عن نهاية القرب إليه تبارك وتعالى ، وهذا لا يكون للإيمان المستودع ، والقلب الذي يعلم الله منه الزيغ بعد الهداية .
ومثل مجيء الملَكَ للزائر عند إرادة الانصراف وقوله : (( إنّ ربّك يقرئك السّلام ، ويقول لك : استأنف فقد غُفر لك ما مضى )) . فإذا كان الشخص ممّن يسلّم الله عليه فلا يمكن أن لا يسلّمه ؛ فاطمأننت بذلك ، ثمّ عرضت لي :

الحالة السابعة : في الأعمال الحسنة
وهي أنّي رأيت أنّ هذه الوسائل أعمال حسنة ، ولكن لعلّ في أعمالي السّيئة ما يحبطها ، فاضطربت لذلك ، فعرضت لي :

الحالة الثامنة : في الأعمال الصالحة
وهي أنّ ما قد يعرضه الحبط هي أعمال الشّخص ، وأمّا الوسائل الحسينيّة فهي أعمال صالحة تكتب للمكلّفين ، وليست من أعمالهم حتّى يتطرّق إليها الحبط ؛ إذ قد ورد أنّه يكتب لزائره حجة من حجج النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ، والحج الذي يحجّه النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ليس من أعمال الشّخص نفسه حتّى يُحبط ، وإذا كان من أعماله (صلّى الله عليه وآله) فلا يتطرّق إليه احتمال الإحباط أصلاً .
ومن عجائب تلك الروايات ما رواه الصّادق (عليه السّلام) قال : (( كان الحسين (عليه السّلام) ذات يوم في حجر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) يلاعبه ويضاحكه ، فقالت عائشة : ما أشدّ إعجابك بهذا الصبي ! فقال لها (صلّى الله عليه وآله) : وكيف لا أحبّه ولا أعجب به وهو ثمرة فؤداي وقرّة عيني ؟! أما إنّ أمّتي ستقتله ؛ فمَنْ زاره بعد وفاته كتب الله تعالى له حجّة من حججي . قالت : يا رسول الله ، حجّة من حججك ؟! قال : نعم ، وحجّتين من حججي . قالت : حجّتين من حججك ؟ قال : نعم ، وأربعة … )) .
قال الصّادق (عليه السّلام) : (( فلم تزل تزاده ويزيد ويضعف حتّى بلغ تسعين حجّة من حجج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بأعمارها )) .

الحالة التاسعة : ملاحظة حقوق الناس
وهي أنّي خفت أن يذهب بالعمل حقوق الناس ؛ فإنّه قد ورد أنّه يُحشر مَنْ له أعمال تُضيء في يوم القيامة فيأخذها أهل المظالم ، وتُحمل عليه ذنوب فيؤمر به إلى النار . ثمّ طرأت :

الحالة العاشرة : في فضيلة البكاء
وقد حصلت بملاحظة ما ورد في وسيلة البكاء عليه من أنّه قد يترتب على الدمعة ثواب لا حدّ له ؛ فإنّ ما لا حد له لا ينفد ولو
اُخذ منه ما اُخذ . ثمّ عرضت لي :

الحالة الحادية عشرة : تطرّق الخوف
وذلك لأني رأيت في الروايات الكثيرة أنّ شرط قبول الأعمال قبول الصّلاة ، فقلت : لعلّ صلاتي غير مقبولة ، وإذا ردّت ردّ ما سواها ، فكيف تُقبل هذه الأعمال الحسينيّة ؟ وحينئذ أشكل عليّ الأمر ، وكاد أن يغلب عليّ القنوط ؛ لورود هذا الاحتمال ، فمنّ الله تعالى عليّ برجاء انتهى إليه الأمر ، وبه رفع هذا الاحتمال .

الحالة الثانية عشرة : حالة تأكّد الرجاء
إذ قد تتابعت فيها وجوه اطمئنان القلب ، وترادفت وجوه الأمن ، وسكون القلب متابعة تترى ؛ وذلك بملاحظة خواصّ عجيبة لهذه الوسائل الحسينيّة .
منها : أنّ الشّرط لقبول الصّلاة التي هي شرط قبول الأعمال : الإقبال ، وينوب مناب الإقبال : النوافل الرواتب ، فهي تؤثّر في قبول الصّلاة الواجبة ، فإذا كانت مؤثرة في قبول الفرائض ، فهذه الوسائل التي وردت في فضلها أضعاف الرواتب ، تؤثر في القبول بطريق أولى .
ومنها : أنّ القبول والحبط إنّما يقعان في الأعمال والعبادات التي تقع من الشّخص باختيار منه وتكلّف ، وفي الوسائل الحسينيّة تترتب الآثار وإن لم يصدر العمل باختيار وقصد ، مثلاً : الرقّة على مصائبه والبكاء عليه قد يقعان بملاحظة إنّه إمام مفترض الطاعة ، وهذان من الأعمال الصّالحة ، وقد تحصل الرقّة والبكاء عليه من دون ملاحظة ذلك ، فإذا سمعت ما جرى عليه ، ولم تعرف عنه شيئاً سوى أنّه من عباد الله ، أو أنّه من المسلمين ، أو أنّه مظلوم غريب ، لغلبت عليك الرقّة والبكاء على الأقل من ناحية ما أصاب الأطفال
الصّغار من الموت عطشاً ، أو القتل بالسّيف على صدره ، أو بالسّهم على يديه ، أو مَنْ داسته الخيول ، وكذا هو حالك فيما لو سمعت بنزول هذا المصاب على مخالف للإسلام ؛ فإنّ غاية ما يستحقه إنّما هي ضربة أو جرح أو قتلة ، وأمّا الرضّ بعد القتل ، والضّرب على الرأس المبارك ، وصلبه في عدّة أماكن ، والنبش للقبر بعد مئتي سنة ... إلخ فهو أمر مستنكر ، يوجب حصول الرقّة وجري الدمع بلا اختيار ، ومن أي شخص كان .
هذا وقد روي أنّ يونس (عليه السّلام) حينما كان في بطن الحوت سأل قارون وهو يعذّب في بطن الأرض عن موسى وهارون ، وكلثم وآل عمران (عليهم السّلام) ، فلمّا اخبره بموتهم قال : وا أسفاه على آل عمران ! فشكر الله ذلك . ورفع عنه عذاب الدنيا ، فكيف أخيب مع أسفي على آل إبراهيم (عليهم السّلام) وآل عمران وآل محمد المصطفى (صلوات الله تعالى عليهم أجمعين) .
ومنها : أنّ المؤثّرات الكلّية القوية لو وجِدت مع مانع من تأثيرها فإنّما يمنع الكلّي ولا بدّ من بقاء جزئي لا محالة ، وفي الوسائل بالحسين (عليه السّلام) تأثيرات قوية إذا منعت صفاتي وأعمالي عن تأثيرها التام فأقنع بتأثير جزئي منها . وذلك يكفيني .
فأقول : وقد ورد من تأثير بعض زياراته أنّ زائره يكون من الشّفعاء في عشرة أو مئة ، أو يُقال له : خذ بيد مَنْ أحببت فأدخله الجنّة .
وحيث إنّي أرى نفسي وقد انفتحت عليّ الأبواب السّبعة من النار ، بل وأراها الآن محيطة بسلاسلها وأغلالها ، بل وظهرت عليّ علائم الخلود فيها ، فلا أطمع أن أكون من الشّفعاء في الحشر ، بل أقنع بأن يأخذ بيدي أحد فيخلّصني من أهوال القيامة ، أو أقنع بأن أخرج من النار ولو بعد حين ؛ فأنجو من الخلود .
وقد ورد في فضل زيارته (عليه السّلام) أنّ زائره يكون من محدّثي الله تعالى فوق عرشه ، فأنا لست منهم ، فأقنع من ذلك بأن يكلّمني ملك من ملائكة الرحمة .
وقد ورد في فضل زيارته أنّه قد يكون الشّخص بها من السّاقين للكوثر ، وأنا لست بأهل لذلك ، بل أرى نفسي في معرض أن أكون من الذين يقولون في النار لأهل الجنّة ( أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ ) ، فأكتفي من هذه الوسيلة بأن يسقيني أحد السّاقين للكوثر .
وقد ورد في فضل زيارته أنّه قد ينال الشّخص بها الأكل مع النبيّ المصطفى (صلّى الله عليه وآله) في الجنّة على مائدته ، وأنا لست أهلاً لذلك ، فأكتفي بأن أتخلّص من أكل شجرة الزقوم .
فهذه المؤثرات القويّة العظيمة لا يمكن من جهة الموانع أن لا يبقى من آثارها هذه الجزئية .
ومنها : أنّ الوسائل الكثيرة بالنسبة إليه ـ كما سنذكرها ـ يمكن أن تجتمع كلّها في آن واحد حتّى ما مضى وقته ولم يأتِ وقته ، وما يمكن الإتيان وما لا يمكن . وجميع المراتب منه ؛ فيمكن للشّخص في آن واحد تحصيل جميع الوسائل من أدناها الذي هو التباكي عليه ، وأعلاها الذي هو الشّهادة بين يديه ، وبحصولها يحصل على جميع العبادات في آن واحد ؛ وذلك إنّه لو انعقد مجلس مثلاً لذكر مصائب الحسين (عليه السّلام) وتذكّر ما صُنع به ، وحصل فيه إبكاء وبكاء ، وتباكٍ وحزن ، وهمّ ورقّة ، وتوجّه القلب إليه مسلّماً ومصلّياً عليه مع إشعار القلب بجلالته ، والمعرفة بحقّه ، وتصوير حالاته ، والاستعبار والجزع عليه ، وتمنى نصرته والشّهادة بين يديه فقد فاز بثواب كلّ الوسائل إليه ، وعبد الله بجميع العبادات حتّى الشّهادة بين يديه .
وسنذكر ما يدلّ على ذلك من الأخبار ، ومع ذلك كلّه وعلاوة عليه يتّصف ذلك المجلس بجميع صفات المشاهد الشّريفة على ما يُستفاد من الأخبار ، فيتّصف بأربع عشرة صفة :
الأوّل : أنّه مصلّى لله تعالى ، يعني محلّ صلواته على أهله .
الثاني : أنّه مشهد للملائكة المقرّبين .
الثالث : أنّه محلّ نيل الدعاء من النبيّ (صلّى الله عليه وآله) والوصي والزهراء والمجتبى (عليهم السّلام) .
الرابع : أنّه منظر الحسين المظلوم (عليه السّلام) .
الخامس : أنّه محلّ خطابه لأهل المجلس ومكالمته معهم .
السادس : أنّه محبوب للصّادق (عليه السّلام) ، بل لجميع أولياء الله تعالى من الأولين والآخرين .
السابع : أنّه عرفة .
الثامن : أنّه مشعر حرام .
التاسع : أنّه حطيم .
العاشر : أنّه مطاف لبيت الله تعالى .
الحادي عشر : أنّه قبّة الحسين (عليه السّلام) .
الثاني عشر : أنّه مخمد للنيران المشتعلة .
الثالث عشر : أنّه منبع لماء في الجنان ، وهو ماء الحيوان .
الرابع عشر : أنّه يصير تلو مجالس أوّلها قبل الخلق وآخرها المحشر .
وسيجيء تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى .
إذا تصوّرت ما قلته ، فكيف تتصوّر أنّك تخرج خالياً آيساً من هذه المشاهد المشرّفة المباركة مع هذه الحالات والعبادات واجتماع الصّفات ؟! فلو منعت الموانع من التأثيرات فقليل من أدنى أثر تأثيرات واحدة منها ممّا يستحيل عدمه ، قليل منك يكفيني ، ولكن قليلك لا يُقال له : قليل .
وبعد تيقّن ذلك ختمت المكالمة مع النفس ، وتحقّق الرجاء والواثق الخالص بالوسائل الحسينيّة ، فتوجّهت إلى صاحبها وعقدت معه عقد الوسائل بتأليف كتاب جامع لخصائصه التي امتاز بها من جميع المخلوقات حتّى الأنبياء والأئمّة (سلام الله تعالى عليهم) ، وسمّيته بـ (خصائص الحسين (عليه السّلام) ومزايا المظلوم) أرجو بفضل ربّي (عزّ وجلّ) أن يجعله لي في ظلمات القبر ضياءً ونوراً ، ومن مخاوف الفزع الأكبر أمناً وسروراً ، وعند إيتاء الكتب كتاب الحسنات يخرجه لي ألقاه منشوراً ، وفي مخازي ذلك اليوم كرامة وحبوراً ، ومدى الأعصار ذكراً موفوراً ، بحول منه وقوّة ( وَمَا تَوْفِيقِي إِلاّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) ، وفيه مقدّمة ومقاصد .
حرره وحققه : السيّد جعفر الحسيني

تأليف : آية الله الشيخ جعفر التستري
العنوان الأوّل :

في محال وجوده من بدء خلق نوره (عليه السّلام)
إلى بعد يوم الجزاء

وفيه مقاصد :

المقصد الأوّل : ما يخصّه في ابتداء خلق نوره
اعلم أنّه قد اختلف الحكماء من اليونانيين وغيرهم من العلماء في أوّل ما صادر عن الأوّل ، وفي تعيين أوّل المخلوقات ، واختلف
المتكلّمون والمليّون أيضاً في ذلك ، واختلفت الأخبار في ذلك أيضاً . فذهب أكثر الحكماء إلى أنّ أوّل المخلوقات العقل الأوّل ، ثمّ العقل الأوّل خلق خلق العقل الثاني ، والفلك الأوّل ، وهكذا إلى أن انتهى إلى العقل العاشر ؛ فهو خلق الفلك التاسع ، وهول العناصر .  
وتقريره : أنّ العقل الأوّل المخلوق لله له ثلاث جهات ؛ وجود من المبدأ الأوّل ، ووجوب بالنظر إلى المبدأ الأوّل ، وإمكان من حيث ذاته ، فكان بذلك الوجود سبباً لعقل آخر ، وبذلك الوجوب سبباً لنفس فلك ، وبذلك الإمكان سبباً لجسم فلك ، وعلى هذا النهج يصدر من العقل الثاني إلى العقل العاشر .
وذهب ثاليس الملطي إلى أنّ أوّل المخلوقات الماء ، وذهب بليناس الحكيم إلى أنّ الله لمّا أراد أن يخلق الخلق تكلّم بكلمة فكانت تلك الكلمة علّة الخلق ، وحدث بعد هذه الكلمة العقل فدلّ بالفعل على الحركة ، ودلّت الحركة على الحرارة .
والذي دلّت عليه الروايات الصحيحة الكثيرة أنّ أوّل مخلوق هو نور محمد المصطفى (صلّى الله عليه وآله) ، ودلّ على ذلك العقل السليم ؛ فإنّ العلّة في الأشرفية وكثرة الاعتناء والأحبية إلى الله توجب التقدّم في الخلقة ، وفي بعض الروايات نوره ونورهم .
وإذاً قد تحقّق أنّ الحقّ هو أنّ أوّل المخلوقات هو نور النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ، أو نوره وأنوارهم ، فعلى كلا التقديرين [نقول :] إنّ أوّل المخلوقات هو نور الحسين (عليه السّلام) ؛ لأنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) قال : (( حسين منّي وأنا من حسين )) ، وفي رواية أخرى (( أنا من حسين وحسين منّي )) ، فهو أوّل مخلوق وأوّل ما صدر عن الأوّل .
فكلّ مخلوق تابع له ، فلا غرور أن يبكيه كلّ مخلوق . فإذا قلنا : بكاه كلّ مخلوق فلا تتوهّم أنّه مبالغة ، أو استعارة تمثيلية ، أو خيال ، أو بكاء بلسان حال ، أو فرض أو تقدير ، لا ، بل ذلك حقيقة في الباكين من جميع الموجودات ؛ من نبيّ ، أو ملك ، أو فلك ، أو إنس ، أو جن ، أو شيطان ، أو شمس ، أو جنة ، أو قمر .
لا أقول في هذا العالم فقطّ ،
بل شموس جميع العوالم وأقمارها ، وسماواتها وأراضيها وسكّانها ؛ ففي الرواية : (( خلق الله ألف ألف عالم ، وألف ألف آدم ، وأنتم آخر العوالم والآدميين )) .
وهكذا بكاء كلّ شيء بكاء حقيقي وإن كان في كلّ بحسبه ، وليس مرادي من بكاء كلّ شيء بكاؤه بعد قتله فقط ، فإنّ بيان ذلك له أبواب على حدة تُذكر بعد باب شهادته ، بل المراد بكاء كلّ شيء عليه قبل قتله ، كما في زيارة شعبان ، مروية عن القائم (صلوات الله تعالى عليه) : (( بكته السماء ومَنْ فيها ، والأرض ومَنْ عليها ولمّا يطأ لابتيها ))(6) .
وليس المراد من بكاء كلّ شيء عليه قبل قتله حصول ذلك في الجملة ، بل أقول : إنّه حيث خلق أوّل ما خلق مظهراً للخشوع والخضوع ، فكلّ خضوع وانكسار في العالم فله وبه ، والذي هو في باطنه وحقيقته لله تعالى وحده الحي القيّوم .
وكما قال الحكماء المحقّقين : كلّ انكسار وخضوع به ، وكلّ صوت فهو نوح الهواء .
وليس مرادي من بكاء كلّ شيء على قتله أنّ ما قُتل به خارج عن ذلك ؛ لأنّه المبكي عليه .
بل أقول كما قال ذلك الحكيم في قصيدته :
السّيف يفري نحره باكياً = والرمح ينعى قائماً وينثني
فالنبل يصيبه ويبكي = والرمح شائل للرأس يبكي(*)

وليس مرادي من بكاء كلّ شيء على قتله ـ إنّ قتلته خارجون عن ذلك ـ ، بل هم بوجودهم العام وماهيتهم يصيبهم الانكسار ويبكون عليه بحقائقهم وفطرتهم ، ولكن بمقتضى صفات أفعالهم الاختيارية التي بها خُلّدوا في النار ، لا يبكون إلاّ إذا غفلوا ، فيبكون البكاء الظاهري الاختياري ، كمعرفة الله تعالى بالنسبة إلى الذين ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً ) ،
فكما إنّ الزنادقة والدهرية إذا غفلوا عن مقتضى عنادهم وجحودهم نطقوا بالتوحيد ، فكذلك أعداؤه وقاتلوه إذا غفلوا يبكون عليه (سلام الله عليه) ، بل إذا لم يغفلوا ولاحظوا عداوته وأرادوا قتله ، وسلب عياله غلبهم البكاء بلا اختيار ، كما ظهر ذلك من حالة ابن سعد حين أمر بقتله ، وحالة السالب لقرطي فاطمة بنت الحسين (عليه السّلام) ، وحالة يزيد (لعنه الله) لمّا أراد الاُسارى فرّق لهم ، وقال : قبّح الله ابن مرجانة .

المقصد الثاني : خصائص نوره بعد خلقه إلى حين ولادته
اعلم ، إنّ الله (جلّ جلاله) لم يزل متفرداً ، ولم يكن مخلوق ولا زمان ولا مكان ، فلمّا ابتدأ بخلق أفضل المخلوقات ، واشتق من نوره نور علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السّلام) ، جعل لهم محالاً متعدّدة وعوالم مختلفة ، كما يظهر من مجموع الروايات المعتبرة .
فمنها : قبل خلق الخلق
ومنها : قبل خلق آدم (عليه السّلام)
ومنها : بعده (عليه السّلام)
أنواراً تارة ، وأشباح نور تارة ، وظِلالاً تارة ، وأنواراً في الجنّة تارة ، وعمود نور اُقذف في ظهر آدم (عليه السّلام) تارة ، وفي أصابع يده أخرى ، وفي جبينه أخرى ، وفي جبين كلّ من الأجداد من آدم (عليه السّلام) إلى والد النبي (صلّى الله عليه وآله) عبد الله بن عبد المطلب (عليه السّلام) ، وفي جبين كلّ جدّة عند الحمل ممّن هو في ترائبها ، من حواء إلى أُمّ النبي (صلّى الله عليه وآله) آمنة بنت وهب (عليها السّلام) .
ثمّ لنورهم محالاً متعدّدة قدّام العرش ، وفوق العرش ، وتحت العرش ، وحول العرش ، وفي كلّ حجاب من الحجب الاثني عشر ، وفي البحار ، وفي السّرادقات ، ولبقائهم في كلّ محلّ مدّة مخصوصة . فمدّة وجودهم قبل خلق العرش أربعمئة وعشرون ألف سنة ، وزمان كونهم حول العرش خمسة عشر ألف سنة قبل آدم (عليه السّلام) ، وزمان كونهم تحت العرش اثنا عشر ألف سنة قبل آدم (عليه السّلام) .
وليس المقام مقام هذه التفاصيل ؛ فإنّه يحتاج إلى كتاب مستقل ، إنّما المقصود بيان خصائص الحسين (عليه السّلام) في نوره ، وامتياز نوره
من الأنوار في جميع هذه العوالم والحالات في الظِلال والأشباح والذرّات ، وحين تجسّمه بالشجرة في الجنّة ، والقرط في أذن الزهراء (عليها السّلام) وهي في الجنّة في إحدى هذه العوالم .
فنقول : إنّ هذه الأنوار في هذه العوالم مصدرها نور النبي (صلّى الله عليه وآله) ، وامتيازه كون نوره من نوره ؛ فإنّه من حسين وحسين منه (صلّى الله عليه وآله) ، وحين افتراقهما كان لنور الحسين (عليه السّلام) خصوصية في أنّ رؤيته كانت موجبة للحزن ، كما اتّفق لآدم (عليه السّلام) حين ظهرت الأنوار في أصابعه وكان نور الحسين (عليه السّلام) في الإبهام ، وقد بقي هذا التأثير إلى الآن ، فإنّ مَنْ غلب عليه الضحك إذا نظر إلى إبهامه غلبه الحزن .
واتّفق لإبراهيم (عليه السّلام) أيضاً حين رأى الأشباح فكان شبحه في تلك العوالم ، كما إنّ التنطّق باسمه وسماعه كان مورثاً للحزن ، بل سوى ذلك فيما انتسب إلى نوره ، كما في حديث المسامير الخمسة التي أتى بها جبرائيل (عليه السّلام) ليسّمر بها جوانب السّفينة ، كلّ مسمار باسم واحد من الأنوار الخمسة (عليهم السّلام) ، فلمّا أخذ المسمار المنتسب إلى نور الإمام الحسين (عليه السّلام) أشرق وأحس منه رطوبة بلون الدم ، فسأل عن ذلك ! فاُجيب بأنّه مسمار الحسين (عليه السّلام) ، وسبب ظهور الدم منه شهادته بالكيفية الخاصّة .
ومن الخصوصيات لنوره (عليه السّلام) : إنّ النور الذي كان يظهر على جبين الأُمّهات عند الحمل بأحد الأجداد للنبي (صلّى الله عليه وآله) ، وعلى جبين آمنة عند الحمل بالنبي (صلّى الله عليه وآله) فإنّما ذلك لعدم كون أنفسهن من هذه الأنوار فإذا حملته ظهر أثره في الجبهة ، وأمّا إذا كانت الأُمّ بذاتها من الأنوار فلا وجه لظهور النور ، ولا يظهر على الوجه بالخصوص نور زائد على ذلك ؛ فلم يظهر على جبهة الزهراء (عليها السّلام) حين حملها بالحسين (عليه السّلام) نور زائد على نور وجهها المبارك ، ولكنّ خصوصية الحسين (عليه السّلام) أنّها لمّا حملت بالحسين (عليه السّلام) قال لها النبي (صلّى الله عليه وآله) : (( إنّي أرى في مقدّم وجهك ضوءاً ونوراً ، وستلدين حجّة لهذا الخلق )) .
وقالت (عليها السّلام) : (( إنّي لمّا حملت به كنت لا أحتاج في الليلة الظلماء إلى مصباح )) . فخصوصية
نور الحسين (عليه السّلام) أنّه يظهر على النور أيضاً .
ومن خصوصياته أيضاً : إنّه يغلب النور أيضاً ؛ ولذا قال مَنْ رآه صريعاً وهو في الشمس نصف النهار حين قتله : والله ، لقد شغلني نور وجهه عن الفكرة في قتله .
ومن خصوصياته أيضاً : إنّه لا يحجبه حاجب ، كما قال ذلك القائل : إنّي ما رأيت قتيلاً مضمّخاً بدمه(7) ، إنّي ما رأيت مضمّخاً بالدم والتراب أنور وجهاً منه . فلم يحجب التراب والدم الذي علا على وجهه نوره الذي علا كلّ نور .

المقصد الثالث : في خصوصيته بعد ولادته
وأوّل محلّ حلّ فيه بعد الولادة يدا النبي المصطفى (صلّى الله عليه وآله) ؛ فإنّه كان واقفاً بباب الحجرة ينتظر ولادته المباركة ، فلمّا سقط ساجداً لله تبارك وتعالى نادى النبي (صلّى الله عليه وآله) : (( يا أسماء ، هلمّي إليّ ابني )) .
فقالت : إنّنا لم ننظفه بعد .
فقال : (( أنت تنظّفيه ؟! إنّ الله قد نظّفه وطهّره )) .
فأتته به إليه في خرقة من صوف ، فأخذه بيده ونظر إليه وبكى ، وقال : (( عزيزٌ عليّ يا أبا عبد الله )) .
ثمّ بعد ذلك كانت محالّه كتف جبرائيل (عليه السّلام) ، وعلى عاتقه تارة أخرى ، وكتف النبي (صلّى الله عليه وآله) تارة ، وظهره تارة ، وصدره أخرى ، وعلى يده رافعاً ليقبّل فاه تارة ، ورافعاً له يريه الناس أخرى ، وعلى ظهره وهو ساجد تارة ، وعلى يدي علي وهو يمسكه والرسول يقبّل جميع أعضائه تارة ، وكان آخر محلّ له صدر الرسول (صلّى الله عليه وآله) حين احتضاره ، ويقول (صلّى الله عليه وآله) : (( ما لي وليزيد ! لا بارك الله في يزيد )) .
اللّهمّ صلِّ على محمد حبيبك وآله المعصومين .

المقصد الرابع : خصوصية محلّه عند شهادته ، وخصوصية محلّه بعدها قبل أن يدفن
له في ذلك خصائص بالنسبة إلى كلّ نبي وإمام قتيل ؛ فإنّ كلّ قتيل منهم قد قُتل أو سم وهو في بيته ، أو في البلد ، أو في المحراب ، أو في الطشت ، ولم يتّفق لأحد منهم القتل على التراب ، وما جرى في تفاصيل مقتله من مصائب ما أعظمها وأجلّها .
فله خصائص في محلّ جسده ، وهو أنّه لمّا قُتل رُفع بجسده إلى السّماء الخامسة ، ثمّ اُرجع إلى أرض كربلاء ، وبقي على الأرض طريحاً ثلاثة أيام برمضاء كربلاء .
وله خصائص في محلّ رأسه : وهي أنّ له محالاً
كثيرة ؛ من كونه في الأيدي ، وعلى الرماح منصوباً ، وعلى الشجر معلّقاً ، وعلى باب دار يزيد ، وعلى باب دمشق مصلوباً ، وفي الطبق عند ابن زياد ، وفي الطشت عند يزيد موضوعاً ، ومن دورانه في البلاد الكثيرة من كربلاء إلى الشام . وقيل : من الشام إلى مصر . وقيل : من مصر إلى المدينة ، ومن الشام إلى كربلاء ، أو من الشام إلى السماء .

المقصد الخامس : خصوصية محلّه في برزخه
في الحديث : (( إنّه في يمين العرش ينظر إلى مصرعه ومَنْ حلّ فيه ، وينظر إلى معسكره ، وينظر إلى زوّاره ، وهو أعرف بهم وبأسمائهم ، وأسماء أبائهم ، وبدرجاتهم ومنزلتهم عند الله تعالى من أحدكم ، وإنّه ليرى من يبكيه فيستغفر له ، ويسأل أباءه أن يستغفروا له ، ويقول : أيّها الباكي ، لو تعلم ما أعدّ الله لك لكان فرحك أكثر من جزعك )) .

المقصد السّادس : خصوصية محلّه في المحشر
في الروايات : إنّ له مجلساً تحت ظلّ العرش خاصّاً به له خصوصية ، هي أنّ أهل مجلسه من الباكين عليه ، والزائرين له مستأنسين بحديثه ، وهم آمنون ، وعند جلوسهم عنده يرسل إليهم أزواجهم من الجنّة : إنّا قد اشتقنا لكم ، فيأبون الذهاب إلى الجنّة ، ويختارون حديث الحسين (عليه السّلام) .
ثمّ إنّه (عليه السّلام) له موقف في المحشر خاصّ به يوجب اضطراب كلّ أهل المحشر ، وتشهق فاطمة الزهراء (عليها السّلام) إذا نظرت إلى موقفه ذلك ، وهو حين يحشر قائماً ليس عليه رأس ، وأوداجه تشخب دماً ، وله تفصيل يذكر في محلّه .

المقصد السابع : خصوصية محلّه في الجنة بعد يوم الجزاء
اعلم أنّ لكلّ إمام محلاً خاصّاً في الجنّة ، وله (عليه السّلام) مع ذلك درجات مخصوصة ، قد أخبره (صلّى الله عليه وآله) بها ، بقوله : (( وإنّ لك في الجنان لدرجات لا تنالها إلاّ بالشّهادة )) . ومع ذلك فهو زينة لكلّ مواضع الجنّة ، فكأنّه في كلّها وكلّها له .
انتهى العنوان الأول

 



(1) المراد موضع سره وثقته .
(2) أي المناء والزيادة .
(3) أي الزوال والغياب .
(4) أي الرديء من الشيء .
(5)أي السرعة .
(6) أي مثنّى لابة : وهي الأرض ذات الحجارة السوداء .
(*) لا يخفى ما في البيتين من خلل عروضي واضح . (موقع معهد الإمامين الحسنَين)
(7)أي التلطخ بالطيب وغيره والإكثار منه .

 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page