• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

العنوان الخامس : في بيان اللطف الرباني الخاص بالإمام الحسين (عليه السّلام)

العنوان الخامس

في بيان اللطف الرباني الخاص بالإمام الحسين (عليه السّلام)
الذي عبّر عنه بقوله : (( فوضع الله تعالى يده على رأس الحسين (عليه السّلام) )) . وحيث إنّه كناية عن نهاية نظر الرحمة إليه فقد ظهر هذا في شيئين كما في الروايات الصحيحة :
الأوّل : ما ناله هو في نفسه
الثاني : ما ينال الناس به
أمّا الأوّل : فإنّه مرتبة خاصة من القرب لا نقدر على تقريرها ، بل ولا على تصوّرها ، ومن فروعها جعل الإمامة في ذرّيته .
وأمّا الثاني : فاُمور كثيرة : منها جعل الشفاء في تربته ، والإجابة تحت قبته ، وعمدتها وأجّلها وأعظمها ، إنّ الله تعالى قد خصّه بصيرورته سبباً عاماً لرحمته على عباده وقد خلقهم لها فجعله بذلك عمدة التسبّب ، وحيث كان نبيّه رحمة للعالمين جعل الحسين من النبي وجعل النبي المصطفى منه ؛ ولذا قال (صلّى الله عليه وآله) : (( حسين منّي وأنا من حسين )) .
فهو محلّ وضع يد الرحمة ، ومن الرحمة ،
وغذّته يد الرحمة ، ورُبّي في حجر الرحمة ، ورضع من لسان الرحمة ، ونبت لحمه ودمه وذاته روحه الزاكية من الرحمة ، ونور بصر الرحمة ، وهو جلدة ما بين عيني الرحمة ، وريحانة الرحمة ، ومجلسه صدر الرحمة ، ومركبه كتف الرحمة ، ومرتحله ظهر الرحمة ، ومسيره إلى الرحمة ، ومعدن خاص للرحمة ، ومجمع لأسباب الرحمة ، وجامع وسائل الرحمة ، ومنبع عيون الرحمة ، ومشرع الواردين للرحمة ، ومترع مناهل الرحمة ، ومغرس حدائق الرحمة ، ومظهر ثمرات الرحمة ، ومنبت أغصان الرحمة ، ومحرّك مواد الرحمة ، وسحائب فيوض الرحمة .
وبه يتحصّل الكون في موضع العفو والرحمة ، والدخول في سعة دائرة الرحمة ، وبالرحمة عليه يتحقّق كتب واسع الرحمة ، وهو الرحمة الموصولة ، والرحمة المرحومة ، فهل في قلبك له (عليه السّلام) رحمة فتكون من الباكين عليه رحمة ، فيصلّي عليك ربّ الرحمة تبارك وتعالى ، ويُقال لك : صلّى الله تعالى عليك يا صاحب الرحمة ؟
وهذا العنوان لبيان وسائل الرحمة به إجمالا وكثرتها وعمومها ، وبيان معادلتها مع كلّ الأعمال الشرعية والصفات الدينية .
ولنذكر أوّلاً مقدّمتين :

المقدّمة الأوّلى
( أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ) . لا تحسب أيّها الإنسان أنّك جئت سُدى ، ولا تحسب أنّك تُترك سُدى ، ولا تحسب أنّك تذهب سُدى ؛ فإنّ خالقك حكيم ، قادر غني ، منزّه عن العبث واللهو ، وقد وجدت بخطابات تكوينية بعد أن لم تكن شيئاً مذكوراً ، فكنت تراباً بخطاب ، ثمّ نطفة بخطاب ، ثمّ علقة بخطاب ، ثمّ عظاماً بخطاب ، ثمّ مكسوّاً بلحم بخطاب ، ثمّ إنساناً بخطاب ، ثمّ أُفيض عليك العقل والقوى بخطاب من الله تعالى .
وهذه كلّها خطابات تكوين منه تعالى لك ، فلمّا تكونت بمقتضاها توجّهت إليك أقسام من الخطابات التكليفية ، وتفرّعت عليها أقسام خطابات لك ، وأقسام خطابات بالنسبة إليك .
بيان ذلك : إنّك مخاطب الآن باعتقادات ، وبصفات ، وبفعل واجبات
ومندوبات ، بدنيات وماليّات ، وبترك صفات وأفعال وأقوال وأموال ، وبخطابات تعلمها أوّلاً ثمّ تعمل بها . ثمّ إنّه قد توجّهت إليك بعد ذلك خطابات إرشادية بالطاعات ، والاستباق إلى الخيرات ؛ ابتغاء الوسيلة إلى الله تعالى ، واتخاذ السبيل إلى الله ، وإجابة داعي الله تعالى ، والتزوّد إلى الله ، وإقراض الله ، وتقوى الله ، والمجاهدة في سبيل الله ، والمسارعة إلى مغفرة الله تعالى ونحو ذلك .
وبعد توجّه هذه الخطابات إليك تتوجّه إليك خطابات تكوينية يتحقّق مؤدّاها بمجرّد توجّهها عند انقضاء أجلك ، فتُخاطب روحك ممّن له الأمر بالمفارقة ، وجسدك بالوقوع ، وقواك بالسقوط ، وعينك بالظلام ، وسمعك بالصم ، ولسانك بالخرس ، ويُقال لك : اترك كلّ ما في يدك ومالك ، وما تراه بعينك كلّه دفعة واحدة ، فيتحقّق كلٌ بمجرّد الخطاب بهما ، ولا تقدر على عدم إجابة هذا الداعي الإلهي .
وإذا تحقّق ذلك فتصير معرضا لخطابات هي آثار الخطابات التكليفية الموتجّهة إليك ، وتختلف حالتك فيها باختلاف حالاتك في امتثالها . فمنها : خطابات تتوجّه إليك بعد تفرّق أجزاء وجودك من روحك وجسمك باجتماع أجزاء جسدك وعود الروح كما أنت الآن ، وهذه أيضاً تتحقّق الإجابة عليها بمجرّد النداء بها .
ومنها : خطابات تتوجّه إليك بـ ( اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً ) . فتأخذه إمّا بيمينك أو بشمالك أو وراء ظهرك فتقرأه ؛ فإمّا أن تقول : ( يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ ) ؛ وإمّا أن تقول : ( هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ ) .
ومنها : خطابات تتوجّه من الله تعالى ؛ فمنهم مَنْ يُخاطب : ( يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ ) ، ومنهم مَنْ يُخاطب : ( وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ) .
ومنها : خطابات تتوجّه إلى ملائكة المحشر بالنسبة إلى أهلها ؛ فمنها : ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ) ، ومنها بالنسبة إلى المؤمنين حين تتلقّاهم الملائكة ( أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ) .
ومنها : بالنسبة إلى بعض المذنبين : ( خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ) ، فيا له من مأخوذ لا تنجيه عشيرته ولا أهله !
ومنها : ( ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ) .
ومنها : ( ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ ) ، وما أدراك بمعنى (فَاسْلُكُوهُ) ؟! إنّ معناه أن يُسلك الشخص في حلقات السلسلة ، لا كسلاسل يشدّ بها الشخص على ما هو المتعارف .
ومنها : خطابات إلى الملائكة بالنسبة إليك ؛ إمّا : ( سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ) أو ( خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ ) .
ومنها : خطابات تتوجّه إليك تعجيزيّة ، منها : ( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانْفُذُوا ) .
ومنها : ( أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ) .
ومنها : خطابات تهكميّة : منها : ( اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ ) .
ومنها : ( ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ) .
فهذه الخطابات السبعة الأخيرة فروع للخطابين الأوّلين التكليفي والإرشادي ، فلاحظ نفسك أيّها امتثالاً أو تهيّؤاً لها .

المقدمة الثانية
اعلم أنّك الآن مصاب بمصيبة عظيمة ما أعظمها لو تصوّرتها ، وذلك من جهات :
الأوّلى : إنّك رمية المصائب العارضة ، وأسير المنايا ، وهدف البلايا في حلقوم الرحى الدائرة ، مُساق إلى الموت كلّ ساعة في النزع ، وفي سفينة طوفانية ما تدري أيّ ساعة تغرق ، قد أحاط بك الأخلاط التي لا بدّ أن تُقتل بأحدها ، وأحدق بك الأعداء كلّ يجرّك إلى طرف .
الثانية : مصيبة لك لا تحسّ بها أبداً ولكن كان علياً (عليه السّلام) إذا ذكرها يتململ تململ السليم ، ويبكي بكاء الثكلى ، وهي أنّ السفر بعيد ، والمنازل مخوفة مهولة ، والمورد عظيم خطير ، والزاد قليل ، والرجل حافية ، وما لك موكب ، والكفّ صفر ، والطريق مخوف .
الثالثة : قد عظم بلاؤك ، وأفرط سوء حالك ، فأنت المحترق بالنيران المتعدّدة ، أنت الذي اشتغل قلبك وبدنك ولسانك ويدك ورجلك بشعلات المعاصي ، أنت المقتول في معركة الذنوب ، أنت المأسور للنفس الأمارة والشيطان ، أعضاؤك مشتعلة النيران ، قد توقّدت على الظهور والبطون ، والقلوب قد تقطّعت أجزاء إنسانيتها ، وقد جُرحت بمئة ألف جرح من المعاصي ، وقد وطأت خيول الضلال أعضاء هدايتك .
الرابعة : بلية عظيمة لا مناص عنها ولا خلاص ، وهي أنّه إن بقيت هنا فأنت الآن إمّا فقير أو غني ؛ فإن كنت فقيراً وكبرت سقطت قواك ، وإن كنت غنيّاً لم تلتذّ بما عندك ، فاجتمعت عليك مصائب الفقر إلى مَنْ كان فقيراً إليك ، وتأذّى أحبّ الناس إليك منك ، فيرجو موتك مَنْ ترجو حياته ، وينزعج كلّ واحد لاستبطاء موتك .
فإن ذهبت من هنا فإلى قبر لم تمهّده لرقدتك ، ولم تفرشه للعمل الصالح لضجعتك ، فإذا دخلته وبقيت فيه فوجه كالح ـ والكالح : هو التكشّر في عبوس أو التعبّس المفرط ـ وجسد خاوٍ ، وأعضاء معطّلة مسودّة ، ومصاحبة للنمل والدود ، والعقارب والخنافس ، وإن خرجت فإلى محشر أرضه نار ، وسقفه نار من الشمس ، والجوانب نار من المعاصي ، فإن بقيت فكيف تبقى ؟! وإن ذهبت فإلى أين ؟!
فلو عرفت أنّك مصاب بهذه المصائب للبست السواد ، وفرشت الرماد ، وتركت الأهل والمال والأولاد . قال علي (عليه السّلام) : (( وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ مِمَّا طُوِيَ عَنْكُمْ غَيْبُهُ إِذاً لَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَبْكُونَ عَلَى أَعْمَالِكُمْ ، وَتَلْتَدِمُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ، وَلَتَرَكْتُمْ أَمْوَالَكُمْ لا حَارِسَ لَهَا ، وَلا خَالِفَ عَلَيْهَا ، وَلَهَمَّتْ كُلَّ امْرِئٍ مِنْكُمْ نَفْسُهُ )) . فأشغلتكم هذه المصيبة عن كلّ مصيبة ، ولو كانت في نفسك وولدك وإخوانك .
تبيان : المراد بالصعداء هنا : الصحاري . والالتدام : ضرب النساء صدورهنّ ، أو وجوههنّ للنياحة . وهمّته أي شغلته .
وإذا تمهّدت المقدّمات ، فاعلم : أنّ خامس أهل الكساء ، وسيد الشهداء ، أبا عبد الله الحسين (عليه التحية والثناء) قد امتثل لله تعالى خطاباً خوطب به في صحيفة مكتوبة له خاصّة ، جاء بها جبرئيل (عليه السّلام) من الله تعالى وأودعها عند نبيّه محمّد (صلوات الله عليه وآله) ، ثمّ سلّمها (صلّى الله عليه وآله) إلى علي (عليه السّلام) ، ثمّ علي إلى الحسن (عليهما السّلام) ، ثمّ سلّمها الحسن المجتبى إلى أخيه الحسين (عليهما السّلام) عند وصيّته فامتثل خطاباً خاصّاً من تكاليفه الخاصّة ، والخطاب الخاص هو : (( اخرج بقوم إلى الشهادة ؛ فلا شهادة لهم إلاّ معك ، واشتر نفسك لله )) . نعم ، فامتثل (عليه السّلام) خطاباً خاصّاً من تكاليفه الخاصّة .
حصل لمَنْ توسّل بوسائله ، إطاعة التكاليف الإرشادية ، وامتثال الخطابات التكليفية ، وتحمّل مصيبة اُعطي بها أجر حصل لمَنْ تمسّك به ارتفاع جميع المصيبات ، وتفرّع على ذلك النجاة من
العقبات . خوطب عند امتثاله ذلك التكليف الخاصّ بخطاب ارتفع به عن المتوسّل به التهكميّة ، والتعييرية من الخطابات .
ففي وسائله يحصل امتثال الأمر بالطاعات ، والأمر بالصّلاة والصّيام ، والصّدقات والحج ، والعمرة والجهاد والرباط ويحصل ثوابها ، ويحصل لك أعلى أفرادها الذي يتصوّر وقوعه منك .
وزيادة على ذلك إنّه قد يحصل لك أعلى أفراد ما لا يتصوّر وقوعه منك ، مثل الصّلاة والحج والجهاد مع النبي محمد (صلوات الله عليه وآله) ، وزيادة على ذلك إنّه قد يحصل لك بحسب العدد والكم ما يستحيل وقوعه منك ، مثل : أن تحجّ مئة حجّة .
وفي الوسائل الحسينيّة ما تحصل لك مئة ألف حجّة ، وقد يحصل لك ما يستحيل وقوعه في نفسه لا منك خاصة ، فالتشحّط بالدم قتيلاً لا يمكن إلاّ دفعة واحدة ، وفي الوسائل ما تكون ألف مرّة متشحّطاً بدمك في سبيل الله تعالى ، فبها ترتفع المصيبات المتحقّقة فيك الآن وأنت لا تشعر بها ، وتندفع البليات التي أنت معرض لورودها ، وبها يحصل تسهيل العقبات التي أنت مُشرف عليها ، وبها يحصل الأمن من الأهوال والمخاوف في جادتك التي أنت الآن ماشٍ عليها ، وبها يحصل امتثال التكليفية والإرشادية من الخطابات ، وتحصل المحمودة من الصّفات ، وترفع تأثيرات المهلكات من الصّفات ، وبها تحصل المغفرة للعصيان الحاصل بارتكاب المنهيّات ، والفتح لِما سدّ الشخص على نفسه من أبواب الجنان ، وسدّ ما فتحه من أبواب النيران ، وإطفاء ما أحاط به الآن من النيران ، وبها حصول الدرجات ، وبها ارتفاع الدرجات ، وبها أرفع الدرجات ، وفيها ما لا يُتصوّر من الدرجات .
ولتوضيح هذا المطلب نذكر عائدة ( تَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ) ، فيها عود وتكرّر وتوضيح ، فاحضر قلبك واستمع واحترس ؛ فإنّه قد توجّهت إليك الآن من ربّك خطابات كثيرة أنت في عهدتها ؛ فالإفاقة الإفاقة ! فلك بعد أيام حالة قيامة صغرى عليك ، تتوجّه بالنسبة إليك خطابات تجري عليك ما أصعبها !
الحذر الحذر !
فلك بعد ذلك حالة تجري عليك ما أصعبها . الحذر ! الحذر ! فلك بعد ذلك حالة وهي القيامة الكبرى تقوم عليها تتوجّه بالنسبة إليك خطابات ما أعظمها وأفظعها وأهولها .
فبالحسين (عليه السّلام) يحصل امتثال خطابات لك ، وبالحسين (عليه السّلام) يسهل جريان خطابات ، وبالحسين (عليه السّلام) دفع ورفع لخطابات ، فهنا ثلاث كيفيّات :

الكيفية الأوّلى
تفصيل لتحصيل امتثال الخطابات ، وهي على أقسام :

الخطاب الأوّل : خطاب العبادة
قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) .
وهذا خطاب ورد على لسان مئة [ وأربع ] وعشرين ألف نبي ، وعلى لسان الأوصياء والصّلحاء ، والملائكة والحكماء ، والعرفاء وأهل الملل ، فلاحظ نفسك هل عبدته بعبادة مطابقة لإحدى الملل السابقة ، أو لهذه الملّة التي تدّعيها الآن ؟
ثمّ لاحظ زماناً لها ، فهل عبدته في طول عمرك ، أو نصف عمرك ، أو بعض عمرك ، أو سنة من عمرك ، أو شهر أو يوم أو ساعة .
ثمّ لاحظ نفسك من أيّ عبّاده أنت ، فلست من عباده المكرمين ، ولا من عباده المصطفين ، ولا من عباده المخلَصين ، ولا من الذين قال تعالى فيهم : ( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ) ، ولا من عباده المؤمنين ؛ إذ لا صفة لك من صفاتهم ، ولا من عباده المتقين ؛ إذ لا علامة فيك من التقوى ، ولا من عباده المسرفين الذين قال تعالى فيهم : ( لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ) ؛ فإنّه قال : ( وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ ) ، ولست من المنيبين المخاطبين ، بـ ( لا تقنطوا ) .
ثمّ لاحظ عبادتك له تعالى ، وليست عبادتك عبادة الإخلاص الخاصّ ، بل ولا كعبادة العبيد تكون خوفاً من ناره ، بل ولا عبادة الاُجراء تكون طمعاً في جنّته .
وليتنا اكتفينا بعدم عبادته تبارك وتعالى بقسم من الأقسام ، بل عبدنا من دونه عدوّنا وعدوّه ، ولسنا اكتفينا بواحد ، بل عبدنا الهوى ، وعبدنا الدينار والدرهم ، وعبدنا ما لا يُحصى عدده ، وليتنا اكتفينا بقسم من أقسام العبادة ، بل عبدناه بجميع ما يُتصوّر من أقسامها .
فإذا عرفت حالتك بالنسبة إلى عبادة ربّك تعالى ، فاعلم أنّه يمكن أن تنال بالحسين الشهيد (عليه السّلام) دخولك في جميع
أقسام العبادات ، وعبادتك طول عمرك ، ويمكنك أن تنال به (عليه السّلام) مرتبة العبودية بجميع أنواعها وأقسامها .
وبيان ذلك فيه مطالب :
الأوّل : إذا زرت الحسين (عليه السّلام) حصلت لك من مراتب عبادة المكرمين ، وهم الملائكة ، وذلك إنّ علوّ مراتبهم إنّما هو بمراتب عبادتهم ، وقد يحصل لزائر الحسين (عليه السّلام) صلاة الملائكة وتسبيحهم وتقدسيهم وطول عبادتهم إلى يوم القيامة ، وفوق ذلك تكون الملائكة نوّاباً عنه في زيارة الحسين (عليه السّلام) إلى يوم القيامة ، وسنذكر الروايات بعد ذلك إن شاء الله .
وبهذا يظهر لك معنى الروايات : إنّ مَنْ زار الحسين (عليه السّلام) كان من عبّاد الله تعالى المكرمين .
الثاني : إذا زرت الحسين (عليه السّلام) حصلت لك من مراتب عباده المصطفين ، وهم الأنبياء (سلام الله عليهم أجمعين) ؛ فإنّ من بعض خواصها الكون مع النبي (صلوات الله عليه وآله) ، والأوصياء في درجاتهم والأكل معهم على موائدهم ، ومصافحتهم ودعاءهم لك وحديثهم معك وسلامهم عليك ، وسنذكر تفصيل الروايات في ذلك .
الثالث : بخصوصيات وسائل الحسين (عليه السّلام) تحصل لك من مراتب عبادة الصالحين والمخلّصين ، والمؤمنين والزاهدين والخائفين ، كما سيظهر تفصيلها من الروايات الخاصة ، وكما يحصل بها لك من مراتب العباد كلّهم يحصل لك ثواب العبادات كلّها من خطابات الصّلاة والزكاة ، والحج والعمرة ، والجهاد ، والمرابطة ، والوقوف والصدقات والمستحبّات، وثواب أعلى الدرجات والنيّات ، وثواب عبادة العمر كلّه ، لا بل الدهر كلّه ، كما يتبيّن ذلك عند ذكر التفصيلات .
الرابع : من الوسائل الحسينيّة ما يحصل لك منها خصوصية نداء العباد المسرفين المنيبين المخاطبين بقوله تعالى : ( لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ) ؛ فإنّه تحصل بالبكاء عليه (سلام الله عليه) ، ويحصل من الزيارة له مغفرة الذنوب جميعاً ، لا الذنوب الماضية فقط ، بل قد تحصل مغفرة الذنوب المستقبلة ، لا ذنوبك جميعاً ، بل قد تحصل مغفرة جميع ذنوب والديك ، لا ذنوب والديك معاً ، بل قد تحصل مغفرة ذنوب مَنْ أحببت جميعاً(1) .
وسيُعلم هذا عند ذكر الروايات في التفصيل إن شاء الله تعالى .

الخطاب الثاني : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ )
وهذا كالخطاب الأوّل ، خلاصة كلام كلّ نبي ، بل هو وصيّة كلّ نبي ، ومضمون كلّ كتاب سماوي ، وهو على أقسام ، وتحصل بوسائل الحسين (عليه السّلام) ثمرات جميع أقسامه وأعلاها ، أي خطاب المتقين يوم القيامة بقوله تعالى : ( يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ ) ؛ إذ بمثل هذا يُخاطب مَنْ زار الإمام الحسين (عليه السّلام) عارفاً كما سيجيء بيانه عند التفصيل في العنوان الآتي .

الخطاب الثالث : الإنفاق في سبيل الله تعالى ( وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ )
وقد يحصل بالحسين (عليه السّلام) جميع أفراد الإنفاق ، من الإعطاء والإطعام والسقي ، والزكوات والصّدقات ، وكل معروف هو صدقة ، بل يحصل منه ما يستحيل حصوله بغيره (عليه السّلام) ؛ ففي بعض خصوصيات وسائله ما يُكتب لك بها ثواب سقي عسكر الحسين المظلوم (صلوات الله تعالى عليه) وفي يوم عاشوراء ، وذلك بالنسبة لِمَنْ سقى الماء في عاشوراء عند قبره المبارك .
فهل تحبّون أن تسقوا عسكر العطشان الآن ، وإن لم تكونوا عند قبره ، ولم يكن ليل عاشوراء :
في كلّ موضعٍ يرى قبره *** وكربلا في كلّ مكانٍ يُرى
فإذا تصورته واحترق قلبك على حالاته صار قلبك موقفه ومدفنه ، فاسقِ عنده الماء من عينيك ، وبذلك تكون قد سقيته وسقيت عسكره وعياله وأطفاله ومَنْ كان معه .

الخطاب الرابع : خطابات الجهاد ( وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ )
وهو قسمان : أكبر وأصغر ، والقاتل سعيد فيهما ، فالمقتول في الأوّل شهيد ، لكنّ المقتول في الثاني طريد ، ولست بقاتل ولا مقتول في الأوّل ولا في الثاني ، ولكن يمكن إدراك ذلك بالحسين الشهيد (عليه السّلام) ، وفيه مطالب :
الأوّل : إذا تمنيت أن تكون شهيداً مع الإمام الحسين (عليه السّلام) وقُلت : يا ليتني كنت معكم ، كان لك من الثواب مثل مَنْ استشهد معه(2) .
أقول : هنا يتحقّق هذا الأمر مع الحبّ والاتّباع والتأثّر الصادق بولائهم (عليهم السّلام) ، والناس في هذا مراتب ودرجات متفاوتة كلٌ بحسب قابليته وتعلّمه وإيمانه ، وقبل كلّ شيء توفيق الله تعالى له ولطفه عليه ، وليس حديثاً نجريه على اللسان .
الثاني : إذا أحببت عمل الشهداء شاركتهم ، كما في رواية جابر قال : نعم ، أشهد لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه .
الثالث : إذا زرت الحسين (عليه السّلام) في ليلة عاشوراء وبتّ عنده حتّى الصباح لقيت الله تعالى ملطّخاً بالدم كمَنْ قُتل معه .
الرابع : وهو يفوق أصل الجهاد ؛ فإنّ الجهاد قد تحصل به الشهادة وقد لا تحصل ، وفي هذه الوسائل ما يحصل من ثواب الجهاد والشهادة والتشحّط بالدم .
الخامس : ما فاق على ذلك ؛ فإنّ التشحّط بالدم في سبيل الله تعالى إنّما يتحقّق مرّة واحدة ، وفي الوسائل ما يحصّل ذلك مرّات عديدة .

الخطاب الخامس : ( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى )
وأحسن الزاد ما طاب وبلغ المنزل ، وزيارة الحسين (عليه السّلام) نِعْمَ الزاد لهذا السفر الطويل ؛ فإنّه نافع في كلّ منزل ، وطيّب قد فاق كلّ زاد ، وليس هو زاداً لك وحدك ، بل زاداً لغيرك أيضاً ؛ فإنّك قد تأخذ بيد مَنْ أحببته فتدخله الجنّة .

الخطاب السادس : ( وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً )
والوسائل بالحسين (عليه السّلام) قرض حسن لله تعالى ، وقرض حسن لحبيبه المصطفى (صلوات الله عليه وآله) ، وقرض حسن لعلي بن أبي طالب (عليهما السّلام) ، وقرض حسن للزهراء البتول فاطمة (سلام الله تعالى عليها) ، وقرض حسن للمظلوم المسموم الحسن المجتبى (عليه السّلام) ، وقرض حسن للحسين الشهيد (سلام الله عليه) ، ويضاعف الله تعالى لك في كلّ قرض لكلّ واحد منهم أضعافاً كثيرة لا يعلم عددها إلاّ الله تعالى .

الخطاب السابع : ( اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ )
وقد دعانا رسول الله محمّد (صلّى الله عليه وآله) فيما يتعلّق بالحسين (عليه السّلام) إلى أسباب حصول الحياة الأبدية الحقيقية ؛ من المحبّة له (عليه السّلام) والنصرة ، والبكاء والزيارة ، وإحياء أمرهم بذكرهم ... إلخ . بالتفاصيل السابقة واللاحقة .

الخطاب الثامن : ( وَقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ )
وهذا تقديم للنفس ، وتأخير لها أيضاً ، يلحق ويتجدّد حصول ثوابه لعد موتك .

الخطاب التاسع : ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ) ، ( فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ )
ويحصل بالحسين (عليه السّلام) أسرع المغفرة ؛ فإنّ الذنوب تُغفر بالبكاء عليه بمجرّد دوران الدمع في الحدقة ، وبزيارته بمجرّد النيّة والعزم .

الخطاب العاشر : خطابات الدعاء ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً )
وتُنال بوسائله ثمرات الدعاء لكلّ حاجة تدعو لها ، ويُنال به (عليه السّلام) مع ذلك إذا زرته دعاء رسول الله تعالى محمّد (صلّى الله عليه وآله) ، ودعاء علي وفاطمة والحسن والأئمّة (عليهم السّلام) ، ودعاء الملائكة.
وفي الرواية الأُخرى أنّ زائره لا يضع قدمه على شيء إلاّ دعا له ، وأنّه (عليه السّلام) يسأل الله تعالى لك الدعاء إذا زرته ، وبكيت عليه من جدّه وأبيه .
وقد دعا الإمام الصادق (عليه السّلام) في أيام حياته وهو ساجد باك لِمَنْ قلّب خدّه على قبر الإمام الحسين (عليه السّلام) ، ولِمَنْ جرى دمعه عليه ، ولِمَنْ صرخ لأجله .

الخطاب الحادي عشر : ( كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ )
والله تعالى أجّل من أن يحتاج إلى نصرة ، إنّما هو الغني المطلق الخالق البارئ ، لكن من سعة رحمته (جلّ جلاله) أن جعل نصرة أوليائه ودينه هي نصرته تبارك وتعالى ، وكلّما كان المنصور من أوليائه مستضعفاً مقهوراً مظلوماً ، كان تحقّق نصرة الله تعالى فيه أظهر وأجلى .
قال الإمام الصادق (عليه السّلام) : (( بأبي المستضعف الغريب بلا ناصر ! )) . فزيارة هذا الغريب الشهيد (عليه السّلام) نصرة له ، والبكاء نصرة له ، وإقامة عزائه نصرة له ، وتمنّي نصرته نصرة له ، بل أقول : السجود على تربته نصرة له ، والتسبيح بسبحة تربته نصرة له ؛ فإنّ الفضيلة المجعولة فيهما من الأعواض الخاصة التي أعطاها الله تعالى له (عليه السّلام) ، كما سنذكرها في عنوانها إن شاء الله تعالى .

الخطاب الثاني عشر : ( أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ )
وداعي الله تعالى هو النبي محمد (صلّى الله عليه وآله) الذي دعا إلى الإسلام ، ويتلوه الحسين (عليه السّلام) الذي دعا إلى الإيمان ، وأظهر الدعوة إلى الإيمان ، وأبان الأمر عن بطلان ما اعتقده الناس من خلافة أهل العصيان ، وجميع وسائله إجابات لِما دعا إليه ، كما يظهر بالتأمّل فيها حتّى إنّي أقول : إنّ الاستشفاء بتربته إجابة لدعوته ، فتأمّل في ذلك لتفهم .

الخطاب الثالث عشر : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ )
والحسين الشهيد (عليه السّلام) أعظم وسيلة نبتغيها ؛ فإنّ وسائله عظيمة ميّسرة سهلة الحصول ، فيها ما هو غاية المأمول وفوق المأمول .

الخطاب الرابع عشر : ( فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً )
والحسين إمامنا (عليه السّلام) السبيل الأعظم ، والصراط الأقوم ، وأنهج السبل .
وهذه المذكورات أُنموذجاً وقانون فقس عليها غيرها من الخطابات الإلهية ، وجميع ما في القرآن من قبيل ذلك ، كالخطابات بالتجارة المنجية والرابحة ، فقس ما لم نذكر على ما ذكرنا ، ولا تتوهّم إغراقاً ولا مبالغة .

الكيفية الثانية
تصوير أنّه يسهل بالحسين (عليه السّلام) جريان الخطابات التكوينية عند قيام القيامة الصغرى عليك ، أعني موتك وأيامها ، اعني برزخك .
فنقول : إنّ من وسائله الاستعبار عليه ، وتغيير الأحوال عند تذكّر ما صُنع به ، بحيث لم يتهنّأ من طعام ولا شراب ، ومن خواص ذلك أنّه يحضره النبي (صلّى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السّلام) ، ويلقونه بشارة وتحيّة يفرح بها فرحة تبقى في قلبه إلى يوم القيامة فيسهل بها جميع ما يرد عليه من خطابات الاحتضار ، والبرزخ إلى غير ذلك من كيفيات التسهيل التي نبيّنها في التفصيل .

الكيفية الثالثة
كيفية رفه الخطابات التهكمية والتعجيزية ، وخطابات الأخذ والجر ، والغلّ والسلك في السلسلة وغير ذلك.
وينال بالوسائل الحسينيّة تبديلها بخطابات الملاطفة والمرحمة ، أو دفعها أو رفعها ؛ وذلك إنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) قد ضمن أنّه يزور مَنْ زاره يوم القيامة ، فقال (صلّى الله عليه وآله) : (( ضمنت على الله تعالى ، وحقٌّ عليّ أن أزور مَنْ زاره يوم القيامة )) . فقال (صلوات الله عليه وآله) : (( فآخذ بعضده فأُنجيه من أهوال القيامة وشدائدها حتّى أُصيّره في الجنة )) .
ومع عظم هذه الكيفيات فلا يُكتفى بها ، بل وزيادة على ذلك فهي الباقيات الصالحات ، والأعمال المقبولات اللاحقات .
فبالحسين الشهيد (عليه السّلام) قد أُطفئت النيران ، وبه (عليه السّلام) قد فُتح باب عظيم للجنان سُمّي بباب الحسين (عليه السّلام) ، به يحصل الدخول من كلّ باب ، فهو الباب والمفتاح لأبواب الجنان ، والمغلاق لطبقات النيران ، فهلمّوا إلى الوسائل الحسينيّة وابشروا ؛ فإنّ فيها مع ما ذكرناه علاوة عجيبة ، وطريفة مبشّرة ، ونعمة عظيمة ، ومنّة من الله تعالى جسيمة ؛ وذلك إنّ في التسبيبات الحسينيّة خصوصية أُخرى تفوق على جميع التسببات وتزيد على جميع الأعمال الصالحات من جهات :
الأوّلى : إنّ نهاية ثمرة الأعمال الخلاص من النار ، وقد فاقتها ثمرة التسبيبات بأنّه يحصل بها التخليص للغير من النار أيضاً .
الثانية : نهاية ثمرتها دخول الجنّة ، وقد فاقت هذه بأنّ فائدتها إدخال الغير إلى الجنّة أيضاً .
الثالثة : نهاية ثمرتها أن يُرزق الشرب من الكوثر ، فيصير الشخص شارباً منه ، وهذه قد فاقت بأنّه قد يحصل بها كون الشخص ساقياً عند الكوثر .
الرابعة : نهاية ثمرة الأعمال الصالحة أن ترقى أعمالك في كتاب الحسنات ، فتؤتى كتابك بيمينك تقرؤه ، وقد فاقت بأنّه قد يحصل بها أن يُكتب في كتابك من أعمال أفضل العابدين لله تعالى ، أعني من أعمال نبيّه المصطفى (صلوات الله تعالى عليه وآله) ، وهو أفضل المخلوقات .
الخامسة : نهاية ثمرتها أن لا يُحال بينك وبين محمد (صلّى الله عليه وآله) يوم القيامة فتستشفع به إلى الله تعالى ، وهذه قد يحصل منها أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) يتفحّصك ويطلبك ، ويأخذ بعضدك وينجيك من أهوال القيامة .
السادسة : نهاية ثمرة الأعمال الجنّة والحور الرضوان ، ولكن في بعض الروايات : إنّه يُثاب الباكون عليه (عليه السّلام) بأن يجلسوا تحت العرش في صحبته ويتحدّثوا معه ، فتُرسل الحور إليهم : إنّا قد اشتقناكم ، فيأبون الذهاب ويختارون حديث الحسين (عليه السّلام) على الجنّة والحور .
السابعة : نهاية ارتفاع الدرجات أن تُرتفع درجة الشخص على بعض المؤمنين ، والوسائل الحسينيّة قد فاقت على ذلك بأنّها توجب أن يكون الشخص مع أفضل النبيّين (صلّى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السّلام) في درجاتهم ويأكل معهم على موائدهم .
الثامنة : نهاية الأعمال الصالحة حصول الرضوان من الله تعالى ، وهو أكبر وأعظم من الجنان ، وهذه فاقت بأنّه قد يحصل منها أم يكون من محدّثي الله تعالى فوق عرشه ، كناية عن شدّة القرب .
التاسعة : نهاية ما يحصل لك في تجهيزك بعد موتك أن يُغسّلك صالح جيرانك ، وأن تُكفّن بخالص حلالك ، ويُصلّي عليك مَنْ حَسُنَ ظاهره من العلماء ، أو الصلحاء ، وفي تسبيبات الحسين (عليه السّلام) ما يوجب أن يُصلّي على جنازتك الروح الأمين
مع الملائكة المقرّبين (عليه السّلام) ، ويكفّنوك بأكفان الجنّة ، ويحنّطوك بحنوط منها .
العاشرة : نهاية الآثار والأعمال اللاحقة للشخص والباقيات الصالحات التي لا ينقطع عمله منها أن تبقى مدّة مديدة بعد موته ، فيعمل النائب عنه من الناس ، أو يهدي إليه من أعمال الناس فيصل إليه عشر ثوابه لو كان صحيحاً ، أو ينتفع شخص بعلمه ، أو فرسه أو مائه ، أو مسكنه أو قنطرته ، أو يكون له ولد صالح يستغفر له .
وهذه لا تبقى بحسب العادات أزيد من ألف سنة ؛ فإنّ الزمان وحالاته متبدّلان متغيّران ، ولكن في هذه الوسائل ما يوجب أن تكون الملائكة بعد موتك نوّاباً في العمل عنك إلى يوم القيامة ، فكلّ ثوابهم يُكتب لك ، ولا يُستبدل بأوضاع الزمان .
الحادية عشرة : نهاية الترقّي لك أن تكون من عباد الله الصالحين ، وفي الوسائل الحسينيّة ما يجعل الشخص من ملائكة الله المقرّبين ، لا بل أن لا تعجب أقول : من الكرّوبيين ، وهم سادات الملائكة المقرّبين ، كما دلّت عليه الروايات المعتبرة ، وسيجيء تشخيص مصاديق هذه في عنوان التفاصيل بعون الملك الجليل .
الثانية عشرة : نهاية الأعمال الصالحة ثبوث أجر متصوّر ، وفي هذه أجر لا يتصوّر إذ لم يتبيّن لأحد ، فهو درجة من أرفع الدرجات ، ولا شيء فوقه .
فلنكتفِ بهذا الإجمال ، ولنشرع في التفصيل ، وحيث إنّ عمدة هذه الوسائل تأثّر القلب بالبكاء عليه ، وتوجّه القلب إليه بالزيارة فنذكرهما في عنوانين ، ونجعل لباقي الوسائل كلّها عنواناً ثالثاً ، فنقول بحول الله وقوّته .

 



(1) كما جاء في كتاب كامل الزيارات / 152و154و166 ، وبحار الأنوار 98 / 26 .
(2)كما جاء في أمالي الصدوق / 112و113 ، وكذلك في بحار الأنوار .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page