الفصل الأول: نظرة إلی حقوق البیئة فی العالم المعاصر
«البیئة»[1] من أکبر الهموم التی عاشها و یعیشها الإنسان و العالم المعاصر طوال العقود الأخیرة و إلی الآن. لذلک کان إیجاد حقوق و واجبات خاصة بالبیئة و تطویرها، سواء علی الصعید الداخلی أو علی الصعید الدولی من القضایا المهمة جداً حیث شغلت بالَ العدید من الخبراء و الساسة و المؤسسات العالمیة و المعاهدات الدولیة.
و بالطبع فإن «البیئة» بمعناها العصری علی الأقل، مصطلح جدید فی کثیر من اللغات. مخاضی استخدامه فی اللغة الفرنسیة إلی القرن الثانی عشر، مع أن استخدامه المتواصل یرجع إلی عقد الستینات من القرن العشرین.
لقد کانت البیئة منذ أقصی القدیم موضع احترام الحضارات و الثقافات، و تحظی بقداسة خاصة لدی البشرفعلی سبیل المثال شاعت عبادة (میترا) أو الشمس عند الایرانیین القدامی، و کان نهرا «الغنغ» و «النیل» مقدسین عند الهنود و المصریین، و انتشرت عبادة النجوم عند البابلیین، و هنالک اشارات فی کتب مثل «ریغ فیدا» (الکتاب المقدس عند الهندوس) و «التوراة» و «قانون حمورابی» إلی حفظ المصادر الطبیعیة و عدم تلویث البیئة. و کان هناک أقوام آخرون کالفینیقیین و اللیدیین و الهیتیین و المایا و الاینکا یقدّسون الظواهر الطبیعیة الأمر الذی یدل علی ظهور فکرة الإهتمام بالطبیعة و الحفاظ علی البیئة منذالعصور القدیمة.
و مع قیام الثورة الصناعیة فی القرن الثامن عشر برزت المشکلات البیئیة و خصوصاً فی العالم الصناعی بشکل أوضح. و فی القرن العشرین اکتبت الاضرار و الخسائر البیئیة شکلاً أبرز و اکثر خطورة و تأزماً بفعل مشکلات و حوادث «تریل اسمیلتر»[2] فی 1941، و «قناة کورفو»[3] فی 1946، و « بحیرة لانو»[4] فی 1957، و «اختلاف سدغات»[5] فی 1968، و «قضیة کاسموس 954»[6] فی 1987 فی الفضاء، و کارثة المعمل الکیمیاوی «بوپال»[7] فی الهند سنة 1984، و محطة «چرنوبیل» الذریة فی 26 أبریل 1986، والتلوث الناتج عن الحرائق المتعمدة لآبار النفط الکویتیة من قبل العراق فی حرب الخلیج الفارسی الثانیة. و قد دلّت کل هذه الأحداث علی أن البشریة و لأجل التغلب علی الأخطار بحاجة إلی عزیمة عالمیة و برمجة دقیقة و إتخاذ خطوات حاسمة و شاملة علی المستویات المحلیة و الإقلیمیة و الدولیة، و بغیر ذلک ستمنی الحیاة الإنسانیة بالدمار و الاستنزاف المتسارع.
إن المخاطر البیئیة تشمل الیوم مساحة واسعة، و فی ذلک المیاه و الهواء و درجة الحرارة و ازدیادها فی الکرة الأرضیة، و إرتفاع سطح البحار، و الحفاظ علی الأنواع المختلفة، لاسیما الأنواع النباتیتة والحیوانیة النادرة، و تآکل طبقة الاوزون، و آثار الأنشطة الصناعیة لأفعال الإنسان، تخریب الغابات، تلوث المیاه، الأمطار الحامضیة، التلوث الصوتی، والعسکری، و الذری و ما إلی ذلک.
و قد أدّت بعض هذه الخسائر البیئیة بدورها إلی خسائر أکبر. فمثلاً یری الخبراء أن قطع أشجار الغابات بشکل واسع و الإنتشار الکبیر للمخلفات الصناعیة فی الفضاء یؤدی إلی تغییرات سلبیة جداً فی مناخ العالم و ارتفاع مستوی المیاه فی البحار و المحیطات و غرق السهول الساحلیة و اتساع الأمواج الحراریة. کما أن الوقود الفسائلی و استخدامه الواسع و المنفلت یؤدی إلی زیادة هاین اوکسید الکاربون فی الأرض و ایجاد ظاهرة الاحتباس الحراری. ان وجود الغازات السامة المنتشرة من الانشطة الصناعیة الإنسانیة یؤدی إلی أکسدة الامطار و نشر السموم فی میاه الشرب و تلویث بیئة الکائنات الحیة البحریة و بالتالی یعرض سلامة الإنسان للخطر.
یسود الیوم هذا الاعتقاد بأنه علی الرغم من أن الموضوعات البیئیة فی العلاقات الدولیة لیست ظواهر جدیدة ، و لکن بالنظر لوخامة الاوضاع، فإن قادة العالم کثیراً ما ینقلون قضایا البیئة من الهامش إلی اوراق عملهم السیاسیة الرئیسة.[8]
ویلاحظ هذا المنحنی ایضاً فی اسالیب المنظمات الدولیة و العالمیة فی خطوات وقائیة ضد تلوث البیئة، و ما عقد عشرات المعاهدات البیئیة الاّ دلیل علی هذه الأهمیة المتزایدة.
یجب التذکیر بأن مصطلح «البیئة» یمکن ان یطلق علی منطقة معینة أو کل الکوکب أو حتی الفضاء الخارجی للکوکب. کما أن منظمة الیونسکو أختار مصطلح «بیوسفر»[9] أو الطبقة الحیویة للبیئة و هو من التعاریف الموسعة فی هذا المجال حیث یعرفه ببیئة حیاة البشر أو ذلک الجزء من العالم الذی تجری فیها الحیاة کلها حسب العلم الحالی للانسان. والواقع أن البیوسفر أو الطبقة الحیویة، هی تلک الطبقة الرقیقة التی تلفّ الکرة الأرضیة و هی تشمل الأرض و ألف متر فوقها و اعماق الأرض و المحیطات.
کما أن البیئة تشمل الماء و الهواء و التراب و العوامل الداخلیة و الخارجیة المتعلقة بحیاة أی کائن حی، و الحقیقة أن الحیاة الإنسانیة و الحیوانیة و النباتیة و نحوها تتأثر بهذه البیئة. کما أن بعض نصوص المعاهدات البیئة، تعرّف البیئة متکونة من الأجزاء التالیة:
الف) المصادر الطبیعة سواء المتجددة منها أو غیر المتجددة کالهواء و الماء و التربة و کل الحیوانات و النباتات و التأثیرات المتبادلة بین هذه العناصر.
ب) الأموال و الممتلکات الخاصة بالتراث الثقافی.
ج) المناظر الخاصة.
لذا فإن البیئة المصنوعة من قبل البشر کالأبنیة و الآثار التاریخیة و البنایات المتنوعة و المناظر الخاصة تعد جزءاً من البیئة و ینبغی حمایتها من التخریب.[10] کما أن المصادر الطبیعیة للکرة الأرضیة کالهواء و الماء و الأرض و النباتات و الحیوانات و خصوصاً النماذج المعروفة من النظم البیئة الطبیعیة، یجب أن تحفظ لصالح الأجیال الحالیة و المستقبلة و بحسب الحاجة و طبقاً لخطط مدروسة و ادارة دقیقة، کذلک یجب ادارة الانتاج و المصادر بشکل منطقی یعالج التعارض الموجود بین التنمیة و البیئة، و لکن من الواضح أن انسان عصر ما بعد الصناعة و عهد «بیوتکنوالکترونیک» الیوم لم یستطع التغلب علی معضلة تخریب البیئة من قبله، فهو یواجه یوماً بعد یوم تخریباً اکثر للغابات، و زیادة فی اتساع الصحاری، و تلوث الهواء و الماء و التربة و البیئة و انقراض أنواع حیوانیة و نباتیة، و هذه العملیة تدور داخل دائرة مغلقة و تراجعیة و تتکرر باستمرار، و لا تزال للاسف وتیرة تخریب البیئة أسرع من وتیرة ترمیمها.
[1] . Environment.
[2] . Trial Smelter.
[3] . Corfu Channel Case
[4] . Lake lanoux Arbitration
[5] . Gut darm Arbiration
[6] . Soviet Satellite Cosmos 945 case.
[7] . أدی تسرب غاز المثیل ایزوسایانیت من معمل تابع لیونیون فی بوبال الهندیة سنة 1984 إلی وفاة ألفی شخصی، و اصابة مائیتی ألف آخرین.
[8] . انظر: فضل الله موسوی، الحقوق الدولیة للبیئة، بحث فی جامعة هارفارد (ترجمة) طهران، میزان، 2001م، ص31.
[9] . Biosphere.
[10] . انظر: محمد حسن حبیبی، الکسندرکیس و ...، حقوق البیئة، جامعة طهران، 2000م، ص7.