اسلوب الحوار مع من اقر بالبشارة بالمهدی ظاهرا"وجحد ثبوتها فی ذریة الحسین
هناک نفر من أهل القبلة یقر ظاهرا بالبشارة النبویة لورودها فی کتب لا یجرا علی الطعن فی وثاقتها أو تجریح مصنفیها ولکنه یجحد أن یکون المقصود فی هذه البشارة هو التاسع من ذریة الحسین بل ینکر أن یکون الحسن بن علی بن محمد بن علی بن موسی بن جعفر بن محمد بن علی بن الحسین بن علی بن ابی طالب قد خلّف ولدا ّذکراّ . فهو یظن أن الحسن بن علی العسکری مات دون خلف ، فلا ولادة ولا غیبة ولا استتار ولا مهدی ولا ظهور لشخص لم یولد أساسا وإنما هو من اختلاق أصحاب الائمة المقربین الذین وجدوا -بزعمه -بان الإمام الحسن العسکری مات دون خلف فعمدوا -طمعا فی السیطرة علی عوام المذهب -إلی القول بان الإمام ترک ولدا ذکرا وانه فی غیبه وانه المهدی المذکور فی الروایة .
وبالنتیجة فان من قال بهذا الرأی لا یذکر وجود ولد للحسن العسکری وغیبته واستتاره ومهدیته فحسب بل یطعن بعدالته أصحاب الأئمة ، علی الهادی وابنه الحسن العسکری ، الذین اخبروا الثقات من أهل الورع والدیانة المنتظرین لذاک الأمر بوجود ولد للحسن العسکری وانه فی حالة استتار لشدة الخوف وطلب سلاطین الجور له لعلمهم بما جاءت به الروایة عن أهل البیت أن التاسع من ولد الحسین ستکون له غیبه وظهور وانه المهدی الذی علی یدیه تزول دول الجور فعمدوا إلی احتجاز آباءه منذ زمان الرضا انتظارا" لذلک المولود کما فعل فرعون مع أبناء بنی إسرائیل بقتل ذکورهم خوفا بما جاءت به الروایة بالولید الموعود ألا وهو موسی بن عمران علیه السلام .
ولیس المراد بکلامنا عن الثقات من أصحاب الأئمة ، الأشخاص المجهولین أو الضعفاء الذین رووا أحادیث عن کیفیة ولادة ابن الحسن العسکری فهذه روایات لا یعتمد علیها العاقل ولا یرکن إلیها الساعی فی بناء دینه والکادح الی ربه ، وإنما المقصود هنا من الثقات ، أولئک النفر الذین کانت لهم صحبه مع الائمة طیلة ربع قرن وشهد ألائِمة لهم بوثاقتهم ورجاحة عقلهم وأمانتهم وصدقهم ودقة روایتهم . وهؤلاء النفر هم الذین اعتمد علیهم الإمام الحسن العسکری بإعلام الخلّص من المؤمنین بولادة الإمام الحجة من بعده وانه اخفی ولادته ونشأته لأمر خفی عن الناس أمره معلوم لأولی الأمر . حتی یظهر الله أمره ویؤذن بظهور ولیه فی وقت أوانه وبمشیئة الله لا بمشیئة الناس وان للقائم المهدی غیبتان یشهد فی أحداهما المواسم یری الناس ولا یرونه . وهؤلاء الأصحاب الثقات هم الذین رووا ذلک .
والتجریح والطعن فی وثاقة الأصحاب واتهامهم بالتواطؤ علی الکذب -حرصا علی حطام زائل من المال- یسری علی روایاتهم للأحادیث فی الفقه والاعتقاد الذی یشکل المصدر الإسلامی الذی بنی علیه صرح الفقه الأمامی والمذهب ألإمامی فی التوحید . اذ انه بتجریح وهؤلاء النفر من الأصحاب ینسف المذهب ألإمامی عقیدة وفقها وهو مراد أولئک النفر وان لم یفصحوا عن مکنونهم ولکن المتتبع لکلامهم یلحظ مرادهم وان بذلوا غایة الوسع فی إخفاءه بتمسکهم ظاهرا بفقه الإمام الصادق دون إن تجد لهم کتاب حدیث أو فقه به یتعبدون ومنه یأخذون .
وعند الحوار مع هذا النمط من الناس تجد أنهم لا یتقیدون بأی قید أو منهج للوصول إلی مرادهم وبغیتهم بل یتلقف مناظرهم کل شاردة و واردة لا یعول علیها فی أمر الدین ویتمسک بکل شک وظن إلی درجة الیقین دون إن یسند شکه وظنه إلی إثارة من علم کتاب أو سنة فینثر سهام شکه وتهمه علی الثقات من أصحاب ألائِمة ممن عرفوا بالعقل والأمانة وصدق الحدیث دون استناد منه إلی منهج معتبر فی التجریح والتعدیل فکلما ألزمه الخصم بحجة من کتاب أو سنة لاذ بالصمت أو تملص منها بنثر سهام أخری دون هدف مقصود أو رأی سدید منشود إمعانا منه التدلیس لان بدعته قد خامرت فؤاده وخلبت عقله وأخذت بجوارحه فلا یری غیرها حتی صار أسیرها فهو لها منقاد وعلیها معتاد .
وتجربة من هُدیَ لهذا الأمر من الأصحاب ، المحتاط لدینه المتمسک بدعائم الإسلام من صلاة وصوم وزکاة وحج وطاعة أولی الأمر منذ وقوع الغیبة الثانیة ، مع هذا النمط من الناس تشیر إلی عدم جدوی المناظرة فی أحادیث ولادة التاسع من ولد الحسین من ابنه الحسن العسکری فی سر من رای لان ولادته کانت خفیة ولم یخبر بها إلا الثقات وهی حجه علیهم وعلی قرنهم ممن اخبر بهذا الأمر وهی فرع من أصل والحدیث عن الإیمان بالمهدی ونعته وانتظار ظهوره غیر الحدیث عن وقت ولادته . فالإنسان الموحد المسلم یأخذ بما یعرف إخوانه من عامة المسلمین من هذا الأمر ویشاطرهم الانتظار لفرج أولیاءه الصالحین ویتمسک معهم قبل خروج المهدی بالکتاب والسنة ویعمل بدعائم الإسلام من صلاة وصوم وزکاة وحج وولایة لآل بیت النبی علیهم السلام وإذا ما ابتلی الإنسان المسلم المؤمن المتمسک بکتاب الله وعترة رسوله والعمل بسنة نبیه بمثل هؤلاء الجاحدین أو وجد ناشئة مسلمة حرمت من الاطلاع علی السنة النبویة من مضانها وقد استفرد بهم احد هؤلاء باسطا شباک بدعته حولهم فما علیه إلا أن یظهر علمه ویرد سهام خصمه بحجج من الکتاب والسنة تثنیه أن یعاود ثانیه حتی یجبره لیقبع فی زبیته ویعرف مواضع قدمه وینصف نفسه ویعاود الأخذ بالکتاب والسنة الصحیحة من مضانها کی ینزع عن نفسه لباس الشک لیلبس لباس الیقین ولا یتحصل له هذا إلا بمصارحة النفس والیأس مما فی أیدی الناس .
وانجح أسلوب للحوار مع أهل النظر من هؤلاء ان استفحل أمرهم هو أن تکون المناظرة بمحضر من یمد هؤلاء بالدعم من أهل السلطان والمال ان أمکن ویشخص ابتداء "مذهبه فی العقائد الفقه وکتب الحدیث التی یعول علیها ولا یطعن فی وثاقها .فان اقر بقبول ما یرد فی کتب الحدیث الستة کمسند احمد بن حنبل ومسلم والبخاری والترمذی وابن ماجه وابن داوود فلا مندوحة له من قبول البشارة بالمهدی بغض النظر عن مذهبه الفقهی ویکتفی منه بهذا القدر من الإیمان بالمهدی ویکون منتظرا لخروج المهدی وفق ألأحادیث التی ألزم بها نفسه .
أما إذا اقر بقبول ما ورد بکتب الحدیث المرویة عن ألائِمة من آل البیت واقر بإمامتهم علی النحو المعروف فلا مندوحة له من الأخذ بألاحادیث التی تذکر المهدی وصفته وغیبته والتی ملیء ألائِمة آذان شیعتهم قبل وفاة الحسن العسکری عام 260[A]ه .
أما إذا أنکر الجاحد من هؤلاء ما جاءت به الروایة عن المهدی فی کتب الحدیث عند المدرستین ولکنه اقر بانتمائه للمذهب الجعفری فقها عندئذ یجری النظر معه -کنظیره المذکور آنفا -علی الکتب التی یعتمدها فی استقاء عقیدة وفقه الإمام جعفر الصادق والمذهب العقائدی الذی منه ینهل ما جاء عن الإمام الصدق فی أبواب التوحید والعقیدة سواء کان یأخذ معتقده هذا من أوائل الإسماعیلیة المتشرعة أو أواخرهم المتأولة دون نص من کتاب أو سنة ام یأخذ معتقده من الزیدیة أم من الکثرة الغالبة للأمامیة الجعفریة من إخباریة أو أصولیة شیخیه رکنیة وأصولیة عدلیة مرجعیة ممن اجمع فقهاؤهم علی الولاء للحجة من آل محمد فی وقت الفترة وانتظار المهدی الموعود وان اختلف فقهاء الغیبة فی دورهم فی إبانة الشریعة للعباد -فان اقر بتمسکه بمذهب إحدی هذه المدارس یناظر بما قال به أصحاب تلک المدرسة وبما جاءت به کتب الروایة لدیهم .
ثم یناظر عن أصل البشارة بالمهدی من الکتب ألحدیثیة التی یقر بوثاقتها والتی لا مندوحة له من الإقرار بالبشارة ولو ظاهرا . ثم ینتقل معه إلی الحدیث عن عدالة الحسین بن علی بن محمد بن علی الرضا وعدالة آباءه علیهم السلام وصحة الروایة عنهم وإمامة الحسن العسکری وإمامة آباءه انتهاء" بامامة امیر المؤمنین . فان آل مسار المناظره الی جحوده بإمامة الحسن العسکری ینتقل به للحدیث عن إمامة آباءه انتهاء بإمامة أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام . فان اقر بإمامة الوصی وإمامة الحسن والحسین وإمامة ألائِمة من ذریة الحسین سهّل علی المحور ان یبّین لهم عقیدة أهل ا لبیت وفقهم وما رووه من أحادیث عن المهدی الذی لم یوقت زمان ظهوره وقد إبان کل إمام ذلک حسب تکلیفه وظرفه انتهاء" بالإمام الحسن العسکری . وان لم یعترف هذا بإمامة الإمام علی عن طریق ألأحادیث النبویة ولم یلزم نفسه بمجموعة حدیثیه فلا مجال لإقناعه بولادة التاسع من ولد الحسین وغیبته وان زعم ظاهرا" بأنه یؤمن بالبشارة بالمهدی لیس إیمانا منه بالبشارة وغیرها من المغیبات وإنما لان البشارة بالمهدی وردت فی کتب لا یجرأ علی الطعن بصحتها إمام الناس یؤمنون بصحة ورودها عن النبی (ص) . وفی حقیقة الأمر أن مثل هذا النمط من الناس قد اشرأبت نفسه علی النفاق وتأصلت جذوره فی مکامن نفسه والسبیل لانتزاعها الا بتوبة نصوح من سوء نیة وافعال سیئة أوصلته الی هذا الحال.
وخلاصة القول انه ینبغی الإعراض عن الخوض فی مناظرة مثل هذا النفر الذی أخذت بدعته بلبه فصار لها اسیرا" وبها مقرونا . وإذا ما سمع حدیثا یروی عن ألائِمة من آل محمد بروایة أصحابهم الثقات اشمأزت نفسه وأنکره قلبه وازداد شکه وکأن الإمام جعفر بن محمد الصادق فی کلامه التالی مع نفر من أهل الکوفة یصف حال هذا بقوله :
" عجبا للناس أنهم اخذوا علمهم کله عن رسول الله (ص) فعملوا به واهتدوا ویرون ان أهل بیته لم یأخذوا علمه ونحن بیته وذریته فی منازلنا نزل الوحی ومن عندنا خرج العلم إلیهم أفیرون أنهم علموا واهتدوا وجهلنا نحن وضللنا . ان هذا لمحال "
