فصل ـ 1 ـ
296 ـ وبالاسناد المذكور ، عن وهب بن منبّه أنّه لما انطلق بخت نصّر بالسّبي والاسارى من بني إسرائيل وفيهم دانيال وعزير عليهما السلام وورد أرض بابل اتّخذ بني إسرائيل خولاً ، فلبث (1) سبع سنين ثمّ إنّه رآى رؤيا عظيماً امتلأ منها رعباً ونسيها ، فجمع قومه وقال : تخبروني بتأويل رؤياي المنسيّة إلى ثلاثة أيّام وإلاّ لأصلّبنّكم وبلغ دانيال ذلك من شأن الرّؤيا وكان في السّجن فقال لصاحب السّجن : إنّك أحسنت صحبتي ، فهل لك أن تخبر الملك أنّ عندي علم رؤياه وتأويله ؟ فخرج صاحب السّجن ، وذكر لبخت نصّر فدعا به .
وكان لا يقف بين يديه أحد إلاّ سجد له ، فلمّا طال قيام دانيال وهو لا يسجد له ، قال للحرس : اخرجوا واتركوه ، فخرجوا فقال : يا دانيال ما منعك أن تسجد لي ؟ فقال : إنّ لي ربّاً آتاني هذا العلم على أنّي لا أسجد لغيره ، فلو سجدت لك انسلخ عنّي العلم فلم ينتفع بي ، فتركت السّجود نظراً إلى ذلك .
قال بخت نصّر : وفيت لإلهك فصرت آمناً منّي فهل لك علم بهذه الرّؤيا ؟ قال : نعم رأيت صنماً عظيماً رجلاه في الأرض ، ورأسه في السّماء ، أعلاه من ذهب ووسطه من فضّة وأسفله من نحاس وساقاه من حديد ورجلاه من فخار ، فبينا أنت تنظر إليه وقد أعجبك حسنه وعظمه واحكام صنعته وأصناف الّتي ركّبت فيها ، إذ قذفه بحجر من السّماء ، فوقع على رأسه ، فدقّه حتّى طحنه فاختلط ذهبه وفضّته ونحاسه وحديده وفخاره ، حتّى خيّل لك أنّه لواجتمع الجنّ والإنس على أن يميّزوا بعضه من بعض لم يقدروا ، حتّى خيّل لك أنّه لو هبّت أدنى ريح لذرّته لشدّة ما انطحن ، ثمّ نظرت إلى الحجر الّذي قذف به بعظم فينتشر (2) حتّى ملأ الارض كلّها فصرت لا ترى إلاّ السّماء والحجر .
قال بخت نصّر : صدقت ، هذه الرّؤيا الّتي رأيتها ، فما تأويلها .
قال دانيال عليه السلام : أمّا الصّنم الّذي رأيت ، فانّها اُمم تكون في أوّل الزّمان وأوسطه وآخره ، وأمّا الذّهب فهو هذا الزّمان ، وهذه الاُمّة الّتي أنت فيها وانت ملكها ، وأمّا الفضّة فانّه يكون ابنك يليها من بعدك ، وأمّا النّحاس فاُمّة الرّوم ، وامّا الحديد فأمّة فارس ، وأمّا الفخار فأمّتان تملكهما امرأتان : إحداهما في شرقيّ اليمن ، واُخرى في غربيّ الشّام . وأمّا الحجر الّذي قذف به الصّنم ، فدين يفقده (3) الله به في هذه الامّة آخر الزّمان ليظهره عليها ، يبعث الله نبيّاً اُميّاً من العرب فيذلّ الله له الأمم والأديان ، كما رأيت الحجر ظهر على الأرض فانتشر فيها (4) .
فقال بخت نصّر : ما لأحد عندي يد أعظم من يدك ، وأنا أريد أن أجزيك . إن أحببت أن أردّك إلى بلادك وأعمرها لك ، وإن أحببت أن تقيم معي فأكرمك . فقال دانيال عليه السلام : أمّا بلادي أرض كتب الله عليها الخراب إلى وقت والإقامة معك أوثق لي .
فجمع بخت نصّر ولده وأهل بيته وخدمه وقال لهم : هذا رجل حكيم قد فرّج الله به عنّي كربة قد عجزتم عنها ، وقد ولّيته أمركم وأمري ، يا بنيّ خذوا من علمه ، وإن جاءكم رسولان أحدهما لي والآخر له ، فأجيبوا دانيال قبلي ، فكان لا يقطع أمراً دونه .
ولمّا رآى (5) قوم بخت نصّر ذلك حسدوا دانيال ، ثمّ اجتمعوا إليه وقالوا : كانت لك الأرض ويزعم عدوّنا أنّك أنكرت عقلك ، قال : إنّي أستعين برأي هذا الإسرائيلي لإصلاح أمرك ، فإنّ ربّه يطلعه عليه قالوا : نتّجذ إلهاً يكفيك ما أهمّك وتستغني عن دانيال فقال : أنتم وذاك ، فعملوا صنماً عظيماً وصنعوا عيداً وذبحوا له ، وأوقدوا ناراً عظيمة كنار نمرود ، ودعوا النّاس بالسّجود لذلك الصّنم ، فمن لمن يسجد له اُلقي منها .
وكان مع دانيال عليه السلام أربعة فتية من بني إسرائيل : يوشال ، ويوحين ، وعيصوا ومريوس . وكانوا مخلصين موحّدين ، فاُتي بهم ليسجدوا للصّنم ، فقالت الفتية : هذا ليس بإله ، ولكن خشبة ممّا عملها الرّجال ، فإن شئتم أن نسجد للّذي خلقها فعلنا ، فكتّفوهم ثمّ رموا بهم في النّار .
فلمّا أصبحوا طلع عليهم بخت نصّر فوق قصر ، فإذا معهم خامس وإذا بالنّار قد عادت جليداً فامتلأ رعباً فدعا دانيال عليه السلام فسأله عنهم فقال : أمّا الفتية فعلى ديني يعبدون إلهي ولذلك أجارهم ، والخامس بحر البرد ارسله الله تعالى جلّت عظمته إلى هؤلاء نصرة لهم ، فأمر بخت نصّر فاُخرجوا ، فقال لهم : كيف بتّم ؟ قالوا : بتنا بأفضل ليلة منذ خلقنا ، فالحقهم بدانيال ، وأكرمهم بكرامته حتّى مرّت بهم ثلاثون سنة (6) .
____________
(1) في البحار : ولبث .
(2) في البحار : فينتثر .
(3) هكذا في جميع النّسخ ، ولكن في إثبات الهداة : يعقده .
(4) فانتثر فيها : المصدر . ولكنّه وما قبله : فينتثر ، من غلط النّاسخ أو المصّحح والصّحيح ما في المتن عن النّسخ المخطوطة .
(5) في عدّة من النّسخ منها نسخة البحار : ولمّا رأوا . . . وهو كما ترى غلط .
(6) بحار الأنوار ( 14 | 367 ـ 368 ) ، برقم : ( 7 ) . وإثبات الهداة ( 1 | 197 ) من الباب ( 7 ) الفصل ( 17 ) برقم : ( 110 ) .
فصل ـ 1 ـ ( في نبوّة إرميا ودانيا عليهما السلام )
- الزيارات: 776