الباب التّاسع عشر
( في الدّلائل على نبوّة محمّد صلّى الله عليه وآله من المعجزات وغيرها )
345 ـ وبالاسناد الصّحيح عن المخزوم بن هلال المخزومي (1) ، عن أبيه ـ وقد أتى عليه مائة وخمسون سنة ـ قال : لمّا كانت اللّيلة الّتي ولد فيها رسول الله صلّى الله عليه وآله ارتجس أيوان كسرى ، فسقطت منه أربعة عشر شرفة ، وخمدت نيران فارس ، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام ، غاضت بحيرة ساوة ، ورأى المؤبذان في النّوم إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً قد قطعت دجله فانتشرت بلادها .
فلمّا أصبح كسرى ، راعه (2) ذلك وأفزعه ، وتصبّر عليه تشجّعاً ، ثمّ رأى أن لا يدّخر ذلك عن أوليائه ووزرائه ومرازبه ، فجمعهم وأخبرهم بما هاله ، فبينما هم كذلك إذا أتاهم بخمود نار فارس فقال المؤبذان : وأنا رأيت رؤيا ، وقصّ رؤياه في الإبل ، فقال : أيّ شيء يكون هذا يا مؤبذان ؟ قال : حدث يكون من ناحية العرب .
فكتب عند ذلك كسرى إلى النّعمان بن المنذر ملك العرب : أمّا بعد فوجّه إليّ برجل عالم بما اُريد أن أسأله عنه . فوجّه إليه بعبد المسيح بن عمرو بن نفيلة الغساني (3) ، فلمّا قدم عليه أخبره ما رآى ، فقال : علم ذلك عند خال (4) لي يسكن مشارق السام يقول له : سطيح ، فقال : اذهب إليه ، فاسأله وأتني بتأويل ما عنده ، فنهض عبد المسيح حتّى قدم على سطيح وقد أشفى على الموت ، فسلّم عليه فلم يحر جواباً .
ثم قال : عبد المسيح على جمل مشيخ (5) أتى إلى سطيح ، وقد أوفى على الضّريح (6) بعثك ملك بني ساسان لارتجاس الأيوان وخمود النّيران ورؤيا المؤبذان : رآى إبلا صعاباً تقود خيلاً عراباً قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها .
فقال يا عبد المسيح إذا كثرت التّلاوة ، وظهر صاحب الهراوة ، وفاض وادي السّماوة ، وغاضت (7) بحيرة ساوة ، وخمدت نار (8) فارس ، فليس الشّام لسطيح شاماً ، يملك منهم ملوك وملكات على عدد الشّرفات ، وكلمّا هم آت آت .
ثم قضى سطيح مكانه ، فنهض عبد المسيح ، وقدم على كسرى وأخبره بما قال سطيح ، فقال : إلى أن يملك منّا أربعة عشر ملكاً كانت أمور ، فملك منهم عشرة في أربع سنين والباقون إلى إمارة عثمان (9) .
346 ـ وذكر ابن بابويه في كتاب كمال الدّين : أنّ في الإنجيل : إنّي أنا الله لا إله إلا أنا الدّائم الّذي لا أزول ، صدّقوا النّبيّ الاُميّ صاحب الجمل والمدرعة ، الاكحل العينين ، الواضح الخدّين ، في وجهه نور كاللّؤلؤ وريح المسك ينفخ منه ، لم ير قبله مثله ولا بعده طيّب الرّيح ، نكّاح النّساء ، ذو النّسل القليل ، إنّما نسله من مباركة ، لها بيت في الجنّة لا صخب فيه ولا نصب ، يكفلها في آخر الزّمان كما كفّل زكريّا اُمّك ، لها فرخان مستشهدان كلامه القرآن ودينه الإسلام وأنا السّلام ، طوبى لمن أدرك زمانه وشهد أيّامه وسمع كلامه .
فقال عيسى عليه السلام : يا ربّي وما طوبى ؟
قال : شجرة في الجنّة ، أنا غرستها بيدي ، تظلّ الأخيار ، أصلها من رضوان ، ماؤها من تسنيم ، بردها برد الكافور ، وطعمه طعم الزّنجبيل ، من يشرب من تلك العين شربة لم يظمأ بعدها أبداً .
فقال عيسى عليه السلام : اللّهمّ اسقني منها . قال : حرام هي يا عيسى أن يشرب أحدٌ من النّبيّين منها حتّى يشرب النبيّ الاُميّ ، وحرام على الأمم أن يشربوا منها حتّى تشرب أمّة ذلك النبيّ ، أرفعك إليّ ثمّ أهبطك آخر الزّمان ، فترى من أمّة ذلك النّبيّ العجائب ، ولتعينهم على اللّعين الدّجال ، أهبطك في وقت الصّلاة لتصلّي معهم ، إنّهم اُمّة مرحومة (10) .
____________
(1) في البحار : عن مخزوم بن هاني . وكذا في كمال الدّين الباب ( 17 ) مع توصيفه بالمخزومي . وهو الصّحيح .
(2) في ق 3 : أراعه .
(3) في البحار : عمرو بن حيّان بن تغلبة الغسّاني وعلى نسخةٍ : نفيلة . وهو على الاصل في كما الدّين.
(4) في بعض النسخ : خالي . وفي كمال الدّين : عند خال لي يسكن مشارف الشّام وفي البحار ، على نسخةٍ .
(5) أي : طويل .
(6) في بعض النسخ : بعثه . والضّريح بمعنى القبر .
(7) في بعض النسّخ : غاصت .
(8) في بعض النسخ : نيران .
(9) بحار الأنوار ( 15 | 263 ـ 266 ) ، برقم : ( 14 ) عن كمال الدّين مفصّلاً ( 1 | 191 ـ 196 ) .
(10) كمال الدين ( 1 | 159 ـ 106 ) ، برقم : ( 18 ) ، الباب ( 8 ) . وتقدّم شبهه برقم : ( 318 ) .