• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

المجلس الثّالث عشر بعد المئتين


المجلس الثّالث عشر بعد المئتين
كان هاشم بن عبد مناف أحد أجداد النّبي (صلّى الله عليه وآله) سيّد رجال قريش وحكّامهم , وكان يحمل ابن السّبيل ويؤدّي الحقوق , وكان يُضرب بجوده المثل . وكان قد تولّى أمر مكّة بعد أبيه , وساد قومه بما كان عليه من محاسن الأخلاق وجليل الشّيم ، وكمال الشّجاعة ووافر الكرم ، وغاية الفصاحة وغير ذلك من الصّفات الفاضلة التي لم يطاوله بها أحد .
واسمه عمرو , ولُقّب هاشماً ؛ لأنّه أوّل مَن هشم الثّريد ـ وهو الخبز مع اللحم المطبوخ بالماء ـ وأطعمه النّاس بمكّة في سنة مجدبة رحل فيها إلى فلسطين ، فاشترى منها الدّقيق وقدم به إلى مكّة ، ونحر الجزر وجعلها ثريداً عمّ به أهل مكّة .
وهو الذي كان يقوم بأمر النّاس في السّنين المُجدبة ويُطعمهم أحسن الطّعام ؛ ولذلك لهجت ألسنة العرب على اختلافهم في القبائل بالثّناء عليه .
وهو أوّل من سنّ الرّحلتين لقريش , رحلة الشّتاء إلى اليمن ورحلة الصّيف إلى الشّام , اللتين ذكرهما الله تعالى في القرآن الكريم بقوله : ( لأَيلاَفِ قُرَيْشٍ * إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ )(1) . وفي ذلك يقول الشّاعر :
عَمرُو العُلا هشمَ الثَّريدَ لقومِهِ      ورجالُ  مكَّةَ مُسْنتونَ iiعِجافُ
بَسطُوا  إليهِ  الرّحلَتينِ كليْهما      عند  الشّتاءِ ورحلة iiالأصيافِ(2)
وكان السّبب في سَنِّ هاشم الرّحلتين ما ذكره عطاء عن ابن عباس : إنّ قريشاً كانوا إذا أصاب واحداً منهم مخمصة , خرج هو وعياله إلى موضع وضربوا على أنفسهم خباءً حتّى يموتوا . وكان ذلك من عادات الجاهليّة ؛ كانوا يفعلونه ترفّعاً عن السّؤال ، إلى أنْ جاء هاشم بن عبد مناف , وكان سيّد قومه ، وله ابن يُقال له أسد ، وهو والد فاطمة بنت أسد اُمِّ أمير المؤمنين علي (ع ) .
ولأسد تِرب ( أي : مقارن في السّن ) من بني مخزوم يُحبه ويلعب معه , فشكا المخزومي إلى أسد الضرَّ والمجاعة , فدخل أسد على اُمّه يبكي وأخبرها بذلك , فأرسلت إلى اُولئك بدقيق وشحم , فعاشوا فيه أيّاماً ، ثمّ أتى المخزومي إلى أسد مرّة ثانية وشكا إليه الجوع , فأخبر أسد أباه هاشماً بذلك , فقام هاشم خطيباً في قريش , فقال : إنّكم أجدبتم جدباً تقلّون فيه وتذلّون , وأنتم أهل حرم الله وأشراف ولد آدم , والنّاس لكم تبع . قالوا : نحن تبع لك فليس عليك منّا خلاف .
فجمع كلَّ بني أب على الرّحلتين ؛ في الشّتاء إلى اليمن وفي الصّيف إلى الشّام للتجارات , فما ربح الغنيُّ قسّمه بينه وبين الفقير حتّى كان فقيرهم كغنيهم , فجاء الإسلام وهم على ذلك ، فلم يكن في العرب بنو أب أكثر مالاً ولا أعزّ من قريش ، وهذا معنى قول الشّاعر :
يـا أيُّها الرَّجلُ المُحوِّلِ iiرحْلَهُ    هـلاَّ نـزلتَ بآلِ عبدِ iiمَنافِ
هـبلتكَ  اُمّكَ لو نزلْتَ iiبحيِّهمْ    أمنوكَ  منْ جُوعٍ ومنْ iiإقرافِ
الآخـذونَ  الـعهْدَ منْ iiآفاقِها    والـرّاحلونَ لـرحْلَةِ الإيلافِ
والرائشونَ وليس يوجدُ رائشٌ    والـقائلون هـلُمَّ iiلـلأضيافِ
والـخالطونَ فـقيرَهُمْ iiبغنيِّهمْ    حـتّى  يكونَ فقيرُهُمْ iiكالكافي
واستقرّت الرّياسة لهاشم , وصارت قريش له تابعة تنقاد لأمره وتعمل برأيه , وكانت الرّفادة والسّقاية في مكّة لأبيه عبد مناف , فملك هاشم بعد أبيه الرّفادة والسّقاية , ثمّ وليهما بعده ولده المطّلب ؛ لأنّ عبد المطّلب كان صغيراً , ثمّ وليهما عبد المطّلب .
والسّقاية : هي سقاية الحاجّ ، كانوا يسقون الحاجّ الماء والشّراب , كانوا يطرحون الزّبيب في الماء ويسقونه الحجيج . والرّفادة : هي إطعام الحجّاج ، فكان هاشم يعمل الطّعام للحجّاج , يأكل منه مَن لم يكن له سعة ولا زاد , ويُقال لذلك الرّفادة .
وكان هاشم إذا هلّ هلال ذي الحجّة , قام في صبيحة ذلك اليوم وأسند ظهره إلى الكعبة من تلقاء بابها , ويخطب ويقول في خطبته : يا معشر قريش , إنّكم سادة العرب ، أحسنها وجوهاً وأعظمها أحلاماً , وأوسط العرب أنساباً وأقرب العرب بالعرب أرحاماً .
يا معشر قريش , إنّكم جيران بيت الله , أكرمكم الله بولايته وخصّكم بجواره دون بني إسماعيل , وأنّه يأتيكم زوّار الله يُعظّمون بيته فهم أضيافه , وأحقّ مَنْ أكرم أضياف الله أنتم , فأكرموا ضيفه وزوّاره ؛ فإنّهم يأتون شُعثاً غُبراً من كلِّ بلد على ضوامر كالقدح , فأكرموا ضيفه وزوّار بيته . فوربِّ هذه البنيّة , لو كان لي مال يحتمل ذلك لكفيتكموه , وأنا مخرجٌ من طيب مالي وحلالي ما لم يُقطع فيه رحم ، ولم يُؤخذ بظلم ، ولم يدخل فيه حرام , فمَن شاء منكم أنْ يفعل مثل ذلك فعل .
وأسألكم بحرمة هذا البيت أنْ لا يُخرج رجل منكم من ماله ـ لكرامة زوّار بيت الله وتقويتهم ـ إلاّ طيِّباً ؛ لم يُؤخذ ظُلماً ، ولم يقطع فيه رحم ، ولم يُؤخذ غصباً .
 فكانوا يجتهدون في ذلك ويُخرجونه من أموالهم فيضعونه في دار النّدوة , وتنافرت قريش وخزاعة إلى هاشم ( أي : تخاصمت إليه وطلبت منه أنْ يحكم بينها ) ، فخطبهم بما أذعن له الفريقان بالطّاعة , فقال في خطبته : أيّها النّاس , نحن آل إبراهيم وذرّيّة إسماعيل ، وبنو النّضر بن كنانة ، وبنو قصي بن كلاب ، وأرباب مكّة وسكّان الحرم , لنا ذروة الحسب ومعدن المجد , ولكلٍّ في كلّ حلف يجب عليه نصرته وإجابة دعوته ، إلاّ ما دعا إلى عقوقِ عشيرة وقطع رحم .
يا بني قصي , أنتم كغصني شجرة أيّهما كُسر أوحش صاحبه , والسّيف لا يُصان إلاّ بغمده , ورامي العشيرة يُصيبه سهمه ، ومَن محكه اللجاج أخرجه إلى البغي .
 أيّها النّاس , الحلم شرف والصّبر ظفر ، والمعروف كنز والجود سؤدد ، والجهل سفه , والأيّام دول والدّهر ذو غير ( أي : منقلب ) ، والمرء منسوب إلى فعله ومأخوذ بعمله . فاصطنعوا المعروف تكسبوا الحمد , ودعوا الفضول تُجانبكم السّفهاء , وأكرموا الجليس يعمرُ ناديكم , وحاموا الخليط يُرغب في جواركم , وأنصفوا من أنفسكم يُوثق بكم . وعليكم بمكارم الأخلاق فإنّها رفعة , وإيّاكم والأخلاق الدنية فإنّها تضع الشّرف وتهدم المجد ، وإنّ نهنهة الجاهل ( أي : زجره ) أهون من جريرته , ورأس العشيرة يحمل أثقالها , ومقام الحليم عِظة لِمَن انتفع به . فقالت قريش : رضينا بك أبا نضلة , وهي كُنيته .
فانظر إلى ما أمر به في هذه الخطبة من شريف الأخلاق , ونهى عنه من مساوئ الأفعال , هل صدر إلاّ عن غزارة فضل ، وجلالة قدر ، وعلو همّة ؟
قال ابن الأثير وغيره : فحسده اُميّة بن عبد شمس على رئاسته وإطعامه , فتكلّف اُميّة أنْ يصنع صنيع هاشم فعجز عنه , فشمتت به ناس من قريش , فغضب ونال من هاشم ، ودعا إلى المنافرة ( أي : المخاصمة ) عند مَن يحكم بينهما أيّهما أكرم وأفضل , فكره هاشم ذلك ؛ لسنّه وقدره , فلم تدعه قريش حتّى نافره على خمسين ناقة والجلاء عن مكّة عشر سنين ، فرضي اُميّة وجعلا حكماً بينهما الكاهن الخُزاعي ، ومنزله بعسفان . فقال الكاهن : والقمرِ الباهر ، والكوكبِ الزّاهر ، والغَمام الماطرِ , وما بالجوِّ من طائر ، وما اهتدى بعلم مسافر من منجد وغائر , لقد سبق هاشم اُميّة إلى المآثر أوّل منه وآخر . فقضى لهاشم بالغلبة ، وأخذ هاشم الإبل فنحرها وأطعمها .
وغاب اُميّة عن مكّة بالشّام عشر سنين , وكانت هذه أوّل عداوة وقعت بين هاشم واُميّة , واستمرت هذه العداوة التي لم يكن لها سبب إلاّ الحسد , فلمّا جاء الإسلام كان أعدى الأعداء لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) أبو سفيان ـ صخر بن حرب بن اُميّة ـ وعشيرته , فحاربوه يوم بدر ، ولم يحضرها أبو سفيان , وقُتل ابنه حنظلة واُسر ابنه عمرو ، وهرب ابنه معاوية على رجليه حتّى ورمتا .
وجيّش أبو سفيان الجيوش على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يوم اُحد ؛ انتقاماً من يوم بدر , فقُتل عمّه الحمزة , اغتاله وحشي بحربة بتحريض هند زوجة أبي سُفيان عليه , وبقرت عن كبد حمزة ولاكتها , فلم تستطع أنْ تسيغها فلفظتها , وسُمّيت من ذلك اليوم : آكلة الأكباد ، وسُمّي ابنها : ابن آكلة الأكباد .
ثمّ جيش الجيوش على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يوم الخندق , فردّه الله بغيظه لم ينل خيراً , ثمّ أسلم يوم الفتح كُرهاً وخوفاً , ثمّ قام ابنه فشقّ عصا المسلمين وأثار حرب صفّين وفرّق كلمة الإسلام ، ثمّ قام ابنه يزيد فجيّش الجيوش على ابن بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الحسين بن علي (عليهما السّلام) , ومنعه الذّهاب في بلاد الله العريضة حتّى قتله وأهل بيته وأنصاره عطشان ظامياً , وحمل رأسه ورؤوس أهل بيته وأنصاره ،وحمل نساءه وأطفاله كالسّبي المجلوب حتّى وردوا عليه الشّام . فكانت سلسلة فجائع محزنة ، وفظائع مخزية ، سببها حسد بني اُميّة لهاشم على ما منحه الله من فضل .
وتوارث الحسد من اُميّة لبني هاشم بنو اُميّة , وتتابعت هذه الفجائع والفظائع جيلاً بعد جيل حتّى وصلت إلى أعظمها فجيعة ؛ قتل الحسين وسبي نسائه وذرّيّته , واُدخلوا على يزيد وهم مقرنون بالحبال , فقال له علي بن الحسين (عليه السّلام) : (( يا يزيد , ما ظنّك بجدّي رسول الله لو رآنا على هذه الحالة والصّفة ؟! )) . فأمر بالحبال فقُطعت ، وأحضر رأس الحسين بين يديه , فجعل ينكته بالقضيب الخيزران ، ويعلن بالشّماتة والكفر , ويقول :
 
لـيـتَ أشـيـاخـي بـبدرٍ شَهدُواii    iiجَـزعَ الـخـزْرجِ منْ وقْعِ الأسلْ
لأهـلّـوا واسْـتـهـلّـوا فـرحاًii    ثــــمّ قـالـوا يـا يزيدُ لا تشلْ
قـد قـتـلـنـا الـقَرمَ منْ ساداتِهمْii    وعــدلـنـاه  iiبـبـدرٍ فـاعتَدلْ
لــعـبـتْ  iiهـاشـمُ بـالمُلكِ فلا    خــبـرٌ  جـاء ولا وحـيٌ نَـزلْ
لـسـتُ مـن خِـندفَ إنْ لم أنتقمْii    مِـــن  iiبـنـي أحمدَ ما كانَ فعلْ
 
*                *               ii*
بـني اُمـيّةَ مـا الأسـيافُ iiنـائمةٌ    عن ساهرٍ في أقاصي الأرضِ موتُورِ
تُـسبى  بـناتُ رسـولِ الله iiبـينهُمُ    والـدّينُ  غضُّ المبادي غيرُ iiمستورِ
 ــــــــــــــــــ
(1) سورة قريش / 1 ـ 2 .
(2) لا يخفى ما في البيتين من إقواء واضح . ( موقع معهد الإمامَين الحسنَين )


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page