• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

أولاًًً ـ تأكيد الإمام الصادق عليه السّلام على غيبة الإمام المهدي عليه السّلام

 

الفصل الثاني
تأكيد الإمام الصادق عليه السّلام على
غيبة الإمام المهدي عليه السّلام ، وطولها
    كان الإمام الصادق عليه السّلام مدركاً تماماً ماللغيبة من معنى ، إنه اختفاء القائدة فجاة ، الأمر الذي يحتاج معه إلى ترويض العقل الشيعي لقبول هذا الغياب المفاجي الذي لم تشهد مثله الشيعة في تاريخها من قبل ، إنها غيبة طويلة ، لابدّ من التركيز عليها وبيان إرهاصاتها التاريخية ، وما سيرافقها من أحداث ، وما يتزامن معها من فتن ، وهو ما وضحه الإمام الصادق عليه السّلام بكل دقة وتفصيل.

    أولاًًً ـ تأكيد الإمام الصادق عليه السّلام على غيبة الإمام المهدي عليه السّلام :
    ويدلّ على ذلك أحاديث كثيرة نذكر منها :
    1 ـ عن زرارة ، عن الإمام الصادق عليه السّلام : « إن للقائم غيبة قبل أن يقوم ، قلت : ولِمَ ؟ قال : إنه يخاف ، وأومأ بيده إلى بطنه ، يعني : القتل » (1).
    تضمن هذا الحديث الصحيح الإشارة إلى بعض علل الغيبة ، إعني : الخوف من القتل ، وهي العلّة الظاهرة على مسرح الأحداث التاريخية التي اعقبت وفاة الإمام الحسن العسكري والد الإمام المهدي عليهما السّلام ، وإلاّ فهناك علل اُخرى وردت عن الإمام الصادق عليه السّلام أيضاًًً ، من قبيل أن لا يكون في عنق الإمام المهدي عليه السّلام نوع التزام للحاكم قبيل الظهور من عهد أو بيعة ، وجريان السنن السابقة في غيبات الأنبياء عليهم السّلام ، في غيبة الإمام المهدي عليه السّلام ونحو ذلك من العلل غير المنظورة في ابتداء زمن الغيبة ، كما سيأتي في بيان علل الغيبة.
    وفي الحديث أيضاًً إخبار بشيئين قبل أوان حدوثهما :
    أحدهما : غيبة الإمام المهدي عليه السّلام ، وقد وردت في الحديث نصاً ، ولم تتحقّق إلاّ في شخص الإمام الثاني عشر عليه السّلام ، لثبوت بطلان من أدّعيت غيبته ، بوفاته وتغسيله ، وكفنه ، والصلاة على جنازته ، ودفنه كما هو حال دعوى الكيسانية بغيبة محمد بن الحنفية رضى الله عنه ، ودعوى الواقفية بغيبة الإمام الكاظم عليه السّلام. ونحو ذلك الى الدعاوى الأخرى الباطلة.
    الآخر : وهو لا يقل أهميّة عن الاخبار الأول ، وقد تحقّق على طبق ما أخبر به عليه السّلام ، وهو الإشارة إلى من الأمة سوف لن تنصف آل محمد صلّى الله عليه وآله ، ومنها ستبقى على حالها ببخس حقّهم من السلطة ، وابعادهم عما جعله الله تعالى لهم من الخلافة ، ومن القائمين على السلطة سيتمادون بغيّهم ، ويضاعفون تعسّفهم على أهل بيت نبيهم صلّى الله عليه وآله لدرجة يضطرّ معها الإمام المهدي عليه السّلام إلى الاختفاء عنهم.
    وقد تحقّق هذا في سنة ( 260 / هـ ) بغيبة إمامنا الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.
    2 ـ وعن المفضّل بن عمر ، عن الإمام الصادق عليه السّلام قال : « أما والله ليغيّبن إمامكم سنينا من دهركم ، ولتمحصن حتى يقال : مات أو هلك بأي وادي سلك ، ولتدمعنَّ عليه عيون المؤمنين ، ولتكفمن كما تكفأ السفن في أمواج البحر ، ولا ينجو إلاّ من أخذ الله ميثاقه ، وكتب في قلبه الإيمان ، وأيده بروح منه ، ولترفعنّ اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يدرى أيٌّ من أيٍّ ، قال : فبكيت ، فقال لي : ما يبكيك يا أبا عبد الله ؟ فقلت : وكيف لا أبكي وأنت تقول : اثنتاعشرة راية مشتبهة لا يدرى أيٌّ من أيٍّ !! فكيف نصنع ؟ قال : فنظر إلى شمس داخلةٍ في الصفّة ، فقال : يا أبا عبد الله ترى هذه الشمس ؟ قلت : نعم ، قال : والله لأمرنا أبين من هذه الشمس » (2).
    وفي حديث المفضّل هذا تأكيد لما سيكون في زمان الغيبة من تمحيص واختبار ، حتى يقال ما يقال حينئذٍ ، ويفهم من الحديث من القائل بهذا هم من الشيعة أنفسهم ، نتيجة الدعاية الواسعة التي يشنّها الطرف الآخر ، المتمثّل بالسلطة وأعوانها ، وبعض عملائها كجعفر الكذّاب عمّ الإمام المهدي عليه السّلام ، زيادة على شدّة البليّة ، وطول المحنة ، وكثرة الفتن ، كل ذلك عوامل مباشرة في حصول الاضطراب عند ذوي النفوس الضعيفة من الشيعة ، وتزلزل عقيدتهم ، كالذي حصل لدى شر ذمة منهم في تأييد بعض المقولات الفاسدة التي ظهرت بعد وفاة الإمام العسكري عليه السّلام ، من قبيل مدعيات جعفر الكذّاب ونظرائه. وفي مقابل هذا تجد في صفوفهم المصداق الواقعي لقوله تعالى : ( لا تجد قوماً يؤمنونَ باللهِ واليومِ الآخرِ يوادّون من حادّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدّهم بروح منه ) (3).
    وقوله عليه السّلام : « ولترفعنّ اثنتا عشرة راية مشتبهة ... » إشارة إلى تشتّت الآراء ، واختلاف النوازع ، وتعدّد الأهواء ، وكثرة أتباع الدنيا ، ودعواتهم الباطلة ، وغير ذلك من صور الظلم ومستلزماته ، وقدكان هذا وما زال موجوداً بين الناس على المستوى المذهبي الإسلامي ، وعلى المستوى السياسي والاقتصادي ، وغير ذلك من حقول الحياة المختلفة ؛ لانّ الحقّ والباطل في صراع دائم ، وإذا ما غَلَبَ الباطلُ انحرف المجتمع وانقسم على ذاته ، وتناحر في داخله على طول خط انحرافه. وامّا عن دعاة السوة والأئمة المضلّين ، فما أكثرهم في التاريخ ، فقد كانوا ولا زالوا يتمثّلون بالعلماء المزيفين الضالعين مع الاجهزة الحاكمة المتعسفة الظالمة عبر التاريخ
    وهذا هو ما أشار إليه الإمام الصادق عليه السّلام بعبارة : « ولا ينجو إلاّ من أخذ الله ميثاقه ، وكتب في قلبه الإيمان ، وأيّده بروح منه » .
    ولما كانت علامات الحق واضحة لائحة ، وإنّها أبين من ضوء الشمس الداخل من الكوّة الصغيرة ، فضلاًًً عمّا يحيط بالمهدي عليه السّلام من التاييد الالهي ، وما يتلطّف عليه الله عزّوجلّ بالآيات الباهرة والمعجزات الظاهرة ، مع علومه وأخلاقه وكمالاته عليه السّلام ، فلا خوف إذن على المؤمنين من رايات الضّلال التي سترفع بوجوههم على أمل صرفهم عن المنقذ العظيم ، لمنهم أبعد ما يكون عن الاشتباه بها ، وإنّما الذي سيقع في حضيضها هو ليس إلاّ من لا يطلب الحقّ ويريد الشبهة في الدين ابتغاء الفتنة.
    وهكذا حاول الإمام الصادق عليه السّلام بهذا الحديث وأمثاله أن يكشف للامّة المعالم الصحيحة لمعرفة الحقّ والحقيقة.
    وإذا كان المفضّل قد ارسل دمعة حرى لسماعة نبأ الغيبة وحيرة الناس يومئذ ، فقد كان الإمام الصادق عليه السّلام غزير الدمعة على ولده المهدي ، بالغ التوجّع ، شديد الحسرة ، وكم رُؤي عليه السّلام مهموما مغموما وهو يخبر الشيعة بغيبة المؤمّل المنتظر ، وكمنه عليه السّلام كان يعيش حالة الاُمّة ، وهي واقفة مكتوفة الأيدي على ما يصنعه العباسيون ، وقضاتهم ، وشَرَطَتهم ببيت النبوّة ومهبط الوحي والتنزيل ، بالبحث والتنقيب عن خاتم الأئمة ، ومصادرة ميراثه من أبيه عليهما السّلام ، وتمزق قلوب أتباعه ، ولكنه التمحيص والبلاء الذي لابدَّ منه. ويدلُّ على ذلك ما في الحديث المؤلّم الآتي :
    3 ـ عن سدير الصيرفي ، والمفضّل بن عمر ، وأبي بصير, وابان بن تغلب ؛ كلهم عن الإمام الصادق عليه السّلام في حديث طويل جاء فيه قوله عليه السّلام : « ... سيدي ! غيبتك نفت رُقادي ، وضيقت عليّ مِهادي ، وابتزّت مني راحة فؤادي ، سيدي ! غيبتك أوصلت مصابي بفجايع الأبد ... » وحين سألوه عليه السّلام عن سر توجعه ، قال عليه السّلام : « نظرت في كتاب الجَفْر صبيحة هذا اليوم ... وتأولت فيه مولد قائمنا ، وغيبته ، وابطاءه ، وطول عمره ، وبلوى المؤمنين في ذلك الزمان ، وتولد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته ... » (4).
    هذا وقد مرّ الكلام عن الجَفْر واعتراف ابن خلدون ، والجرجاني ، وصاحب كشف الظنون بصحّة كتاب الجفر ، وأكّدوا صراحة على إخبار الصادق والرضا عليهما السّلام من هذا الكتاب بحوادث مستقبلة وقعت على طبق ما أخبرا به.
    وهذا الحديث قد تضمّن من الآيات الدلالة على الإمام الثاني عشر عليه السّلام الكثير الذي لا ينطبق إلاّ عليه عليه السّلام.
 ومن خلال معرفتنا بوفبات رواة الحديث عن الإمام الصادق عليه السّلام مباشرة يتضح لنا انهم أدركوا الإمام الكاظم عليه السّلام وبعضهم عاصره ، وعليه لابدّ وأن يكون الحديث هذا بعد ولادة الإمام الكاظم عليه السّلام بسنين كثيرة الامر الذي يدلّ قوله عليه السّلام : « وتاولت فيه مولد قائمنا » أنه لا مجال للتصديق بدعوى مهدوية الإمام الكاظم عليه السّلام التي تزعمتها رؤوس الواقفية طمعاً في أمواله عليه السّلام بعد وفاته لأنه كان عليه السّلام مولودا في ذلك الحين.
    ويزيد هذا الأمر وضوحاً ان الإمام الصادق عليه السّلام لم يكتف بالتصريح بطول الغيبة وتولد الشكوك في القلوب من طولها ، لئلاّ يكون هذا اغراءً بمقولة الواقفية الذين قالوا بأن الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليهما السّلام قد غاب في حبس هارون لعنه الله ، وإنما صرح الإمام الصادق عليه السّلام بطول العمر ، الأمر الذي زيّف قولهم وأبطله قبل انطلاقه ، ومما زاده زيفا ودحضته الأيام وكذّبه التاريخ هو عُمْرُ الإمام الكاظم عليه السّلام حيث استشهد وهو في سن الخامسة والخمسين ، فأين طول العمر إذن ؟
    وقد جاءت هذه الفوائد في غمرة التأكيد على حصول الغيبة بالإمام الثاني عشر عليه السّلام ، وإلاّ فسيأتي ما يدلّ على طولها صراحة في العنوان الآتي.



1 ـ اُصول الكافي 1 : 338 / 9 ، و ا : 340 / 18 باب في الغيبة.
2 ـ إكمال الدين 2 : 347 / 35 باب 33 ، واُصول الكافي 1 : 338 ـ 339 / 11 باب في الغيبة ، و 1 : 336 / 3 من الباب السابق ، وكتاب الغيبة / النعماني : 151 ـ 153 / 9 و 10 ، ودلائل الإمامة : 532 ـ 533 / 512 ، وكتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : 337 ـ 338 / 285. والتنوين في ( سنين ) على لغة بني عامر ، فلاحظ.
3 ـ سورة المجادلة : 58 / 22.
4 ـ إكمال الدين 2 : 352 ـ 357 / 50 باب 33 ، وينابيع المودة / القندوزي الحنفي 3 : 310 ـ 311 / 2 باب 80.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page