• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

رابعاًً ـ من روّج له المهدوية والإمامة بعد وفاته :

 

رابعاًً ـ من روّج له المهدوية والإمامة بعد وفاته :
    ظهر القول بإمامة ومهدوية وغيبة ابن الحنفية رضى الله عنه بعد وفاته على يد الكيسانية التي زعمت باطلا بكل هذه الاقاويل التي ما أنزل الله بها من سلطان.
    وكان من رؤوسهم الذين تعصّبوا لمحمد بن الحنفية وقالوا بإمامته ومهدويته وغيبته وإنّه حيٌّ لم يمت ، حيان السراج كما سيأتي في بيان موقف الإمام الصادق عليه السّلام من هذه الدعوى.
    ومن مشاهيرهم الذين لعبوا دوراً إعلامياً كبيراًً في إشاعة هذه الدعوة ، كثير عزّة الشاعر المعروف وقد ضمّ ديوانه جملة من القصائد الشعرية التي تعرب عن عقيدته تلك ، يقول في بعضها : ألا إن الأئمة من قريش على والثلاثة من بنيه فسبط سبط إيمان وبرٍّ وسبط لا تراه العين حتىٍ تغيّب لا يرى عنهم زماناً         ولاة الحق أربعة سواء هم الأسباط ليس بهم خفاء وسبط غيّبته كربلاء يقود الخيل يقدمها لواء برضوى عنده عسل وماء (1)

    ويقول في أُخرى : هو المهدي خَبَّرناه كعب         أخو الأحبار في الحقب الخوالى (2)

    ومن جميل ما يروى ، هو ما قاله مصعب بن عبد الله ، قال : « قيل لكثير : لقيت كعب الأحبار ؟ قال : لا ، قيل : فلم قلت : خبرناه كعبُ ... ؟ قال : بالوهم » ! (3).
    ومن جملتهم أيضاًًً السيد الحميري ، وهو من مشاهير الكيسانية قبل لقائه بالإمام الصادق عليه السّلام ، ومعرفة الحقيقة منه وقد كانت له قصائد كثيرة يذكر فيها مهدوية ابن الحنفية ، منها ما ذكره المسعودي : يا شعب رضوى ما لمن بك لا يرى حتى متى ؟ وإلى متى ؟ وكم المدى ؟         وبنا إليه من الصبابة أولق يا ابن الوصي وأنت حيّ ترزق (4)

    لقاء السيد الحميري الكيساني بالإمام الصادق عليه السّلام :
    شاءت الأقدار أن يلتقي السيد الحميري بالإمام الصادق عليه السّلام ، مما كان لهذا اللقاء أثره الفعّال في تغيير السيد الحميري عقيدته الكيسانية ورجوعه من القول بإمامة ومهدوية محمد بن الحنفية رضى الله عنه ، إلى الحق واعتقاده مذهب الإمامية ، وهو ما صرّح به ابن المعتز في طبقاًت الشعراء (5) ، والمرزباني في أخبار السيد (6) ، والشيخ الصدوق (7) ، والشيخ المفيد (8) ، والشيخ الطوسي (9) وابن شهر آشوب (10) ، والاربلي (11) ، وغيرهم ممن ترجم للسيد الحميري رضى الله عنه.
    وهكذا أصبح السيد ـ بفضل هدايته على يد الإمام الصادق عليه السّلام ـ من شعراء أهل البيت المجاهرين بولايتهم من الطبقة الأولى ، حتى وصفه علماء الشيعة بالمعظم (12) ، ولهذا قال ابن عبد ربّه الأندلسي الأموي : « ومن الروافض ، السيد الحميرى ، وكان يلقى له وسائد في مسجد الكوفة يجلس عليها ، وكان يؤمن بالرجعة » (13).

    السيد الحميري يودع كيسانيته ويتعرف على هوية الإمام المهدي عليه السّلام :
    لقد اعترف السيد الحميري بدور الإمام الصادق عليه السّلام وفضله في إزاحة شبهة الكيسانية عنه ، وهو ما حكاه لنا الشيخ الصدوق بقوله :
     « فلم يزل السيد ضالاً في أمر الغيبة يعتقدها في محمد بن الحنفية حتى لقي الصادق جعفر بن محمد عليهما السّلام ، ورأى منه علامات الإمامة ، وشاهد فيه دلالات الوصية ، فسأله عن الغيبة ، فذكر له منها حقّ ، ولكنها تقع في الثاني عشر من الأئمة عليهم السّلام ، وأخبره بموت محمد بن الحنفية ، وإن أباه ـ يعني : الإمام الباقر عليه السّلام ـ شاهد دفنه ، فرجع السيد عن مقالته واستغفر من اعتقاده ، ورجع إلى الحق عند اتضاحه له ، ودان بالإمامة.
    ثم أخرج الصدوق ـ بعد كلامه هذا ـ بسنده عن السيد الحميري قوله : كنت أقول بالغلوّ وأعتقد غيبة محمد بن عليٍّ ـ ابن الحنفيّة ـ قد ضللت في ذلك زماناً ، فمنَّ الله عليَّ بالصادق جعفر بن محمد عليهما السّلام وأنقذني به من النّار ، وهداني إلى سواء الصراط ، فسألته بعد ما صحّ عندي بالدَّلائل التي شاهدتها منه أنه حجة الله على وعلى جميع أهل زمانه وأنه الإمام الذي فرض الله طاعته وأوجب الاقتداء به ، فقلت له : يا ابن رسول الله قد روي لنا أخبار عن آبائك عليهم السّلام في الغيبة وصية كونها فأخبرني بمن تقع ؟ فقال عليه السّلام : إن الغيبة ستقع بالسادس من ولدي وهو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله أوَّلهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام وآخرهم القائم بالحق بقيّة الله في الأرض وصاحب الزّمان ، والله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتى يظهر فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماًًً. قال السيد : فلمّا سمعت ذلك من مولاي الصادق جعفر بن محمد عليهما السّلام تبت إلى الله تعالى ذكره على يديه » .

    مع قصيدة السيد الحميري التي سجل فيها اعترافه بالحق :
    قال السيد رحمه الله بعد كلامه السابق مباشرةً وبلا فصل ـ وهو من تتمة رواية الشيخ الصدوق ـ مالفظه : « وقلت قصيدتي التي أولها :

فلمّا رأيت الناس في الدِّين قد غووا         تجعفرت باسم الله فيمن تجعفروا

    ـ إلى أن قال ـ إلى آخر القصيدة ، وقلت بعد ذلك قصيتدة اُخرى : 1 أيا راكباً نحو المدينة جسرة 2 إذا ما هداك الله عاينت جعفراً 3 ألا يا أمين الله وابن أمينه 4 إليك من الأمر الذي كنت مطنباً 5 وما كان قولى في ابن خولة مطنباً 6 ولكن روينا عن وصيِّ محمد 7 بمنَ وليَّ الأمر يفقد لا يُرى 8 فتقسم أموال الفقيد كمنما 9 فيمكث حيناً ثمَ يشرق شخصه 10 يسير بنصر الله من بيت ربّه 11 يسير إلى أعدائه بلوائه 12 فلمّا رُوي منَ ابن خولة غائب 13 وقلنا هو المهديُ والقائم الذي 14 فإن قلت لا فالحقُ قولك والذي 15 وأشهد ربّي من قولك حجة         عذافرة يطوي بها كل سبسب فقل لوليِّ الله وابن المهذَّب أتوب إلى الرَّحمن ثمَ تأوَّبي أحارب فيه جاهداً كلَ معرب معاندة منّي لنسل المطيّب وماكان فيما قال بالمتكذِّب ستيراً كفعل الخائف المترقّب تغيّبه بين الصفيح المنصّب مضيئاً بنور العدل اشراق كوكب على سؤدد منه وأمر مسبّب فيقتلهم قتلاً كحرَّان مغضب صرفنا إليه قولنا لم نكذِب يعيش به من عدله كلُ مجدب أمرت فحتمٌ غير ما متعصّب على الناس طرًّا من مطيع ومذنب
16 بمنَ وليَّ الأمر والقائم الذي 17 له غيبة لا بدّ من أن يغيبها 18 فيمكث حيناً ثمَ يظهر حينه 19 بذاك أدين الله سرّاً وجهرة         تطلّع نفسي نحوه بتطرُّب فصلّى عليه الله من متغيّب فميلك من في شرقها والمغرب ولست وإن عوتبت فيه بمعتب » (14)

    الكشف عمّا في قصيدة السيد الحميري من دلالات :
    لا بأس بمتابعة قصيدته والكشف ـ باختصار ـ عمّا في أبياتها من دلالة كالآتي :
    البيت الثاني والثالث : فيهما تصريح باعتقاد السيد الحميري بأن الإمام الصادق عليه السَّلام هو ولي الله في زمانه وأمين الله على وحيه وابن أمينه.
    الرابع والخامس : فيهما تصريح بالتوبة من الاعتقاد القديم بمهدوية ابن الحنفية.
    السادس : في بيان سبب اعتقاده القديم الفاسد وهو تطبيق الروايات الواردة في المهدي وغيبته عن الوصي ويعني به أمير المؤمنين عليه السَّلام على غير موردها الحقيقي ومصداقها الواقعي.
    السابع : يدلُّ على أن الوصي عليهِ السَّلام بشأن المهدي هو غيبته ( يفقد لا يرى ) وأن سببها الخوف ( ستيراً كفعل الخائف المترقّب ) وهذا هو المؤيّد بروايات كثيرة عن الإمام الصادق عليه السَّلام كما مرّ مفصلاً في هذا البحث.
    الثامن : يشير إلى أن المروي عن الوصي عليه السّلام صريح بتقسيم أموال الإمام المهدي عليه السّلام وهو حي « فتقسم أموال الفقيد » أي الغائب الحيّ الموجود وهو ما حصل فعلاً لإمامنا المهدي من أزلام السلطة العباسية وأذنابها في حديث طويل رواه الشيعة برمّتهم وصحّ لديهم من عدّة طرق.
    التاسع والعاشر والحادي عشر : في خصوص كون المروي عن الوصي في المهدي عليه السّلام ، هو أنه لابدَّ وأن يغيب حيناً من الدهر ، ثم يكون ظهوره في مكّة المكرّمة ، وأن الله تعالى سيمكنّه من أعدائه جميعاًً ، وهذا هو ما نقوله ونعتقده طبقاًً للمتواتر من الأخبار.  
    الثاني عشر إلى الخامس عشر : في الكشف عن عقيدته السابقة بمهدوية ابن الحنفية رضى الله عنه ، وإعلان رجوعه عنها ، واعتقاده الحق بفضل الإمام الصادق عليه السّلام ، ويتضمّن الاخير اعتقاده بأن امامة الإمام الصادق عليه السّلام من الله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وآله ، وأنه معصوم من الخطأ والزلل ، وإلاّ فما معنى ان يشهد الله تعالى على أن الصادق عليه السّلام حجة الله على سائر الخلق ؟ وكيف يختار الله تعالى حجته على عباده ولايكون معصوما ؟
    وما يقال بان الشعر عامّةً ليس حجة ، فهو كذلك ، ولكن الأمر مختلف هاهنا ، فالأبيات تتلى على مسامع الإمام عليه السّلام ولو كان فيها أدنى زلل لنبّه عليه الإمام الصادق عليه السّلام
    السادس عشر إلى التاسع عشر : صريحة بلا بدية غيبة ولي الأمر الإمام القائم المهدي عليه السّلام ، وأنه لابدّ من ظهوره عليه السّلام بعد انتهاء أمد غيبته ، وحينئذٍ سيتحقّق حلم الأنبياء عليهم السّلام جميعاًً بإقامة ودولة الحق العظمى في جميع الأرض على يده الشريفة ، وفي الأخير إعلان بتمسّك السيد الحميرى بهذا الدين الحق ، وإنه لا يخشي فيه لومة لائم.
    كما أن أجواءِ القصدية وأبياتها تكشف عن أن احاديث غيبة الإمام المهدي عليه السّلام الواصلة إلينا لم تكن قط من صنع أية حركة أو طائفة ، ولا هي من صنع متكلمي الشيعة في القرنين الثالث والرابع الهجريين كما يفتري بذلك بعض المهرجين ، وإنما هي ـ في حدود أجواء القصيدة فقط ـ من اخبار أهل البيت عليهم السّلام منذ عهد أمير المؤمنين الإمام علي عليه السّلام وصولاًً إلى الإمام الصادق عليه السّلام ، فضلاً عمّا في غيرها وهو كثير.
    كما تكشف أجواء القصيدة أيضاًً عن دور الإمام الصادق عليه السّلام في التصدّي الحازم لمزاعم المهدوية كالكيسانية ، وبثه الوعي اللازم تجاه العقيدة المهدوية الصحيحة ، مع استغلال كل فرضة سانحة لغرس مبادي الدين النقية التي تقوم عليها نظرية الحكم في الاسلام كما يفهم من تقرير الإمام عليه السّلام لمفردات تللك القصيدة الرائعة التي جاءت زاخرة بفكر الإمامة ومفعمة بعقيدة النص والتعيين.
    وأما من خلو الأبيات الشعرية من التصريح بهوية الإمام المهدي عليه السّلام فلا يدلّ على عدم تحديد الهوية للسيد الحميري من قبل الإمام الصادق عليه السّلام خصوصاً وقد مرّ في كلامه المنثور ما هو صريح بهذا التحديد. وربّما قد يكون التحديد مذكوراً في رائيته المتقدمة حيث اقتصر على بعض أبياتها ، ولو وصلت إلينا كاملة فربّما وجدنا بها أسماء أهل البيت عليهم السّلام جميعاً.
    والمهم هو أن رجوع مثل السيد الحميري عن عقيدة الكيسانية واعتناق المذهب الإمامي الاثني عشري يعبّر عن دور الإمام الصادق عليه السّلام في معالجة دعاوى المهدوية في زمانه مما كان له أكبر الأثر في هدم تلك الدعاوى الباطلة وتلاشيها واحدة بعد اخرى.



1 ـ ديوان كثير عزّة 2 : 186 ، ومروج الذهب 3 : 88 ، و الأغاني / أبو الفرج الأصبهاني 9 : 12 في ذكر أخبار كثير ونسبه ، وعيون الأخبار / ابن قتيبة الدينوري 2 : 543 من كتاب العلم والبيان.
2 ـ ديوان كثير 1 : 275 ، ومروج الذهب 3 : 87 ، والأغاني 9 : 13 ـ 14.
3 ـ تهذيب الكمال 26 : 150 / 5484.
4 ـ مروج الذهب / المسعودي 3 : 88.
5 ـ طبقاًت الشعراء / ابن المعتز : 22 ـ 36.
6 ـ أخبار السيد / المرزباني : 164.
7 ـ إكمال الدين 1 : 32 ـ 35 من المقدمة.
8 ـ الفصول المختارة : 241 ، والإرشاد 2 : 206.
9 ـ أمالي الشيخ الطوسي : 627 / 1293 ، المجلس رقم / 30.
10 ـ المناقب / ابن شهر آشوب 3 : 528.
11 ـ كشف الغمّة 2 : 40.
12 ـ وصفه بهذا الوصف ابن داود الحلّي في رجالة : 59 / 193 ، وقال العلّامة في الخلاصة : 57 / 50 : « إسماعيل بن محمد الحميرى ، ثقة ، جليل القدر ، عظيم الشمن والمنزلة ، رحمه الله » .
13 ـ العقد الفريد / ابن عبد ربه الاندلسي الاموي 4 : 122.
14 ـ إكمال الدين وإتمام النعمة : 1 : 32 ـ 35 من المقدّمة.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page