• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

البحث عن المهدي الموعود عليه السلام ومحاولات جعفر الفاشلة

.. فلما دفن وتفرّق الناس اضطرب السلطان وأصحابه في طلب ولده، وكثر التفتيش في المنازل والدور، وتوقفوا على قسمة ميراثه.
ولم يزل الذين وكّلوا بحفظ الجارية التي توهموا عليها الحبل ملازمين لها سنتين وأكثر حتى تبين لهم بطلان الحبل، فقسم ميراثه بين أمه وأخيه جعفر، وادّعت أمه وصيته وثبت ذلك عند القاضي.

e mahdi01

والسلطان على ذلك يطلب أثر ولده، فجاء جعفر بعد قسمة الميراث إلى أبي، وقال له: اجعل لي مرتبة أبي وأخي وأوصل إليك في كل سنة عشرين ألف دينار مسلّمة، فزبره أبي وأسمعه وقال له: يا أحمق إنّ السلطان ـ أعزه الله ـ جرّد سيفه وسوطه في الذين زعموا أن أباك وأخاك أئمة ليردّهم عن ذلك فلم يقدر عليه، ولم يتهيأ له صرفهم عن هذا القول فيهما، وجهد أن يزيل أباك وأخاك عن تلك المرتبة فلم يتهيأ له صرفهم عن هذا القول فيهما، وجهد أن يزيل أباك وأخاك عن تلك الرتبة فلم يتهيأ له ذلك، فإن كنت عند شيعة أبيك وأخيك إماماً فلا حاجة بك إلى السلطان ليرتبك مراتبهم ولا غير السلطان، وإن لم تكن عندهم بهذه المنزلة لم تنلها بنا، واستقله أبي عند ذلك، واستضعفه وأمر أن يحجب عنه، فلم يأذن له بالدخول عليه حتى مات أبي.
وخرجنا والأمر على تلك الحال، والسلطان يطلب أثر ولد الحسن بن علي عليهما السلام حتى اليوم.(1)
ثلاث معادلات خطيرة:
هذه الرواية توقفنا على ثلاث معادلات تدخلت في خفاء الإمام المهدي عليه السلام إبان شهادة والده صلوات الله عليه.
الأولى: العلاقة بين الإمام الحسن العسكري عليه السلام وبين السلطة.
فقد شاهدنا حذر السلطة واضطرابها في علاقتها مع الإمام عليه السلام، فمرّة تتعامل معه بالإكبار وتعترف له بالتقديم على غيره بل إمامته في أحيان أخرى، كما في تعامل ابن خاقان مع الإمام وتصريحه بأحقيته بالخلافة، ومن جهة تودع الإمام عليه السلام في السجن أو تحتم عليه الإقامة الجبرية فتعزله عن قواعده دون سابق إنذار.
أي أن علاقة الإمام عليه السلام بالسلطة تتذبذب بين ذعر السلطة ومخاوفها من مجرد وجود الإمام عليه السلام إلى حالات اطمئنان من موقف الإمام ووجوده تبعاً " لتخيلات " الخليفة وما توهمه توجهات حرصه على منصبه وبقائه على دست الحكم منعّماً دون أدنى معارضٍ هناك.
وهذا العامل يعدّ من أقوى عوامل إجراءات الاختفاء وغيبته عن أعين العامة فضلاً عن الخاصة كذلك.
على أنّ " الاعتقاد الخفي " بالأئمة عليهم السلام لدى دوائر النظام لا تمثله حالة ابن خاقان وحدها، فالنظام يكمن في دواخله حالات التعاطف، بل التشيع من بعض أعضائه، فأسر النظام كانت ترى فضل الأئمة صلوات الله عليهم ظاهراً، وهذا التحسس لدى نساء البلاط ظهر في أكثر من ظاهرة، ويمكننا أن نطلق عليها بظاهرة " الاعتقاد الخفي " التي تكنه نساء البلاط للأئمة عليهم السلام، وسنذكر بعض نماذج ذلك:
1ـ زبيدة زوجة الرشيد:
عدّها الصدوق من الشيعة، وأثنى عليها كثيراً، وقال المامقاني ـ تبعاً للشيخ الصدوق ـ أنها من الشيعة كذلك، قال: زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور زوجة هارون الرشيد أم محمد الأمين، قال الصدوق في المجالس: إنّها كانت من الشيعة فلما عرفها أنّها منهم حلف بطلاقها، وقال ابن خلكان: لها معروف كثير وفعل خير وقصتها في حجها وما اعتمرته في طريقها مشهورة فلا حاجة إلى شرحها، قال الشيخ أبو الفرج.. كان لها مائة جارية يحفظن القرآن ولكل واحدة ورد عشر القرآن.
وكان يسمع في قصرها كدوي النحل من قراءة القرآن..(2)
وعدّ الطبري في دلائل الإمامة أن زبيدة من النساء اللاتي يخرجن مع القائم عليه السلام، فقد روى بسنده عن الصادق عليه السلام: يكنّ مع القائم ثلاثة عشر امرأة، قلت (الراوي): وما يصنع بهنّ؟ قال: يداوين الجرحى ويقمن على المرضى كما كان رسول الله، قلت: فسمّهن لي، قال: القنوا بنت رُشيد، وأم أيمن، وحبابة الوالبية، وسمية أم عمار بن ياسر، وزبيدة، وأم خالد الأحمسية، وأم سعيد الحنفية، وصبانة الماشطة، وأم خالد الجهنية.(3)
وربما يتساءل عن كون نسبة التشيع إلى زبيدة لم تشتهر بين الأصحاب، فنقول: إنّ شهادة الشيخ الصدوق تعد من الشهادات التي يعدها أصحابنا رضوان الله عليهم أنها حسية أو قريبة منه، لقرب عهده بأصحاب الأئمة وسفراء الحجة عجل الله فرجه الشريف، والشيخ الصدوق أجل من أن يروي أمراً حدسياً يخبر به وينسبه إلى نفسه دون تحقيق في النسبة، كما أن نسبة التشيع إلى زبيدة لم تكن مشهورة لخفاء أمر تشيعها وكتمانه خوفاً من الرشيد وبني العباس، كما أن نسبة التشيع إلى سيدة البلاط العباسي أمر غير متعارف عادة لدى الأوساط الذين عرفوا بني العباسي وعداءهم لأهل البيت عليهم السلام، إلاّ أن ذلك أمراً جديراً بالاهتمام سنشير إلى دوافعه وملازماته قريباً.
2ـ أخت السندي بن شاهك:
قال الخطيب البغدادي: إنّ أبا الحسن موسى بن جعفر حبس عند السندي فسألته أخته أن تتولى حبسه، وكانت تتدين ففعل، فكانت تلي خدمته، فحكي أنها قالت: كان إذا صلى العتمة حمد الله ومجّده ودعاه فلم يزل كذلك حتى يزول الليل، فإذا زال الليل قام يصلي الصبح، ثم يذكر في القبلة حتى يصلي المغرب، ثم يصلي ما بين المغرب والعتمة، فكان هذا دأبه، فكانت أخت السندي إذا نظرت إليه قالت: خاب قوم تعرّضوا لهذا الرجل.(4)
فاعتقادها خالف اعتقاد البلاط الذي يرى قتل الإمام عليه السلام دون وازع ورادع، فهي بمخالفتها لاعتقادهم دليل على معرفتها لهذا الأمر وإن لم تصرّح بذلك.

3ـ أم المتوكل العباسي:

قال ابن الصباغ المالكي: مرض المتوكل من خراج خرج بحلقه فأشرف على الهلاك.. فنذرت أم المتوكل لأبي الحسن علي بن محمد إن عوفي ولدها من هذه العلة لتعطيه مالاً جليلاً من مالها..(5)
4ـ زوجة نحرير الخادم:
ونحرير هو من مساعدي المعتمد العباسي، وكان ظالماً يتولى حبس الإمام الحسن العسكري عليه السلام ، وكانت امرأته ترى خلاف رأيه في أبي محمد عليه السلام، فحذرته عن مغبّة عمله هذا وأشارت عليه بالكف عن تعرضه للإمام عليه السلام.
قال المجلسي: سلّم أبو محمد عليه السلام إلى نحرير وكان يضيّق عليه ويؤذيه، فقالت له امرأته: اتق الله فإنّك لا تدري من في منزلك؟ وذكرت له صلاحه وعبادته وقالت: إني أخاف عليك منه، فقال: والله لأرمينه بين السباع، ثم استأذن في ذلك فأذن له، فرمى به إليها فلم يشكّوا في أكلها، فنظروا إلى الموضع ليعرفوا الحال، فوجدوه عليه السلام قائماً يصلي وهي حوله، فأمر بإخراجه إلى داره.(6)
على أن هذه الظواهر لدى نساء البلاط لا تنحصر في هذه النماذج، فربما كانت هناك نماذج أخرى خفية لا يتسنى للمؤرخين ذكرها، لخفاء أمرها وشدة تكتمها..
وتركيزنا على مثل هذه الظواهر للإشارة إلى إمكانية تأثر خاصة البلاط بالأئمة عليهم السلام وإذعانهم بل اعتقادهم في بعض الأحيان، وهي معادلة خطيرة يتوجس منها النظام ويستشعر منها كذلك بالاستصغار وعدم الأهلية للخلافة وأن الحق في أئمة أهل البيت عليهم السلام الذين " اقتحمت " شهرتهم وحسن سيرتهم حتى نساء البلاط وأذعنّ لهم بالأحقية، وهي ظاهرة تستحق الاهتمام من قبل النظام لخطر حالة الولاء وزحفها حتى إلى خبايا القصر، وتستدعي منا الاهتمام كذلك كونها تشير إلى تأثير الأئمة عليهم السلام بخاصة النظام، ومدى أهمية وجودهم عليهم السلام في التأثير بفصائل الأمة وقطاعاتها فضلاً عن خاصة النظام.
وظاهرة نساء البلاط هذه في اعتقادهنّ بالأئمة عليهم السلام خلافاً للبلاط وتوجهاته، وذلك لكون النساء يعبّرن عن اعتقادهنّ وتعاطفهنّ دون النظر إلى مصالح أخرى، خلافاً للرجال الذين يحاولون كتمان الحق حرصاً على الجاه والمنصب.
على أن هذه الظاهرة لم تتداولها مصادر التأريخ السنية كما تداولتها المصادر الشيعية ـ بالرغم من ذكر بعضها في مصادرهم ـ وذلك لأن إشاعة هذه الظاهرة تشير إلى أحقية أهل البيت عليه السلام خلافاً لأعدائهم الذين يتعامل معهم بعض المؤرخين أئمةً خلفاء.
الثانية: علاقة الأمة بالإمام عليه السلام ،
فقد رأينا الموقف العام في سر من رأى بعد شياع خبر وفاة الإمام، حيث ضج الناس: "مات ابن الرضا" كما في تعبير الرواية، "وكان ذلك اليوم شبيهاً بيوم القيامة"، كما في تعبير آخر، "وعطّلت الأسواق" كما في صورتها الثالثة.
وهكذا فإنّ علاقة الأمة بالإمام عليه السلام تدفع النظام إلى ازدياد حذره ومخاوفه من هذه العلاقة الروحية بين الإمام وبين الأمة بمختلف توجهاتها الفكرية والعقائدية، وهذا الحب سيشكّل فيما بعد علاقة " رسمية " تنطلق منها معارضة حقيقية للنظام، فالالتفاف الذي تبديه الأمة حول الإمام عليه السلام سيثير حفيظة النظام الذي يرغب في عزل الأمة عن الإمام والخوف من كون هذا الولاء هو تعبير عن هيكلةٍ لقاعدة معارضة تنشأ فيما بعد.
لذا فابتعاد الإمام عليه السلام عن القواعد سيشكل ضمانة اطمئان للنظام ـ على أقل تقدير ـ لكيلا تشكّل هذه القواعد خطرها المحسوب على السلطة.
إنّ هذا الحب الذي تكنه الأمة لا ينشأ أغلبه من فهم أطروحة الإمامة، وأن الأمة تتعامل مع الإمام كونه إمام، بل هي تتعاطف مع الإمام عليه السلام على أساس ما تراه من حسن سيرته وروعة سلوكه التي عجز الخليفة وغيره عن إبدائها والتحلي بها، وترى الأمة في شخص الإمام حالة الرشد الرسالي الذي تمثله امتداداًَ للسيرة النبوية المقدّسة بكل كمالاتها.
كل هذه التصورات في ذهن الأمة سيكون بمعزلٍ عن الاعتقاد بكون الإمام إماماً مفترض الطاعة تتعاطى معه الأمة على أساس تكليفها الشرعي، بل الأمة تتعاطى مع الإمام على أساس العاطفة ومشاعر الحب، وهو غير التكليف الذي يحمله المؤمن في تعاطيه مع الإمام، ومعلوم أن مشاعر العاطفة لا تعني بالضرورة حالات تأييد وتضحيةٍ وولاء يمكن للإمام استثمارها لتنفيذ أطروحته الإلهية.
هذا ما دعى الإمام المهدي عليه السلام إلى تغييب شخصه عن الأمة بكل فصائلها، وانعزاله عن قواعده المؤمنة والاتصال معهم عن طريق سفرائه الأربعة بعد ذلك.
الثالثة: وهي معادلة عمّه جعفر
الذي سعى إلى كشف " سر الله " كما في تعبير بعض الروايات، ومحاولة تقرّبه للنظام عن طريق إفشاء أسرار الإمامة وتحريض النظام بالقبض على الوليد الموعود.
كما سعى من خلال ذلك إلى إحباط خطط الإمام عليه السلام في تعامله الطبيعي حتى مع قواعده أو مع خواصه على أقل تقدير.
فقد شكّل جعفراً هذا خطراً على حياة الإمام عليه السلام بتوجيه السلطة إلى مكان إقامته سعياً منه في التخلص من الإمام والتربّع على منصب الإمامة الّذي ظن أنه منصب تشكّله المساعي الرسمية للسلطة أو ما يحاوله من إعزاء رجالاتها بالمال ـ كما في تعبير الرواية ـ وتحفيز ابن خاقان بإعطائه عشرين ألفاً كل عام.
ومعلوم أنّ الخطر الذي يداهم الإمام من داخل عائلته ـ عمه جعفر ـ دفع الإمام إلى التشديد باتخاذ إجراءات الأمن حفاظاً على حياته، فعمّه جعفر هذا يعرف أماكن تواجده، واطلاعه على حالات العائلة الخاصة تعين جعفراً على معرفة مكان الوليد الجديد، مما دعى الإمام المهدي عليه السلام إلى الاختفاء والابتعاد عن مكان خطر ملاحقة عمّه.
هذه المعادلات الثلاث تعيننا على استيعاب أطروحة الغيبة، وتدفعنا إلى الاعتقاد بأن إجراءات الغيبة هي الحالة الطبيعية التي يتخذها المرء في حال مداهمته بالخطر، بل عدم اتخاذ هذه الإجراءات الأمنية تودي بحياة الإمام ومن ثم بأطروحته الإلهية في ظهوره، وعلى الإمام إذن أن يختار سلوك تغييب شخصه حفاظاً على مهمته وتكليفه الإلهي.

__________________
[1] إكمال الدين وإتمام النعمة : 1/49.
[2] تنقيح المقال للمامقاني: 3/ 78.
[3] دلائل الإمامة للطبري: 256.
[4] تأريخ بغداد للخطيب البغدادي 13 : 32.

[5] الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: 277.
[6] بحار الأنوار: 50/ 309.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

اللطميات

مشاهدة الكل

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page