"قال أبو الفضل: ما وجدت هذا الحديث على التمام إلا عند أبي حفان، وحدثني هارون بن مسلم بن سعدان عن الحسن بن علوان عن عطية العوفي قال: لما مرضت فاطمة (عليها السلام) المرضة التي توفيت بها دخل النساء عليها فقلن: كيف أصبحت من علتك يا بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟
قالت: أصبحت والله عائفة(1) لدنيا كم، قالية(2) لرجالكم، لفظتهم بعد أن عجمتهم،(3) وشـنئتهم بعد أن سبرتهم،(4)فقبحاً لفلول الحد،(5) وخور القنا،(6) وخطل الرأي،(7) وبئسما قدمت لهم أنفسـهم أن سـخط الله عليهم وفى العذاب هم خالـدون، لا جرم(8) لقد قلدتهم ربقتها(9)، وشنت(10) عليهم عارها، فجدعاً وعقراً(11) وبعداً للقوم الظالمين.
ويحهم أنى زحزحوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوة، ومهبط الروح الامين، الطبن(12) بأمور الدنيا والدين، ألا ذلك هو الخسران المبين، وما الذي نقموا(13) من أبي الحسن، نقموا والله منه نكير(14) سيفه، وشدة وطأته، ونكال(15) وقعته، وتنمره فى ذات الله،(16)ويا لله لو تكافئوا(17) على زمام نبذه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لسار بهم سيراً سجحاً(18)، لا يكلم خشاشه(19)، ولا يتعتع(20) راكبه، ولأوردهم منهلا روياً فضفاضاً(21)، تطفح ضفتاه، ولأصدرهم بطاناً(22)، قد تحرى بهم الري غير متجل منهم بطائل بعمله الباهر، وردعه سورة الساغب(23)، ولفتحت عليهم بركات من السماء، وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون، ألا هلمن(24) فأسمعن وما عشتن أراكن الدهر عجباً، إلى أي لجأ لجأوا واسندوا؟ وبأي عروة تمسكوا؟(25)
ولبئس المولى(26) ولبئس العشير، استبدلوا والله الذنابى بالقوادم(27)، والعجز بالكاهل، فرغماً لمعاطس قوم(28) "يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون"، ويحهم (أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(29). أما لعمر إلهكنّ(30) لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج، ثم احتلبوا(31) طلاع القعب(32) دماً عبيطاً(33) وذعافاً ممقراً(34)، هنالك يخسر المبطلون، ويعرف التالون غب(35) ما أسس الأولون، ثم أطيبوا(36) عن أنفسكم نفساً، وطامنوا للفتنة جأشاً(37) وابشروا بسيف صارم، وبقرح شامل(38) واستبداد من الظالمين يدع فيئكم زهيداً، وجمعكم حصيداً، فيا حسرة لكم، وإني بكم وقد عميت (عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ)(39). ثم أمسكت (عليها السلام)(40).
____________
1- كارهة.
2- مبغضة.
3- نبذتهم بعد أن جربتهم.
4- أبغضتهم بعد أن اختبرتهم.
5- تثلمه.
6- ضعفه أو كسره.
7- فساده.
8- أصله لا بد أو لا محالة ثم كثر استعماله حتى تحول إلى معنى القسم.
9- أي مسؤوليتها والضمير راجع للخلافة.
10- صبت.
11- الجدع قطع الأنف، والعقر ضرب قوائم البعير بالسيف ونحوه، والجملة دعاء على من أرادت.
12- تريد كيف زحزحوها عن بيت النبي أو بالأحرى عن علي الطبن بأمور الدنيا والدين أي الخبير بها.
13- كرهوا.
14- شديد.
15- من التنكيل.
16- أي غضبه لله.
17- استووا.
18- سهلا ويروى لو تكافؤوا على زمام نبذه إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لاعتقله ولسار بهم سيراً سجحاً.
19- لا يجرح جانبه والخشاش عود يجعل فى أنف البعير يشد به الزمام.
20- أي من غير أن يصيبه أذى ومنه الحديث الشريف: "يؤخذ للضعيف حقه غير متعتع".
21- يفيض منه الماء.
22- شبعانين.
23- حدة الجائع.
24- تعالن مركبة من هاء التنبيه ومن لم أي ضم نفسك إليها، والنون فيها هنا نون النسوة.
25- عروة الكوز أو الدلو مقبضه مستعارة هنا.
26- الصاحب والجار.
27- الذنابى الذنب، والقوادم ريش في مقدم الجناح، والمراد أنهم استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، العجز مؤخر الشيء، والكاهل مقدم الظهر.
28- أي ذلا لأنوفهم مجاز عن ذل أنفسهم.
29- سورة يونس: 35.
30- أي أما وحق بقائه.
31- لقحت حبلت، النظرة التأخير في الأمر، وريث أي مقدار، وتنتج تلد.
32- أي ملؤه.
33- طرياً.
34- يقال سم زعاف أي معجل إلى الموت، والممقر المر ويروى وزعافاً.
35- أي عاقبة ويروى "عين ما أسس الأولون".
36- طيبوا.
37- نفساً.
38- القرح الدمل، كناية عن فساد ألامور ويروى "بهرج شامل".
39- سورة هود: 28.
40- بلاغات النساء، ابن أبي طيفور: 32 ـ 33 مع هوامشها، إعلام النساء، كحالة: 4 / 128 ـ 129.
الرواية الثالثة: خطبتها (عليها السلام) في نساء المهاجرين والأنصار
- الزيارات: 1368