برواية أبي بكر الجوهري (ت 323 هـ) وقد رواها عنه كل من العلامة الأربلي (ت 693 هـ) في كشف الغمّة، وابن أبي الحديد (ت 656 هـ) في شرح نهج البلاغة، ونحن هنا نوردها برواية ابن أبي الحديد قال: قال أبو بكر: وحدثنا محمد بن زكريا، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن المهلبي، عن عبدالله بن حماد بن سليمان، عن أبيه، عن عبدالله بن حسن بن حسن، عن اُمّه فاطمة بنت الحسين (عليها السلام)، قالت:
لما اشتد بفاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الوجع وثقلت في علتها، اجتمع عندها نساءٌ من نساء المهاجرين والأنصار، فقلن لها: كيف أصبحت يا ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟
قالت: والله أصبحت عائفة(1) لدنياكم، قالية لرجالكم، لفظتهم بعد أن عجمتهم(2)، وشنئتهم(3) بعد أن سبرتهم(4)، فقبحاً لفلول الحد، وخور القناة، وخطل الرأي، وبِئسما قدَّمت لهم أنفسهم أن سخط اللّهُ عليهم وفي العذاب هم خالدون، لا جرم، قد قلدتهم ربقتها، وشنت عليهم غارتها، فجدعاً وعقراً وسحقاً للقوم الظالمين.
ويحهم، أين زحزحوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوة، ومهبط الروح الأمين، والطيّبين(5) بأمر الدنيا والدين، ألا ذلك هو الخُسرانُ المُبينُ.
وما الذي نقموا من أبي الحسن؟ نقموا والله نكير سيفه، وشدّة وطأته، ونكال وقعته، وتنمّره في ذات الله، وتالله لو تكافؤا عن زمام نبذه إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا عتلقه، ولسار إليهم سيراً سجحاً، لاتكلم حشاشته(6)، ولا يتعتع راكبه، ولأوردهم منهلا نميراً فضفاضاً، يطفح ضفّتاه، ولأصدرهم بطاناً، قد تحيّر بهم الرأي، غير متحلّ بطائل، إلاّ بغمر الناهل، وردعة سورة الساغب، ولفتحت عليهم بركات من السماء والأرض، وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون.
ألا هلمَّ فاستمع، وما عشت أراك الدهر عجبه، وإن تعجب فقد أعجبك الحادث الى أي لجأ استندوا؟ وبأي عروة تمسكوا؟ (لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ)(7)ولبئس للظالمين بدلا. استبدلوا، والله الذنابى بالقوادم، والعجز بالكاهل، فرغماً لمعاطس قوم يحسبون انهم يحسنون صنعاً (أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَ يَشْعُرُونَ)(8).
ويحهم (أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(9).
أما لعمر الله لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج، ثم احتلبوها طلاع القعب دماً عبيطاً وذعافاً ممقراً، هنالك يخسر المبطلون، ويعرف التالون غِبّ ما أسّس الأولون، ثم طيبوا عن أنفسكم نفساً، واطمانوا للفتنة جأشاً، وأبشروا بسيف صارم، وهرج شامل(10) واستبداد من الظالمين، يدع فيكم زهيداً، وجمعكم حصيداً، فيا حسرة عليكم وأنى لكم، وقد عميت (عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ)(11).
والحمد لله ربّ العالمين، وصلاته على محمد خاتم النبيين، وسيد المرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم).(12)
____________
1- عائفة لدنياكم: أي قالية لها كارهة.
2- عجمتهم: بلوتهم وخبرتهم.
3- شنئتهم: أبغضتهم.
4- سبرتهم: علمت أُمورهم.
5- في كشف الغمة: والضنين بأمر الدنيا والدين.
6- في كشف الغمة: لا يكلم خشاشه.
7- سورة الحج: 13.
8- سورة البقرة: 12.
9- سورة يونس: 35.
10- الهرج: من معانيه القتل. اللسان. وهو المراد هنا.
11- سورة هود: 28.
12- السقيفة وفدك، الجوهري: 117 ـ 118، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 16 / 233 ـ 234، كشف الغمّة، الأربلي: 1 / 492 ـ 494.
الرواية الثانية: خطبة فاطمة (عليها السلام) في نساء المهاجرين والأنصار
- الزيارات: 829