قالوا: لما مرضت فاطمة (عليها السلام) دخل النساء عليها وقلن: كيف أصبحت من علتك يا بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟
قالت: أصبحت والله عائفة لدنياكم، قالية لرجالكم، لفظتهم بعد أن عجمتهم، وشنئتهم بعد أن سبرتهم، فقبحاً لفلول الحد، وخطل الرأي، و (لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ
خَالِدُونَ)(1)، لا جرم لقد قلدتهم ربقتها، وشنت عليهم غارتها(2)، فجدعاً وعقراً وبعداً للقوم الظالمين.
ويحهم، أين زحزحوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوة، ومهبط الروح الأمين، والطبن(3) بأمر الدنيا والدين، (أَلاَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)(4)، وما الذي نقموا من أبي الحسن؟ نقموا والله منه نكير سيفه، وشدة وطأته، ونكال وقعته، وتنمره فى ذات الله، وتالله لو تكافؤوا على زمام نبذه إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لسار بهم سيراً سجحاً،(5) لا يُكلم خِشاشه(6)، ولا يتعتع راكبه، ولأوردهم منهلا روياً فضفاضاً، تطفح ضفتاه، ولأصدرهم بطاناً، وقد تحيّز(7) بهم الري، غير مستحلّ(8) منهم بطائل، إلاّ بغمر(9) الناهل، أو دَعة سورة الساغب(10)، ولفتحت عليهم بركات من السماء، وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون.
ألا هلمَّ فاستمع، وما عشت أراك الدهر عجباً، وإن تعجب فعجب لحادث إلى أي ملجأ لجأوا واستندوا(11)؟ وبأي عروة تمسكوا؟ (لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ)(12)، ولبئس للظالمين بدلا، استبدلوا والله الذنابى بالقوادم، والعجز بالكاهل، فرغماً لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً (أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَ يَشْعُرُونَ)(13).
ويحهم (أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(14).
أما لعمر إلهك لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج، ثم احتلبوا طلاع القعب دماً عبيطاً وذعافاً ممقراً، فهنالك يخسر المبطلون، ويعرف التالون غبّ ما أسّس الأولون، ثم طيبوا عن أنفسكم أنفساً، وطامنوا للفتنة جأشاً، وأبشروا بسيف صارم، وبهرج شامل واستبداد من الظالمين، يدع فيئكم زهيداً، وجمعكم حصيداً، فيا حسرة بكم، وقد عُميت (عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ)(15).(16)
____________
1- سورة المائدة: 80، وفي المصورة: وبئس.
2- في المصورة: شنت عليهم عارها.
3- الطبن: العالم الفطن. اللسان.
4- سورة الزمر: 15، وفي المصورة: والطبين، بدون نقط.
5- سجحاً: سيراً سهلا ليناً. اللسان.
6- الخشاش: الجانب. القاموس.
7- التحيّز: سوق الإبل برفق. اللسان. والمراد: سار بهم في هوادة إلى منهلهم.
8- المصورة: منحل.
9- المصورة: تغمز.
10- في بلاغات النساء: 24: أورد عنه سورة الساغب، والمراد: تسكين حدة السغب.
11- في المصورة: وأسندوا.
12- سورة الحج: 13.
13- سورة البقرة: 12.
14- سورة يونس: 35.
15- سورة هود: 28.
16- نثر الدر: 4 / 8 ـ 15، أعلام النساء، كحالة: 4 / 128 ـ 129.
الرواية الثانية: خطبتها (عليها السلام) في نساء المهاجرين والأنصار
- الزيارات: 740