(ت 568 هـ)، في مقتل الحسين (عليه السلام)
وقد ذكر منها قسماً، قال:
وبهذا الإسناد، عن الحافظ أبي بكر هذا، أخبرنا عبدالله بن إسحاق، أخبرنا محمد بن عبيد، أخبرنا محمد بن زياد، أخبرنا شرقي بن قطامي، عن صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، أنّها قالت: لما بلغ فاطمة (عليها السلام) أن أبا بكر أظهر منعها فدكاً لاثت خِمارها على رأسها، واشتملت بجلبابها، وأقبلت في لُمَّة من حفدتها ونساء قومها، تطأ ذيولها، ما تخرم مشية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم، فنيطت دونها ملاءة، ثمّ أنّت أنّة أجهش لها القوم بالبكاء، ثمّ أمهلت هنيهة حتى إذا سكنت فورتهم، افتتحت كلامها بحمد الله والثناء عليه، ثمّ قالت: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)(1) فإنْ تعزوه تجدوه أبي دون نسائكم، وأخا ابن عمي دون رجالكم، فبلَّغ الرسالة صادعاً بالنَّذارة، مائلا عن سنن المشركين، ضارباً لحدتهم، يجذ الأصنام،وينكث الهام ويدعو إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة، حتى تفرَّى الليل عن صبحه، وأسفر الحق عن محضه، ونطق زعيم الدين، وخرست شقاشق الشياطين، وتمّت كلمة الإخلاص، (وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَة مِّنَ النَّارِ)(2)، نهزة الطامع، ومذقة الشارب،وقبسة العجلان، وموطىء الأقدام، تشربون الطرق، وتقتاتون القِدّ، أذلة خاسئين، حتى استنقذكم الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد اللتيا والتي، وبعد أن مني ببُهم الرجال، وذؤبان العرب، ومردة أهل الكتاب، كلّما أوقدوا ناراً للحربِ، وفغرت فاغرة، قذف أخاه في لهواتها، فلا ينكفيء حتى يطأ صماخها بأخمصه، ويطفيء عادية لهبها بسيفه، وأنتم في رفاهية آمنون وادعون حتى إذا اختار الله لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) دار أنبيائه، أطلع الشيطان رأسه، فدعاكم فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللغرة ملاحظين، ثمّ استنهضكم فوجدكم غضاباً، فوسمتم غير إبلكم، ووردتم غير شربكم، هذا والعهد قريب، والكلم رحيب، والجرح لما يندمل، إنما زعمتم خوف الفتنة؟ (أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ)(3)، ثم لم تلبثوا حيث تسرون حسواً في ارتغاء، ونصبر منكم على مثل حزِّ المدى، وأنتم تزعمون أن لا إرث لنا، أفحُكم الجاهليَّة تبغون (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْم يُوقِنُونَ)(4).
يا معشر المسلمين أأبتز إرث أبي؟ أبى الله أن ترث أباك ولا أرث أبي، لقد جئت شيئا فرياً، فدونكها مرحولة مخطومة، تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، والموعد القيامة، (وَيَومَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ)(5). ثمّ انكفأت على قبر أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) تقول:
قد كان بعدك أنباء وهنبثة لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب إنا فقدناك فقد الأرض وابلها واختلَّ قومك فاشهدهم فقد نكبوا(6)
____________
1- سورة التوبة: 128.
2- سورة آل عمران: 103.
3- سورة التوبة: 49.
4- سورة المائدة: 50.
5- سورة الجاثية: 27.
6- مقتل الحسين (عليه السلام)، الخوارزمي: 121 ـ 123 ح 59.
4 ـ خطبة فاطمة (عليها السلام) برواية الخوارزمي
- الزيارات: 881