روي عن أبي الحسن عليه السلام أنّه قال : «إذا خفت أمراً ، فاقرأ مائة آية من القرآن من حيث شئت ، ثم قُل : اللهمّ اكشف عني البلاء ، ثلاث مرات» (1).
أسباب تأخر الاجابة :
قد يقال : إنّنا نرى كثيراً من الناس يدعون الله تعالى فلا يستجاب لهم ، وقد ورد في الحديث أيضاً ما يدلُّ على تأخر الاجابة لعشرين أو أربعين عاماً .
فعن إسحاق بن عمار ، قال : قلت لاَبي عبدالله عليه السلام : يستجاب للرجل الدعاء ثم يؤخر ؟
قال : «نعم ، عشرين سنة » (2).
وعنه عليه السلام : «كان بين قول الله عزَّ وجلّ :( قد أجيبت دَعوَتُكما ) (3) فرعون أربعين عاماً » (4).
فهل يتنافى ذلك مع ما جاء في محكم الكتاب الكريم : ﴿ أجيبت دعوة الدَّاعِ إذا دعانِ ﴾(5) وقوله سبحانه:﴿ ادعوني أستجِب لكُم ﴾(6) ، وما جاء على لسان الصادق الاَمين صلى الله عليه وآله وسلم : «ما فُتح لاَحد باب دعاء ، إلاّ فتح الله له فيه باب إجابته » (7)؟
نقول : إنّ الدعاء من أقوى الاَسباب في تحقيق المطلوب ودفع المكروه ، ولكنّه قد يكون ضعيفاً في نفسه بأن يكون دعاء لا يحبه الله لكونه مخالفاً لسنن التكوين والتشريع ، أو لاَن الداعي لم يراع شروط الدعاء ولم يتقيد بآدابه ، أو لوجود الموانع التي تحجب الدعاء عن الصعود : كأكل الحرام ، ورين الذنوب على القلوب ، واستيلاء الشهوة والهوى وحبّ الدنيا على النفس .
فإذا قيل بعدم الاخلال في جميع ذلك ، فيمكن حصر الاَسباب المؤدية إلى تأخر الاجابة بما يلي :
1 ـ إنّ الداعي قد يرى في دعائه صلاحاً ظاهراً ، فيلحُّ بالدعاء والمسألة ، ولكن لو استجيب له ، فإنّ الاستجابة قد تنطوي على مفسدة له أو لغيره لا يعلمها إلاّ الله تعالى ، قال تعالى: ﴿ وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكُم وعسى أن تُحبُّوا شيئاً وهو شرٌ لَّكُم واللهُ يعلمُ وأنتُم لا تعلمُون﴾ (8) .
وفي زبور داود عليه السلام : يقول الله تعالى : «يا بن آدم ، تسألني فأمنعك ، لعلمي بما ينفعك » (9).
وعليه فإنّ اجابة الدعاء إن كانت مصلحة والمصلحة في تعجيلها ، فإنّه تعالى يعجّلها ، وان اقتضت المصلحة تأخيرها إلى وقت معين أُجّلت ، ويحصل للداعي الاَجر والثواب لصبره في هذه المدة .
وإذا لم يترتب على الاجابة غير الشر والفساد ، فإنّه تعالى لا يستجيب الدعاء لسبق رحمته وجزيل نعمته ، ولاَنّه تعالى لا يفعل خلاف مقتضى الحكمة والمصلحة : ( ولا يعجل اللهُ للناسِ الشرَّ استعجالهُم بالخيرِ لقُضيَ إليهم أجَلُهُم) (1) وفي هذه الحالة يثاب المؤمن على دعائه إما عاجلاً بدفع السوء عنه ، وإعطائه السكينة في نفسه ، والانشراح في صدره ، والصبر الذي يسهل معه احتمال البلاء الحاضر ، أو آجلاً في الآخرة كما يثاب على سائر الطاعات والصالحات من أعماله ، وذلك أعظم درجة عند الله تعالى ، لاَنّ عطاء الآخرة دائم لا نفاد له ، وعطاء الدنيا منقطع إلى نفاد .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «ما من مؤمن دعا الله سبحانه دعوة ، ليس فيها قطيعة رحم ولا إثم ، إلاّ أعطاه الله بها أحد خصال ثلاث : إمّا أن يعجّل دعوته ، وإمّا أن يدّخر له ، وإمّا أن يدفع عنه من السوء مثلها . قالوا : يارسول الله ، إذن نكثر ؟ قال :اكثروا » (2).
وعن أبي جعفر عليه السلام ، أنّه قال : «والله ما أخّر الله عزَّ وجلّ عن المؤمنين ما يطلبون من هذه الدنيا خير لهم ممّا عجّل لهم فيها ، وأي شيءٍ الدنيا ! » (3).
وورد في دعاء الافتتاح : «وأسألك مستأنساً لا خائفاً ولا وجلاً مدلاً عليك فيما قصدت فيه إليك ، فإن أبطأ عنّي عتبتُ بجهلي عليك ، ولعلَّ الذي أبطأ عني هو خيرٌ لي لعلمك بعاقبة الاُمور » (1).
2 ـ وقد تؤخر الاجابة عن العبد المؤمن لزيادة صلاحه وعظم منزلته عند الله عزَّ وجلّ ، فتؤخر إجابته لمحبّة سماع صوته والاكثار من دعائه ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «إنّ الله ليتعهد عبده المؤمن بأنواع البلاء ، كما يتعهد أهل البيت سيدهم بطرف الطعام ، قال الله تعالى : «وعزتي وجلالي وعظمتي وبهائي إنّي لاَحمي وليي أن أعطيه في دار الدنيا شيئاً يشغله عن ذكري حتى يدعوني فأسمع صوته ، وإني لاَعطي الكافر منيته حتى لا يدعوني فأسمع صوته بغضاً له» (2).
وعن الاِمام الصادق عليه السلام أنّه قال : «إنّ المؤمن ليدعو الله عزَّ وجلّ في حاجته ، فيقول الله عزَّ وجلّ : أخّروا إجابته شوقاً إلى صوته ودعائه ، فإذا كان يوم القيامة قال الله عزَّ وجلّ : عبدي ، دعوتني فأخرت اجابتك ، وثوابك كذا وكذا ، ودعوتني في كذا وكذا فأخرت اجابتك وثوابك كذا وكذا ، قال : فيتمنّى المؤمن أنّه لم يستجب له دعوة في الدنيا ممّا يرى من حسن الثواب » (3).
وقال الاِمام الرضا عليه السلام : «إنّ الله يؤخّر إجابة المؤمن شوقاً إلى دعائه، ويقول : صوت أحبّ أن أسمعه... » (4).
وممّا تقدّم يتبين أنّ الدعاء مستجاب إذا أخلص الداعي في إتيان أدبه وشرطه ، وتوجّه بقلبه إلى الله تعالى منقطعاً عن جميع الاَسباب ، والاستجابة إما عاجلة في دار الدنيا ، أو آجلة في الآخرة ، وإذا تأخرت الاستجابة فلمصالح لا يعلمها إلاّ عالم السرّ وأخفى ، وتأخيرها يصبُّ في صالح الداعي ، فعليه أن لا يقنط من رحمة ربه ، ولا يستبطىء الاجابة فيملُّ الدعاء .
_________
(1) بحار الانوار 93 : 176 | 1 .
(2) الكافي 2 : 355 | 4 .
(3) سورة يونس : 10 | 89 .
(4) الكافي 2: 355| 5.
(5) سورة البقرة : 2 | 186 .
(6) سورة غافر : 40 | 60 .
(7) الأمالي للشيخ الطوسي 1 : 5 .
(8) سورة البقرة : 2 | 216 .
(9) بحار الاَنوار 73 : 365 | 98 .
(10) سورة يونس : 10 | 11 .
(11) وسائل الشيعة 7 : 27 | 8 .
(12) الكافي 2 : 354 | 1 ، وقرب الاسناد : 171 .
(13) مصباح المتهجد : 578 .
(14) بحار الانوار 93 : 371 | 10 .
(15) الكافي 2 : 356 | 9 .
(16) بحار الانوار 93 : 370 | 7 .
8 ـ قراءة القرآن :
- الزيارات: 1044