• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

دعوات لا تستجاب :

من الدعوات التي أكدت النصوص الاِسلامية على أنّها لا تستجاب :
1 ـ الداعي الذي يطلب تغيير حالة ناتجة عن ارتكابه إثماً ، أو تقصيراً في واجب .
ومثل هذا الداعي لا يمكن أن يترتّب أثر على دعائه حتى يتوب مما ارتكب أو يزيل أسباب حصول تلك الحالة وعللها .
مثال ذلك المظلوم الذي يدعو لازالة مظلمته وهو متحمّل لمظالم العباد وتبعات المخلوقين ، فهذا هو الذي يدعو لتغيير الحالة الناتجة عن ارتكابه إثماً .
قال الاِمام الصادق عليه السلام : «قال الله عزَّ وجلّ : وعزتي وجلالي لا أُجيب دعوة مظلوم دعاني في مظلمة ظلمها ، ولاَحد عنده مثل تلك المظلمة » (1).
وعنه عليه السلام أنّه قال : «إذا ظُلِمَ الرجل فظلّ يدعو على صاحبه ، قال الله عزَّ وجلّ : إنّ هاهنا آخر يدعو عليك ، يزعم أنك ظلمته ، فإن شئت أجبتك ، وأجبت عليك ، وإن شئت أخّرتكما فيوسعكما عفوي » (2).
ومثال طلب تغيير الحالة الناتجة عن التقصير في واجب ، التواكل في الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ذلك لاَنّهما واجبان وجوباً كفائياً لقوله تعالى : ﴿ولتكن أُمّةٌ يدعُونَ إلى الخيرِ ويأمرُونَ بالمعروفِ ويَنهونَ عنِ المنكَر﴾ (3) وإنّ صلاح المجتمع وفساده منوطان بالقيام بهذين الفرضين أو عدمه ، فلو تواكل العباد فيهما وتركوهما ، فستُتاح الفرصة للاَشرار والظلمة كي يتسلّطوا على مقدّرات الناس ، وينزوا على مقاليد الحكم ، وعليه فقد تجد أُمّة كاملة تدعو على ظالم واحد فلا يستجاب لها، إلاّ أن يتوبوا عما بدر منهم ويطيعوا الله فيما فرضه عليهم ﴿إنّ اللهَ لا يُغيّر ما بقومٍ حتى يُغيَرُوا ما بأنفُسِهِم﴾ (4)
قال الاِمام أمير المؤمنين عليه السلام : «لا تتركوا الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولّى عليكم شراركم ، ثم تدعون فلا يستجاب لكم » (5).
وقال الاِمام الصادق عليه السلام : «من عذر ظالماً بظلمه ، سلّط الله عليه من يظلمه ، وإن دعا لم يستجب له ، ولم يأجره الله على ظلامته » (6).
2 ـ الدعاء على خلاف سنن التكوين والتشريع :
على الداعي أن يفهم سنن الله تعالى التكوينية والتشريعية ، وأن يدعو ضمن دائرة هذه السنن ، فليس من مهمة الدعاء أن يتجاوز هذه السنن التي تمثّل إرادة الخالق التكوينية ورحمته ولطفه ، قال تعالى : ﴿فهل ينظرون إلاّ سُنَّةَ الاَولينَ فلن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تبدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تحويلا﴾ (7) .
روى الاِمام موسى بن جعفر عليه السلام عن آبائه عليهم السلام : «أن زيد بن صوحان قال لاَمر المؤمنين عليه السلام : أي دعوة أضلّ ؟ قال عليه السلام : الداعي بما لا يكون» (8) أي لا يقع ضمن دائرة سنن التكوين
إنّ الدعاء طلب المقدرة والعون للوصول إلى أهداف مشروعة أقرّتها الخليقة والتكوين أو الشرائع الالهية للاِنسان ، وهو بهذه الصورة حاجة طبيعية لا يبخل الباري تعالى بلطفه ورحمته على الداعي بالعون حيثما وجدت الحاجة لذلك ، وحيثما كان الداعي مراعياً للشروط والآداب ، أما أن يطلب أشياء تخالف أهداف التكوين والتشريع فان دعاءه لا يستجاب كمن يسأل الله تعالى إحياء الموتى ، أو الخلود في دار الدنيا ، أو غفران ذنوب الكفار ، أو يدعو على أخيه المؤمن ، أو في قطيعة رحم ، أو يطلب شيئاً محرماً ، وغير ذلك من الدعوات التي لا تكون مصداقاً حقيقياً للدعاء.
قال الاِمام أمير المؤمنين عليه السلام : «يا صاحب الدعاء ، لا تسأل ما لا يحلُّ ولا يكون » (9) وما لا يحلّ يُعدّ خروجاً عن سنن التشريع الاِلهية ، وما لا يكون يعد خروجاً عن سنن التكوين .
وقال عليه السلام : «من سأل فوق قدره استحق الحرمان » (10)أي إذا تجاوز الحدّ في دعائه بحيث لا يكون طلبه واقعياً ، كأن يسأل الخلود في دار الدنيا .
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «إنّ أصنافاً من أُمتي لا يستجاب لهم... ورجل يدعو في قطيعة رحم » (11). ذلك لاَنّ هذا الدعاء على خلاف سنن التشريع القاضية بصلة الرحم .
وروي عن شعيب ، عن الاِمام الصادق عليه السلام ـ في حديث ـ أنّه قال له : أدعُ الله أن يغنيني عن خلقه . فقال عليه السلام : «إنّ الله قسّم رزق من شاء على يدي من شاء ، ولكن سَلِ الله أن يغنيك عن الحاجة التي تضطرك إلى لئام خلقه » (12).
وذلك لاَنّ حاجة الناس بعضهم إلى بعض في أمور دينهم ودنياهم من سنن الله تعالى في الخلق ، فلا يجوز أن يدعو الاِنسان ربّه كي يغنيه عن الناس ؛ لاَنّه دعاء على خلاف سُنّة الله تعالى وارادته الحكيمة
ومن الاَدعية المخالفة لسنن التشريع ، دعاء المرء على نفسه في حالة الضجر، قال تعالى: ﴿ويدع نسانُ دعاءهُ بالخيرِ وكانَ الاِنسانُ عجولاًً)﴿13).
قال ابن عباس وغيره : إنّ الاِنسان ربما يدعو في حال الضجر والغضب على نفسه وأهله وماله بما لا يحبّ أن يستجاب له فيه ، كما يدعو لنفسه بالخير ، فلو أجاب الله دعاءه لاَهلكه ، لكنه لا يجيب بفضله ورحمته (14).
ولا يتوقف الاَمر عند حدود الاَمثلة التي ذكرناها أو التي ذكرتها الروايات ، بل يشمل جميع الدعوات المخالفة لسنن الله تعالى في الكون والطبيعة والمجتمع والتاريخ .
3 ـ الدعاء بلا عمل :
الدعاء من مفاتيح الرحمة الاِلهية التي جعلها الباري تعالى بأيدينا لنستفتح بها خزائن لطفه ورحمته ، ونطلب بها مغفرته وفضله ، قال الاِمام الصادق عليه السلام : «... فأكثر من الدعاء ، فإنّه مفتاح كلّ رحمة ، ونجاح كلّ حاجة ، ولا ينال ما عند الله عزَّ وجلَّ إلاّ بالدعاء » (15).
والعمل يقترن مع الدعاء في كونه أحد مفاتيح الرحمة الاِلهية الواسعة ، قال تعالى : ﴿فمن يعمل مِثقَالَ ذَرّةٍ خيراً يره﴾ (16) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «إنّ لله عباداً يعملون فيعطيهم ، وآخرين يسألونه صادقين فيعطيهم، ثمّ يجمعهم في الجنة، فيقول الذين عملوا : ربنا عملنا فأعطيتنا ، ففيما أعطيت هؤلاء ؟ فيقول : هؤلاء عبادي ، أعطيتكم أجوركم ، ولم ألتكم من أعمالكم شيئاً ، وسألني هؤلاء فأعطيتهم وأغنيتهم ، وهو فضلي أوتيه من أشاء » (17).
وعلى الرغم من حالة الاقتران بين الدعاء والعمل ، إلاّ أن الدعاء لا يغني عن العمل ، ولا يصح الاكتفاء بالدعاء عن السعي والمثابرة والجد ، الدعاء مظهر من مظاهر الحاجة الحقّة ، وإنّما يدعو الاِنسان عندما لا يكون مطلوبه ميسوراً له أو في متناول يده ، أو يكون عاجزاً ضعيفاً لا يمتلك القدرة على تحصيله ، أمّا إذا خوّله الله تعالى مفتاح الحاجة فتكاسل عن استعماله ، والتجأ إلى الدعاء دون جدٍّ واجتهاد ، فان دعاءه لا يستجاب ، مثال ذلك المذنب الذي يستغفر الله تعالى ويدعوه التوبة ، ولكنه لا يثابر في تغيير ما في نفسه وتهذيبها باقتلاع عناصر الشر والفساد .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وصيته لاَبي ذر رضي الله عنه : «يا أبا ذر ، مثل الذي يدعو بغير عمل كمثل الذي يرمي بغير وتر » (18).
وقال الاِمام أمير المؤمنين علي عليه السلام : «الداعي بلا عمل ، كالرامي بلا وتر » (19) .
ولذلك ورد عن أئمة الهدى عليهم السلام كثير من الاَحاديث التي تخبرنا عن أصناف من الناس لا تستجاب لهم دعوة ؛ لاَنّهم استغنوا بالدعاء عن السعي والجد والمثابرة .
قال الاِمام الصادق عليه السلام : «أربعة لا تستجاب لهم دعوة : رجل جالس في بيته يقول : اللهمّ ارزقني ، فيقال له : ألم آمرك بالطلب ؟ ورجل كانت له امرأة فدعا عليها ، فيقال له : ألم أجعل أمرها إليك ، ورجل كان له مال فأفسده ، فيقول : اللهمّ ارزقني ، فيقال له : ألم آمرك بالاقتصاد ؟ أمل آمرك بالاصلاح ؟ ثم تلا قوله تعالى :( والَّذينَ إذا أنفَقُوا لم يُسرِفُوا ولم يقترُوا وكانُ بينَ ذلِكَ قَوَاماً) ورجل كان له مال فأدانه بغير بيّنة ، فيقال له : ألم آمرك بالشهادة ؟ » (20).
وعن عمر بن يزيد ، قال : قلت لاَبي عبدالله عليه السلام : رجل قال : لاَقعدنّ في بيتي، ولاَصلينّ ولاَصومنّ، ولاَعبدنّ ربي ، فأمّا رزقي فسيأتيني ، فقال عليه السلام : «هذا أحد الثلاثة الذين لا يستجاب لهم » (21).
ويضيف الاِمام الصادق عليه السلام صنفاً آخر ممن اتكل على الدعاء تاركاً الجدّ والسعي ، وهو الذي يدعو على جاره وقد جعل الله عزَّ وجلّ له السبيل في الخلاص ، يقول عليه السلام في حديث الثلاثة الذين لا تستجاب لهم دعوة : «ورجل يدعو على جاره وقد جعل الله عزَّ وجلّ له السبيل إلى أن يتحول عن جواره ويبيع داره » (22).
وهذا الاَمر عام لا يقتصر على الاَمثلة المذكورة في الاَحاديث وحسب، وإنّما هي أمثلة لجميع الاَحوال التي يكون الاِنسان فيها قادراً على حل مشكلته بالعمل والتدبر ، ولكنّه يتكاسل عن ذلك فيقيم الدعاء
مقام العمل .
والحق أن الدعاء مكمّل للعمل ومتمم له ، فإذا كان الله تعالى قد حبانا القدرة لتحقيق المطلوب ، وهدانا إلى السبيل المؤدي إلى ما نصبو إليه ، فلا بدّ من السعي المقترن بالدعاء ، لتكون عاقبة السعي أكثر ثواباً وأجزل أجراً .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «يدخل الجنة رجلان ، كانا يعملان عملاً واحداً ، فيرى أحدهما صاحبه فوقه ، فيقول : يا ربِّ بما أعطيته وكان عملنا واحداً ؟ فيقول الله تبارك وتعالى : سألني ولم تسألني ، ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم : اسألوا الله وأجزلوا ، فإنّه لا يتعاظمه شيء » (23).
______________
(1) أمالي الطوسي 1 : 286 .
(2) الكافي 2 : 369 | 1 .
(3) وسائل الشيعة 7 : 146 | 1 .
(4) الأمالي للشيخ الصدوق : 261 | 3 .
(5) سورة آل عمران : 3 | 104 .
(6) سورة الرعد : 13 | 11 .
(7) نهج البلاغة ـ الرسالة (47) .
(8) بحار الانوار 93 : 319 | 26 .
(9) سورة فاطر : 35 | 43 .
(10) الفقيه 4 : 274 | 729 . الأمالي للشيخ الصدوق : 322 | 4 .
(11) الخصال : 365 حديث الاربعمائة .
(12) عدة الداعي : 152 .
(13) وسائل الشيعة 17 : 27 | 6 .
(14) الكافي 2 : 205 | 1 .
(15) سورة الاسراء : 17 | 11 .
(16) مجمع البيان 6 : 618 .
(17) الكافي 2 : 341 | 7 .
(18) سورة الزلزلة : 99 | 7 .
(19) عدة الداعي : 42 .
(20) أمالي الشيخ الطوسي 2 : 147 .
(21) نهج البلاغة ، الحكمة (337) .
(22) الكافي 2 : 370 | 2 .
(23) مستطرفات السرائر : 139 | 11 .
(24) الكافي 2 : 370 | 1 ، والفقيه 2 : 39 | 173 ، والخصال : 160 | 208 .
(25) عدة الداعي : 42 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page