الفاضل النووي شارح الصحيحين البخاري ومسلم، له صيت في علم الرجال، والف كتبا متعددة في علم الحديث والرجال، وتعد كتبه مرجعا، تراه يشك ويتردد في صحة بعض احاديث الصحيحين، واحيانا يبدي رايه بالصراحة ببطلان بعضها.
فقد قال في مقدمة شرحه على صحيح مسلم: واما قول مسلم وادعاؤه في صحيحه بان ليس كل شي صحيح عندي وضعته فيه فحسب، بل جمعت في كتابي الصحيح كل ما اتفق الجمهور على صحته فمشكل فقد وضع فيه احاديث كثيرة مختلف في صحتها لكونها من حديث من ذكرناه ومن لم نذكره ممن اختلفوا في صحة حديثه(1).
وفي ذيل شرحه لحديث ابي سلمة في باب بد الوحي، بان اول سورة نزلت على رسول اللّه (ص) هي سورة المدثر (يا ايها المدثر) قال النووي: انه ضعيف، بل باطل، والصواب ان اول ما انزل على الاطلاق (اقرا باسم ربك)(2).
موقف ابن حجر من الصحيحين:
قال ابن حجر: وعدة ما اجتمع الناس ـ على قدحه من الاحاديث مما في كتاب البخاري وان شاركه مسلم في بعضه مائة وعشرة حديثا منها ما وافقه مسلم على تخريجه وهو اثنان وثلاثون حديثا(3).
وقال في مقدمة فتح الباري: فقد تناول جماعة من المحدثين وعلما الرجال اكثر من ثلاثمائة من رجال البخاري فضعفوهـم، واشار ـ بعد سرد اسمائهم الى حكاية الطعن والتنقيب عن سبب ضعفهم(4).
راي القاضي الباقلاني:
انكر القاضي ابو بكر الباقلاني صحة حديث صلاة النبي (ص) على جنازة عبداللّه بن ابي، واعتراض عمر عليه (ص) ـ الحديث الذي رواه الصحيحان.
وقال امام الحرمين: لا يصححه اي الحديث المذكور اهل الحديث.
وقال الغزالي في المستصفى: الاظهر ان هذا الخبر غير صحيح.
وقال الداودي: هذا الحديث غير محفوظ(5).
راي ابن همام:
قال كمال الدين بن همام في شرح الهداية: وقول من قال: اصح الاحاديث ما في الصحيحين ثم ما انفرد به البخاري ثم ما انفرد به مسلم، ثم ما اشتمل على شرطاحدهما تحكم وباطل لا يجوز التقليد فيه(6).
هذا الذي ذكرناه هو مجمل ما قاله شراح الصحيحين والسلف من العلما حول الصحيحين ومؤلفيهما، ولو اردنا ان نستقصي كل ما قيل من النقد والقدح فيهمالاحتجنا في ذلك الى كتاب مستقل وكبير.
ونلفت انظار القرا الى رايين من علماء مصر المعاصرين:
راي الشيخ محمد عبده:
يعد السيد محمد رشيد رضا المصري من ابرز تلاميذ الشيخ محمد عبده، فقدجمع السيد رشيد رضا نظريات وآرا استاذه في كتابه تفسير المنار، فانه بعد ان ذكرقول ابن حجر الذي قال: عدة ما اجتمع لنا من ذلك الانتقادات والمؤاخذات مما في كتاب البخاري وان شاركه مسلم في بعضه مائة وعشرة احاديث فيها ما وافقه مسلم على تخريجه اثنان وثلاثون حديثا ومنها ما انفرد بتخريجه وهو ثمانية وسبعون حديثا.
وقد ضعف الحفاظ من رجال البخاري نحو ثمانين ومن رجال مسلم مائة وستين.
ثم يقول ابن حجر: عدة ما اخرجته من نحو مائتين وعشرة احاديث انفردالبخاري باكثر من سبعين حديثا، وذكر مسلم ما تبقى في صحيحه(7).
فقال السيد محمد رشيد رضا بعد ان عرض الاحاديث المنتقدة على البخاري: واذا قرات ما قاله الحافظ ابن حجر فيها رايتها كلها في فن الصناعة، ولكنك اذا قرات الشرح نفسه «فتح الباري» رايت له في احاديث كثيرة اشكالات في معانيها اوتعارضها مع غيرها اكثر مما صرح به الحافظ نفسه مع محاولة من الحافظ الجمع بين المختلفات وحل المشكلات بما يرضيك بعضه دون بعض(8).
وقال الشيخ محمد عبده بعد ان ساق اقوال العلما والحفاظ في مسالة الصلاة على جنازة ابن ابي: الحق ان هذا الحديث معارض للايتين، فالذين يعنون باصول الدين ودلائله القطعية اكثر من الروايات والدلائل الظنية لم يجدوا ما يجيبون به عن هذا التعارض الا الحكم بعدم صحة الحديث(9).
________________
1- اضوا على السنة المحمدية: 312.
2- هدى الساري مقدمة فتح الباري: 345.
3- اضوا على السنة المحمدية: 302.
4- تفسير المنار 10: 580.
5- مقدمة شرح صحيح مسلم للنووي: 16.
6- شرح صحيح مسلم للنووي 2: 207.
7- هدى الساري مقدمة فتح الباري: 345.
8- هدى الساري مقدمة فتح الباري: 382.
9- فتح الباري 8: 272 تفسير سوره براة.
موقف النووي من الصحيحين:
- الزيارات: 923