عاشت البشريَّة في القَرن الأخير دعوات الإصلاح ، كالشيوعيَّة والاشتراكيَّة ، شخَّصت الداء إجمالاً ، فأخبرت بوجود مرض سرطانيٍّ في الرأسماليَّة ، في نظام السوق ، إلاَّ أنَّها لم تُشخِّص الدواء والعلاج . قد تُشخِّص أنت وجود الداء ، ووجود العدوِّ ، ووجود ما يجب تغييره في أيِّ بند مِن بنود النظام البشري الحاكم على البشر ، أو الحاكم على المُجتمع ، سواء في أشخاصه التنفيذيِّين أم في نظامه التشريعي ، أم في برنامجه القضائي أم أيِّ برنامج آخر ، قد يُشخِّص الإنسان إجمالاً وجود الفساد ، لكنْ مِن الأهميَّة بمكان ، التفكير في رُفقاء الإصلاح ، فمَن تُرافِق أنت في نهجك الإصلاحي ؟ وأيُّ برنامج تتبنَّى وتتَّخذ بديلاً في الإصلاح ؟
أدركت الشيوعيَّة أنَّ هناك إقطاعاً مُدمِّراً للمُجتمع ، يوجب رزح عموم المُجتمع تحت سطوة الإقطاعيِّين وقراصنة المال ، لكنَّهم أرادوا أنْ يُعالجوا الداء بما هو أدهى ، وهذا الذي حدث ؛ فعاشت البشريَّة عقوداً مِن السنين ، ورُبَّما قرابة القَرن ، ثمَّ تبيَّن لها أنَّ هذا العلاج مُفسد أكثر مِن فساد الرأسماليَّة .
مَرَّ بنا أنَّ الخوارج ، وحتَّى النماذج الأُخرى المُطالبة بالتغيير ، قد لاحظوا بُقعة فساد في النظام الاجتماعي ، واستهدفوا إصلاحها بكلِّ حماس ، لكنْ بنحو جعلهم يُفرِّطون ببيت البشريَّة ، كما أنَّ الإنسان الذي يرى جانباً مِن الحائط يوشك أنْ ينقضَّ ، ويُريد أنْ يتداركه ، لكنَّه بهوجائيَّة مُعيَّنة يهدم بقيَّة الجدار ! فيكون إفساده هذا أكثر مِن إصلاحه ، فهو وإنْ سمَّاه إصلاحاً لكنَّه في الواقع إفساد ، وأعمى بذلك العين بدل أنْ يُكحِلها .
فإذاً ، التحسُّس حول شرعيَّة نفس بنود الإصلاح ، ورسميَّة وشرعيَّة الإصلاح البديل أمر مُهمٌّ جِدَّاً ، وهذا ما أثاره سيِّد الشهداء في مدرسته ونهجه بشكل مُؤكَّد ومُغلَّظ وبتحسُّس كبير ، ومِن ثمَّ كان أعضاء البطولة في حركة سيِّد الشهداء مُتقيدين بالمبادئ ، لا يتهاونون ولا يُفرطون في مبدأ مِن مبادئهم ؛ لأنَّ هذا البرنامج الإصلاحي لديهم أهمُّ مِن مُجرَّد قلع الفساد ، فأنت إنْ قلعت الفساد ووضعت مرضاً أدهى بدلاً عنه ، أنكبت بذلك البشريَّة وأنكبت النظام الاجتماعي . لذا نرى مبدأه هذا ( عليه السلام ) في كلِّ حركاته وسكناته وخطواته ، وهذا نهج أبيه سيِّد الأوصياء وجَدِّه مِن قَبلُ سيِّد الأنبياء .
التحسُّس في الشرعيَّة وفي البنود البديلة أمر هامٌّ جِدَّاً ، وأهميَّة التفكير في الدواء تفوق أهميَّة التفكير في الداء ، كثير منَّا يُفكِّر في الداء ، عندما يستهوينا الإصلاح وتغيير ذلك الداء وذلك الفساد ، ونتغافل أو نتناسى ونعيش سُبات لذَّة الإصلاح والتغيير السريع دون أنْ نشرع البديل الصالح ، المُعالج للكلِّ .
قلَّما نرى مدرسة بشريَّة إصلاحيَّة أو خطَّاً إصلاحيَّاً بشريَّاً في دول عديدة تأتي بالبديل الصالح ، أو تُفكِّر أو تولِي أهميَّة عظيمة للبديل ، تفوق تشخيص الداء ، بينما كان هذا نهج سيِّد الشهداء ، وفي الواقع هو نهج مدرسة أهل البيت وأتباع مدرسة أهل البيت ، فهذا التحسُّس فائق الوجود عندهم ، وقد طالعتنا الأحداث الأخيرة بذلك الأمر حتَّى عند شيعة العراق .
مِثال على عدم التحسُّس حول البديل :
- الزيارات: 997