إنّ الحوار يعتبر من أهمّ العوامل المؤدّية إلى توسيع آفاق الرؤية، وإثراء الرصيد المعرفي بالمعلومات الجديدة، وتخطّي الحواجز الموجودة بين الّذين يختلفون معاً في الرأي، لأن فيه يكتسب كلّ من طرفي الحوار ـ عن طريق تبادل الرأي وتلاقح الفكر ـ الرؤية الواضحة عن فكر الآخر، فيؤدّي ذلك إلى التفاهم والتقارب الفكري بين الطرفين، يشعر كل منهما بأن الآخر يساعده للوصول إلى الصورة الكاملة عن الحقيقة.
والسبب في ذلك هو أن كلّ إنسان يشاهد الواقع من زاوية معيّنة، فلهذا قد يرى الإنسان حين رؤيته الحقائق ما لا يراه الآخر، وفي الحوار تتوجّه الجهود ويتمّ التعاون بين الطرفين، ليُرى كل منهما صاحبه الواقع من زاوية أخرى، ويقوم كل منهما ـ على قدر وسعه ـ بتصحيح أفكار المقابل، وتعديل صورته الذهنية عن الحقيقة، وإزالة ما قد التبس عنده من مفاهيم، وبهذا تكتمل صورة الحقيقة عند الطرفين، ويشعر كل منهما أنه قريب من الآخر، نتيجة التعاون الذي أجروه معاً لاكتساب الشمولية في الرؤية.
وكما لا يخفى على أحد إنّ التشيع لاقى ـ على مرّ العصور ـ أشدّ المعاناة والمحن من قبل الخصوم ومن قبل السلطات الجائرة التي
كانت مهيمنة على زمام الحكم، وجرّاء ذلك لم يسمع صوته إلاّ القليل، وبالعكس فان مدرسة الخلفاء ـ التي ساندتها القوى الحاكمة ـ كانت تعمل بكلّ حرّية في نشر أفكارها، ودحض أفكار من خالفها في الرأي بكل ما أُوتيت من قوّة.
ولكن بعد أن كثر الدعاة إلى حرية الفكر وبعد ارتقاء تقنية وسائل الإعلام، فقدت القوى الحاكمة قدرتها ـ نسبةً ما ـ على تعتيم الحقائق وحصر الناس في دوائر ضيقة.
فاستطاع الشيعة أن يعرّفوا الناس بأفكارهم ومبادئهم التي تلقوها من مدرسة أهل البيت(عليهم السلام).
ومن هذا المنطلق انكشفت الحقائق لكثير من الناس، فاعتنق الكثير مذهب التشيع، وتصدّوا بعد ذلك إلى حمل اعباء الدعوة لهذا المذهب في أوساط مجتمعاتهم، وكان الحوار أبرز السبل التي اتخذها هؤلاء لتبين الحقائق للآخرين.
وهذا الكتاب "حوار مع صديقي الشيعي" هو واحد من تلك الحوارات الكثيرة اتخذها اتباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام) وسيلة ليعرّفوا من خلالها أهل السنة على الحقائق التي من حقهم أن يحيطوا بها، لأننا في زمان قد آن فيه أن يتحرّر الجميع من التعتيم الذي فُرض عليهم في العصور السابقة.
مركز الأبحاث العقائدية
فارس الحسّون