• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

حروب التأويل

إن عليا وحزبه من الصحابة ومن تبعهم ووافقهم، لم ينسوا أبدا أنهم على حق. وإن النظام السياسي للإسلام ليس " الخلافة " وإنما الإمامة، إمامة علي وبنيه. لذلك لما أخرج الثوار - الذين قتلوا عثمان - الإمام علي بن أبي طالب وبايعوه بيعة عامة، كان الشعور السائد في الوسط الإسلامي آنذاك، أن المياه قد رجعت إلى مجاريها. وإن الإمامة التي أزيحت عن الحكم 24 سنة، قد أعيدت لمكانها. وبدأ حكم الإمام علي وسط عواصف هو جاء بدأت تهب من هنا وهناك، فطلحة والزبير اللذان بايعا الإمام، في المدينة، تسللا إلى مكة ليقنعا أم المؤمنين عائشة بالخروج معهما لحرب علي، وقتل قتلة عثمان.
فاستجابت لهما وقادت حرب الجمل التي حصدت ألوفا من أرواح المسلمين وعمقت شرخ الاختلاف بينهم.
أما بني أمية الذين استفادوا كثيرا من خلافة عثمان، فقد شعروا بأنهم على وشك أن يخسروا كل شئ. لقد قتل عثمان لأنه وزع أموال المسلمين على بني أمية، والآن جاء الوقت لاسترجاعها منهم. والاقتصاص لكل المظالم التي اقترفتها أيديهم. وكان الإمام علي عازما على تطبيق العدل الإسلامي بحذافيره. وأول ما فعل أقال ولاة عثمان على الأقاليم، ووضع غيرهم.
لكن معاوية الأموي رفض الإقالة وأعلن العصيان على الإمام علي ولم يدخل في بيعته، بل أعلن خروجه للمطالبة بدم عثمان والقبض على قتلته.
وهو الذي لم ينجده لما طلب نجدته، بل ترك الثوار يجهزون عليه. لقد استفاد معاوية بن أبي سفيان من جهل أهل الشام الذين لم يكونوا يعرفون عن علي وأهل بيت الرسول شيئا. بل إن فهمهم للإسلام لم يكن بالمستوى الذي يميزون به بين الحق والباطل. وإذا كان الخليفتان الثاني والثالث قد أطلقا يده في حكم الشام. فإنه قد توج نفسه ملكا، وتصرف تصرف الملوك والأباطرة.
ولم يعر للدين الجديد الاهتمام المطلوب لنشره أو ترسيخه في نفوس الجماهير الشامية.
لقد أثمرت هذه السياسة الأموية ما كان مطلوبا منها، فجهز معاوية جيش الشام الذي كان حسب قوله " ولا يفرق أصحابه بين الناقة والبعير " وبدأت الحرب، حرب الدجل والخداع، حرب لا أخلاقية استخدم فيها معاوية كل الأساليب الغير مشروعة، لإجهاض نموذج الإمامة في السياسة، الذي بدأ الإمام علي يؤسس له، حيث أعاد إلى الأذهان والواقع كل الأحاديث التي رويت في فضله وفي أحقيته في الإمامة والخلافة، وأعطى الأدلة الواقعية على ذلك، من علمه وحلمه وحكمته، وقدرته على الحكم والفصل من أدق المسائل وأعقدها.
لقد انتهت " حروب التأويل " التي خاضها الإمام بمقتله في المحراب وهو يصلي على يد أعرابي جلف لم يعرف الحق يوما، فيعرف أصحابه. بل اختلطت عليه المعالم هو وصحبه الذين طلبوا الحق فأخطأوه. فمكنوا للباطل ودعموه. قتل علي بن أبي طالب بيد الجهل والغباء، فماتت معه آمال عريضة في التغيير، وتحقيق العدالة الإسلامية، وأجهض النموذج السياسي الذي بشر به الإسلام. رحل علي عليه السلام. ودفنت مع جثمانه الطاهر، حقائق كثيرة، وأجوبة متعددة لمسائل ما زلنا لم نجد لها جوابا إلا الآن.
فاز الإمام علي بالشهادة، لكن الأمة خسرت الكثير، من العلم والمعرفة والحقيقة، كان عليه السلام يخاطب رعيته " اسألوني قبل أن تفقدوني " فكان البعض منهم يتقدم إليه سائلا عن النملة التي أنذرت قومها من جيش سليمان هل كانت ذكرا أم أنثى ؟ !.
كان علي يريد أن يغير (1)، أن يعيد الأمور، كل الأمور إلى نصابها، أن يعلم الأمة التأويل الحقيقي والواقعي للوحي، وأن يجسد المثال والقدوة للإنسان الكامل الذي دعت الأديان لصنعه وإخراجه إلى حيز الوجود الواقعي.
لكن رياح الأهواء والجهل، وقفت سدا منيعا أمام طموح الإمام. فلم يحقق من طموحه إلا النزر ؟ القليل، وإن كان قد استطاع أن يقف على منابر الكوفة معلنا للجميع أنه الإمام الذي اختاره الإسلام، وأنه وليس غيره، الخليفة الشرعي لرسول رب العالمين. يقول عليه السلام، "... لقد قبض رسول الله - صلى الله عليه وآله - وأن رأسه لعلى صدري. ولقد سالت نفسه في كفي، فأمررتها على وجهي. ولقد وليت غسله - صلى الله عليه وآله - والملائكة أعواني، فضجت الدار والأفنية، ملأ يهبط، وملأ يعرج، وما فارقت سمعي هينمة منهم، يصلون عليه حتى واريناه في ضريحه. فمن ذا أحق به مني حيا وميتا ؟ فانفذوا على بصائركم.. " (2).
وغير ذلك من الخطب والمواقف التي صرح فيها بأنه الوصي والخليفة الشرعي.
لقد جاءت تصريحاته وخطبه لتعيد إلى الأذهان من جديد مشكل خلافة الرسول الذي كان قد غض الطرف عنه بعد ما انشغل المسلمون في حروب الردة. فآمن الكثير من المسلمين بإمامته وأحقيته، وصرح بذلك بعض الصحابة الذين لم يكونوا يستطيعون إعلان ذلك. وعليه فلم تعد موالاة علي تقتصر على بني هاشم ولفيف من الصحابة. بل أصبحت الموالاة عامة، تشمل فئة عريضة من المجتمع الإسلامي، وخصوصا في الكوفة وأقاليم العراق. لأن الإمام كان قد نقل مركز الخلافة إلى هناك.
هذه الفئة التي ستصبح بعد ذلك تيارا متميزا، بعد ما استحوذ بنو أمية على الخلافة وحولوها إلى ملك عضوض.





____________
(1) قال عليه السلام في إحدى خطبه: " لو قد استوت قدماي من هذه المضاحض لغيرت أشياء " أنظر شرح نهج البلاغة لمحمد عبده، منشورات الأعلمي، ج 4، ص 66.
(2) شرح نهج البلاغة، الدكتور صبحي صالح، الخطبة 197، ص 311.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

اللطميات

مشاهدة الكل

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page