• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

ردود أفعال أبناء المجتمع


يواجه معظم المستبصرين ـ بعد أن يُذاع خبر استبصارهم ـ موقفاً شديداً من أبناء المجتمع، وتشنّ عليهم حملة مضادّة وحرب شعواء وإعلام مضاد وتشويهي قبال تغييرهم الانتماء العقائدي.
لأنّ أكثر أبناء المجتمع ترتسم الدهشة على وجوههم عندما يصلهم خبر تشيّع أحد أصحابهم، لأنّهم يحسبون أن ما هم عليه هو من المسلّمات التي لا غبار عليها، فعلى هذا يكون الخارج من معتقدهم مرتدّاً وضالاً وخائناً لمبادئه وثقافة أبناء مجتمعه، فلهذا يقفون بوجهه بقوّة ويحاولون أن يسلبوا منه جميع الامتيازات التي كان يمتلكها، ويواجهونه بصدور تضيق بالكراهيّة ونفوس تحمل بين جوانحها حقداً لما قام به.
ومن هنا يحاول البعض ممن حول المستبصر أن يسعروا نار التشهير والتسقيط ضدّه، وأن يطيحوا بمكانته الاجتماعيّة وأن يسلبوا منه اعتباره بين أقرانه وأفراد أسرته عبر الصاق بعض الافتراءات به واختلاق بعض الأكاذيب ضدّه أو حصره في دائرة الانعزال لئلاّ يلتقي بالآخرين.
ويتحرّك البعض في هكذا أجواء ليعيدوا المستبصر إلى انتمائه السابق، فيبذلون قصارى جهدهم ليثنوه عن معتقده الجديد، ويحاول هؤلاء بشتى السُبل وبكلّ وسيلة منع صاحبهم من مواصلة انتمائه الجديد، ولكنهم هيهات أن يرجعوا إلى الضّلال من هداه الله، و هيهات لهم أن يُزَلزلوا كياناً صامداً ومستقياً يستمدُّ قوّته من تراث أهل البيت (عليهم السلام).
وقد يتّهم البعض معتنقي مذهب أهل البيت (عليهم السلام) بأنّهم قد غُلبوا على أمرهم وسيطر عليهم الشيعة، إلاّ أنّ هذه المَقولة لا حقيقة لها، لأنّ الدافع الحقيقي لاستبصار معتنقي مذهب أهل البيت (عليهم السلام) هو الاقتناع بالأدلّة والبراهين التي يحصلون عليها نتيجة بحوثهم المتواصلة في رحاب العقائد الإسلاميّة.
فلهذا ينبغي أن يعي الّذين يحاولون بشتى السبُل محاربة المستبصر وصرفه عمّا ذهب إليه أن صاحبهم لم يتخلّ عن معتقداته السابقة إلاّ اتّباعاً للادلّة المُقنعة التي دفعته إلى ذلك، وأنّ الذي ليس له شجاعة لتقبّل الحقائق والأدلّة، لا يحقّ له أن يضايق من رضي بالحقّ وقبِلَ الدّليل.
ويقول محمّد التيجاني السماوي حول الأسباب التي تدفع الإنسان إلى مضايقة المستبصر:
" إنّ أهل السنّة والجماعة وكما قدّمنا لا يسمحون بنقد وتجريح أيّ صحابي من صحابته (صلى الله عليه وآله) ويعتقدون بعدالتهم جميعاً، وإذا كتب أيّ مفكّر حرّ وتناول بالنقد أفعال بعض الصحابة، فهم يُشنّعون عليه، بل ويُكفّرونه ولو كان من علمائهم، وذلك ما حصل لبعض العلماء المتحرّرين المصريين وغير المصريين أمثال الشيخ محمود أبو ريّة صاحب (أضواء على السنّة المحمّديّة) وكتاب (شيخ المضيرة)، وكالقاضي الشيخ محمد أمين الانطاكي صاحب كتاب (لماذا اخترت مذهب أهل البيت)، وكالسيّد محمّد بن عقيل الذي ألّف كتاب (النصائح الكافية لمن يتولّى معاوية)، بل ذهب بعض الكتّاب المصريّين إلى تكفير الشيخ محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر عندما أفتى بجواز التعبّد بالمذهب الجعفري.
وإذا كان شيخ الأزهر ومفتي الديار المصريّة يُشنَع عليه لمجرّد اعترافه بالمذهب الشيعي الذي ينتسب لأستاذ الأئمّة ومعلّمهم جعفر الصادق (عليه السلام)، فما بالك بمن اعتنق هذا المذهب بعد بحث وقناعة وتناول بالنقد المذهب الذي كان عليه و ورثه من الآباء والأجداد. فهذا مالا يسمح به أهل السنّة والجماعة ويعتبرونه مروقاً عن الدّين وخروجاً عن الإسلام، وكأنّ الإسلام على زعمهم هو المذاهب الأربعة وغيرها باطل.
أنّها عقول متحجّرة وجامدة تشبه تلك العقول التي يحدّثنا عنها القرآن والتي واجهت دعوة النبي (صلى الله عليه وآله) وعارضته معارضة شديدة لأنّه دعاهم إلى التوحيد وترك الآلهة المتعدّدة، قال تعالى (وَعَجبُوا أنْ جَاءَهُم مُنْذِرٌ مِنْهُم وَقَالَ الكَافِرُونَ هَذا سَاحِرٌ كَذّابٌ * أَجَعَلَ الآلِهَةَ إلهاً وَاحِداً إنَّ هَذا لَشَيءٌ عُجاب)(1).
ولكلّ ذلك فأنا واثقٌ من الهجمة الشرسة التي سوف تواجهني من أولئك المتعصّبين الذين جعلوا أنفسهم قوّامين على غيرهم فلا يحقّ لأحد أن يخرج عن المألوف لديهم ولو كان هذا المألوف لا يمتّ للإسلام بشيء، وإلاّ كيف يُحكم على من انتقد بعض الصحابة في أعمالهم بالخروج عن الدّين والكفر، والدين بأصوله وفروعه ليس فيه شيء من ذلك "(2).
ويقول التيجاني السماوي حول ماعاناه من محاربة وهجوم من قبل أبناء مجتمعه بعد اعتناقه للتشيّع:
" وقد اشتهر أمري لدى الخاص والعام بأنّي تشيّعت وأنّي أدعو إلى التشيّع لآل البيت الرسول (صلى الله عليه وآله) وبدأت الاتهامات والاشاعات تروج في البلاد، على أنّني جاسوس لإسرائيل أعمل على تشكيك الناس في دينهم وبأنّني أسبّ الصحابة وبأنّني صاحب فتنة إلى غير ذلك "(3).
ويضيف التيجاني السماوي حول ماتعرّض إليه بعد أن تلقّى أبناء مجتمعه خبر استبصاره:
" وعشنا فترات قاسية غرباء في ديارنا وبين إخواننا وعشيرتنا ولكنّ الله سبحانه أبدلنا خيراً منهم فكان بعض الشباب يأتون من مُدن أخرى يسألون عن الحقيقة فكنت أبذل قصارى ما في وسعي لإقناعهم فاستبصر عددٌ من الشباب "(4).
ويقول محمّد مرعي الانطاكي حول المؤامرات التي حيكت ضدّه والحملات الظالمة التي شُنّت عيله والضغوط الشديدة التي تعرّض لها، وما نال من الأذى والاضطهاد من قِبل قومه:
" فلمّا أعلنّا التشيّع وانتشر هناك، وفشا وأخذ النّاس يدخلون فيه جماعات وأفراد، فحينذاك تكتَّلت فئات ممّن يناوىء مذهب أهل البيت (عليهم السلام) لجهلهم بمعرفة المذهب، والمرء عدوّ ما جهل.
لذلك أتوا بما أتوا من سوء الأفعال والمعاملة، بحيث نستحي أن نذكره لقبحه وشناعته!
ولقد حكم الكثيرون منهم علينا بالكفر والارتداد، فرشقونا بسهامهم، وقاموا يحرّضون علينا سفهاءهم، ويغرّرون صبيانهم، فيأذوننا بالكلام، ويرموننا بالحجارة والحصى قائلين لنا: يا عبدة (القرميدة)!! ويعنون بذلك التربة الحسينيّة.
وأخذوا يحذّرون الناس على المنابر من معاملتنا بدعوى الكفر والارتداد، ويقطعون علينا أسباب المعاش ما أمكنهم، بحيث لو أردنا أن نستأجر داراً للسكنى أتوا إلى أصحابه ويهدّدونه قائلين بأنّ هؤلاء رفضة مشركون يشتمون الصحابة، وإيّاك أن تؤجّرهم فإن فعلت آذيناك!!
فيا للعجب كأنّما خرجنا عن حظيرة الإسلام بإعتناقنا مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله وإليه المشتكى "(5).
ويقول حسين الرجاء حول السخريّة والاستهزاء والمضايقات التي واجهها أعقاب رحلة الاستبصار:
" ثمّ اعلنتُ الحقَّ والله لا يقضي إلاّ بالحقّ، وعلى أثر ذلك تفرّق الناس من حولي وخلعوا بيعة الطريقة وأساؤا الظنّ وحكموا عليّ بأحكام لم يرض بها الله تبارك وتعالى.
فبعض الناس شمت وشتم، فأصبحت هدفاً للسهام وعبرة لمن يعتبر ولا مشاحة هنا فإنّ الناس أعداء ما يجهلون.
وبعضهم أعذروني ولكن باعتقاد أنّني مجنون.
وبعضهم يقولون أنّه سياسي يستتر بالدين.
وبعضهم يقولون أنّه ترك دينه لأجل الأطماع.
وبعضهم يقول أنّه لا يستطيع أن يرجع الى دينه، فلو رجع فالشيعة يقتلونه، وللأسف الشديد أن مثل هذه الهراءة يطلقها أحد السماحات.
وبعضهم ظنّ أنّني أبحرت في العلم فاختلط أمري وذلك انطلاقاً من المقولة الشائعة بين الناس: أنّ العالم عندما يبعد في خوض العلم يدخل على عقله "(6).
ويضيف حسين الرجاء حول الحملات التي انهالت عليه بعد استبصاره:
" شرع الناس يلتقون بي فيسألونني ويردّون عليَّ كلٌ حسب عقليّته ومستواه، فواحد يقابلني باللوم والعتب وآخر بالشدّة والانتقاض وثالث يذكّرني بثقة الناس والقيمة الاجتماعيّة وأنّها ذهبت منّي ورابع يطعن ويسبّ بكلمات جارحة وأليمة "(7).
ويقول هذا المستبصر حول موقفه إزاء ردود فعل الناس:
" كنت أدافع عن نفسي بكتاب الله وسنّة رسوله، فأتلوا الآية وأذكر الحديث، فيكون الجواب: ألم يقرأ الآية إلاّ أنت؟ ألم يعرف الحديث إلاّ أنت؟ ألم يقرأه العلماء؟ ألم يقرأه الناس؟ فلماذا لم يغيّروا دينهم؟ وعندها يتمزّق قلبي أسفاً على جماهير الناس الذي لا يعرفون عن الدّين شيئاً "(8).
ويصف حسين الرجاء معاناته بعد الاستبصار بعبارة أخرى:
" على أعقاب أنّ انغرست بذرة التشيّع وتجذّر جذعُها وعلت أغصانها ورفرفت نسائم آل محمّد (صلى الله عليه وآله) بأوراقها وكشف بدو الصّلاح عن طيب ثمارها تجمّع أوباش الناس حانقين يريدون اجتثاثها من جذورها واخماد جذوتها وإسكات أصحابها وحملهم على أشواك طرق غير مأمونة لكثرة التعرّج وجهالة المسار واحتمالية النتائج، فهم لا يلوون على شيء ولا يألون جهداً، فتارة بالدعاية والإشاعات وأخرى بالتهويل والتخويف "(9).
ويقول هذا المستبصر حول إحدى المضايقات التي واجهها بعد اعتناقه لمذهب  أهل البيت (عليهم السلام):
" كان لعائلتنا صهر هو زوج لإبنة أخي، وما إن علم هذا بتشيّعنا حتى جنّ جنونه، فطفق يذهب إلى العلماء يستفتيهم عمّا إذا كان يجوز له أن يخالطنا ويواكلنا ويجلس معنا بحكم الأعراف الاجتماعيّة التي لابدّ له من أن يستجيب لها، فأفتوه بأنّه يجوز له أن يأكل من خبزنا ويشرب من مائنا فقط، وحذّروه من أكل اللحم أو الذبائح أو ما أشبه، بدعوى ذبائحنا لا تحلّ لأنّنا على غير دين!! "(10).
ويقول هذا المستبصر أيضاً حول ما واجهه من مضايقات:
" كان أخي الأكبر يمرّ بي وأنا عاكف على مختلف الكتب التي لم يرها من قبل ولم يسمع بما فيها، فأوعدني بأن سأصبح يوماً مجنوناً، وبالفعل وبعد الاستبصار قال لي: أنت مجنون، وقال: أنت (تصلّخت) أيّ انسلخت من ثيابك، وقال: (لا تتصلّخ) أيّ أنّك مجنون ولكن لا تمزّق ثيابك، فقلت في نفسي: كيف ترجو من المجنون الاّ يمزّق ثيابه، وبعد ردحاً من الزمن استبصر أخي، فلم أقل له لا تمزّق ثيابك!! "(11).
ويقول محمد عبد العال حول ما لاقاه أعقاب رحلة الاستبصار:
" لقد حصلت محاولات حثيثة وجادّة من قبل أهلنا من أهل التسنّن والمعنيين بهذا الشأن لأن يعيدوني إلى جادّة الصواب رأفة بي!! ولمحبّتهم لي حرصوا على أن أعود عن هذا الانحراف!!
ولكن كنت حريصاً على حوار هادىء ومتأن، وحريصاً على خروج المحاور من إطار الحوار الخاص بيني وبينه إلى حوار بينه وبين نفسه، وقد تأثّر البعض واستبصر، عندها شعر بعض علية القوم بخطر اللقاءات معي والاستماع إليّ، حتى وصل الأمر الى إطلاق الفتاوى بحرمة الاستماع إليّ، وإن كنت اتحدّث عبر مكبّر للصوت، فقد كان يقال أن صمّوا آذانكم وأنّه عالم سليط اللسان وقوي الحجّة، وعملوا على انفضاض الناس من حولي "(12).
ويصف أسعد وحيد القاسم الحرب النفسيّة التي شنّها عليه مَن حوله بعد اعتناقه لمذهب أهل البيت (عليهم السلام):
"... وكان نتيجة ذلك، إنهاء علاقاتهم [زملائي] بي، وأفتوا بتكفيري، ثمّ أصبحوا... يدعون كلّ الطلبة إلى مقاطعتي ويحذّرونهم من محاوراتي أو مجرّد الاستماع إلي"(13).
ويذكر صالح الورداني أنّ بعض المستبصرين لاقوا من بعض أبناء مجتمعهم ردود أفعال قاسية تصل أحياناً إلى ما يشبه الحرمان الكلّي، وأن بعض الذين كانوا من عوائل ثريّة، ولها انشطتها التجاريّة الواسعة، ماإن تشيّعوا، ضُيّق عليهم، وحوصروا اقتصاديّاً، فاضطرّ أمثال هؤلاء المستبصرين إلى مباشرة أعمال مختلفة من أجل الحصول على قوّتهم.
كما أن بعض الذي تشيّعوا حرّم أهل زوجاتهم ابنتهم من الميراث، وحاولوا بشتى الطرق أن يفصلوا ابنتهم عن زوجها(14).
ويقول معتصم سيّد أحمد حول الاضطهاد والممارسات العدوانيّة التي لاقاها من قبل التيّارات المضادّة، وما تعرّض وقتها من محنة شديدة واضطهاد:
" ومن ثمّ بدأت مرحلة جديدة من الصراع، فلم يجد الذين عجزوا عن النقاش طريقاً غير السخريّة والسبّ والشتم والتهديد والافتراء... وغير ذلك من أساليب الجهل، فاحتسبت أمري عند الله، وصبرت على ما جرى، رغم أن الضربات قد وجّهت لي من أعزّ أصدقائي الذين حرّموا الأكل والنوم معي تحت سقف واحد.
وضُربت عليَّ عُزلة كاملة، إلاّ من بعض الإخوة الذين هم أكثر فهماً وتحرّراً. وبعد مدّة من الزمن أستطعت أن أعيد علاقاتي بالجميع وبصورة أفضل من الأول، بل ولقد أصبحت بينهم محترماً ومقدّراً، وكان بعضهم يستشيرني في كل صغيرة وكبيرة من أمور حياته، ولكن هذا الحال لم يستمر طويلاً، فقد شبّت نار الفتنة من جديد، بعد ما أعلن ثلاثة من الطلبة [الذين كانوا معي في الجامعة] تشيّعهم، بالاضافة إلى مجموعة كبيرة من الطلبة أظهروا تعاطفهم وتأييدهم للشيعة، فدارت سلسلة أخرى من الصدمات والصّراعات التزمنا فيها جميعاً الأخلاق الرساليّة والحكمة، فتمكّنا من امتصاص الغضب بأسرع ما يكون "(15).
ويضيف معتصم سيّد أحمد حول ما لحقه من أذى واضطهاد في قريته بعد ذيوع خبر استبصاره:
" وبهذا انتشر أمري في القرية، وبدأت أطرح مذهب أهل البيت (عليهم السلام) على كثير من أهلها، فشبّت نار الوهّابيّة وتأجّج غضب مروّجيها، فأصبحت كل محاضراتهم في أيّة مناسبة كانت هي عبارة عن سبّ وشتم الشيعة والافتراء عليهم وأحياناً يتعرّضون لشخصيّتي، و واجهت كل ذلك بالصبر والصفح الجميل "(16).
ويضيف هذا المستبصر أيضاً حول الاضطهاد الذي واجهه بعد اعتناقه لمذهب أهل البيت (عليهم السلام):
" كان إمام المسجد في قريتنا يصرّح بكفري وضلالتي، ويمنع الجميع من الجلوس معي أو قراءة كتبي، أيّ منطق هذا يسلب الإنسان حرّية تفكيره ولكنّها سياسة الجهل والتجهيل والحصار الفكري "(17).
ويقول محمّد علي المتوكّل حول ما شنّه البعض عليه من حملات مسعورة من أجل صرفه عمّا توجّه إليه:
" أراد بعضهم الإيقاع بيني وبين أهلي، بينما كان دافع آخرين هو الحرص على ديني والإشفاق عليّ.
أيّاً كانت الدوافع فقد تلقّى والدي النبأ بحكمته التي أعرفها جيّداً، واعتماداً على ثقته بابنه...
وعند أوّل لقاء بيني وبين أبي، لم يحدّثني مباشرة عمّا بلغه عنّي من أنباء، ولكن بدلاً عن ذلك أخذ يسدى إليّ مجموعة من النصائح القيّمة ويدعوني إلى التريُّث والتثبّت قبل أن أخطوا أيّ خطوة مصيريّة في حياتي، فهمت مراده وطمأنته على نفسي وعلى سلامة مسيرتي، وقدّمت له بعض كتب الدعاء المأثور عن أهل البيت (عليهم السلام)منها الصحيفة السجّاديّة للإمام علي بن الحسين (عليه السلام)فأقبل على قراءتها بشغف شديد.
أمّا والدتي ـ ذلك الإنسان البسيط ذو التديّن الفطري والمعرفة المحدودة بالتاريخ وغيره من قضايا الدين ـ فقد بدت منزعجة جدّاً بعد أن سمعت بعض ما تناقلته النسوة من حديث حول ابنها، وكان أكثرهنّ لا يميّز بين شيعي وشيوعي، لذلك كُنّ يستغربن: كيف تحوّل ذلك الشاب المتديّن من واعظ يدعو الناس إلى الإيمان إلى شيوعي لا دين له؟!
ومع ذلك فإنّ امّي انتظرت ريثما تفهم الحقيقة منّي، ولم ترتّب على كلام الناس شيئاً، وما أن التقينا بعد طول افتراق بادرت باستيضاح الأمر منّي، فحرت في أمري، إذ كيف أبيّن لها حقيقة التشيّع وهي لا تعرف عن (التسنّن) شيئاً، شأنها في ذلك شأن أكثر الناس ـ رجالاً ونساء ـ قلت لها:
دعيني أسألك يا أمّي، من تعرفين من الصحابة؟
أجابت: أعرف عليّاً وفاطمة بنت الرسول والحسن والحسين وحمزة والعبّاس.
قلت لها: ذلك يكفي، وكل ما في الأمر أن الناس بعد وفاة النبيّ (صلى الله عليه وآله)انقسموا إلى قسمين: قسمٌ صار مع على وفاطمة والحسن والحسين وأبنائهم إلى اليوم وهم الشيعة، وقسم خالفهم واتّبع غيرهم وهم الذين عُرفوا بأهل السنّة، ونحن بعد أن عرفنا هذه الحقيقة رأينا الحقّ في إتّباع أهل البيت (عليهم السلام)فصرنا شيعةً لهم، فهل في ذلك شيء؟
قالت: لا شيء في ذلك ونحن نحبُّ أهل البيت ونحبّ من يُحبّهم.
وهكذا اطمأنّت الوالدة وحمدت الله أنّ ولدها لا زال متمسّكاً بدينه كأقوى مايكون "(18).
ويقول محمّد علي المتوكّل أيضاً حول ردود أفعال طلبة جامعته إزاء استبصاره واستبصار مجموعة من الطلبة الذين استبصروا معه:
" تلك الأسباب مجتمعة دفعت فصيل الحركة بالجامعة إلى المسارعة لاتّخاذ قرارات حاسمة في مواجهة مجموعتنا التي لم تعدّ تخفي تشيّعها.
فكانت الخطوة الأولى هي تكثيف الدعاية المضادّة للشيعة والتشيّع عن طريق الجلسات الثقافيّة والندوات والمعسكرات المغلقة.
وفي خطوة تالية اتّهمت مجموعتنا بالعمالة والتعاون مع جهات سياسيّة معادية من أجل إضعاف الحركة!
كلّ ذلك تمهيداً لإجراءات تكون أكثر حسماً وأشدّ قسوة، ما كان أغناهم وأغنانا عنها لو أنّهم اتّبعوا الحوار معنا بدلاً عن التوجّس والارتياب، إذ أنّ الحركة التي استطاعت أن تتحدّى التراث وتخرج عن الخط التقليدي كان بإمكانها أن تخطوا في طريق (التجديد) خطوة أكثر عمقاً وجدّية، وتجرّب أن تعرض إشكالياتها في التراث على منهج آخر خلاف منهج الرأي الذي لا يزيد عن الطريق إلاّ بعداً.
في الخطوة قبل الأخيرة دُعي جميع الكوادر إلى اجتماع حُجبت عنه مجموعتنا التي كان الأمر متعلّقاً بها، وبعد أن تُليت الاتّهامات الموجّهة إلينا، وأعلن للمجتمعين (انحراف) مجموعتنا عقائديّاً وحركيّاً، صدرت اليهم القرارات الحركيّة القاضية بمقاطعتنا وعزلنا اجتماعيّاً و وقف التعامل مع أفراد المجموعة الشيعيّة بأيّ وجه من الوجوه، وأُخذ على الجميع القسم على ذلك، على الرغم من احتجاج عدد ممّن يعرف إخلاصنا للحركة ولا يجزم بانحراف توجّهنا الفكري "(19).

____________
1- ص: 4،5.
2- محمد التيجاني السماوي/ فاسألوا أهل الذّكر: 173ـ174.
3- محمد التيجاني السماوي/ ثمّ اهتديت: 173.
4- المصدر السابق: 174.
5- محمّد مرعي الانطاكي/ لماذا اخترت مذهب الشيعة: 60ـ61.
6- حسين الرجاء/ دفاع من وحي الشريعة: 25.
7- المصدر السابق: 26.
8- المصدر السابق.
9- المصدر السابق: 33ـ34.
10- مجلّة المنبر/ العدد: الصفر (التجريبي).
11- حسين الرّجاء/ دفاع من وحي الشريعة: 24.
12- مجلّة المنبر/ العدد: 26.
13- مجلّة المنبر/ العدد 8.
14- انظر: مجلّة المنبر/ العدد: 22، لقاء مع صالح الورداني.
15- معتصم سيّد احمد/ الحقيقة الضائعة: 23ـ24.
16- المصدر السابق: 25.
17- المصدر السابق: 200.
18- محمد علي المتوكّل/ ودخلنا التشيّع سجّداً: 66ـ67.
19- المصدر السابق: 53.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page