كانت السبئية تدل على الانتساب إلى قبائل اليمن من سلالة سبأ بن يشجب على مدى قرون عديدة .
فلمّا انتصرت هذه القبائل لعلي بن أبي طالب وكانوا عامّة شيعته ، وحينما أقام الأمويون دولتهم استعملت كلمة سبائي أو سبئي نبزاً لكل شيعي ، وهذا ما أثبتته كتابات الدولة ، وخاصّة كتاب زياد بن أبيه إلى معاوية في شأن حجر بن عدي وجاء فيه :
بسم الله الرحمن الرحيم : لعبد الله معاوية أمير المؤمنين .
أمّا بعد ، فإنّ الله قد أحسن عند أمير المؤمنين البلاء فكاد له عدوّه وكفاه مؤونة من بغى عليه ، إنّ طواغيت من هذه الترابية السبائية رأسهم حجر بن عدي ، خالفوا أمير المؤمنين ، وفارقوا جماعة المسلمين ، ونصبوا لنا الحرب ، فأظهرنا الله عليهم وأمكننا منهم..."(1) .
فها هو نص رسمي يذكر فيه الترابية السبائية للوشاية بهم لدى السلطان حتّى ينفّذ فيهم جزاء معونتهم لعلي والانتصار له ، فكان جزاء حجر بن عدي وأصحابه القتل في مرج عذراء الذي فتحه الرجل وجعله جزءاً من دولة الإسلام ، وهو اليوم يقف ليقتل هو وأصحابه فيه .
فالاسم له أبعاده السياسية ، وليس له أيّ بُعد مذهبي أو عقائدي آنذاك ، وإلاّ ما سكت عنه معاوية حتّى يجد دفاعاً يدافع به عن نفسه في قتل حجر بن عدي ، ولو كان هناك سبئية بالمعنى الاصطلاحي عند أهل المقالات والفرق لردّ به معاوية على السيدة عائشة وهي تقول له : يا معاوية أما خشيت الله في قتل حجر وأصحابه؟!
ولم يجد ما نجده عند أصحاب التاريخ والمقالات ، وإلاّ لقال لها إنّهم ادّعوا لبشر الأُلوهية ، وأنّه يرجع إلى الدنيا ، أو أنّه يسكن السحاب .
وإنّما قال معاوية : إنّما قتلهم من شهد عليهم .
وهاهو معاوية يحتضر ويقول: يومي منك يا حجر طويل .
فلم يكن لمعاوية حجة يدافع بها عن نفسه كتلك التي نقرأها عن السبائية .
وبعد مضي أكثر من ثمانية عقود نجد نفس الاسم يذكره أبو العباس السفاح في خطبته بالكوفة لمّا بويع بالخلافة سنة 132هـ حيث صعد المنبر وخطب وقال : الحمد لله الذي اصطفى الإسلام لنفسه تكرمة وشرفه وعظمة ، ثمّ تلا آيات التطهير والمودّة وغيرها النازلة في حق أهل البيت(عليهم السلام) قال : فأعلمهم جل ثناؤه فضلنا ، وأوجب عليهم حقنا ومودّتنا ، وأجزل من الفيء والغنيمة نصيبنا تكرمة لنا وفضلا علينا والله ذو الفضل العظيم ، وزعمت السبائية الضلال أنّ غيرنا أحق بالرئاسة والسياسة والخلافة منّا فشاهت وجوههم(2) .
فالسفاح لم يجد في كنانته من سهام يرمي بها السبائية غير أنّهم زعموا أنّ غيرهم أحق بالخلافة منهم ، ولو كانت سهام أهل الفرق عنده لضربهم من فوره وقال : وزعمت السبائية الضلال أنّ علي بن أبي طالب حلّت فيه جزء من الألوهية ، أو قال : مقالة مشابهة مما تحتويه كتب أهل المقالات ، لكنه لم يجد .
وكل ما سبق يدل على أنّ ما انتهينا إليه من أنّ لفظ "السبائية" لفظ كان يطلق على النبز السياسي من الحكّام لمن تولّى أهل البيت ، واستقرمن عهد معاوية إلى عهد بني العباس إلى أن ألّف سيف بن عمر كتابه ولفّق فيه من الأحداث ما لفّق ، وأخذ كل هؤلاء من سيف على سبيل الرواية لا الصحة إلى أن جاء المولعون بالحكايات دون الاهتمام بصحتها ، فكتبوا وزادوا ، وأخذ أصحاب المقالات ما يدور على ألسنة الناس من حكايات دون ما سند ، فأصبحت هذه الحكايات المختلقة أساطير متجسّدة ومتنامية ، وأصبحت هذه الخرافة جزءاً من موروثنا الثقافي إلى أن قام بعض الباحثين من نبش هذا التراث بحثاً عن مواطن الصحة أملا في وحدة المسلمين ، واستجابة لأمر ربّنا بالوحدة في قوله تعالى {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً}(3) .
____________
1- محمّد بن جرير الطبري ، تاريخ الطبري ، 2/135 .
2- محمّد بن جرير الطبري مرجع سابق ، 3/39 .
3- آل عمران : 103 .
أصل كلمة "سبئي"
- الزيارات: 957