قال الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم: (هُوَ الَّذِي اَرْسَلَ رَسُولَهُ بِاْلهُدى وَدِينِ اْلحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(1).
وقال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): " ستفترق أمّتي على ثلاث وسبعين فرقة، الناجية منهم واحدة، والباقون هلكى "(2).
وقد ورد هذا الحديث عن جماعة كبيرة من الصحابة، منهم:
1 - أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام).
2 - عبد الله بن مسعود.
3 - سعد بن أبي وقاص.
4 - عوف بن مالك.
5 - أنس بن مالك.
6 - أبو أمامة الباهلي.
7 - واثلة بن الأسقع.
8 - أبو الدرداء.
9 - عمرو بن عوف.
10 - عبد الله بن عمرو وغيرهم.
وصحّح هذا الحديث كلٌّ من الترمذي وابن حبّان والحاكم والذهبي والبوصيري وغيرهم، وهو نصّ صريح في أنّ الناجية من بين تلك الفرق هي فرقة واحدة لا أكثر، فلا يمكن أن يُدّعى بأنّها فرقتان، أوثلاثُ فرق، أو أربعُ.
فنحن نعلم بأنّه قد توجد بين الفرق الإسلامية فرقة واحدة، وهي على الحقّ لا غير، أما مَنْ هي هذه الفرقة؟ وما هي علاماتها؟ فهل هي فرقة كامنة بين الفرق العقائدية؛ كالشيعة والمعتزلة وأصحاب الحديث والأشعرية والماتردية؟ أو هي كامنة فيما بين الفرق الفقهية؛ كالجعفرية والزيدية والحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة؟ أو هي فرقة من هذه الفرق الفقهية المعتنقة لإحدى العقائد المذكورة؟
وكلّ فرقة تدّعي أنّها هي الفرقة الناجية، وأنّ جميع مَنْ خالفها مِن الفرق الأخرى هالكة. ومع اتّفاق الجميع على أنّ خبر الآحاد لا يفيد إلاّ الظنّ، وأنّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئاً، نرى كلّ فرقة يتمسّك بأخبار من هذا القبيل، ويحكم على مَنْ خالفها بالضلالة، من دون أن يفكّر في أنّه يمكن أن يوجد عند غيرها ما يماثل تلك الأخبار أو أقوى منها سنداً وأوضح دلالة. فكلّ فرقة تدّعي أنّ طريقها هو الطريق الصحيح، وأنّ الطريق السقيم هو ما خالفه.
ولا يخفى أنّه قد كان للسلطات الحاكمة الدور الفعّال في إيجاد الفرقة بين المسلمين، وتغطية وجه الحقّ، ولبسه بالباطل، خاصّة السلطة الأموية. وكذلك كان للمنافقين من أعداء الاسلام الدور الخطير في هدم الإسلام، ووضع الأحاديث على لسان النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ ممّا كان سبباً لتشويش أفكار المسلمين ووقوعهم في اللبس والحيرة.
وقد كان للاغبياء من أبناء هذه الأمّة دور مهمّ في مواراة الحقّ أيضاً. والمقصود من هؤلاء هم الّذين خدعهم الشيطان؛ فزيّن لهم سوء أعمالهم، فيرون أنّ ما ذهبوا اليه هو الحقّ، وأنّ كلّ ما خالفه هو الباطل، وأنّ جميع أنواع الخدمة في سبيله خدمة للحقّ، وكلّ عمل لهدم ما خالفه عمل لهدم الباطل. فهذه الوسوسة الشيطانية حملت هؤلاء البُله على القيام بوضع الأحاديث وحذف ضعفاء الرجال من أسانيد الروايات والتحريف في الألفاظ والتغيير في المتون لذلك الغرض.
ومن المؤسف أنّ تعداد هذا الصنف من الناس كثير في كلّ عصر. وعلامة هؤلاء هو أنّهم يتأثّرون بالقضايا والحوادث أكثر من سائر الناس؛ فيحكمون في الأمور والمسائل وفق إحساساتهم ومشاعرهم، فكان عقل هذا الصنف من محجوباً وراء حواسهم. ومن علاماتهم - أيضاً - العجب، والتظاهر بالورع، وإظهار الحماسة في العقيدة.
فكانت العصبية المذهبية عقبة أساسية في طريق الوصول إلى الحقّ والوحدة الاسلامية. فاذا لاحظت التاريخ فستواجه كثيراً من أهل العلم ممّن ليس لهم همٌّ سوى الدفاع عن مذهب معين، الّذى أقرّوا في أنفسهم بأنّه هو الحقّ، لا غير. وقد ساعدتهم الوسوسة الشيطانية في صدورهم؛ بأنّكم إذا أبديتم احتمال الحقيّة في غير مذهبكم أو احتمال وجود شيء من الباطل في مذهبكم فيكون ذلك دليلاً على عدم كونكم مطمئنّين بمذهبكم ومستقرّين في عقيدتكم، فيقوم هؤلاء المساكين بالدفاع عن كلّ مسألة من مسائل المذهب الّذي اختاروه، ويصدّون على أنفسهم جميع المنافذ التّي يمكن أن يصلوا من خلالها إلى الحقيقة، ويقيّدون مشاعرهم دون سماع جميع الأصوات الآتية من قِبَل أرباب المذاهب الأخرى.
ولا يخفى أنّ حبّ الجاه والشهرة والاتّصاف بألقاب التفخيم والتبجيل، وكذا التهنيئات والتبريكات المتكررة من قبل أتباع مذهبٍ للشخصِ عند غلبته على مخالفيه يكون مانعاً قويّاً وسدّاً محكماً بين ذلك الشخص وبين الوصول إلى الحقيقة. ويصير ذلك سبباً لأن لا يبقى لدى هذا الشخص هدف سوى الدفاع عن ذلك المذهب، كي يُتّصف بأنّه هو الحامي للمذهب الفلاني والمدافع عنه. وفي هذا العصر قد ارتفع بعض الموانع عن طريق الحقّ - بحمد الله - وإن كان البعض الآخر لم يزل باقياً.
ثم إنّ علاج هذه المشكلة بحاجة إلى الانطلاق من نقطة متّفق عليها بين الجميع، حتى نستطيع من خلالها أن نصل إلى النتيجة المطلوبة. ولأجل هذا الهدف ألفت كتابي [ عليّ ميزان الحقّ ]، وتوصّلت إلى أنّنا إذا أردنا أن نصل إلى الحقيقة يلزمنا أن نجتنب في المسائل الّتي اختلفت فيها الأمّة عن مرويات ستّة أصناف من الناس، وهم:
1 - مبغضو عليّ (عليه السلام) وأعدائه؛ من الفسقة والمنافقين.
2 - الموالون لأعداء أهل البيت (عليه السلام) من الّذين يتظاهرون محبتهم.
3 - الغلاة الّذين يدّعون محبة علي (عليه السلام).
4 - المدلّسون من رجال الحديث.
5 - المنفردون برواية الأحاديث المنكرة.
6 - المجهولون الّذين وُثّقوا بأحاديثهم؛ من الّذين ليست لهم ترجمة مبيّنة لأحوالهم.
____________
1 - سورة التوبة: 33، وسورة الصفّ: 9.
2 - سنن الترمذي: 4 / 291 ح: 2649، 2650، سنن أبي داود: 4 / 197 - 198 ح: 4596، 4597، سنن ابن ماجة: 2 / 1321 - 1322، السنّة لابن أبي عاصم: 1 / 32 - 36 ح: 63 - 71، المستدرك للحاكم: 1 / 128 - 129 و 4 / 430، مجمع الزوائد: 7 / 258 - 260، كنز العمّال: 1 / 209 - 211، 376 - 381 ح: 1052 - 1061، 1637 - 1659 و 11 114، 115، 304 ح: 30834 - 30838.
الفرقة الناجية واحدة
- الزيارات: 1521