عدم الإذعان للأمر الواقع ، والدوران حول محور الحق دوماً من جهة ... ودحر مقولة الامر الواقع والغاية تبرّر الوسيلة من جهة ثانية ... والتفاني في كسب رضى الله سبحانه وتعالى من ناحية ثالثة ... وتحاشي خرق أيّاً من حدود الشريعة الإسلامية من ناحية رابعة ، مهما كانت ظروف المواجهة عصيبة وصعبة ... ومهما بلغت دقّة وحراجة المعادلات والموازنات المتحكّمة في المواجهة ، والإلتزام المتواصل على طول خط المواجهة بالروح الانسانية العالية المنقطعة النظير التي تُمليها شريعتنا السمحاء ، وعدم التزحزح قيد شعرة عن الطريق مهما بلغ إلحاح ظروف المواجهة وإفرازاته وخطورة نتائجه ، من جهة اخرى ... وبالجملة فالإلتزام الميداني بهذه المبادئ في المواجهة على جميع مراحلها ومستوياتها هي التي تُقلّد الرسالي المسلم وساماً خالداً ومنزلة يغبطه عليها الجميع ، وتجعل منه نجماً لا يقبل الأفول ، ويصبح عاصمة العطاء التي تجهل عنصر الزمن ، وتعجز جميع القوى بالغ ما بلغت من العمل والدعاية في النيل من اسمه وما تعلّق به من مجد لا يعرف الحدود .
أجل ... فلا سبيل لفهم واستيعاب السر الذي جعل أبطال الإسلام الذين استشهدوا تحت راية الإسلام قمماً حضارية جهادية فريدة عجز الوصول إليها من أتى وسيأتي .
فهذا مثلا العباس بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام) حامل لواء سيد الشهداء الحسين (عليه أفضل الصلاة والسلام) ، أمسى لهذا السر يوصف وعلى لسان الأئمة المعصومين (عليهم أفضل الصلاة والسلام) بالعبد الصالح ... بالذي انتهكت في قتله حرمة الإسلام ... بل قالوا : أن للعباس منزلة يغبطه عليها جميع الشهداء يوم القيامة ... بل صار الأول في قائمة ظلامات فلذة كبد الرسول وسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليهما أفضل الصلاة والسلام) ... فقد ورد عن بيت العصمة والطهارة ان سيّدة النساء لا تبدأ بالشكاية يوم القيامة بأي ظلامة من ظلامات آل محمد إلا بكفيّ العباس ...
أجل هذا هو السر في بلوغ ما بلغه العباس من المنزلة والمقام ...
وهذا الكتاب الذي بين يديك هو دراسة لجوانب مختلفة من حياة هذا البطل الخالد الكبير في الاسلام العباس بن علي (عليهما السلام والصلاة) الذي أنكر الأمر الواقع ورفض عبث الغاية بالوسيلة ويلتزم بمتابعة كسب رضى الله عز وجل وكل ما يمليه هذا الالتزام رغم إلحاح الظروف المستعصية وحسابات النتائج و ... فيصير الى تدمير حدود العطاء ... فيعطي بلا حدود فيكون آية يعجز الزمن من تعريفها بنفسه ، فإلى هذا السفر القيّم عزيزي القارئ .
بسم الله الرحمن الرحيم
حمداً لك اللهم وصلاة على خاتم أنبيائك وخلفائه المعصومين ورضىً بقضائك وتقديرك بأوليائك الذين تحمّلوا المشاق في احياء شرعك الأقدس فقابلوا الأخطار بكل طلاقة وبشاشة حتى كرعوا حياض المنون وانتهلت من دمائهم الزاكية بيض الصفاح وأمسوا بجوارك متلفعين بالبرود القانية فسلاماً على أرواحهم الطاهرة وأشلائهم المقطعة في سبيل مرضاتك يا رب العالمين .
كلمة الناشر
- الزيارات: 768