الفصل الرابع خلاصة بحث الامامة لدى المدرستين
الواقع التاريخي لاقامة الخلافة في صدر الاسلام ينبغي أن ندرس الواقع التاريخي لاقامة الخلافة قبل البدء بعرض آراء المدرستين في الخلافة والامامة .
بداية الامر : عقد رسول الله في مرض وفاته لواء بيده لمولاه أسامة بن زيد وأمره على جيش فيه المهاجرون والانصار ، مثل أبي بكر وعمر وأبي عبيدة وسعد بن أبي وقاص ، فعسكر بالجرف وغضب عليهم لما تكلموا في تأميره أسامة عليهم وقال : انه لخليق بالامارة ، فذهبوا إلى معسكرهم وثقل رسول الله فجاء أسامة وودعه ، وقال الرسول انفذوا بعث أسامة ، وفي ما هموا بالرحيل يوم الاثنين جاءهم الخبر أن الرسول قد حضر ( 1 ) ، فأقبلوا إلى المدينة ، وحضروا في بيت الرسول فقال هلموا أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا . فقال عمر ان النبي غلبه الوجع وعندكم كتاب الله ، فحسبنا كتاب الله ، فلما أكثروا اللغط والاختلاف قال : قوموا عني ، لا ينبغي عند نبي التنازع . قال ابن عباس : فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي التنازع ، فقالوا هجر رسول الله ، وبكى ابن عباس حتى خضب دمعه الحصباء . موقف الخليفة عمر : توفي الرسول وأبو بكر غائب بالسنح فأخذ عمر يقول : ما مات رسول الله ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى وغاب عن قومه أربعين ليلة ، والله ليرجعن رسول الله فليقطعن أيدي رجال يزعمون انه مات . وقال : من قال انه مات علوت رأسه بسيفي ، فتلوا عليه الاية " وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " . وقال له العباس : ان رسول الله قد مات ، هل عند أحدكم عهد من رسول الله في وفاته فليحدثنا . لم ينته عمر من كلامه وتهديده حتى ازبد شدقاه ، ولما أقبل الخليفة أبو بكر وتلا الاية سكت عمر .
سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر اجتمعت الانصار في سقيفة بني ساعدة وجثمان رسول الله ( ص ) بين أهله يغسلونه ، وأخرجوا سعد بن عبادة - وكان مريضا - فذكر سابقة الانصار وقال : استبدوا بهذا الامر ، فأجابوا قد وفقت في الرأي ولن نعدو ما رأيت ، نوليك هذا الامر ، فسمع بذلك أبو بكر وعمر فأسرعا مع جماعتهم إلى السقيفة ، وذكر أبو بكر سابقة المهاجرين وقال : هم أولياؤه وعشيرته وأحق الناس بهذا الامر من بعده ولا ينازعهم ذلك الا ظالم .
فقال الحباب بن المنذر : يا معشر الانصار أملكوا عليكم أمركم ، فان الناس في فيئكم ولن يجترئ مجترئ على خلافكم فان أبى هؤلاء الا ما سمعتم ، فمنا أمير ومنهم أمير . فقال عمر : هيهات لا يجتمع اثنان في قرن . . . لا ترضى العرب أن يؤمروكم ونبيها من غيركم . وهدد أحدهما الاخر بالقتل . فقالت الانصار أو بعض الانصار : لا نبايع الا عليا ، فتخوف عمر من الاختلاف وقال لابي بكر ابسط يدك أبايعك وسبقه بشير بن سعد وبايع فناداه الحباب بن المنذر : عققت عقاق أنفست على ابن عمك الامارة ؟ وبايع عمر وأبو عبيدة ، وقالت الاوس لئن وليتها الخزرج مرة لا زالت لهم الفضيلة عليكم وما جعلوا لكم فيها نصيبا ، فبايعوا أبا بكر ، فانكسر على سعد بن عبادة والخزرج وكادوا يطؤون سعد بن عبادة ، فقال أصحابه اتقوا سعدا لا تطؤوه . فقال عمر : اقتلوه قتله الله . ثم قام على رأسه فقال لقد هممت أن أطأك حتى تندر ( 2 ) عضوك فأخذ قيس بن سعد بلحية عمر فقال والله لو حصصت منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة . فقال أبو بكر : مهلا يا عمر الرفق هاهنا أبلغ ، فأعرض عنه عمر . فحمل سعد إلى بيته . وأخرج أبو بكر من السقيفة ، جاءت قبيلة أسلم فبايعت فانتصر بهم أبو بكر ، وأقبلت الجماعة تزفه إلى مسجد رسول الله فصعد المنبر ، وشغلوا عن دفن رسول الله حتى كان يوم الثلاثاء ، فجاؤوا إلى المسجد ثانية فجلس أبو بكر على منبر رسول الله ووقف عمر وقال : ان قوله بالامس لم يكن من كتاب الله ولا عهدا من رسوله ولكنه كان يرى أن الرسول صلى الله عليه وآله سيدبر أمرهم ويكون آخرهم ، وان الله أبقى فيهم القرآن يهتدون به وقد جمع أمركم على صاحب رسول الله ، قوموا فبايعوه ، فبايعه الناس عندئذ بعد بيعة السقيفة ثم خطب أبو بكر فقال قد وليت عليكم ولست بخيركم فان أحسنت فأعينوني . . .
شغلوا عن رسول الله بقية الاثنين وليلة الثلاثاء ويوم الثلاثاء ، وصلى المسلمون على رسول الله زمرا زمرا ، وخلى أصحاب رسول الله بين جثمانه وبين أهله ، فولوا أجنانه ( 3 ) ولم يشهد أبو بكر وعمر غسل الرسول صلى الله عليه وآله وتكفينه ودفنه .
قالت عائشة : ما علمنا بدفن الرسول حتى سمعنا صوت المساحي من جوف الليل . وتخلف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين والانصار وبني هاشم ومالوا مع علي بن أبي طالب . فذهبوا إلى العباس ليستميلوه فجابههم بالرد . وتحصن في دار فاطمة جماعة من بني هاشم وجمع من المهاجرين والانصار ، فبعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة وقال له : ان أبوا فقاتلهم . فأقبل بقبس نار على أن يضرم عليهم الدار ، فلقيتهم فاطمة فقالت يا بن الخطاب أجئت لتحرق دارنا ؟ قال : نعم أو تدخلوا في ما دخلت فيه الامة . واليه أشار أبو بكر في مرض موته حين قال : " أما اني لا آسي على شئ في الدنيا الا على ثلاث فعلتهن وددت اني لم أفعلهن . . . فوددت أني لم أكشف عن بيت فاطمة ولو أغلق على حرب . . . " .
ثم ان عليا حمل فاطمة ليلا إلى بيوت الانصار يسألهم النصرة وتسألهم فاطمة الانتصار له ، فكانوا يقولون : يا بنت رسول الله مضت بيعتنا لهذا الرجل ولو كان ابن عمك سبق الينا أبا بكر ما عدلنا به ، فيقول علي : أفكنت أترك رسول الله ( ص ) في بيته لم أجهزه وأخرج إلى الناس أنازعهم في سلطانه ؟ وتقول فاطمة ما صنع أبو الحسن الا ما كان ينبغي له ، ولقد صنعوا ما الله حسبهم .
وكان معاوية يعير أمير المؤمنين عليا بهذا الموقف ويقول : " وأعهدك أمس . تحمل قعيدة بيتك ليلا على حمار ويداك في يدي ابنيك الحسن والحسين يوم بويع أبو بكر الصديق ، فلم تدع أحدا من أهل بدر والسوابق الا دعوتهم إلى نفسك ومشيت إليهم بامرأتك وأدللت إليهم بابنيك واستنصرتهم على صاحب رسول الله . . . فلم يجبك منهم الا أربعة أو خمسة . . . ومهما نسيت فلا أنسى قولك لابي سفيان لما حركك وهيجك : لو وجدت أربعين ذوي عزم لناهضتهم .
وروى البخاري ما دار بين ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وأبي بكر وقال : فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى توفيت بعد ستة أشهر ، ودفنها زوجها ولم يؤذن بها أبا بكر ، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة فلما توفيت انصرفت وجوه الناس عن علي فلم يبايع علي ستة أشهر ولا أحد من بني هاشم حتى بايعه علي ، فلما رأى علي انصراف وجوه الناس عنه ضرع إلى مصالحة أبي بكر .
وقال البلاذري ولم يخرج أحد إلى قتال العدو قبل أن يبايع علي . وممن تخلف عن بيعة أبي بكر : فروة بن عمرو ، وخالد وأبان وعمر بنو سعيد الاموي ، فلما بايع بنو هاشم بايعوا . وسعد بن عبادة لم يبايع ، وأشار الانصار أن يتركوه فانه لا يبايع حتى يقتل وليس بمقتول حتى يقتل معه ولده وأهل بيته وطائفة من عشيرته فتركوه ، فقال له عمر في أول خلافته من كره جوار جار تحول عنه ، فذهب إلى الشام ، فبعث عمر رجلا ، فقال : ادعه إلى البيعة واحتل له فان أبى فاستعن الله عليه ، فذهب الرجل إلى الشام ووجد سعدا بحوارين من قرى حلب فدعاه إلى البيعة فأبي فرماه بسهم فقتله . بيعة عمر لما حضر ( 4 ) أبو بكر دعا عثمان خاليا فقال : اكتب : بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد به أبو بكر بن أبي قحافة إلى المسلمين ، أما بعد - فأغمي عليه - فكتب عثمان : فاني استخلفت عليكم عمر بن الخطاب ولم الكم خيرا ، ثم أفاق أبو بكر فقرأها عليه فأقرها أبو بكر . ثم جاء عمر مع الكتاب إلى مسجد الرسول ( ص ) وقال للناس : اسمعوا وأطيعوا قول خليفة رسول الله ( ص ) انه يقول : اني لم الكم نصحا . وهكذا بايع الناس عمر .
الشورى وبيعة عثمان
لما طعن عمر قيل له: لو استخلفت ، قال : لو كان سالم حيا لاستخلفته ، ولو كان أبو عبيدة حيا لاستخلفته ، ثم قال : لاجعلنها شورى بين ستة ، وعينهم من قريش ، وولى أبو طلحة زيد بن سهل الخزرجي على خمسين من الانصار ، وأمر صهيبا أن يصلي بالناس ثلاثة أيام ، فإذا انتهت الايام الثلاثة واتفقوا على واحد فليضرب أبو طلحة عنق الذي يخالف ، وان اجتمع ثلاثة على رجل وثلاثة على رجل كانوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف ، وان صفق عبد الرحمن باحدى يديه على الاخرى ، عليهم أن يتبعوه ومن أبى ضربوا عنقه ، فلما توفي الخليفة قال عبد الرحمن : اني أخرج نفسي منها وسعدا على أن أختار أحدكم فأجابوا الا عليا وأحلف عبد الرحمن أن لا يميل إلى هوى وأن يؤثر الحق وأن لا يجابي ذا قرابة ، فحلف له فقال : اختر مسددا . ثم اجتمعوا في مسجد الرسول فمد يده إلى علي وقال : امدد يدك أبايعك على كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين ، فقال : أسير فيكم بكتاب الله وسنة نبيه ما استطعت . ثم مد يده إلى عثمان فوافق على ذلك . ثم مد يده إلى علي فقال مثل مقالته الاولي فأجابه مثل الجواب الاول . ثم قال لعثمان مثل المقالة الاولى فأجابه مثل ما كان أجابه ، ثم اتجه إلى علي فقال له مثل المقالة الاولى . فقال الامام على ان كتاب الله وسنة نبيه لا يحتاج معهما إلى طريقة أحد ، أنت مجتهد أن تزوي هذا الامر عني . فاتجه عبد الرحمن إلى عثمان وأعاد عليه القول فأجابه به مثل بذلك الجواب ، فصفق على يده وبايعه ، فقال الامام علي لعبد الرحمن حبوته حبوة دهر ، ليس هذا أول يوم تظاهرتم فيه علينا ، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ، والله ما وليت عثمان الا ليرد الامر اليك ، والله كل يوم في شأن . وبايع أصحاب الشورى عثمان ، وكان علي قائما فخرج مغضبا فقال له عبد الرحمن بايع والا ضربت عنقك ، ولم يكن يومئذ سيف مع أحد ، ولحقه أصحاب الشورى فقالوا : بايع والا جاهدناك ، فأقبل معهم حتى بايع عثمان .
_________
(1) حضر : حضره الموت . ( * )
(2) تندر عضوك : حتى تسقط اعضاؤك .
(3) تولوا دفنه . ( * )
(4) حضر : حضرته الوفاة . ( * )