• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجاهليّة


الجاهليّة اصطلاحاً ، هي : نقيض الإسلام ، وتدلّ على الحالة التي كانت سائدة في جزيرة العرب قبل بعثة النّبي مُحمّد (صلّى الله عليه وآله) ، وعلى الوثنيّة وعلى الفترة السّابقة للإسلام ، وعلى أهل هذه الفترة .
وقد أوردت دائرة المعارف الإسلاميّة(1) ، بالإضافة إلى التعريف السّابق بعض آراء المستشرقين ، ومعظمها يتقارب في المعنى .
هذا ميخائيليس يَرى أنّها : زمن الجهل ، وهي عين ما نُعتت به الأزمنة السّابقة للنصرانيّة في الفقرة / 30 من الإصحاح السّابع عشر من سفر أعمال الرسل .
بينما يُعرّف جولد تسيهر , الجاهليّة : الهمجيّة ، لمّا كان يرى أنّ الجهل ضد الحلم لا العلم .
وقد أوردت الدائرة معنى آخر يتعلّق باقتصار النّظر على الدنيا ، وذلك في معتقد الدروز لمّا كانوا يَرون أنّ الجاهل هو رجل الدنيا لا الدين .
وقد وردت لفظة الجاهليّة تحديداً في أربعة مواضع في القرآن الكريم ، حيث تتكامل معانيها لتُغطي هذا المفهوم من جميع جوانبه : ( يَظُنّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الحقّ ظَنّ الْجَاهِلِيّةِ )(2) .
( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيّةِ يَبْغُونَ )(3) . ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنّ وَلاَ تَبَرّجْنَ تَبَرّجَ الْجَاهِلِيّةِ الْأُولَى ‏)(4) .( إِذْ جَعَلَ الذينَ كَفَرُوا فِي قُلوبِهِمُ الْحَمِيّةَ حَمِيّةَ الْجَاهِلِيّةِ )(5) .
وبذلك فإنّ الجاهليّة مفهوم دالّ على وضعيّة أو بنية تتواجد بتواجد شروطها من غير ارتباط بزمان أو مكان ، وليست كما عرّفتها دائرة المعارف في التعريف السابق الذكر : ... وعلى أهل هذه الفترة . وربما كان تعريف ميخائيليس هو الأقرب . وقد مرّ بنا تشريح المجتمع الجاهلي ممّا نستطيع معه استخلاص أبعاد هذا المفهوم ، أو بتعبير آخر ، هويّة هذه البنية أو مقوّمات هذا النظام .
هذه المقوّمات نستطيع هاهنا أنْ نُجملها في الآتي :
1 ـ الخلط في مفهوم الأُلوهيّة ، وليس مجرّد الوثنيّة الفجّة .
2 ـ التماهي المادي .
3 ـ اللانتماء القِيمي مُنسحباً على كافة الانتماءات الاُخرى : القبليّة أو العرقيّة أو الإقليميّة أو المنفعيّة أو الطبقيّة ... .
كما أنّنا نرى سمةً غالبةً تسم هذه المقوّمات جميعاً ، وهي التناقض الذي يبرز على الأصعدة المتخلفة لممارسة المنتمين لهذا النظام ، كما فصّلنا من قبل .
فإذا كانت هذه هي مقوّمات النظام الجاهلي ، فأين هي إذاً من البنية الإسلاميّة ؟
لعلّ جوهر الدين الفكرة الأساسيّة القائمة على صحيح الاعتقاد بالواحد المُطلق ، ومن ثمّ الخضوع الطوعي والتسليم الكلّي له ، والرضا بما ارتضى من تدبير بما لا ترى لك معه تدبيراً ، يقول تعالى : ( إِنّ الدّينَ عِندَ اللّهِ الْإِسْلاَمُ )(6) . ( وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً ممّن أَسْلَمَ وَجْهَهُ للّهِ‏ِ وَهُوَ مُحْسِنٌ )(7) . ( أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ )(8) . (وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ‏)(9) .
والإسلام بِناء متكامل متعدّد الأبعاد ، بحيث لا تستطيع الاقتصار في بحثه على بُعدٍ واحدٍ فقط ، مثلما حاول بعض الاجتماعيّين النظر للدين ـ بوجه عام ـ من خلال منظور أحادي حسب مدارسهم . فكانت هناك النظرة المتعلّقة بجوهر الدين من حيث هو اعتقاد فيما وراء الطبيعة ، والاُخرى المتعلّقة بكيفيّات وأساليب الممارسة ، أي : الطقوس والشعائر ، والثالثة المتعلّقة بآثاره باعتباره محقّقاً لإشباع حاجات فرديّة أو جماعيّة ، أي : وظيفيّة الدين .
ورغم تعدّد وجهات نظر دارسي الاجتماع البشري ، إلاّ أنّ البعض نظر نظرةً شاملةً للدين ، مثل دوركايم رغم علمانيّته ، بقوله(10) : الدين نسق موحّد من المعتقدات والممارسات المرتبطة بأشياء مقدّسة ، هذه الأشياء تتمثّل في مجموعة من الأوامر والنواهي .
والحقّ أنّ الدين ثلاثيّة متشابكة أشدّ التشابك لا تنفصم عُراها ، كاملة التأثير والتأثّر معاً ، وهي :
1 ـ نسق معتقدات .
2 ـ منظومة شعائر .
3 ـ أحزمة ضوابط وأحكام .
فإذا كانت هذه هي ماهيّة الدين على المستوى الجوهري ، فإنّه لا بدّ وأنّ يتلازم ، وهذه الماهيّة إطار تصوّري عام يربط هذه الأنساق والمنظومات في اتّساق منطقي ، يكشف عن المحاور الأساسيّة التي تتمحور حولها تلك الأنساق ، فما هي هذه المحاور ؟ وكيف تكتسب فاعليّتها في تحريك قوى المجتمع ؟ وكيف يُمكن من خلالها إحكام عمليّة التطوّر الاجتماعي ؟ وهل هناك حقّاً عوامل مستقلّة في الفعل الاجتماعي ؟
ثمّ ما هو اتّجاه آليات هذا النظام على مدرج نموّه ؟ أهو الثبات والاستقرار والتغير المتوازن ، أمْ هو الصراع ؟
الواقع إنّ دراسة النظام الإسلامي في إطاره التصوّري العام ، وعلى مستوييه النظري والتطبيقي المباشر في عهوده المُثلى ، تقودنا إلى القول : إنّ عمليّة التفاعل الاجتماعي(11) تصنّفها عوامل متعدّدة تتبادل محوريّتها وفقاً لظروفها النسبيّة والمكانيّة معاً ، كما أنّ البِناء الاجتماعي ذاته يحتاج إلى آليات التوازن والصراع المحكوم في آنٍ معاً وفقاً لطبيعة المرحلة البِنائيّة . ورغم هذا التبادل في الأولويّة والسبق لأهميّة المحاور ، إلاّ أنّها تظلّ محكومة دوماً في ظلّ النظام الإسلامي بمنظومة مفاهيم ثابتة مستقرّة لا تتبدّل ولا تتغيّر ، يُمكن إجمالها تحت مسمّى : مقوّمات التصوّر الإسلامي(12) .
إنّ كلّ القضايا التي تتفرع من أنساق البِناء الاجتماعي في ظلّ النظام الإسلامي يُمكن أنْ تردّ جميعاً إلى أصلين رئيسين ، هما : التوحيد والعدل .
والتوحيد في الإسلام : توحيد مُطلق لا شية فيه , وهو ليس مجرّد الإقرار بوجود الإله ، ولكنّه قضيّة تستوعب في الوقت ذاته جميع آمال وأحلام الإنسان ، وتستجيب لكلّ دواعي قلقه ، وتُجيبه عن كلّ تساؤلاته فيما يُشكّل منهج حياة متكامل .
وكما أسلفنا ، فإنّ كثيراً من الدراسات تناولت الدين بمناظير مختلفة ، وحدّدت بعضها عوامل متعدّدة تجعل الإنسان  يبتدع  الإله ـ رغم كونها فطرة ـ حتّى يجعل حياته محتملة , هذه العوامل كما رآها سلزنيك(13) :
1 ـ الخوف والقلق ( Fear and anxiety ) .
2 ـ البحث عن معنىً نهائي ( Search for ultimate meaning ) .
3 ـ البحث عن السموّ بالذات ( Search for self - transcendence ) .
4 ـ جعل العالم شيئاً ذا معنىً ( Making the world comprehensible ) .
وقضيّة التوحيد باستيعابها لكلّ ما سبق ضمن مدلولها ، تفكّ إسار الإنسان من مخاوفه ، وتطلق سراحه إلى حريّة غير محدودة بقيد عبادته لله الواحد ، واستبعاده من استعباده لأيٍّ ممّا عداه .
إنّ النتائج المنطقيّة المترتّبة على هذا المفهوم تؤدّي بالإنسان المسلم إلى الاعتقاد اليقيني في :

ـــــــــــــــ
 (1) دائرة المعارف الإسلاميّة 11 / 14 , القاهرة , دار الشعب  .
 (2) سورة آل عمران / 154
(3) سورة المائدة / 50 .
(4) سورة الأحزاب / 33 .
(5) سورة الفتح / 26 .
(6) سورة آل عمران / 19 .
(7) سورة النساء / 125 .
(8) سورة آل عمران / 83 .
(9) سورة لقمان / 22 .
(10) د. سامية الخشاب ، علم الاجتماع الديني / 23 , القاهرة ,  دار المعارف عام / 1988م .
(11) د . زينب رضوان ، النظريّة الاجتماعيّة في الفكر الإسلامي / 18 , القاهرة , دار المعارف / 1982م .
(12) سيّد قطب ، مقوّمات التصوّر الإسلامي , القاهرة , دار الشروق / 1986 م .
(13) د . سامية الخشاب ، علم الاجتماع الإسلامي / 14 , القاهرة ,  دار المعارف / 1987 م .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page