آثرنا هذا التوصيف لبني اُميّة في طورهم ذي الأثر الشديد ، لما كان التحليل الدقيق لوقائع تلك الفترة يقودنا إلى القول باطمئنان : إنّ الدولة الاُمويّة لمْ تنشأ فُجأة عقيب فترة الخلافة ، وإنّما كانت نِتاجاً لجهد دؤوب بُذل على مرّ السنين ، بطيئاً متئداً ولكن في اطّراد ، أو كما يقول المثل الإنجليزي : ( Slowly but sure ) .
فقد كانت هناك جماعة توفّرت لها عناصر مشتركة تجتمع عليها ، ولها أهداف محدّدة ، ولها وسائل محدّدة لبلوغ هذه الأهداف ، متّخذة السيطرة على السلطة واسطتها للتحقيق ، وذلك هو الحزب .
فمَن هم أعضاء هذا الحزب ؟ وما هي أهدافه ؟ وما هي وسائله ؟ وهل تبدّلت الأهداف والوسائل والحزب خارج السلطة عنها وقد حاز السلطة ؟
إنّ أوّل ما نلحظه من معرفتنا بالتاريخ الإسلامي هو وصف تلك الفترة الممتدّة من عام / 41 هـ حتّى 132هـ بعصر الدولة الاُمويّة ، أي : أنّ تمييز النظام أضحى نسباً لبطن من بطون قريش ، أي : نسباً قبليّاًَ محضاً .
وقد كان من قبله تمييزاً مستمدّاً من طبيعة النظام ذاته ، أي : الخلافة عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) , فلمْ يقل أحد عن سابقه إنّه عصر الدولة الهاشميّة ، نسب عليّ بن أبي طالب (ع) .
ثمّ كان أنْ استنّت هذه السنّة لمّا آلَ الحكم إلى الوارثة على يد الاُمويّين وعُمل بها من بعدهم ، وكأنّها أمر مقرّر وعلم على كلّ نظام للحكم فيما تلا من عصور ، كالدولة العبّاسيّة والأيوبيّة والطولونيّة ... إلى آخر تلك الدول في العصر الحديث ، كالصفويّة والعثمانيّة .
والاُمويّون ـ كما ترى في سلسلة النسب ـ ينتسبون إلى اُميّة بن عبد شمس ، وهو أخو هاشم والمُطلب ونوفل , وهم جميعاً بنو عبد مُناف .
وكما علمنا من قبل ـ حين دراسة أنساق القرابة ـ أنّه قد يحدث افتراق بين الأسر في أحد مستويات انقسام سلاسل النسب عند تميز بعضها بمزيّة خاصّة ، أو حدوث تطوّر مفاجئ لمكانتها الاجتماعيّة ، أو نتيجة لقوّة اقتصاديّة حادثة ، وكذلك كان الأمر في حالة بني عبد مناف .
حدث أنْ أصابت قريشاً سنة جدب ، فانتدب لها هاشم نفسه ، فرحل إلى فلسطين فاشترى منها الدقيق فقدم به مكّة ، فأمر به فخُبز له ونحر جزوراً ، ثمّ اتّخذ لقومه مرقة ثريد بذلك الخبز ، فسمّاه قومه : هاشماً ، أنْ كان أوّل من هشم الثريد لقومه بمكّة وأطعمه(1) .
ـــــــــــــــ
(1) تاريخ الطبري ، المرجع السابق 2 / 251 .
الحزبُ الاُموي
- الزيارات: 821