• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

سيرة الحزب من قريب حتّى عهد معاوية


رغم أنّ الحزب قد تمكّن من الغلب على الكثير من مواقع السلطة منذ البداية ، إلاّ أنّ ممارساته الواضحة المتوائمة مع طبيعة أغراضه ومنهجه لمْ تفصح عن نفسها جليّاً إلاّ في عهد عثمان . ونقول بجلاء الإفصاح نظراً ؛ لأنّه كانت هناك شواهد وبوادر تنبئ بها فيما سبق عهد عثمان ، وقد كانت قمينة بلفت الأنظار إليها .
فكان أدعى بأصحاب النظر استجلاؤها قبل جلائها ، إلاّ أنّا نترك تفاصيل هذا الأمر لموضعه من البحث .
ولندع أحد المعاصرين للأحداث يروي لنا كيف كانت بداية تمكّن الحزب الفعالية ، وشيوع سياساته ، وظهور أعلامه ، كتب الأشتر إلى عثمان ـ فيما نقله البلاذري في أنساب الأشراف ـ يقول : من مالك بن الحارث إلى الخليفة المُبتلى الخاطئ ، الحائد عن سنّة نبيّه (ص) ، النابذ لحكم القرآن وراء ظهره .
أمّا بعد ، فقد قرأنا كتابك ، فَانْه نفسك وعمّالك عن الظلم والعدوان وتسيير الصالحين ، نسمح لك بطاعتنا ، زعمت أنّا قد ظللنا أنفسنا ، وذلك ظنّك الذي أرداك فأراك الجور عدلاً والباطل حقّاً .
وأمّا محبتنا ، فأنْ تنزغ وتتوب وتستغفر الله من تجنيك على خِيارنا ، وتسييرك صلحاءنا ، وإخراجك إيّانا من ديارنا ، وتوليتك الأحداث علينا ، وأنْ تُولّي مصرنا عبد الله بن قيس أبا موسى الأشعري وحذيفة ، فقد رضيناهما ، واحبس عنّا وليدك وسعيدك ومَن يدعوك إليه الهوى من أهل بيتك إن شاء الله . والسّلام .
فهذه إذاً صحيفة اتّهام للخليفة ، وبيان بمطالب المعارضة في أحد الأمصار الهامّة للدولة الإسلاميّة ، وهي الكوفة .
فصحيفة الاتّهام ، كما ترى ، تتبلور في الآتي :
1 ـ الظلم والعدوان من الخليفة ونوّابه .
2 ـ قلب الحقائق والتلبيس على الناس .
3 ـ التنكيل بالمعارضة حتّى النفي من الديار .
4 ـ عدم أهليّة وصلاحيّة اُمراء الخليفة .
5 ـ إيثار الهوى على المصلحة .
6 ـ محاباة الأقارب على الرعيّة .
وأمّا مطالب المعارضة ، فتنحصر في الآتي :
ـ التزام الحكم بالقرآن والسنّة .
ـ عدل الحكّام ، وإلاّ فلا طاعة .
ـ كفالة حرية وأمان المعارضة .
ـ توافر الأهليّة للحكم في الولاة .
ـ حقّ الرعيّة في اختيار مَن يحكمها .
وإذاً كان هذا هو الحال في الأمصار ، فكيف كان في عاصمة الدولة المدينة ؟
يُحدّثنا الطبري(1) أنّ أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) اجتمعوا لمّا كثَّر النّاس على عثمان ، ونالوا منه ، وانتدبوا عليّ بن أبي طالب (ع) ليكلّمه .
ذهب عليّ (ع) إلى عثمان قائلاً له : (( النّاس ورائي ، وقد كلّموني فيك والله ، ما أدري ما أقول لك وما أعرف شيئاً تجهله ، ولا أدلّك على أمر لا تعرفه .
إنّك لتعلم ما نعلم ، وما سبقناك إلى شيء فنخبرك عنه ، ولا خلونا بشيء فنبلغكه ، وما خصصنا بأمر دونك ، وقد رايت وسمعت ، وصحبت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ونلت صهره ، وما ابن أبي قحافة بأولى بعمل الحقّ منك ، ولا ابن الخطّاب بأولى بشيء من الخير منك ، وإنّك أقرب إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) رحماً ، ولقد نلت من صهر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ما لمْ ينالا ، ولا سبقاك إلى شيء .
فالله الله في نفسك ! فإنّك والله ، ما تبصر من عمى ، ولا تعلم من جهل ، وإنّ الطريق لواضح بيّن ، وإنّ أعلام الدين لقائمة .
تعلم يا عثمان ، أنّ أفضل عباد الله عند الله إمام عادل هُدي وهدى ، فأقام سنّةً معلومةً ، وأمات بدعةً متروكةً ، فوالله ، إنّ كلاً لبيّن ، وإنّ السنن لقائمة لها أعلام ، وإنّ البُدع لقائمة لها أعلام ، وإنّ شرّ الناس عند الله إمام جائر ، ضلّ وضُلّ به ، فأمات سنّة معلومةً ، وأحيا بدعةً متروكةً ، وإنّي سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، يقول :  يُوتى يوم القيامة بالإمام الجائر ، وليس معه من نصير ولا عاذر ، فيُلقى في جهنّم .
وإنّي أُحذّرك الله ، وأُحذّرك سطوته ونقماته ، فإنّ عذابه شديد أليم . وأُحذّرك أنْ تكون إمام هذه الاُمّة المقتول , فإنّه يُقال : يُقتل في هذه الاُمّة إمام ، فيُفتح عليها القتل والقتال إلى يوم القيامة ، وتلبس أمورها عليها ، ويتركهم شِيعاً ، فلا يبصرون الحقّ لعلوّ الباطل ، يموجون فيها موجاً ، ويمرجون فيها مرجاً )) .
فهذا إذاً اضطراب وقلق وتململ ، ثمّ معارضة وبداية تمرّد ، ثمّ فتنة معمية ، ثمّ صراع رهيب لمّا يزل ، كما توقّع عليّ (ع) حتّى اليوم .
ولم تكن البداية في كلّ ذلك إلاّ عندما بدأت سياسة الحزب الأموي تأخذ طريقيها للتنفيذ الفعلي ، إذ تسلّل أوّلاً إلى مواقع السلطة ، ثمّ شرع في الغلب على جميع مقدرات الدولة ، إلى أنْ ملك نهائيّاً على يد معاوية .
فكيف كانت سياسته حينما وصل إلى هذا الحدّ ؟
تعالَوا نقرأ معاً رأي أحد النقّاد وهو الجاحظ ؛ لنقف على مُوجز هذه السياسة . يقول الجاحظ (2) :
 استوى معاوية على المُلك ، واستبدّ على بقيّة الشورى ، وعلى جماعة المسلمين من الأنصار والمهاجرين في العام الذي سمّوه عام الجماعة ، وما كان عام جماعة ، بل كان عام فرقة وقهر وجبرية وغلبة ، والعام الذي تحولت فيه الإمامة ملكاً كسروياً ، والخلافة غصباً قيصرياً ، ولم يعدّ ذلك أجمع الضلال والفسق .
ثمّ ما زالت معاصيه من جنس ما حكينا وعلى منازل ما رتبنا , حتّى ردّ قضية رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ردّاً مكشوفاً وجحد حكمه جحداً ظاهراً في ولد الفراش وما يجب للعاهر , مع اجتماع الاُمّة أنّ سميّة لم تكن لأبي سفيان فراشاً ، وأنّه إنّما كان بها عاهراً ، فخرج بذلك من حكم الفجّار إلى حكم الكّفار .
وليس قتل حجر بن عدي ، وإطعام عمرو بن العاص خراج مصر ، وبيعة يزيد الخليع ، والاستئثار بالفيء ، واختيار الولاة على الهوى ، وتعطيل الحدود بالشفاعة والقرابة ، من جنس جحد الأحكام المنصوصة والشرائع المشهور ، والسنن المنصوبة .
وسواء في باب ما يستحقّ من الإكفار جحد الكتاب وردّ السنّة إذ كانت السنّة في شهرة الكتاب وظهوره ، إلاّ أنّ أحدهما أعظم ، وعقاب الآخرة عليه أشدّ . فهذه أوّل كفرة كانت من الاُمّة . ثمّ كانت فيمَن يدّعي إمامتها والخلافة عليها .
* *
ولعلّك تلاحظ معي هُنا ملاحظة هامّة للغاية ، تلك هي اشتراك خطاب الجاحظ هذا وخطاب الأشتر ذاك في نصوص اتّهام تكاد تكون متطابقة في الجنس ، وإنْ اختلفت في درجت القوّة والعنف ، ذاك أنّ معاوية انتقل بأفعاله إلى طور آخر من العلانيّة بلا مُبالاة ولا مُراعاة ، بعد أنْ كانت تُؤتى على استحياء أوّل مرّة .
فقد كان اتّهام الأشتر لعثمان بالظلم والعدوان ، فأضحى الاتّهام لمعاوية لا بالفجر وإنّما بالكفر . وقد كانت في الأولى إمامة وخلافة ، فصارت في الثانية مُلكاً قيصريّاً ، وغصباً كسرويّاً .
وكانت في الأولى تنكيلاً بالمعارضة ، فأضحت على يد معاوية قتلاً ـ حجر بن عدي وصحبه على سبيل المثال ـ .
وكانت في الأولى حيدة عن الأحكام تأوّلاً ، فغدت ردّاً مكشوفاً وجحداً ظاهراً للكتاب والسنّة .
وظلّت سمة مشتركة واحدة كما هي ، وهي إلباس الحقّ بالباطل ، وأقلّه إطلاق عام الجماعة على عام الفرقة والقهر .
* * *
ـــــــــــــــ
(1) المرجع السابق 4 / 337 ، أحداث سنة 34 هـ .
(2) الجاحظ ، رسالة في بني اُميّة ، ملحقة بنهاية كتاب التنازع والتخاصم للمقريزي ، المرجع السابق / 124 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

اللطميات

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page