• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

صفات ابن هند الممدوحة وحقيقتها

بقي علينا بعد البحث في سمات حكم معاوية أن نلم بحقيقة اُخرى طالما أثارها الرواة والمؤرخون على سبيل التمدّح بابن هند معاوية وهي صفات ممدوحة رواها الرواة له ، ومنها الحلم الذي طالما تغنّى به شيعته وذكروه بكثير من الزهو والخيلاء وذكروا له نبوءات نسبت إلى اُمّه وإلى غيرها بأنّه سيسود العالم من قبيل ما روى الذهبي عن أبان بن أبي عثمان قال : كان معاوية وهو غلام يمشي مع اُمّه فعثر فقالت : قم لا رفعك الله ، وأعرابي ينظر فقال : لم تقولين له ؟ فوالله إنّي لأظنّه سيسود قومه . قالت :لا رفعه إن لم يسد إلاّ قومه(264) .
وبالطبع ليس لهذه الرواية أساس من الصحّة وآثار الصنع بادية عليها ، ولو صحّ من هذا شيء لظهر عليه قبل الإسلام أو بعده قبل أن يسلم ولما نجم قرنه في عهد عمر لا غير . والقوم بالغوا في حلم معاوية ولكنّه كما قال الأحنف حين سمع رجلاً يذكره بالحلم فيقول : ما أحلم معاوية ! فقال : لو كان حليماً ما سفه الحق ، والأحنف يعرف حقيقة الحلم لأنّه حليم ووصفه رجل عند الشعبى بالحلم فقال : ويحك ، وهل أغمد سيفه وفي قلبه على أحد شيء(265) . والشعبي أخذ قوله هذا من ابن عباس ، قال ابن حمدون : وكان معاوية مذكوراً بالحلم وأخباره فيه كثيرة وقد دفعه قومه عن ذلك ذكر عند ابن عباس بالحلم فقال : وهل أغمد سيفه وفي قلبه على أحد إحنه(266) .
وقال شريك بن عبدالله : لو كان معاوية حليماً ما سفه الحق ولا قاتل علياً(267)(268)وقال : لو كان حليماً لما حمل أبناء العبيد على حرمه ولما أنكح إلاّ الأكفاء(269) . وقال الآخر : كان معاوية يتعرض ويحلم إذا سمع ومن تعرّض للسفيه فهو سفيه(270) . وقال آخر : كان يحب أن يظهر حلمه وقد كان طار اسمه بذلك فأحب أن يزداد فيه(271) .
وشهد أعرابي عند معاوية بشهادة فقال له معاوية : كذبت . فقال : الكاذب والله المتزمّل بثيابك . فقال معاوية : هذا جزاء من عجل(272) .
وهذا مصدق قول من قال : كان معاوية يتعرض الخ . ومعاوية بنفسه نفى عن نفسه الحلم بعد قتل حجر بن عدي . قالت عائشة لمعاوية حين حج ودخل إليها : يا معاوية ! قتلت حجراً وأصحابه فأين غرب حلمك عنهم ؟ أمّا إنّي سمعت رسول الله يقول : يقتل بمرج عذراء نفر يغضب لهم أهل السماوات . قال : لم يحضرني رجل رشيد يا اُمّ المؤمنين .
وروي أنّ معاوية كان يقول : ما أعدّ نفسي حليماً بعد قتلي حجراً وأصحاب حجر(273) . وإن اتّصف معاوية بصفة الحلم يوماًما فإنّه حلم عن الأقوياء والرواية التالية توضح لنا ذلك . قال عيسى بن يزيد المدني : قالت فاختة بنت قرظة امرأة معاوية : يا أميرالمؤمنين لم تصانع الناس وترى أنّهم منصفون منك ؟! فلو أخذتهم من عل كانوا الأذلّين وكنت لهم قاهراً . فقال : ويحك إنّ في العرب بقيّة بعد ، ولولا ذلك لجعلت عاليها سافلها . فقالت : والله ما بقي أحد إلاّ وأنت عليه قادر .
قال : فهل لك في أن أريك بعض ذلك منهم ؟ قالت : نعم ، فأدخلها بيتاً وأسبل عليها ستره ، ثمّ أمر حاجبه أن يدخل عليه رجلاً من أشراف من بالباب ، فأدخل عليه رجلاً من قيس يقال له الحارث ، فقال له معاوية : يا حويرث ، إيه أنت الذي طعنت بالخلافة وتنقّصت أهلها ؟ والله لقد هممت أن أجعلك نكالاً . فقال : يا معاوية إنّما دعوتني لهذا ؟ والله إنّ ساعدي لشديد ، وإنّ رمحي لمديد ، وإنّ سيفي لحديد ، وإنّ جوابي لعتيد ، ولئن لم تأخذ ما أعطيت بشكر لتُنزَعنّ عمّا نكره بصغر . فقال : أخرجوه عنّي فاُخرج . فقالت فاختة : ما أجرأ هذا وأقوى قلبه ؟! فقال معاوية :
ما ذاك إلاّ لإدلاله بطاعة قومه له .
ثمّ أمر الحاجب فأدخل عليه رجلاً من ربيعة يقال له : جاريه ، فقال له معاوية : إيه يا جويرية أنت الذي بلغني عنك تجنيب للجند وقلّة من الشكر ؟ فقال : وعلام نشكر ؟ ما تعطي إلاّ مداراة ولا تحلم إلاّ مصانعة ، فاجهد جهدك ، فإنّ ورائي من ربيعة ركناً شديداً لم تصدع أدرعهم مذ جلوها ، ولا كلّت سيوفها مذ شحذوها . فقال : أخرجوه .
ثمّ أمر معاوية حاجبه فأدخل إليه رجلاً من أهل اليمن يقال له عبدالله ، فقال له : إيه يا عبيد السوء ، الحقتك بالأقوام واطلقت لسانك بالكلام ، ثمّ يبلغني عنك ما يبلغني من سوء الأرجاف ؟! لقد هممت أن أخرجك وأنت عبرة لأهل الشام . فقال : أيا معاوية ألهذا دعوتني ثمّ صغّرت اسمي ولم تنسبني إلى أبي ؟ وإنّما سمّيت معاوية باسم كلبه عاوت الكلاب فأربع على ظلعك فذلك خير لك . فقال لحاجبه : أخرجه . فقالت فاختة : صانع الناس بجهدك وسعهم برفقك وحلمك فأخزى الله من لامك ...(274)
وهذا النص جمع حقيقة حلم ابن آكلة الأكباد ، إنّه ليس حلماً في طبعه ، بل هو تحالم عن أولئك الذين يهابهم ويخاف قبائلهم لأنّها مطيعة لهم تحوطهم بالحماية من كلّ أحد ولو كان في سلطان معاوية ، أمّا من كان بمثابة حجر وأصحابه وعمرو بن الحمق وزوجته وإخوانه في الجهاد فلا يسعهم حلم معاوية .
وأمّا ما نسب إليه من العقل فقد أحسن الحسن البصري التعبير عنه ، حين سئل عن العاقل فقال : العاقل من اتّقى الله تعالى وتمسّك بطاعته . قال له رجل : فمعاوية ؟ قال : تلك الشيطنة ، تلك الفرعنة . ثمّ قال : ذلك شبيه بالعقل(275) .
ولم يكن قول الحسن البصري في عقل معاوية اكتشافاً جديداً ، فقد كشف ذلك قبله إمام المتقين أميرالمؤمنين (عليه السلام) فكتب إلى زياد بن أبيه : وقد عرفتُ أنّ معاوية كتب إليك يستزلّ لبّك ويستفلّ غربك فأحذره ، فإنّما هو الشيطان يأتي المؤمن من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ليقتحم غفلته ويستلب غرّته ...(276)
وأحسن سفيان الثوري أيضاً حين سمع رجلاً في مجلسه يقول : كان معاوية عاقلاً ، فقال : العقل لزوم الحق وقول الصدق(277) .
وقال الإمام زين العابدين (عليه السلام) في معاوية كلمة جامعة حين بلغه قول نافع بن جبير في معاوية : كان يسكته الحلم وينطقه العلم فقال : كذب ، بل كان يسكته الحصر وينطقه البطر(278) .
وأوّل من وصف معاوية بالعقل والحلم عمر بن الخطّاب ، فقد ذكر معاوية عنده فقال : دعونا من ذمّ فتى قريش وابن سيّدها ، من يضحك في الغضب ولا ينال على الرضا ، ومن لا يأخذ ما فوق رأسه إلاّ من تحت قدميه .
وقد مرّ في أثناء الكتاب وهذه الجمل العمرية تعطي معاوية العقل والحلم والصبر والحكمة ، وتفرغ عليه هذه الصفات الفضفاضة ، ومن عجب أنّ عمر يرمي أميرالمؤمنين بالدعابة وما قصد مدحه ! بل قصد القدح بشخصيّته ، لأنّه قالها في ظرف تستعدّ الاُمّة فيه لاختيار زعيمها السياسي خلفاً لعمر ، فأراد أن يصيب الهدف وهو العزوف عن اختيار الإمام لقصور صفاته الخلقية عن صفات الزعيم الجدير بقيادة الاُمّة بحكم الدعابة التي تثلم شخصيّة البقّال فما بالك بزعيم القوم . يقول هذا عن فتى الإسلام وأخي المصطفى وباب مدينة علم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ثمّ هو يفرغ الصفات الطنّانة والنعوت الرنّانة على ابن آكلة الأكباد ويعطي أباه صفات السيادة على قريش بأجمعها لا يستثنى حتّى اُسرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) .
ولا تعرف هذه السيادة لأبي سفيان إلاّ في خيال عمر بن الخطّاب ، بل الواقع يحكي عكس ذلك : كانت بين أبي الأزيهر وبين الوليد بن المغيرة محاكمة في مصاهرة ، كانت بين الوليد وبينه ، فجاءه هشام وأبو الأزيهر قاعد في مقعد أبي سفيان بذي المجاز فضرب عنقه فلم يدرك به أبو سفيان عقلاً ولا قوداً في بني المغيرة ، وقال حسان بن ثابت يذكر ذلك :

غدا أهل حصني ذي المجاز بسُحرة    وحار ابن حرب لا يروح ولا يغدو
كساك هـشام ابـن الوليـد ثيابـه    فأبـل وأخلق مثـلها جـدداً بعد(279)

وأبو الأزيهر هذا هو ابن أنيس بن الحبس بن مالك بن سعد بن كعب بن الحارث الأزدي وكان أخواله من دوس فنسب إليهم ، وكان حليفاً لأبي سفيان بن حرب ، وكان يقعد هو وأبو سفيان في أيّامهما فيصلحان بين من حضر ذلك المكان الذي هما به وكانت ابنته تحت أبي سفيان ، ثمّ تزوّج ابنة له اُخرى الوليد بن المغيرة بن عبدالله بن مخزوم وأخذ ابو الأزيهر من الوليد المهر فبلغه بعد أنّه غليظ على النساء فأمسكها ولم يردّ المهر وقال بعض : إنّها اُهديت إليه . فقال الوليد لها ليلة أن دخل عليها : أنا أشرف أم أبوك ؟ فقالت له : إنّ أبي سيّد قومه وفي قومك من يساويك ويفوقك . فغضب ولطمها على خدّها فهربت فرجعت إلى أبيها فأمسكها ولم يردّها عليه وكان مقتله لأجل هذا(280)
وقالت صفية بنت عبدالمطّلب تعير أبا سفيان وبني اُميّة بذلك :

ألا أبـلغ بني عمّي  رسولاً      فـفيم الـكيد فـينا  والأمار
وسائل في جموع بني  علي      إذا كـثر الـتناشد  والفخار
بـأنّا لا نـقرّ الـضيم  فينا      ونـحن  لمن توسّمنا نضار
متى  نقرع بمروتكم  نسؤكم      وتـظعن مـن أماثلكم  ديار
ويظعن أهل مكة وهي شكر      هم  الأخيار إن ذكر  الخيار
مـجازيل العطاء إذا  وهبنا      وأيـسار إذا جـبّ الـقتار
ونـحن  الغافرون إذا قدرنا      وفـينا عند غدوتنا  انتصار
ولـم  نبدأ بذي رحم  عقوقاً      ولـم  تـوقد لنا بالغدر  نار
وإنّـا والـسوابح يوم  جمع      بـأيديها وقـد سطع  الغبار
لـنصطبرن لامر الله  حتّى      يـبيّن  ربّـنا أيـن  الفرار

قال المؤلف : وإنّما قالت ذلك في قتل أبي أزيهر تعيّر به أبا سفيان بن حرب(281) . فأين سيادته وما استطاع صون حليفه من سيف ابن المغيرة ؟ وهذا الفرزدق يسخر من معاوية نفساً وجدّاً ووالداً بشعره فيقول :

أنـا ابـن الجبال الشمّ في عدد الحصى      وعـرق الـثرى عرقي فمن ذا  يحاسبه
أنـا ابـن الـذي أحـيا الوئيد وضامن      عـلى الـدهر إذ عـزّت لدهر  مكاسبه
وكـم  مـن أب لـي يا معاوي لم يزل      أغـرّ  يـباري الـريح ما أزورّ  جانبه
نـمته  فـروع الـمالكين ولـم  يـكن      أبوك الذي من عبد شمس يقاربه ...(282)

ويظهر قدر أبي سفيان عند قريش في كلامهم له حين عاد بخفي حنين قبل فتح مكة لم يتمكن من تجديد الحلف أووقف الزحف على مكة فقد قالوا له : تالله ما رأينا أحمق منك ما جئتنا بحرب فنحذر ولا بسلم فنأمن(283) .
ويظهر قدره أيضاً عند هند حين أخذت بشاربه بعد عودته ينذر أهل مكة بأن يضعوا السلاح ويستسلموا(284) . وقال الواقدي : أخذت برأسه(285) لئلاّ يهين شارب أبي سفيان ، وهند هذه كانت تذكر بمكة بفجور وعهر(286) فأين السيادة في أبيه أو في اُمّه وكيف صار فتى قريش من أبوه بمكانة أبي سفيان واُمّه في عهر هند وفجورها ؟!
لم يقل عمر ذلك إلاّ لغاية في نفسه ، وهي جدّ واضحة لمن تدبّر أو ألقى السمع وهو شهيد ، وما كان طموح عمر ومن ورائه قريش بقضها وقضيضها لتحصر في تسنّم غارب الحكم ، وإلاّ فقد أوتي سؤله ونال غايته وبلغ مبتغاه ، ولكن الهدف الأكبر يومئذ تمثّل في إقصاء علي وبني هاشم عامة عن الخلافة والحكم لئلاّ تجتمع لهم النبوّة والإمامة .
وبحثوا عن شخص يقف في وجه علي وأبنائه ، يحشونه بالعداوة عليه ، كما تصنع النحل يعسوبها فوقع اختيارهم على العباس وأبنائه أوّلاً وذلك بمشورة المغيرة بن شعبة ، لما يعلمونه من المنافسة الكائنة بين الأعمام ، فلم يجدوا عندهم ما ابتغوه من عداوة علي ، فحولوا اتّجاههم حينئذ إلى معاوية وهو اختيار ناجع ودواء نافع لما يتبطّنه معاوية من عداوة الإمام لأنّه موتور بأهله الذين قتلهم أميرالمؤمنين (عليه السلام) في وقعة بدر وبسيفه كان النصر عليهم ، ولأنّه من الشجرة الملعونة الذين ينزون على منبر النبي نزو القردة ، أي يأتيهم الحكم من بعده ، وكان يعلم هذا عمر بن الخطّاب كما يزعمون بأخبار كعب الأحبار له ، فقد استشاره عمر فيمن يولّيه إن نزلت به نازلة قائلاً :
إنّي أحببت أن أعهد إلى من يقوم بهذا الأمر وأظنّ وفاتي قد دنت ، فما تقول في علي ؟ أشر علي في رأيك واذكرني ما تجدونه عندكم فإنّكم تزعمون أنّ أمرنا مسطور في كتبكم . فقال : أمّا من طريق الرأي فإنّه لا يصلح ، إنّه رجل متين الدين لا يغضي على عورة ولا يحلم عن زلة ولا يعمل باجتهاد رأيه وليس هذا من سياسة الرعية في شيء ، وأمّا ما نجده في كتبنا فنجده لا يلي الأمر ولا ولده وإن وليه كان هرج شديد . قال : وكيف ذاك ؟ قال : لأنّه أراق الدماء ، فحرمه الله الملك ، إنّ داود لمّا أراد أن يبني حيطان بيت المقدس أوحى الله إليه : إنّك لا تبنيه لأنّك أرقت الدماء ، وإنّما يبنيه سليمان .
فقال عمر : أليس بحقّ أراقها ؟ قال كعب : وداود بحقّ أراقها يا أميرالمؤمنين . قال : فإلى من يفضي الأمر تجدونه عندكم ؟ قال : نجده ينتقل بعد صاحب الشريعة والإثنين من أصحابه إلى اعدائه الذين حاربهم وحاربوه وحاربهم على الدين . فاسترجع عمر مراراً وقال : أتستمع يابن عباس ! أما والله لقد سمعت من رسول الله ما يشابه هذا ، سمعته يقول : ليصعدنّ بنو اُميّة على منبري ولقد أريتهم في منامي ينزون عليه نزو القردة ، وفيهم أنزل : (وَمَا جَعَلْنَا الرّؤْيَا الّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاّ فِتْنَةً لّلنّاسِ وَالشّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ)(287) .
ولسنا بصدد الردّ على هذا الخبيث اليهودي الذي اتّهم أميرالمؤمنين بإراقة الدم ونفى عنه الحلم وفي الأولى يتوجّه الإتّهام إلى ابن عمّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل توجّهه إليه ، لأنّه بأمر الله ومن أجل نصر رسالته سفك الدم ، وفي الثانية يكذب هذا اليهودي عفوه عن أهل البصرة بعد يوم الجمل .
والواقع أنّ هذه ليست نبوءة بل هي مؤامرة على إقصاء بني هاشم وإلاّ فما باله لم يشر إلى تملّك بني العباس وقد كان عبدالله حاضراً ولو كانت نبوءةً أو علماً من الكتب التي سبقت القرآن لما أغفل ذلك ، ولكنّه يشير على عمر باستعمال أعداء بني هاشم القدامي ليصير الأمر إليهم ويقع بأيديهم ، وبهذا يظهر جليّاً أنّ عمر ما أقدم على مجهول حين استخلف عثمان واستعمل معاوية على الشام ، وقد ذكر حمد الله مستوفي في كتابه (تاريخ گزيده) : أنّ عمر أدنى أبا سفيان إليه وقرّبه منه ورفع مجلسه وسمّاه سيّد قريش ولمّا أبى البيعة لهم رشوه رشوة عظيمة ما كان يتوقّعها الرجل أبداً ، وتلك هي حباء معاوية بجزء عزير رخي من أجزاء البلاد الإسلامية ألا وهو الشام(288) . وعند ذلك خمدت شرته ولانت شكيمته وراح يتملّقهم بعد أن كان يسخر منهم ويراهم أضعف بيت في قريش وأذلّه(289) .
ولم ينظر هذا المؤرخ إلى المسألة بعمق ، فما كان تأمير يزيد على الشام أوّلاً ثمّ معاوية من بعده لمجرّد كبح جماح أبي سفيان أو دفع شرّه وكفّ عاديته ولكن الهدف الأكبر من ذلك إعداد العدوّ الموكل إليه ، الوقوف في وجه علي والهاشميين ، ولم يكن أجدر بمعاوية من هذه المأثمة ولا أولى منه بهذا الشقاء واللعنة الأبديّة ، بخاصة وقد رجّح كعب الأحبار اختيارهم هذا بما أشار من أهليّة معاوية لعداوته لهم ، ومن نفرة قريش من علي لأنّه أراق الدم وليس الدفع عن الحكم والخلافة ، إرادة من الله بل هي إرادة قريش لأنّها الناقمة الوحيدة على إراقة دمائها ، وأمّا الله سبحانه فهو الآذن بإراقتها وما كان الله سبحانه ليأذن بذلك ثمّ يعاقب عليه بوجه من وجوه العقاب اباً كان .
وأعجب من كلّ هذا عمر بن الخطّاب الذي أعرض عن استشارة المهاجرين والأنصار وفيهم بنو هاشم ، ثمّ راح يستشير كعب الأحبار وقد حشى هذا الأخير رأس عمر بالأساطير وملأه بالإسرائيليات فكان الأحرى بهذا أن يسمّى ابن سبأ لا ذاك الموهوم الذي لم يخلق بعد . والواقع أنّ كعب الأحبار هو ابن سبأ حقّاً وصدقاً لا من اختلقته مخيلة سيف بن عمر والوضّاعين من الرواة ، ولقيت كلمة كعب ابن سبأ الأحبار عن الإمام أميرالمؤمنين وعدم استتباب الأمر له في خلافته واتساقه مع بني اُميّة أذاناً صاغية تلقفتها وآمنت بها ، فهذا الدكتور حسين مؤنس المثقف العصري يقول في حاشيته على جرجي زيدان تاريخ التمدن الإسلامي :
وتزعم ذلك النفر ـ أي الثائرون على عثمان ـ علي بن أبي طالب وضاق الخناق على عثمان واشتدّ النقد عليه وثقلت عليه وطأة علي ومن معه واحتاج لمن ينصره فتصدّى لذلك أهله بنو اُميّة ، وأصبح النزاع شيئاً فشيئاً بين بني هاشم من ناحية وبني اُميّة في ناحية اُخرى . بنو هاشم ينادون بالسيرة الاُولى وبنو اُميّة يجارون التيار العام ويتألفون الناس بالجري وراء نزعاتهم ومطامعهم فكثر جمعهم وضعفت جبهة علي ومن معه لا عن قلّة إيمان به ، بل لأنّه كان ينادي بشيء شديد على الطبيعة البشريّة ويريد أن يوقف السير الطبيعي للعمران ، فأخذوا يتقاعسون عن نصرته وينفضون عنه وانتهى الأمر بانتصار معاوية لا بالمال وحده بل لأنّه كان يمثّل الإتّجاه الأسهل الأكثر اتّفاقاً مع الطبيعة البشرية(290) .
وهذا القول وإن كان من دكتور عصري ، ما هو إلاّ ترديد وشرح لما قاله كعب الأحبار لعمر عن أميرالمؤمنين (عليه السلام) . ولو أنّي ذهبت ألتمس الوجوه لكلّ ما قاله كعب وشارحه فلا أجد وجهاً صحيحاً للمقارنة بين علي ومعاوية ، وإنّ الأوّل أخفقت سياسته لأنّه يريد أن يوقف السير الطبيعي للعمران ونجح الثاني لأنّه اتّفق مع الطبيعة البشرية .
وباليقين أقطع أنّ مؤنساً الشارح هذا لا يخلوا من إحدى حالين : الاُولى أنّه يناصب عليّاً العداء كفاروقه وصنيعته ، وفي هذه الحال لا كلام لنا معه فيما وصف به الإمام ولو زاد على افترائه هذا أضعافاً ، والثانية : أنّه لم يقرء التاريخ ولا ألم بجنايات معاوية وعمّاله وولاة أقاليمه ليعرف كم كان هؤلاء على طرف النقيض من الطبيعة البشرية بالقتل والنهب والعسف والظلم والتجبّر والتكبّر ، وإنّ هؤلاء عمّالاً وولاة واُمراء بمن فيهم ولي أمرهم معاوية لم يؤثر عنهم عمران في أرض ولا في سماء في سهل ولا في جبل ، في زراعة ولا في صناعة حتّى انقرضوا .
وله إن كان على قيد الحياة وإلاّ فلإخوانه تلاميذ كعب الأحبار أن يرجعوا إلى نهج البلاغة ويقيِّموا نظريات العمران العجيبة السابقة لأوانها التي أودعها سيّد المسلمين وإمام المتّقين أميرالمؤمنين (عليه السلام) في عهده لمالك الأشتر حين ولاّه على مصر بلد الدكتور مؤنس ، ثمّ لينظروا أين يكون العمران وأين يحلّ الخراب .
وبعد هذا كلّه نرجع عودنا على بدءنا إلى الصلة الجامعة بين عمر ابن الخطّاب وبين معاوية فسنراها كامنة في اجتماع قلبيهما على بغض وعداء علي وأهل بيته ، وكان عمر أبعد غوراً من معاوية ولذلك لم يترك دليلاً على هذه البغضاء إلاّ إشارات وعبارات تغني الحصيف اللبيب وتعين الباحث الأديب وتكفي للحكم عليه ...
ولا تخلو المسئلة من أيد غير مسئولة لعبت في التاريخ ، فحذفت منه ما شائت وأضافت إليه لأنّ التاريخ عند هؤلاء مقاطعة ورثها الأخلاف من الأسلاف ، لا أنّه أمانة قوميّة هي في الواقع بمنزلة الوطن وفي قداسته . وإنّ أي مساس به يؤدّي إلى تغييره أو تشويهه يعتبر خيانة عظمى عند الاُمّة ، وعلى كلّ حال فإنّ بغض عمر لعلي لا يكاد يجهل كما لا يكاد يخفى بغض معاوية له .
فمن دلائل بغضه له أنّه كان يتّهمه بالرياء في عبادته . روي عن ابن عباس قال : دخلت على عمر بن الخطّاب يوماً فقال : يابن عباس لقد أجهد هذا الرجل نفسه في العبادة حتّى نحلته رياءاً . قلت : من هو ؟ فقال : هذا ابن عمّك ـ يعني عليّاً ـ . قلت : وما يقصد بالرياء يا أميرالمؤمنين ؟ قال : يرشّح نفسه بين الناس للخلافة . قلت : وما يصنع بالترشيح ! وقد رشّحه لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فصرفت عنه . قال : إنّه كان شابّاً حدثاً فاستصغرت العرب سنّه وقد كمل الآن ، ألم تعلم أنّ الله تعالى لم يبعث نبيّاً إلاّ بعد الأربعين ! قلت : يا أميرالمؤمنين ، أمّا أهل الحجى والنهى فإنّهم ما زالوا يعدّونه كاملاً منذو رفع الله منار الإسلام ، ولكنّهم يعدّونه محروماً مجدوداً . فقال : أمّا إنّه سيليها بعد هياط ومياط ، ثمّ تزلّ فيها قدمه ولا يقضي منها إربه ..(291)
أقول : إنّ تعاليم ابن اليهودية أو ابن سبأ أو كعب الأحبار وإيحاءاته تكاملت في أبي حفص بقوله : لم يبعث نبيّاً إلاّ في الأربعين ، وهذا الذي قاله عمر ، اعتقاد يهودي محض ، فإنّهم اعتبروا النبي لا يكون نبيّاً إلاّ إذا بلغ الأربعين ، ولذا صبّ الصليبيّون والمستشرقون أقصى جهودهم للتشكيك في ولادة النبي عام الفيل ، ومنهم المستشرق الخبيث لامنس مؤلف كتاب (خلافة يزيد الأول) وهو من خمسمائة صفحة يقول بروكلمان في كتابه تاريخ الشعوب الإسلامية قال : لسنا نعلم علم اليقين السنة التي ولد فيه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمشهور أنّ ولادته كانت حوالي سنة 570 ، ولكن الذي لا شكّ فيه أنّها متأخرة بعض الشيء .
اُنظر لامنس وهذا الأخير قد حاول أن يؤخر ذلك عشر سنوات حتّى ينقض القول الشرعي الذي يقول : إنّ النبي بعث على رأس الأربعين من عمره ويخرج إلى القول : إنّه مادام الأنبياء يبعثون على رأس الأربعين ومحمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) قد صدع بالدعوة على رأس الثلاثين ، فحمّد ليس نبياً(292) .
ولامنس هذا انطلق من منظور يهودي فحاول تطبيق الإسرائيلية التي لا تبيح للأحبار المجتهدين الجلوس للتفسير والإفتاء في مسائل الفقه الكبرى حتّى يبلغوا الخمسين من العمر . وعمر ابن الخطّاب تلقى قوله هذا من مستشاره الحبر اليهودي كعب الأحبار ، وكأنّه لم يسمع قوله تعالى عن المسيح ابن مريم وعن يحيى بن زكريا : ( وآتيناه الحكم صبيا ) ، فهل هي غفلة من الرجل أو تقديم لقول الأستاذ على قول الله ؟!!
ومن دلائل بغضه الإمام أميرالمؤمنين (عليه السلام) ما كان يقوله لابن عباس عنه (عليه السلام) : إنّ صاحبكم إن ولي هذا الأمر أخشى عجبه بنفسه أن يذهب به فليتني أراكم بعدي ! قال ابن عباس : قلت : إنّ صاحبنا ما قد علمت ، إنّه ما غيّر ولا بدّل ولا أسخط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أيّام صحبته له . قال : فقطع عليّ الكلام فقال : ولا في ابنة أبي جهل ، لمّا أراد أن يخطبها على فاطمة ! قلت : قال الله تعالى : ( ولم تجد له عزما )وصاحبنا لم يعزم على سخط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولكن الخواطر التي لا يقدر أحد على دفعها عن نفسه وربّما كان من الفقيه في دين الله العالم العامل بأمر الله ...(293)
فأنت ترى أنّ عمر مدفوعاً بلا عج داخلي ومرارة نفسية يلتمس لعلي (عليه السلام)العثرات ويرميه بالفواغر ، أمّا رميه بالعجب وهي صفة مذمومة شرعاً وخلقاً ، فإنّ واقع الإمام (عليه السلام) بعد نيل الخلافة يكذبه ، ولو كان ما زعمه عمر حاصلاً في الإمام لكان ظهور ذلك منه وهو خليفة الناس وقائدهم وإمامهم أولى وأجلى ... وهذا صاحب الإمام ضرار بن ضمرة يصفه فيقول : كان فينا كأحدنا ، يجيبنا إذا دعوناه ويعطينا إذا سألناه ونحن لا نكلّمه لهيبته ولا نرفع أعيننا لعظمته .
وأمّا خطبة ابنة أبي جهل فهي فرية ظالمة أراد القوم بها تخفيف الوزر عنهم ودفع الأمر عن كواهلهم فيما جنوا بحقّ الصدّيقة الطاهرة التي قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيها : من آذاها فقد آذاني ، وهم آذوها حتّى ماتت غاضبة عليهم ودفنت سرّاً عنهم ولم تأذن لهم بحضور جنازتها ، فأرادوا صرف ذلك إلى علي (عليه السلام) تخفيفاً من ثقل الذنب الذي أوقر ظهورهم بالحمل الثقيل ولو كان شيء ممّا ادّعاه عمر فلم يكن له ذلك الصدى القوي ، وها هو الإمام يمتثل أمر النبي ويعرض عن ابنة عدوّ الله ، ولو أنّه تزوّجها لما كان فاعلاً حراماً بل ولا مرتكباً مكروهاً ...
وحاشاه أن يسيء إلى سيّدة نساء العالمين وحاشا النبي أن يغضب من إجراء حكم الله في الزواج من النساء مثنى وثلاث ورباع . وحكاية الجارية التي أخذها الإمام من الخمس توضح لنا أنّ النبي ما كان ليغضب من فعل عمل أباحه الله سبحانه . عن بريدة بن الخصيب قال : أبغضت عليّاً بغضاً لم أبغضه أحداً قط . قال : وأحببت رجلاً من قريش لم أحبّه إلاّ على بغضه عليّاً (رضي الله عنه) ـ الرجل هو خالد بن الوليد  ـ قال : فبعث ذلك الرجل على جيش فصحبته ما صحبته إلاّ ببغضه عليّاً (رضي الله عنه) . قال : فأصبنا سبايا فكتب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ابعث إلينا من يخمسه . قال : فبعث عليّاً
(رضي الله عنه) وفي السبي وصيفة هي أفضل السبي . قال : فخمس وقسم فخرج ورأسه يقطر ، فقلنا : يا أباالحسن ما هذا ؟! قال : ألم تروا إلى الوصيفة في الخمس ثمّ صارت في أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثمّ صارت في آل علي فوقعت بها . قال : فكتب الرجل إلى نبي الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت : ابعثني مصدقاً ، فجئت أقرء الكتاب واقول : صدق ، قال : فأمسك يدي والكتاب وقال : أتبغض علياً ؟ قال : قلت : نعم . قال : فلا تبغضه وإن كنت تحبّه فازدد له حبّاً فوالذي نفس محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة . قال : فما كان أحد من الناس بعد قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أحبّ إليّ من علي . قال عبدالله يعني ابن بريدة : فوالذي لا إله غيره ما بيني وبين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)في هذا الحديث إلاّ أبو بريدة .
قلت : القول للهيثمي في الصحيح بعضه رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير عبدالجليل بن عطية وهو ثقة وقد صرّح بالسماع وفيه لين(294) .
وفي طريق آخر يقول بريدة : فجئت لأخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا : فأخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنّه يسقط من عين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يسمع الكلام فخرج مغضباً فقال : ما بال أقوام ينتقصون عليّاً ، من تنقّص عليّاً فقد تنقّصني ومن فارق عليّاً فقد فارقني ، إنّ عليّاً منّي وأنا منه ، خلق من طينتي وخلقت من طينة إبراهيم وأنا أفضل من إبراهيم ذريّة بعضها من بعض والله سميع عليم . يا بريدة أما علمت أنّ لعلي أكثر من الجارية التي أُخذت وإنّه وليّكم بعدي . فقلت : يا رسول الله بالصحبة ألا بسطت يدك فبايعتني على الإسلام جديدا ؟ قال : فما فارقته حتّى بايعته على الإسلام(295) .
وللحديث طرق اُخرى وفيها إضافات مفيدة أخرجها الهيثمي في مجمع الزوائد . فماذا يقول عمر وقد تنقّص الإمام بالرياء والعجب وأمثالهما ، وأخيراً نقول لمبغض علي (عليه السلام) : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) : من أحبّه فقد أحبّني ومن أحبّني فقد أحبّه الله ، ومن أبغضه فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغضه الله عزّوجلّ(296) والحمد لله ربّ العالمين ، وما أكثر الأحاديث الصحاح والحسان حول هذا المعنى .
وأمّا معاوية فلا اعتقد في العقلاء من يشكّ ببغضه أميرالمؤمنين (عليه السلام) ، وقد حاول شيعته وأوليائه دفع ذلك عنه برواية أحاديث موضوعة تنافي الضرورات التاريخية من قبيل ما رواه ابن كثير عن مغيرة قال : لمّا جاء خبر قتل علي إلى معاوية جعل يبكي فقالت له امرأته : أتبكيه وقد قاتلته ؟! فقال : ويحك إنّك لا تدرين ما فقد الناس من الفضل والفقه والعلم ...(297)
وواقع معاوية وما جناه بحقّ الإمام واتّخاذ لعنه شعاراً لدولته ، وسمه الإمام الحسن وعدائه الصريح لأهل البيت ينافي هذا الإدّعاء المردود . يقول ابن أبي الحديد : كان معاوية على أسّ الدهر مبغضاً لعلي (عليه السلام) شديد الإنحراف عنه ، وكيف لا يبغضه وقد قتل أخاه حنظلة يوم بدر ، وخاله الوليد بن عتبة ، وشرك عمّه في حدّه وهو عتبة أو في عمّه وهو شيبة على اختلاف الرواية ، وقتل من بني عبد شمس نفراً كثيراً من أعيانهم وأماثلهم ، ثمّ جائت الطامّة الكبرى واقعة عثمان فنسبها كلّها إليه بشبهة إمساكه عنه وانضواء كثير من قتلته إليه (عليه السلام) ، فتأكّدت البغضة وثارت الأحقاد ، وتذكّرت تلك الترات الاُولى حتّى أفضى الأمر إلى ما أفضى إليه(298) .
أجل ، من أجل هذا اختاره عمر ليقف في وجهه ويحول بينه وبين الخلافة بحكم على أهل الإسلام أربعة عقود من الزمن قضاها أميراً على الشام وخليفة على الإسلام عمل فيهم ما اقتضته طبائعه الجافية وتنشأته الجاهلية ، وعلى يديه توقّفت نهضة الاُمّه المتفاعلة مع حركتها الثورية ، وكادت تخمد فيها الجذوة المقدسة التي اقتبستها من آخر الرسالات وختام النبوات ، واشتغلت الاُمّة بمئاسيها عمّا أعدّت له من إصلاح الدنيا وأهلها ، وكان حكمه المفروض على الاُمّة بسماته التي قدّمناها يتضمّن سياسته تجاه الرعيّة ، وهي التجويع والترويع والتحقير والتكفير .
انحاز إليه جملة من شذّاذ الآفاق أمثال كعب الأحبار وأبي مسلم الخولاني وعبيد الدنيا أمثال أبي هريرة وسمرة بن جندب والنعمان بن بشير الأنصاري ومعاوية بن خديج وأعداء الإسلام القدامى من اُمويين وجاهلين ، فأغدق عليهم هباته وعطاياه فأعزّهم واعترّ بهم ومن اعترّ بغير الله ذلّ ، وترك الاُمّة بجميع فئاتها تعوم في البؤس والحرمان ، فمن لم يرجه وأمن جانبه منهم تركه للتجويع والترويع وأعني به الإرهاب والخوف . ومن خافه فقد سلّط عليه سيفين قاطعين يقيمانه له وهما التحقير والتكفير .
فطالما أفتى مفتوه بإباحة دم وحرمة دم آخر وعلى أساس من هذا حارب أميرالمؤمنين (عليه السلام) حربه الضروس المعروفة بصفين ، وعلى أساس من هذا المنطلق الخبيث راح وزمرته يلعنون الإمام وأهل بيته وأصحابه لعنهم الله ، ولم يكد يشعر بدنوّ أجله وقرب الحمام منه حتّى وصل الشرّ بالشر والضلال بمثله ، فعقدها لابنه يزيد في ظروف اصطنع أجوائها هو وأعوانه وأنفق في هذا السبيل خزانة دولته وأوقف له عرضه ، فكان يهب المال لعشاقه ويلوّح بواحدة من بناته أو قريباته للفجّار .
ومن عرف منه عدم الطاعة فقد سارع إلى اغتياله ، وهكذا دواليك حتّى أطاعه القاصي والداني وتمّت البيعة المشئومة لابنه يزيد ، فمن هو يزيد هذا ؟؟!





ــــــــــــــــــــــ
(264) سير أعلام النبلاء ، الذهبي ، ج3 ص121 .
(265) أمالي المرتضى ، ج1 ص298 .
(266) التذكرة الحمدونية ، ج2 ص126 ، وراجع نثر الدر عن قول شريك ، ج5 ص139 .
(267) التذكرة الحمدونية ، ج2 ص126 ، وراجع نثر الدر عن قول شريك ، ج5 ص139 .
(268) البداية والنهاية ، ج8 ص132 ، ومختصر تاريخ دمشق ، ج25 ص38 .
(269) التذكرة الحمدونية ، ج2 ص126 ، وراجع نثر الدر ، ج5 ص139 .
(270) التذكرة الحمدونية ، ج2 ص126 ، وراجع نثر الدر ، ج5 ص139 .
(271) التذكرة الحمدونية ، ج2 ص126 ، وراجع نثر الدر ، ج5 ص139 .
(272) التذكرة الحمدونية ، ج2 ص126 ، وراجع نثر الدر ، ج5 ص139 .
(273) تاريخ اليعقوبي ، ج2 ص231 .
(274) البلاذري ، أنساب الأشراف ، ج5 ص115 .
(275) التذكرة الحمدونية ، ج1 ص362 .
(276) في ظلال نهج البلاغة ، ج4 ص8 .
(277) التذكرة الحمدونية ، ج1 ص362 .
(278) الآبي ، نثر الدر ، ج1 ص239 .
(279) شرح ابن أبي الحديد ، ج15 ص208 .
(280) نوادر المخطوطات ، أسماء المغتالين ، ص149 .
(281) مختصر تاريخ دمشق ، ج17 ص17 .
(282) النقائض ، ج2 ص609 .
(283) البلاذري ، فتوح البلدان ، ص50 .
(284) ابن هشام ، السيرة النبوية ، ح4 ص47 .
(285) مغازي الواقدي ، ج2 ص822 .
(286) شرح ابن أبي الحديد ، ج1 ص338 .
(287) شرح ابن أبي الحديد ، ج12 ص81 .
(288) حمدالله مستوفي ، تاريخ گزيده ، ص168 .
(289) حمدالله مستوفي ، تاريخ گزيده ، ص168 .
(290) جرجي زيدان ، تاريخ التمدن الإسلامي ، ج 2 ص21 الهامش .
(291) شرح ابن أبي الحديد ، ج12 ص80 .
(292) بروكلمان ، تاريخ الشعوب الإسلامية ، ص31 إلى آخره .
(293) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج12 ص50 .
(294) الهيثمي ، مجمع الزوائد ، ج9 ص127 .
(295) مجمع الزوائد ، ج9 ص128 .
(296) مجمع الزوائد ، ج9 ص131 .
(297) ابن كثير ، البداية والنهاية ، ج8 ص133 .
(298) شرح ابن أبي الحديد ، ج1 ص338 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page