• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الخاتمة : نظام الأخلاق والحكم في منطق الثورة

لنفترض جدلاً أنّ الحسين (عليه السلام) تمكّن من إقامة دولته التي ثار من أجلها كما زعم الزاعمون ، فإنّها حينئذ لا تكون أسعد حظّاً من دولة أبيه فسوف يكثر المعارضون من إشاعثه وزبابره وطلائح وعوائش ، وسوف يخرج عليه الخوارج أيضاً ويضطرّ حينئذ أن يخوض غمار حروب كثيرة حتّى تستقيم قناة الاُمّة أو لا تستقيم أصلاً وما هي إلاّ أيّام قلائل حتّى يلاقي مصير أبيه شهادة في محراب أو موتاً على الفراش ويتسلّمها خلفه وتدور معه في حلقة مفرغة من الحروب والجدال والجلاد وهكذا دواليك . لهذا كان هدف إقامة دولة ليس منظوراً لثورته وهو بالنسبة إليها هامش ثانوي .
والهدف الحقيقي لثورة الحسين (عليه السلام) هو إقامة دولة الأخلاق في الجماعات الإسلاميّة ، الأخلاق التي كانت قبل الإسلام بين الإفراط والتفريط فأقام لها النبي الصيغة الصحيحة وجعلها وسطاً كما هي حال الفضائل في عرف الفلاسفة ، وبني الاُمّة الإسلاميّة على أساسها ورفع ضراح حضارتها انطلاقاً من هذه القواعد الأخلاقيّة ولكنّ الاُمّة جهلت هذا كلّه ، حين آثرت جماعة منها الذين لم ينق الإسلام ذواتهم من جاهليّاتهم القديمة ، فقدّمتهم على القادة الحقيقيين فأساءوا السيرة وخالفوا الشرع وتنكروا للمثل وردّوا الكثير من قيم الأدب الإسلامي واتّبعتهم الاُمّة اتّباع الفصيل إثر اُمّه تقليداً للحاكم واقتفاء لأثره ، وحينئذ استحالت الشخصية الإسلاميّة إلى كائن غريب وحشي على الإسلام هو أدنى إلى البهائم الراتعة منه إلى الإنسان السوي .
فقد أرادو الإسلام أن يسموا بهذا الكائن إلى مصاف الملائكة فصيرته سياسة حكامه إلى حضيض البهائم والعجماوات . وجاء الحسين بثورته الخالدة فاستردّ الخلق المصادر وليس الأرض ، وأنقذ الأدب وليس الحكم ، وانتشل من مستنقع السياسات الضالّه شخصيّة المسلم ووضعه على الجادة الوسطى وشحنه بالفضائل الجهادية فطارت به قواه وحلقت به ملكاته الفاضلة إلى مصاف الملائكة ثانية ، وذلك بأخلاقيات ثورته وتضحية أنصاره وجهاد أعوانه وصارت كربلاء ثورةً هي في الحقيقة قانون جهادي أخلاقي يستطيع من يحسن استعماله أن يغيّر به نظام العالم ويحرّر به أمماً وينقذ شعوباً .
والفرق بين نظام الدولة ونظام الأخلاق أنّ الاُولى تفضي إلى تجميد قانون الجهاد بما يحيط بها من مشاكلها والثانية تبقي هذا القانون حيوياً فاعلاً في الاُمّة متحرّكاً في ضميرها يهتزّ بالحياة والنشاط كلّما واتته ظروف الثورة على الواقع المرهق ، فهل حصل المرجو من ثورة الحسين (عليه السلام) وهل نالت الاُمّة ، هذا الدفق المتفجّر في ذاتها من قانون الجهاد الحسيني ؟
أجل ، لقد وعت الاُمّة ذاتها بعد ثورة الحسين وميّزت بين عدوّها وصديقها وثارت على واقعها المفتعل بأيدي حكّامها وسياسيها عدّة ثورات ، ولا زال قانون الجهاد الحسيني يشدّها إلى الثورات وسيبقى كذلك إلى أن تطهر الأرض من رجس العدى .

لا تطهر الأرض من رجس العدى أبداً     ما لم يسل فوقها سيل الدم العرم
 رأى الدين مغموز القناة حطيمها     وراحـته شلّى ومقلته عميا
وما من دواء منجع غير نفسه      فجاد بها برّاً وضحّى بها هديا

والحمد لله ربّ العالمين .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page