• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

في مجلس يزيد

لقد فضح الأمويون أنفسهم ، حينما دفعهم حقدهم على أهل البيت حماقتهم الى تسيير نساء الحسين وعيالاته سبايا بتلك الحالة الفظيعة . . فموكب السبايا كان تظاهرة اعلامية تؤجج المشاعر وتلهب العواطف ضد السلطة الظالمة ، والعقيلة زينب لم تترك فرصة ولا مناسبة أثناء رحلتها الشاقة المؤلمة الى الكوفة ومنها الى الشام مروراً بسائر البلدان والمناطق . . الا واستثمرتها في اعلان مظلوميتهم ، وتبيين عمق المأساة التي حلت بهم .
وحتى في مجلس يزيد بن معاوية والذي قد خطط ليكون دخول السبايا الى مجلسه مهرجاناً يحتفل فيه بانتصاره على الحسين ، فأحضر كبار قادة جيشه وزعماء الشام ، وأحاط نفسه بأجواء من الهيبة المصطنعة .
لكن العقيلة زينب أفسدت عليه كل ما صنع وأفشلت مهرجانه الضخم حين نظرت الى رأس أخيها الحسين بين يدي يزيد ، فانتصبت قائمة وأجهشت بالبكاء ، وأهوت الى جيبها فشقته ، ونادت بصوت حزين يقرح القلوب : « يا حسيناه ، يا حبيب رسول الله ، يا ابن مكة ومنى ، يا ابن فاطمة الزهراء سيدة النساء ، يا ابن بنت المصطفى » .
قال الراوي : فأبكت والله كل من كان في المجلس ويزيد ساكت (41) .
وجميل ما قالته الأديبة بنت الشاطئ حول هذا الدور الزينبي حيث كتبت تقول : لم تمض زينب الا بعد أن أفسدت على ابن زياد ، ويزيد ، وبني أمية ، لذة النصر ، وسكبت قطرات من السم الزعاف في كؤوس الظافرين ! .
فكانت فرحة لم تطل وكان نصراً مؤقتاً ، لم يلبث أن أفضى الى هزيمة قضت آخر الأمر على دولة بني أمية .
فلم تكد زينب تخرج من عند يزيد حتى أحس أن سروره بمقتل الحسين قد شابه كدر خفي ، ظل يزداد حتى استحال الى ندم ، كدر صفو الأعوام الثلاثة الأخيرة من حياته (42) .
أشعلت ثورة المدينة :
وانتهت بها رحلة الألم والعناء الى المدينة المنورة مسقط رأسها وربوع صباها ودار أهلها . . بعد فراق وغياب جاوز السبعة أشهر حيث خرجت من المدينة مع أخيها الحسين أواخر شهر رجب وعادات بعد انتهاء شهر صفر .
وفرق كبير بين موكب خروجها المهيب من المدينة يحيط بها اخوتها وأبناؤها وأبناء اخوتها ورجالات عشيرتها . . وبين قافلة الأسر التي عادت ضمنها تلوذ بها الأرملات المثكولات والصبايا اليتيمات المفجوعات .
لقد هرعت عند دخولها المدينة الى مسجد جدها رسول الله حيث مثواه الأقدس وأخذت بعضادتي باب المسجد منادية .
« يا جداه إني ناعية اليك أخي الحسين » (43) .
وأصبح برنامجها اليومي والدائم في المدينة المنورة تذكير جماهير الأمة بمظلومية الحسين وأهل بيته ، وتخليد المأساة العظيمة في كربلاء ، لتؤجج بذلك العواطف وتلهب المشاعر ، وتحرض الناس على الحكم الفاسد الظالم .
ويذكر السيد الشريف يحيى بن الحسن من أحفاد الإمام زين العابدين علي بن الحسين ، وهو المعروف بالعبيدلي النسابة ( 214 هـ ـ 277 هـ ) ( 829 م ـ 890 م ) في رسالته المشهورة ( اخبار الزينبيات ) يذكر فيها أن السيدة زينب وهي بالمدينة كانت تؤلب الناس على القيام بأخذ ثار الحسين ، فكتب والي المدينة عمرو بن سعيد الأشدق الى يزيد يعلمه بالخبر . . فكتب اليه يزيد : أن فرق بينها وبين الناس . . فأمرها الوالي بالخروج من المدينة (44) .
لقد اشعلت السيدة زينب الثورة وفجرتها في المدينة ضد الحكم الأموي ، فكان لها دور المحرك للثورة التي عمت المدينة المنورة سنة ( 63 هـ ) حيث تمرد أهل المدينة على الحكم الأموي وطردوا واليه وجميع بني أمية وبايعوا عبدالله بن حنظلة غسيل الملائكة فبعث يزيد الى المدينة جيشاً ضخماً يبلغ ( 12 ألفاً ) بقيادة مسلم بن عقبة ، فقضى على التمرد وسيطر على المدينة ، وأباح مسلم المدينة ثلاثاً لجيشه يقتلون الناس ويأخذون المتاع والأموال . . ودعا مسلم الناس الى البيعة ليزيد على أنهم خول ـ أي عبيد ـ له يحكم في دمائهم وأموالهم وأهلهم من شاء ، فمن امتنع من ذلك قتله .
عرفت الواقعة بإسم « واقعة الحرة » والتي حصلت لليلتين بقيتا من ذي الحجة ، وعرف مسلم بن عقبة بعد الواقعة بإسم مسرف (45) .
واستشهد ولدها عون :
شاء الله ( سبحانه وتعالى ) أن تجتمع على قلب السيدة زينب يوم كربلاء ألوان المصائب والفجائع ، وأن تكون المثل والقدوة في تقديم الضحايا والقرابين على مذبح العدل والحرية في سبيل الله .
فقد رزئت بقتل ستة من اخوتها في طليعتهم عماد عزها الحسين بن علي ، وقمر بني هاشم العباس بن علي ، وتشير بعض المصادر إلى أن من استشهد من اخوة زينب يوم كربلاء عشرة ، أما الستة الذين تتفق اغلب المصادر على شهادتهم في كربلاء فهم ما يلي :
1 ـ الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب .
2 ـ العباس بن علي بن أبي طالب .
3 ـ جعفر بن علي بن أبي طالب .
4 ـ عبدالله بن علي بن أبي طالب .
5 ـ عثمان بن علي بن أبي طالب .
6 ـ محمد الأصغر بن علي بن أبي طالب .
وهناك أسماء اخرى تضيفها بعض المصادر كإخوة للسيدة زينب نالوا شرف الشهادة أيضاً في كربلاء ، هي كما يلي :
7 ـ أبو بكر بن علي بن أبي طالب .
8 ـ عبدالله بن علي بن أبي طالب ـ غير المذكور سابقاً ـ .
9 ـ عمر بن علي بن أبي طالب .
10 ـ إبراهيم بن علي أبي طالب (46) .
كما فجعت بمقتل مجموعة من أبناء اخوتها تجمع المصادر على خمسة منهم ثلاثة من أولاد أخيها الحسن ، وهم :
1 ـ أبو بكر بن الحسن بن علي .
2 ـ عبدالله بن الحسن بن علي .
3 ـ القاسم بن الحسن بن علي .
واثنان من أولاد أخيها الحسين هم :
4 ـ علي بن الحسين الأكبر .
5 ـ عبدالله بن الحسين (47) .
اضافة الى سائر رجالات أسرتها من الهاشميين والذين يتراوح عددهم جميعاً بين السبعة عشر والسبعة والعشرين بطلاً حسب اختلاف المصادر والروايات التاريخية (48) .
ومع ما لمصرع هؤلاء الأعزة من تأثير فظيع على النفس الا أن لفقد الولد لوعة خاصة لم يسلم منها قلب السيدة زينب فقد فجعت بمقتل ولدها وفلذة كبدها
عون بن عبدالله بن جعفر حيث قدمته شهيداً بين يدي خاله الإمام الحسين .
وبرز عون الى ساحة المعركة يقاتل الأعداء ، وهو يرتجز :

إن تنكروني فأنا ابن جعفر***شهيد صدق في الجنان أزهر
كفـى بهذا شرفاً من مـعشر ***يطير فيها بجناح أخضر

فحمل عليه عبدالله بن قطنة الطائي فقتله ، وقد رثاه سليمان بن قتة بقوله :

واندبي ان بكيت عوناً أخاه    *     ليس فيما ينوبهم بخذول
فلعمري لقد أصبت ذوي القمر     *     بي فبكي على المصاب الطويل (49)

ونقل أبو الفرج الأصفاني أن قاتل عون هو عبدالله بن قطنة التيهاني (50) .
وفي بعض المصادر : جاءت الفقرة الأخيرة من رجز عون :
...........................* كفى بهذا شرفاً في المحشر
وانه قتل من الأعداء ثلاثة فوارس وثمانية عشر راجلاً ، وعن الاسفرائيني أنه قتل ستة وعشرين فارساً (51) .
ولم تقل كتب السير والمقاتل عن العقيلة زينب أنها أعولت على مقتل ولدها أو أشارت اليه في ندبتهاومأتمها .
قال السيد عبد العزيز سيد الأهل : لم يسمع لها بكاء حين قتل ولدها عون بمثل ما بكت به أخاها وأولاد أخيها (52) .
ويبدو أن لعبدالله بن جعفر ولداً آخر اسمه عون الأصغر وأمه جمانة بنت المسيب بن نجبة الفزاري ، من هنا حصل خلط في كلام الرواة والمؤرخين بين عون الذي أمه زينب وهو الشهيد في كربلاء ، وبين أخيه عون الذي أمه جمانة ولم يتأكد استشهاده في كربلاء (53) كما استشهد لعبدالله بن جعفر ولد آخر في كربلاء هو محمد بن عبدالله بن جعفر لكن أمه الخوصاء بنت حفصة بن ثقيف من بكر بن وائل ، وليست السيدة زينب كما توهم بعض الكتاب ، وأيضاً ذكرت بعض المصادر شهيداً آخر من ولد عبدالله بن جعفر في كربلاء وهو عبيدالله بن عبدالله بن جعفر إلا أن ذلك غير مؤكد وأمه ليست زينب أيضاً بل الخوصاء السابق ذكرها (54) .


 

_______
(40) المصدر السابق ص 307 .
(41) ( زينب الكبرى ) النقدي ص 114 .
(42) ( السيدة زينب ) عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ ص 158 .
(43) ( مقتل الحسين ) المقرم ص 376 .
(44) ( أخبار الزينبيات ) العبيدلي ، مطبوع ضمن مجلة ( الموسم ) العدد : 4 .
(45) ( الكامل في التاريخ ) ابن الأثير ج 4 ، ص 120 .
(46) ( أنصار الحسين ) محمد مهدي شمس الدين ص 131 ـ 137 .
(47) المصدر السابق .
(48) المصدر السابق .
(49) ( حياة الإمام الحسين ) القرشي ج 3 ، ص 258 .
(50) ( مقاتل الطالبين ) الأصفاني ص 91 .
(51) ( وسيلة الدارين ) الزنجاني ص 241 .
(52) ( زينب عقيلة بني هاشم ) سيد الأهل ص 8 .
(53) ( نفس المهموم ) الشيخ عباس القمي ص 317 .
(54) ( أنصار الحسين ) شمس الدين ص 133 ـ 135 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page