بعكس ما كان يقصده ويهدفه يزيد من دخول السبايا الى مجلسه بأن يستعرض قوته ، ويؤكد انتصاره ، ويوجه لأهل البيت ضربات جديدة من الأذلال والهوان .
فقد انعكس الأمر ، وتحول المجلس الى ساحة محاكمة لجرائمه ، وميدان معركة تكبد فيها هزيمة نكراء . . وفوجئ يزيد بحصول مالم يكن يتوقع ، وفقد السيطرة على نفسه ، ولم يعد يدري كيف يواجه الموقف ، بينما استمرت العقيلة زينب توجه له ضربات التحدي ، وسهام التبكيت والاحتقار .
ونظر رجل من أهل الشام ومن القريبين من يزيد الى السيدة فاطمة بنت الامام علي ـ وحسب روايات أخرى بنت الامام الحسين ـ فقال مخاطباً يزيد : يا أمير المؤمنين هب لي هذه الجارية لتكون خادمة عندي ! ! .
فاسودت الدنيا في عين السيدة فاطمة ، وانتابها الرعب والقلق ، فلاذت بزعيمة الركب العقيلة زينب ، فطمأنتها زينب وهدأت روعتها حيث رفعت صوتها لتسمع يزيد قائلة للرجل :
ـ كذبت ولؤمت ما ذلك لك ولا لأميرك .
واستشاط يزيد غضباً لهذه الضربة القاصمة لصرح هيبته الزائفة ومقامه الباطل فرد بانفعال : كذبت ولله ، إن ذلك لي ، ولو شئت أن أفعله لفعلت .
فعاجلته السيدة زينب بضربة أكثر وقعاً وصرامة حين قالت :
« كلا والله ما جعل الله لك ذلك الا أن تخرج من ملتنا وتدين بغير ديننا » .
وطفح الكيل في نفس يزيد وما عاد يتحمل ما يسمع من كلمات التحدي والتحقير وفي مقر حكمه وبين أنصاره وجمهوره فصاح غاضباً :
ـ إياي تستقبلين بهذا ؟ انما خرج من الدين أخوك وأبوك ! .
وإذا كان يزيد منفعلاً قد فقد السيطرة على نفسه فإن السيدة زينب كانت في قمة الأطمئنان والثبات ، لذلك أجابته واثقة :
ـ بدين الله ودين أبي ودين أخي وجدي اهتديت أنت وأبوك وجدك إن كنت مسلماً ! ! .
وما عسى أن يكون جواب يزيد أو موقفه تجاه هذا التحدي الصارخ ، فهو يتربع على عرش خلافة المسلمين لكن السيدة زينب تجعل اسلامه موضع شك ، وتعلن على رؤوس الأشهاد فضل أسرتها عليه وعلى أسرته بهديهم للاسلام . . لذك لم يحر يزيد جواباً ولم يجد رداً فلجأ الى الشتم ، بحنق وغيظ ، حيث خاطب زينب قائلاً : كذبت يا عدوة الله ! ! .
لكن غضب يزيد وانفعاله وشتمه لم يسكت العقيلة زينب ولم يضع حداً لهجومها عليه وتحديها له ، بل أوضحت أمام الجمع أن دافع يزيد الى الشتم هو سوء استخدامه لموقعه باعتباره حاكماً يمارس الظلم والقهر ، قالت ( عليها السلام ) :
ـ أنت أمير مسلط ، تشتم ظالماً ، وتقهر بسلطانك .
فسكت يزيد وأفحم واعترف بخسارته المعركة ، حيث إن الرجل الشامي كررعليه الطلب وكأنه يريد أن يعرف النتيجة ، وينتزع من يزيد الاعتراف بالهزيمة أمام تحدي السيدة زينب له ، فقال الشامي :
ـ يا أمير المؤمنين هب لي هذه الجارية ! .
فصب يزيد عليه جام غضبه قائلاً له :
ـ اعزب وهب الله لك حتفاً قاضياً (42) .
___________
(42) ( حياة الإمام الحسين ) القرشي ج 3 ص 381 .
مواجهة حادة
- الزيارات: 750