• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

حقائق قرآنية (حقيقة القرآن )

 

الفصل الثاني    حقائق قرآنية
حقيقة القرآن

«يَآ أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُوا عَن كَثِيرٍ قَدْ جَآءَكُم مِنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»([25])
كان القرآن روحاً وجسداً؛ وكان روح القرآن الهدى والنور والذكرى، وكان جسده الألفاظ والكتابات المدوّنة على أوراق المصحف أو الصوت الذي يردّده القارئ.
أما الوصول الى جسد القرآن فهو متاح للجميع، بمن فيهم من لا يؤمن بما أنزل الله بدءاً.
ولكن التوصل إلى روح القرآن وضيائه وهداه وذكراه التي أودع الرب العزيز الحكيم، و الى آفاق قول إمامنا الصادق عليه السلام: لقد تجلى الله لخلقه في كلامه، ولكنهم لا يبصرون ([26]) إذا اُريدَ ذلك، فإن المسألة تختلف تماماً، إذ لابد من سمو الروح - روح الإنسان- لكي تقرأ وتعي روح القرآن فالروح الإنسانية يلزمها التزود بالبصيرة ووسيلة الاكتشاف.
فالله تبارك اسمه يصف كتابه الكريم بأنه نور وكتاب مبين؛ والنور لا ينفع إلا من له بصر، والكتاب لا يقرأه إلا العاقل. فإذا لم تكن للإنسان عين باصرة وعقل سليم، فإنه يعجز عن درك معاني القرآن وفهم محتواه.
ثم إن القرآن حقيقته كتاب، والكتاب يعني الشيء أو الأمر الثابت، وللقرآن ثوابت واضحة ومبينة، تبين الحقائق وتكشف خطوط الحياة وأصولها العامة.
ثم يهدي به الله أي يهدي الله بالقرآن، ولكن من هو المستعد لتقبل هذه الهداية؟
إنه«مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ»أي اندفع برغبة وحماس وعلم وراء كتاب الله. فقد ترى رجلاً يهدي الناس الطريق، فإنه لا يهتدي إلا من استمع له واتبعه. أما الذي يحجم عن إطاعته، فإنه يضيع فلا يهتدي. كذلك القرآن«يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهٍُ»فبحث عن رضوانه جل جلاله، وأراد أن يرضي ربه، وأن يرضى عنه ربه.
«إِلَى سُبُلَ السَّلاَمِ»فهداية الرب الجليل تنتهي إلى الطرق الآمنة، وتحقيق الأهداف السامية في الدنيا والآخرة.
فلعل أرقى أمنيات الإنسان السوي هي العيش ضمن حياة طيبة، وأن تكون له ذرية طيبة، وعاقبة طيبة في الآخرة. وهذه الأمنيات الشريفة السامية لا يمكن تصور تحقّقها دون السير في الطرق الآمنة، التي يقول القرآن عنها بانها«سُبُلَ السَّلاَمِ»أي طرق الله غير الملتوية.
ومن اتبع وقصد رضوان الرب، ضمن السير في الطرق النزيهة ، وكان حقاً على الله أن يخرجه من الظلمات إلى النور؛ الظلمات التي قد تتجسد بالأخلاق السيئة وبالظلم والانانية والعصبية وبالجهل والفساد، والنور هو نور الرحمة والإحسان والكرم.
فهل اطمأنت نفسك إلى هذا الوعد الإلهي المثير وصدّقت بما يريد القرآن لك من سعادة في الدنيا والآخرة؟ بل هل تخيلت -ولو للحظة واحدة- وجودك في أمة نقية من الاخلاق السيئة والظلم والانانية ، ملؤها النور والرحمة والكرامة؟!
كف نفهم القرآن؟
«وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن
كُنتُم لاَ تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ»([27])
ما هي الطريقة الصحيحة لتفسير القرآن؟ وكيف نهتدي إلى اللطائف القرآنية التي بينها ربنا في كتابه الكريم؟
والجواب: هو أن الالتزام بأصول التدبر كفيل بكشف حقائق القرآن، كشفاً يناسب كل متدبر. فالقرآن قد يسّر للذكر؛ بمعنى أن الله تعالى بيّنه وفصله وأحكم آياته. وتستطيع أنت كما يستطيع كل قارئ عربي أو محيط بأصول وفقه اللغة العربية أن يستوعب قدراً من القرآن.
فإذا تدبرتَ الآيات، فعليك ألاّتسترسل مع هوى نفسك، أو تحملها مالا تحتمل. ومن المحظور المؤكد أن تفسر القرآن برأيك الغريب عن الكتاب. فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله إنه قال: ومن فسّر القرآن برأيه فقد افترى على الله الكذب ([28])
فلا تحمل القرآن أفكارك المسبقة، وعليك بالتجرد كلياً، إذ مائدة القرآن لا يأتيها إلاّ الطاهر النظيف من الأدران الفكرية، والمتجرد عن الثقافات الدخيلة والغريبة هذا اولاً.
والأمر الثاني: إذا صادفك الغموض فلم يتضح لك نص قرآني ما، فاعلم أن التأنّي والعودة إلى أهل الذكر؛ اولئك الذين استوعبوا القرآن وتذكروا به واستفادوا من آياته ، وهم الذين اختصهم الله بقوله العزيز:«فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَال فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالاَبْصَارُ»([29]) وهم محمد وأهل بيته المعصومين عليهم الصلاة والسلام، ومن يسير على نهجهم القويم ويستوعب القرآن ولم يكن من أهل الهوى أو تلهيه التجارة ويشغله البيع عن ذكر الله وعن معرفته ومعرفة أحكامه؛ إنهم هم الذين يدعونا القرآن الكريم نفسه إليهم بقوله:«وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُم لاَ تَعْلَمُونََ»أي إذا افتقرتم إلى العلم ولم تكونوا ممن يقتحم غمار المجهول بعقله، فحاولوا التوصل إلى القرآن بأهل القرآن، الذين يملكون البصائر والأفكار الصحيحة المبيّنين للناس ثقافة الرسالة والحلال والحرام.
إذن؛ لا يمكن بحال من الأحوال الاستغناء عن المبيّن لكتاب الله، وهو النبي ثم أهل بيته الطيبين الطاهرين، تبعاً لما اختصهم الله به من العلم والحكمة، وأنزل فيهم ثناءه المجيد كما أنزل في معانديهم تنديده واستنكاره، حيث قال جل اسمه:«أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ءَانَآءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَآئِماً يَحْذَرُ الاَخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَيَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ اُولُواْ الاَلْبَابِ»([30]).
أفلا يتدبرون القرآن؟
«أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ[([31])
لقد خلق الله نوراً، ثم قسمه إلى قسمين؛ فأودع القسم الأول في الإنسان وسمّاه العقل، ثم خلق بالقسم الثاني كتاباً وسمّاه القرآن المجيد.
فالقرآن هو ذلك العقل الذي فصل تفصيلاً من لدن حكيم خبير، وهو الكتاب الذي يسره الله وبرمجه بلغة الإنسان، وأنزله من العليين لكي يفهمه مخلوقه المكرّم، حتى كان التطابق بين العقل والقرآن تطابقاً من شانه إيصال الإنسان إلى الحقيقة.
إذن؛ فالقرآن هو العقل الظاهر، والعقل هو القرآن الباطن.
من هنا؛ فإن العقل كلما استضاء بالقرآن كلما أفصح عن نفسه، وكلما تدبر القارئ في آيات الله كلما أعطى الفرصة لعقله بالظهور. فلا يفهم القرآن دون العقل، ولا يمكن للعقل أن يتبلور دون القرآن.
إن الجسر الرابط بين العقل والقرآن، هو عملية التدبر والتفكّر والتأمّل.
وعلى هذا؛ لا ينبغي لقارئ كتاب الله أن يمرّ عليه مروراً مجرداً، أو يكون همّه الوصول إلى آخر السورة، أو يكون هدفه من القراءة لقلقة اللسان بالحروف والكلمات والمظاهر، بل يجدر به التعمق والوصول إلى ذلك الجوهر المقدّس والنور الوضّاء الذي أودعه الله في كلماته. ولا ينسى القارئ للقرآن أن يضع نصب عينيه الحديث الشريف المروي عن الإمام الصادق عليه السلام، حيث قال: لقد تجلى الله لخلقه في كلامه، ولكنهم لا يبصرون ([32]) ليكون له بمثابة المثير والمحرض نحو التدبر في القرآن.
أما إذا أردنا التعرف إلى الأسباب التي تدفع إلى عدم التدبّر والتأمل في آيات الله، فعلينا أن نقول: إن الشيطان الرجيم يبذل كل جهوده اللعينة، لكي يفكر المرء في كل شيء لدى قراءة القرآن، إلاّ فيما يحتويه القرآن نفسه!! فهو كما يوسوس في القلب حين الصلاة والصيام وسائر العبادات، كذلك يضاعف نشاطه أثناء قراءة كتاب الله. ولهذا فقد أمرنا الله سبحانه بالتعوذ من الشيطان عند كل مرة نقرأ فيها الكتاب الكريم.
وثاني الأسباب: هو الاقفال القلبية المتصوّرة بصور الأفكار المسبقة التي يحملها الإنسان فهي أقفال وحجب تحول دون أن يستقبل القارئ الرؤى القرآنية والبصائر الربانية بذهنية متفتحة ناضجة.

 

_______________________________
([25]) المائدة /15-16.
([26]) بحار الانوار، ج89، ص107.
([27]) النحل / 43-44.
([28]) بحار الانوار، ج36، ص227.
([29]) النور /36-37.
([30]) الزمر/ 9.
([31]) محمد /24.
([32]) بحار الانوار، ج89، ص107.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

اللطميات

مشاهدة الكل

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page