الجواب : إنتفاع النّاس بالمهدي عليهالسلام كالإنتفاع بسائر الأئمّة الهداة في حياتهم ، فلولاهم لما عُبِدَ الله ، ولساخت ـ أو لماجت ـ الأرض بأهلها ، ولما لم يكن فرق بين حضور الإمام وغيبته في هذا التأثير كان مثاله عليهالسلام مثال الشمس أن جلّلها السحاب ، فكما ينتفع النّاس به ، وتستضيئ بنوره في غيبته.
وهذا ممّا أجاب به النبيّ صلىاللهعليهوآله والإمام الصادق والإمام المهدي عليهماالسلام لمن سئل ذلك. وإليك ما روي في هذا السؤال :
١ ـ روى الصدوق بسنده عن جابر الجعفي ، عن جابر الأنصاري ، أنّه سأل النبيّ صلىاللهعليهوآله : ( هل ينتفع الشيعة بالقائم عليهالسلام في غيبته؟
فقال صلىاللهعليهوآله : إي والذي بعصني بالنبوّة إنّهم لينتفعون به ، ويستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع النّاس بالشمس وإن جلّلها السحاب ) (1).
٢ ـ وروى الصدوق أيضاً عن السنائي ، عن ابن زكريّا ، عن ابن حبيب ، عن الفضل بن الصقر ، عن أبي معاوية ، عن الأعمش ، عن الصادق عليهالسلام ، قال : ( لم تخلو الأرض منذ خلق الله آدم من حجّة لله فيها ، ظاهر مشهور أو غائب مستور ، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجّة لله فيها ، ولولا ذلك لم يعبد الله.
قال سليمان : فقلت للصادق عليهالسلام : فكيف ينتفع النّاس بالحجّة الغائب المستور؟
قال : كما يتفعون بالشمس إذا سترها السحاب ) (2).
٣ ـ وكتب الإمام المهدي إلى إسحاق بن يعقوب في زمن الغيبة الصغرى ، وخرج ذلك على يد محمّد بن عثمان ، وقال فيه :
( وأمّا علّة ما وقع من الغيبة ، فإنّ الله عزّ وجلّ يقول : ( يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبدلكم تسؤكم ) (3) إنّه لم يكن أحد من آبائي إلّا وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، وإنّي أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقى ، وأمّا وجه الأنتفاع بي في غيبتي فكالإنتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الأبصار السحاب ، وإنّي لأمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء ، فاغلقوا أبواب السؤال عمّا لا يعنيكم ، ولا تتكلّفوا على ما قد كفيتم ، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج ، فإنّ ذلك فرجكم ، والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب ، وعلى من اتّبع الهدى ) (4).
قلت : بيّن العلّامة المجلسي وجه التشبيه بالشمس ضمن اُمور نذكرها تتميماً للفائدة ، فقال :
( التشبيه بالشمس المجلّلة بالسحاب يؤمي الى اُمور :
الأوّل : أنّ نور الوجود والعلم والهداية يصل إلى الخلق بتوسّطه عليهالسلام ؛ إذ ثبت بالأخبار المستفيضة أنّهم العلل الغائيّة لإيجاد الخلق ، فلولاهم لم يصل نور الوجود إلى غيرهم ، وببركتهم والاستشفاع بهم ، والتوسّل إليهم يظهر العلوم والمعارف على الخلق ، ويكشف البلايا عنهم ، فلولاهم لاستحقّ الخلق بقبائح أعمالهم أنواع العذاب ، كما قال تعالى : ( وما كان الله ليعذّبهم وانت فيهم ) (5) ، ولقد جرّبنا مراراً لا نحصيها أنّ عند انغلاق الاُمور ، وإعضال المسائل ، والبعد عن جناب الحقّ تعالى ، وانسداد أبواب الفيض ، لما استشفعنا بهم وتوسّلنا بأنوارهم ، فبقدر ما يحصل الإرتباط المعنوي بهم في ذلك الوقت ، فتنكشف تلك الاُمور الصعبة ، وهذا معاين لمن أكحل الله عين قلبه بنور الإيمان ، وقد مضى توضيح ذلك في كتاب الإمامة.
الثاني : كما أنّ الشمس المحجوبة بالسحاب مع إنتفاع النّاس بها ينتظرون في كلّ آن إنكشاف السحاب عنها وظهورها ، ليكون إنتفاعهم بها أكثر ، فكذلك في أيّام غيبته عليهالسلام ، ينتظر المخلصون من شيعته خروجخ وظهوره في كلّ وقت وزمان ، ولا ييأسون منه.
الثالث : أنّ منكر وجوده عليهالسلام مع وفور ظهور آثاره كمنكر وجود الشمس إذا غيّبها السحاب عن الأبصار.
الرابع : أنّ الشمس قد تكون غيبتها في السحاب أصلح للعباد من ظهورها لهم بغير حجاب ، فذلك غيبته عليهالسلام أصلح لهم في تلك الأزمان ، فلذا غاب عنهم.
الخامس : أنّ الناظر إلى الشمس لا يمكنه النظر إليها بارزة عن السحاب ، وربّما عمي بالنظر إليها لضعف الباصرة عن الإحاطة بها ، فكذلك شمس ذاته المقدّسة ربّما يكون ظهوره أضرّ لبصائرهم ، ويكون سبباً لعماهم عن الحقّ ، وتحتمل بصائرهم الإيمان به في غيبته ، ينظر الإنسان إلى الشمس من تحت السحاب ولا يتضرّر بذلك.
السادس : أنّ الشمس قد تخرج من السحاب وينظر إليها واحد دون واحد دون واحد ، فكذلك يمكن أن يظهر عليهالسلام في أيّام غيبته لبعض الخلق دون البعض.
السابع : أنّهم عليهمالسلام في عموم النفع ، وإنّما لا ينتفع بهم كان أعمى كما فسّر به في الأخبار قوله تعالى : ( ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضلّ سبيلاً ) (6).
الثامن : أن الشمس كما الشمس كما أنّ شعاعها يدخل البيوت ، بقدر ما فيها من الروازن والشبابيك ، وبقدر ما يرتفع عنها من الموانع ، فكذلك الخلق أنّما ينتفعون بأنوار هدايتهم بقدر ما يرفعون الموانع عن حواسّهم ومشاعرهم التي هي روازن قلوبهم من الشهوات النفسانيّة ، والعلائق الجسمانيّة ، وبقدر ما يدفعون عن قلوبهم من الغواشي الكثيفة الهيولائيّة إلى أن ينتهي الأمر إلى حيث يكون بمنزلة من هو تحت السماء يحيط به شعاع الشمس من جميع جوانبه بغير حجاب.
فقد فتحت لك من هذه الجنّة الروحانيّة ثمانية أبواب ، ولقد فتح الله علَيَّ بفضله ثمانية اُخرى تضيق العبارة عن ذمرها ، عسى الله أن يفتح علينا وعليك في معرفتهم ألف باب ، يفتح من كلّ باب ألف باب ) (7).
__________________
(1) بحار الأنوار : ٥٢ / ٩٢ ، عن كمال الدين.
(2) أمالي الصدوق : ١٨٦. بحار الأنوار : ٥٢ / ٩٢.
(3) المائدة (٥) : ١٠١.
(4) الاحتجاج : ٢ / ٤٦٩. بحار الأنوار : ٥٢ / ٩٢.
(5) الأنفال (٨) : ٣٣.
(6) الإسراء ( ١٧ ) : ٧٢.
(7) بحارالأنوار : ٥٢ / ٩٣.
السؤال السادس عشر : ماهو وجه الانتفاع بالمهدي في زمن الغيبة؟
- الزيارات: 1343